Résumé de section

  • تعتمد الدراسة التاريخية على العديد من المصادر التي تساعد المؤرخ في دراسته ويعتمد عليها كسلم يرتقي من خلاله باحثا عن الحقيقة مستخدما ميكانيزمات وآليات يجندها بمنهجية علمية دقيقة تمكنه من إنتقاء الجيد من الضعيف، تتنوع المصادر التاريخية إلى مادية وغير مادية.


  • لا يمكن بأي حال من الأحوال الإستغناء عن المصادر التاريخية، فإذا كان التاريخ الحديث أو المعاصر يعتمد على الشهادات والوثائق فإن التاريخ أو حتى الوسيط يعتمد في دراسته على ما يسمى بالنقوش والحفريات والدراسات الأثرية، ذلك بأن النقوش المسجلة على جدران الكهوف في الطاسيلي أو الأهرامات وكل المخلفات أواني فخارية أو قبور أو أثاث جنائزي تعبر عن حقبة تاريخية معينة وترمز إلى منظومة إجتماعية وعقائدية سادت عند شعب من شعوب المنطقة محل الدراسة وبذلك تكون هذه المادة أرضية خصبة وموضوع دسم ومصدر أساسي للباحث.

    يهتم علم دراسة النقوش بدراسة تلك الرسومات والكتابات والنقوش على الأحجار والجدران والأشجار وتفسيرها بعلم آخر يسمى علم الكتابات على الأحجار -الباليوغرافيا- وهي وثائق ما قبل التاريخ أي قبل أن يعرف الإنسان الكتابة وبعد معرفته للكتابة حوالي 3200 قبل الميلاد إنتقل إلى عصر التدوين وعصر الوثائق المكتوبة فظهرت الوثائق البردية في مصر، فبالرغم من قيمتها العلمية إلا أنها لا تعطينا الحقيقة المطلقة بسبب الأخطاء الواردة فيها والميولات والأهواء الشخصية وكذا أسلوب كتابتها.

    كما تصنف المصكوكات والنقود أو ما يصطلح عليها بعلم النوميات كمصادر مادية أساسية ذلك بأن الأهمية الإقتصادية لمثل هذه المصادر لحركة التجارة والتبادل الإقتصادي لتلك الأمم والشعوب محل الدراسة كبيرة، فالمعلومات الواردة عن مثل هذه القطع النقدية تلخص لنا المجتمع من عدة جوانب كالمذهب، الديانة، اسم الدولة، مستواها الإقتصادي، فمثلا لو تناولنا الريال السعودي لوجدناه كالتالي: على الوجه الأول السنة الهجرية وقيمة العملة بالرقم العربي والأوروبي، والوجه الثاني اسم المملكة العربية السعودية واسم الملك، وفي الوسط سيفان متقاطعان، مادتها السبكة أو خلطة معدنية قوية بها نسبة من الفضة، فترجمة هذه المعلومات من الناحية التاريخية تمكننا من معرفة العديد من القيم الدينية، الحضارية، الاقتصادية، منها أن المملكة العربية السعودية دولة إسلامية إتخذت من السيف رمزا لها وقد يعني القوة، واتخذت من النخلة كشعار على أنها تحتل مكانة هامة في إقتصادها مما يجعلنا نخمن أنها تعتبر من الدول الأوائل في إنتاج التمور، فالريال حسن السبك خلطته المعدنية القوية قد تفوق قيمته الذاتية، كما أن استخدام التاريخ الهجري تاريخ رسمي للدولة على وجه العملة يوحي بمدى تمسكها بالهوية العربية والدين الإسلامي.


  • بالإضافة إلى المصادر المادية تحتاج الكتابة التاريخية إلى مصادر غير مادية ذلك بأن تطور حركة المجتمع والتغيرات التي عرفها الإنسان بشكل يومي ولا يزال إلى اليوم يعرفها غيرت مساره التاريخي وبالتالي تحددت من خلالها مصادر الدراسة، فإذا كان الإنسان في عصور غابرة كان يستعمل الكهوف للعيش والإحتماء داخلها، فينقش على جدرانها ما يختلج في نفسه من أفكار ومعتقدات، فأصبح يترجمها بعد ذلك على شكل تدوين بعد ظهور الكتابة، إلا أننا لا نستطيع الجزم أن الإنسان في ذلك الوقت أو حتى اليوم كان يدون كل أحداثه بتفاصيلها، فلسبب أو لآخر قد تسقط بعض الأحداث من التدوين، وقد يسقط التدوين كله في ظروف معينة كالحروب أو المجاعات، وبذلك نلجأ في مثل هذه الحالات إلى ما بقي عالقا في الذاكرة لنستقرئه، آخذين معنا ميكانيزمات العمل التاريخي ومنهجيته العلمية.

    لقد إعتمد القدامى في تدوين تاريخهم على الأسلوب القصصي والروايات الشفوية فإعتمد الإغريق على أشعار هوميروس كأول كتابة تاريخية إغريقية وتضمنت تمجيد الابطال والمعارك التي قاموا بها وكان ذلك في القرن التاسع قبل الميلاد ثم جاء بعد ذلك هيرودوت الذي إعتبر أن إرادة الإنسان هي التي تصنع التاريخ.

    يلجأ الباحث إلى الإستعانة بالتاريخ الشفوي لملأ الفراغ الموجود في المصادر المادية أو لتأكيد ما ورد في هذه المصادر، ومن ثم مقارنتها عن طريق ما يسمى بالتقاطع في المعلومة ليتأكد من صحتها، أو لأن المصادر المادية لم تتطرق إليها أصلا أو تطرقت بنوع من الغموض أو الحساسية التي من شأنها أن تؤثر سلبا على الكتابة التاريخية، فيلجأ الباحث إلى المقابلات والمناقشات بينه وبين المصدر المباشر، أو أشخاص لهم إتصال وثيق بالحادثة التاريخية أو عايشوها من قريب أو بعيد، وعن طريق المناقشة المباشرة مع المصدر والأسئلة الكتابية والشفوية التي يعدها الباحث تكون إجابات المصدر مسجلة على جهاز بالصوت والصورة ليكون التثبيت مؤكدا، إلا أنه لا يمكن حمل أي معلومة وردت في مصدر ما سواء كان مادي أو غيره على أنها الحقيقة الكاملة، حيث يلجأ الباحث بعد مرحلة الجمع إلى مرحلة الغربلة لينتقي الغث من السمين عن طريق منهجية علمية تاريخية محددة تمكن الباحث الإقتراب من الحقيقة التاريخية.


  • يقول ابن خلدون في شأن التاريخ: "فاعلم أن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الامم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياستهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومهم في أحوال الدين والدنيا".

    ويضيف في موضع اخر"فالتاريخ علم انساني لا يحتمل لغو الكلام ولا الإمعان في الخيال ولا طغيان زخرف القول على الحقيقة أو المعلومة ولأنه علم الانسان فلابد للباحث في مجاله امتلاك ناصية الكلمة أو حتى التعبير عن المشاعر الانسانية والبواعث البشرية تعبيرا صادقا، فاذا كانت أهمية التاريخ بهذه القيمة عند ابن خلدون فإن منهجية كتابته تكتسي قيمة اكبر منها ذلك بأنه إذا كان بمقدور أي كان ان يدون أحداثه او أحداث غيره فإن ناصية الكلمة التي وصفها ابن خلدون لا يمتلكها إلا المتخصص، ذلك بأن مهمته تزداد صعوبة وهو يحاول الاستفادة من مختلف المصادر التاريخية المتعلقة بموضوع بحثه مقدما عمله في شكل أكاديمي

  • 1-     مرحلة جمع المادة العلمية:

    تكون هذه المرحلة من خلال إلتزام الدقة في البحث مع اختيار الموضوعات المهمة الخادمة لموضوع البحث بطريقة علمية حديثة عن طريق جمع كل ما له علاقة بالموضوع من هذه المصادر، وأفضلها هي طريقة الجمع بالبطاقات الورقية ثم يكتب أسفل الورقة اسم المؤلف وعنوان المصدر، ورقم الجزء، ورقم الصفحة وعلى الباحث أن يقرأ السطور وما بين السطور، واذا كان له تعليق إو إضافة يكتبها على حافة الورقة لكي لا تختلط كتاباته مع كتابات اخرى لنفس المصدر الذي اقتبس منه ومن غير شك ينبغي عليه المفاضلة بين مختلف المعلومات التي جمعها فلا يتمسك الا بما يفيده ويخدم موضوعه.

    2-     مرحلة النقد:

    وذلك من خلال الفحص وانتقاء الجيد ثم تحقيقها وترتيبها وفق قواعد معينة، وذلك لأن المنهج التاريخي هو منهج نقد دائم وشك، كما يتعين على الباحث أن يتحرى مختلف النصوص التي بين يديه ويحدد العلاقة بينها وينقدها نقدا ظاهريا وباطنيا ويجتهد في عملية تنظيمها وترتيبها وتركيبها وإنشاء الصيغة التاريخية ثم عرضها عرضا تاريخيا معقولا، إن عملية النقد تتطلب جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن كتابة النص وهذا يتوقف على مدى تحري الحقيقة ومدى علاقة المادة التي تم جمعها بالاحداث التي كتب عنها الباحث، وهل هذه الاحداث من مصدر مباشرشاهدها المصدر نفسه او اشترك فيها ام انه سمع عنها فقط، وهل مضى وقت طويل بين وقوع الحدث نفسه وبين تدوينه، فالقدرة على البحث ونقد المصادر واستخلاص الحقائق وتنظيمها وتفسيرها وعرضها، كما تبنى المنهجية على بعد الباحث عن التحيز والأهواء ومطابقته للواقع قدر المستطاع فلا يتخذ اتجاها معينا يؤثر على توجهه في الكتابة التاريخية أو يجسد نوع من التفكير أو النزعات الانسانية .

    3-     مرحلة التحقيق:

    حيث يقدم الباحث هنا موقف الشك على اليقين ويقدم الاتهام على البراءة، فالباحث يصل إلى مجموعة من الاراء عن حوادث الزمن الماض وقد تطابق الواقع أو لا تطابقه ومن خلال مرحلة التحقيق يتم التمييز بين الروايات المكذوبة والروايات المشكوك فيها والروايات التي تحتمل الصدق.

    4-     مرحلة الاستنتاج:

    يقع على عاتق الباحث سد الفجوات والثغرات عن طريق الاستنتاج والاجتهاد وتبنى هذه العملية على تحليل الافكار وتركيبها.

    5-     مرحلة تحرير الموضوع:

    من خلال عرض العمل بأسلوب علمي أكاديمي أمام القارىء وللوصول الى هذه المرحلة على الباحث أن يختار ما يلزم فقط من المادة العلمية ويبدأ موضوعه بمقدمة قصيرة تتلاءم وطبيعة المادة المدروسة يوضح من خلالها منهج الدراسة مع مراعاة سلامة الاسلوب وسلاسة الأفكار وربط فصول الموضوع ببعضها.