المحور الثاني: شعر الصعاليك
الخطوط العريضة للقسم
-
-
لغة: ورد في لسان العرب لابن منظور أن" الصعلوك الفقير الذي لا مال له ولا اعتماد " فالصعلكة في مفهومها تعني الفقر، الذي دفع بالصعاليك إلى السلب والنهب، فإن كان الفقر هو سبب الصعلكة فإن مايميز الصعاليك عن غيرهم من الفقراء أنهم رفضوا أن يعيشوا عالة على غيرهم.
أما المفهوم الاصطلاحي " للصعلكة " فقد اُختلف في تحديده هناك من يرى أنها" التعبير عن التناقض الكامن في المجتمع العربي وتُنبِئ بتردي الواقع اجتماعيًا واقتصاديا وسياسيا إذ انقسم المجتمع إلى طبقات اجتماعية فضلا عن انقسامه إلى طبقتين اقتصاديتين طبقة تملك المال وهي المسيطرة، وأخرى فقيرة معدمة تعيش على هامش الحياة.
-
أ. فئة الخلعاء الشذاذ: وهم الذين طردتهم قبائلهم ونكرتهم وقطعت ما بينهم وبينها من صلة نتيجة ما اقترفوه من جرائر، مثل: " حاجز الأسدي، قيس ابن الحدادية ".
ب. طائفة الأغربة: وهم الذين سرى إليهم سواد البشرة من أمهاتهم الإماء، ولم يعترف بهم آباؤهم، بل نبذوهم لأن دمائهم خالطتها دماء السود من بينهم: " تأبط شرا، الشنفرى السليك بن سلكة ".
ت. طائفة الفقراء: وهم الذين تمردوا نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي مثل: "عروة بن الورد".
-
تعددت أسباب ظهورها دوافعها ومن أهمها:
أ. عدم وجود دولة جامعة: أي وجود رابطة قوية تسيطر على المجتمع، حتى يشعر أفراده بأنهم تحت سلطة أو قوة يخضعون لها وينقادون لأوامرها ونواهيها، فشاع التمرد والفساد.
ب. ظهور زعامات غير متزنة: والتي تمثلت في رؤساء القبائل والعشائر وهؤلاء الرؤساء لم يكن هناك قانون ينظم وصولهم للحكم، بل وصلوا من خلال صفات تعارفوا على وضع من يتحلى بها في الحكم والسيادة.
ت. عدم التوازن بين الفقر والغنى: الفقر هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى شيوع ظاهرة الصعلكة، فقد أتعب الفقر الصعاليك، فعبروا عنه وعن آثاره الجسدية والنفسية والاجتماعية.
ث. طبيعة الأرض والحياة: يغلب على أرض الجزيرة العربية الطابع الجبلي الصحراوي، فكانت بيئة قاسية مناخيًا وماديًا فأثرت طبيعة نفسيا في أبنائها، وغيرت طبائعهم فصاروا قساةً أشداء.
ج. عوامل فردية: وتتجلى من خلال الأسباب التي تتعلق بصعلوك دون غيره، فأبناء الإماء الذين سرى لهم سواد البشرة من أمهاتهم، وهؤلاء كانوا يعيشون شقاء قاسيًا، نتيجة أن نسبهم لم يكن عربيًا خالصًا، لا يعترف بهم ويعيشون حياة العبيد بكل ما تتميز به من ذلٍ وهوانٍ.
ح. الوراثة: تعد الوراثة عاملا مؤثرا في سلوك الانسان، فقد يتوارث العربي صفات حميدة وطبائع وتصرفات، فسلوك الصعلكة الذي ينبع من الحالة النفسية يعدُ موروثا، فقبيلة هذيل مثلا تشتهر بكثرة الصعاليك والخلعاء والغارات، وهي صفات لا تشاركها فيها قبائل تعيش ظروف الحياة نفسها كقبيلة هوزان.
الاستعداد والشّذوذ: ونقصد بالاستعداد قدرة الفرد الفطرية سواء النفسية أو الجسدية على اتباع سلوك الصعلكة، أما الشذوذ فهو تفرد فرد في صفة فطرية لا يتصف بها أفراد المجتمع، فيصبح شاذا عن بقية أفراد المجتمع، ويتضح الاستعداد الفطري في مضمون الصعلكة في الجور والظلم وأخذ حقوق الآخرين والسلب والنهب وقطع الطريق -
أ. العصر الجاهلي: : تأبّط شرا، الشنفرى السليك بن سلكة، عروة بن الورد، قيس بن منفذ السلولي، مالك خريم الهمذاني، صخر الغيّ الهذلي....
ب. العصر الإسلامي: مالك بن الريّب، بكر بن النّطاح، عبيد بن أيوب العنبري، أبو النشناش النهشلي...
ج. العصر الأموي: مالك بن الريّب، بكر بن النّطاح، عبيد بن أيوب العنبري، أبو النشناش النهشلي، يزيد بن الصقيل العقيلي، توبة بن الحمير، سعد بن ناشب المازلي... -
تعددت موضوعات شعر الصّعاليك التي صوّرت نمط حياتهم بتعدد صور الحياة آنذاك ومن بينها:
أ. أحاديث المغامرات: تدور حول الغزو والإغارة للسلب والنهب، والتي يفصل الشعراء في أحدثها، بداية من ذكر الخطة، مرورا بسرد أحداث الإغارة، سواء ما تعلق بالطريق التي سلكوه، ودور كل فرد من الرفاق الذين شاركوا في الغارة، وصولا إلى نهاية الغارة وما فعلوه بخصمهم، مفتخرين ومعجبين بما أنجزوه وببطولاتهم وقدرتهم على النجاة من أخطارها؛ لأنهم مؤمنون بقيمة هذه المغامرات.
ب. شعر المراقب: يروي الصعاليك تفاصيل تربصهم بضحاياهم في المراقب؛ حيث يترقبونهم من أعالي الجبال ليلا، وينتظرون اللحظة المناسبة لشن هجوم عليهم، وسلب ما يملكون؛ إذ يرون المارة وهم لا يرونهم، فالمراقب تحمي الصعاليك، خاصة أنهم يتربصون بضحاياهم في الظلام ليلا، حتى يسهل عليهم التخفي والهجوم.
ت. التوعد والتهديد : كان التوعد والتهديد من مواضيع شعر الصعاليك؛ فقد توعد الشنفرى بنو سلامان، ويتجلى ذلك في شعره؛ فقد هددهم بقتل مئة رجل منهم وغزوهم، وكان كثير الغارات عليهم، وكذلك عمرو ذو الكلب فيهدد أعدائه، وينذرهم بأنه لن يرحمهم إذا نال منهم، ويطلب منهم أن لا يشفقوا عليه إذا ظفروا به، كما كان يغير عليهم رفقة غيرهم من الصعاليك.
ث. وصف الأسلحة: لقد تحدث الصعاليك كثيرا في شعرهم عن أسلحتهم؛ فهي تمدهم بالقوة أثناء غزوهم، إلى جانب قوة قلوبهم وقوة أرجلهم عند عدوهم، ومن بين تلك الأسلحة: السيف، الرمح، القوس والسهام، وهي أسلحة يستعملها الصعاليك للهجوم على الأعداء، أما الأسلحة التي يدافعون بها عن أنفسهم فتتمثل في الدرع، الترس والمغفر، وهي تقريبا كل ما يملك الصعاليك في حياتهم، فيصفون هذه الأسلحة بدقة، ذاكرين كل أجزائها، وتفاصيلها؛ كشكلها، صوتها طريقة صنعها واستخدامها، وقيمتها لديهم، وما تفعله بأعدائهم.
ج. الحديث عن الرفاق: يتحدث الشعراء الصعاليك عن رفاقهم الذين يرافقونهم أثناء قيامهم بالغارات، والتفصيل في دور كل منهم، وهذا يبرز ضمير الجماعة الذي يوظفه الشعراء في شعرهم؛ إذ من خلاله يفصحون عما يقومون به رفقة رفاقهم أثناء خروجهم للغزو.
ح. أحاديث الفرار: يفتخر الشعراء الصعاليك بفوزهم على أعدائهم وانتصاراتهم في غزواتهم، لكنهم أيضا يتحدثون عن فرارهم وهروبهم، دون خجل من ذلك؛ لأنهم يعتبرون العدو سلاحا يحميهم من فتك الأعداء بهم، ويمنحهم فرصة أخرى لتحقيق مبتغاهم، كما أنّ سرعة العدو ميزة يفتخرون بها أيضا؛ لذلك يحرص الشعراء الصعاليك على الحديث والفخر بهذه الصفة التي تميزهم عن غيرهم.
خ. سرعة العدو: يُلحُ الشعراء الصعاليك أثناء سردهم لتفاصيل غاراتهم على الحديث عن سرعة عدوهم، ولعلّ سبب ذلك يعود إلى شعورهم بأنّ سرعة لعدو خاصية تميزهم عن غيرهم من البشر من جهة، بالإضافة إلى أنّ هذه الميزة كانت سبيلا لنجاتهم من المآزق، من جهة أخرى؛ ولذلك كان الشعراء الصعاليك يعبرون عن إعجابهم بسرعة عدوهم، ويفتخرون بها وبأنفسهم.
د. الغزوات على الخيل: يتحدث الشعراء الصعاليك عن غزواتهم على الخيل، وأحيانا يقرنون حديثهم عن هذه الغزوات بتلك التي يقومون بها على أقدامهم.
ذ. الآراء الاجتماعية والاقتصادية: كثيرا ما علل الشعراء الصعاليك الأسباب التي دفعتهم للقيام بتلك الغارات والغزوات وشن تلك الثورة على مجتمعهم، فذكروا في شعرهم تفسيرا لذلك؛ ولأنّ العوامل الاجتماعية والاقتصادية كانت الدافع الرئيسي لقيام تلك الثورة، ولذلك فقد تحدث الشعراء الصعاليك عن آرائهم الاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجتمع من ذلك مثلا حديثهم عن انقطاع الروابط بينهم وبين قبائلهم، فقد كان ذلك عاملا أساسيا في اتخاذهم نهج الصعلكة في حياتهم، بالإضافة إلى حديثهم عن فقرهم، وفصّلوا في أسبابه ونتائجه على أجسادهم ونفسيتهم وحياتهم، والوسائل التي يوظفونها للتخلص منه، وقوة دافعا قويا لتصعلكهم، وهي صفة اشترك فيها جميع الصعاليك.
ر. أحاديث التشرد: إنّ الحياة التي اختارها الصعاليك أساسها التمرد على المجتمع ونظامه، وكانت نتيجة ذلك تشرد أولئك الصعاليك في الصحراء، وتحدث الشعراء الصعاليك عن تشردهم، وافتخارهم باهتدائهم فيها دون مساعدة من غيرهم، وكانوا يفتخرون بذلك، وقد ألفتهم وحوش الصحراء، كما أنهم يتحدثون عن أماكن تشردهم، وأهوالها، وما يحيط بالطريق إليها من مخاوف، كما أشاروا أيضا إلى وحوش الصحراء وذكروا سبعة وعشرين نوعا منها، ووصفوا بعضها وصفا دقيقا.
-
سميّت كذلك؛ لأنّهَا يمكن أن تكون من مفاخر الأدب العربي، حيث تضم موضوعات متعددة تتمحور حول حياة الصعاليك، ومعاناتهم في فضاء الصحراء.
أبيات من " لامية العرب للشنفرى "حيث يقول:
أقيّمُوا بنِي أُمِّي صُدُورَ مطِيّكُـتم فإنّي إلى قومٍ سِـــــواكمْ لأميــــــــلُ
فقدْ حمتْ الحاجاتُ واللّيلُ مقْمِـرُ وشُدتْ لِطيّاتٍ مطَايَا وأَرْحُـــــــــلُ
وفي الأرضِ منْأَى للكريمِ عن الأذّى وفيها لمن خـــاف القِلــــــى متعزَّلُ
لعمرك ما في الأرضِ ضيقٌ على امرئٍ سرى راغبًا أو راهبًا وهو يعْقـلُ
ولي دونكم أهلــــــــون سيدٌ عملـــــسٌ وأرْقطُ زهلــــــولٌ وعرْفــــاءُ جيْـــألُ
هُمْ الأهلُ لا مستودعُ السرِّ ذائـــــــــــعٌ لديّهم ولاَ الجَانِي بمَا جَــــــــرّ يُخْــذَلُ
يفصح الشاعر عن عزمه عن الرحيل، وهجر الناس جميعا حتى أقربهم إليه، لأنه ضاق بهم، ولم يعد يحتمل كراهيتهم، ويمكنه أن يرحل بعيدا عنهم إلى مكان آخر، فالأرض، واسعة، وفي رحيله هذا تصريح بالاتجاه إلى الصعلكة؛ إذ قرر اعتزال الناس ومضى إلى فضاء الصحراء، واختار مجتمعًا غيرهم، وهم الوحوش ( الذئب، النمر، الضبع)، ثم يوازن بين مجتمع البشر ومجتمع الوحوش، ويقرُ أنّ الوحوش هم أهله الذين يفضلهم على البشر؛ إذ يملكون فضائل يفتقدها البشر، كتكمان السر وعدم الخذلان.
-
-
-
-
https://books4arab.me/%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%B4%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%87%D9%84%D9%8A%D9%8A%D9%86-pdf-%D9%84%D9%80/
-
اختبار تقييمي 2 إختبارمفتوح: الأحد، 10 نوفمبر 2024، 1:10 PMمغلق: الأربعاء، 20 نوفمبر 2024، 1:10 PM
-