الخطوط العريضة للقسم

  • على الرغم من تنوع شعوب وثقافات سكان حوض البحر الأبيض المتوسط، إلا أنه يمكن ملاحظة سمات مشتركة وتقارب مذهل بين هذه الشعوب. هذا التشابه ليس مقتصراً على الإنسان فحسب، بل يمتد ليشمل الطبيعة والعمارة وغيرها. في المستوى الطبيعي، نجد تشابهاً واضحاً بين أجزاء مختلفة من الأقاليم المتوسطية؛ فعلى سبيل المثال، غابات أشجار الزيتون في مدينة صفاقس التونسية أو في فاس ومكناس الإسبانيتين، وكذلك مزارع النخيل في منطقة إلتش بإقليم أليكانتي، تتشابه تماماً مع مثيلاتها في غرناطة أو في حقول النخيل في تونس والجزائر وسوريا.

    وعلى صعيد العمارة، فإن الكثير من الرحالة العرب وغير العرب الذين عبروا مياه هذا البحر لم يميزوا بين مختلف المدن لشدة تشابهها. كلما اقتربوا من مدينة متوسطية، كانوا يعثرون على نفس المشاهد: موانئ صغيرة مليئة بقوارب الصيادين، وبنايات مطلية باللون الأبيض، ذات ارتفاعات متوسطة أو منخفضة، تواجدت في الجزر اليونانية، قبرص، الشواطئ الجزائرية والإيطالية.

    كما أن ملامح شخصية الإنسان المتوسطي تشكلت عبر القرون، حيث اندمجت فيه عناصر من مختلف الثقافات. الفينيقيون، وهم شعب سامي استوطنوا لبنان حوالي 3000 قبل الميلاد، استطاعوا توسيع نفوذهم التجاري حتى وصلت في بعض الأحيان إلى حماة ودمشق وأسسوا على شواطئ المتوسط المصارف والمتاجر. كذلك، أنشأوا مدينة قرطاجة سنة 814 قبل الميلاد، وبلغوا مناطق مثل شبه الجزيرة الإيبرية بحثاً عن الفضة والقصدير، وتعلمت شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط منهم التجارة والصناعة.

    ومما يُلاحظ أيضاً أن حروف العديد من لغات العالم القديم تعود جذورها إلى الحروف الفينيقية، وقد اكتشف الفينيقيون أيضاً صناعة الزجاج، التي تعلمها باقي شعوب المنطقة