Section outline

  • يُعدّ التقويم التربوي عملية محورية في النظام التعليمي، فهو لا يقتصر على قياس تحصيل المتعلمين فحسب، بل يُستخدم لتشخيص صعوباتهم، وتوجيه العملية التعليمية، وضمان تحقيق الأهداف التربوية بكفاءة وفعالية. غير أن هذه العملية، التي يفترض أن تتسم بالموضوعية والعدالة، قد تتأثر بجملة من الأخطاء الشائعة التي تؤدي إلى تشويه نتائج التقويم وفقدان مصداقيته. ومن هنا، فإنّ الوقوف على هذه الأخطاء وتحليلها يعد أمرًا ضروريًا لكل من يهتم بالشأن التربوي.

    تتعدد الأخطاء الشائعة في التقويم التربوي، ويمكن تصنيفها إلى أربعة أنواع رئيسية: أخطاء ناتجة عن سلوك المعلم، وأخطاء في أدوات التقويم، وأخطاء إجرائية، وأخطاء في التصحيح وإعطاء العلامات. فمن جهة المعلم، نجد أخطاء مثل التحيّز الشخصي نحو بعض الطلبة، وخطأ الهالة الذي يجعل المقوِّم يمنح علامة عالية لطالب متفوق في مادة أخرى دون أن يتحقق من إجاباته، بالإضافة إلى التشدد أو التساهل غير المبرر في التصحيح، والمقارنة بين الطلبة بدلًا من اعتماد معايير محددة. أما من حيث أدوات التقويم، فقد تتجلى الأخطاء في صياغة أسئلة غير واضحة، أو التركيز على جانب واحد من جوانب التعلم مثل الحفظ فقط، أو تجاهل الفروقات الفردية في مستوى الطلبة.

    كما تظهر أخطاء أخرى تتعلق بتنظيم وإجراء عملية التقويم، مثل توقيت غير مناسب للاختبار، أو عدم توفير بيئة مناسبة للتركيز، أو إعطاء تعليمات غامضة تربك المتعلمين. وتُستكمل هذه السلسلة بأخطاء في عملية التصحيح، كغياب سلم واضح للتنقيط، والتناقض في منح العلامات، وتغليب الشكل على المضمون عند تقييم الإجابات. تؤدي هذه الأخطاء مجتمعة إلى نتائج غير دقيقة حول مستوى الطالب الحقيقي، مما ينعكس سلبًا على مساره الدراسي، ويُفقده الثقة بالنفس، ويُضعف العلاقة بينه وبين المؤسسة التربوية، وقد يؤدي إلى قرارات تعليمية غير عادلة كالإعادة أو الرسوب أو التوجيه الخاطئ.

    وللحد من هذه الأخطاء، ينبغي تبني مجموعة من الإجراءات التصحيحية، في مقدمتها تكوين المعلمين وتدريبهم على مهارات إعداد أدوات التقويم، والتصحيح الموضوعي، وتجنب التحيزات الشخصية. كما يجب أن يكون التقويم متنوعًا يشمل اختبارات تحريرية وشفوية، وملاحظات صفية، ومهام تطبيقية، مع مراعاة الأهداف التعليمية والفروقات الفردية بين المتعلمين. إضافة إلى ذلك، فإن توفير بيئة ملائمة أثناء التقويم، وتوضيح التعليمات، واعتماد آليات مراجعة جماعية للتصحيح، كلها خطوات مهمة لتعزيز دقة وعدالة التقويم

     

    في هذا السياق، يصبح التقويم التربوي أداة فعالة لتحسين جودة التعليم متى ما تم بناؤه وتطبيقه بشكل علمي ومدروس، بعيدًا عن الانطباعات الشخصية أو الممارسات العشوائية. فهو ليس مجرد وسيلة للحكم على الطالب بالنجاح أو الرسوب، بل عملية تربوية شاملة تهدف إلى دعم التعلم، وتوجيه المعلمين، وتطوير المناهج. إنّ وعي المعلم بالأخطاء الشائعة التي قد يقع فيها، وقدرته على تجنبها، يعكس نضجه المهني والتربوي، ويساهم في ترسيخ العدالة التربوية داخل القسم، كما يُعزز من مصداقية المؤسسة التعليمية أمام الطالب والمجتمع.

    وختامًا، فإنّ تقويمًا سليمًا وعادلًا هو ذاك الذي يُراعي تنوع قدرات المتعلمين، ويتسم بالوضوح، والموضوعية، والتدرج المنهجي، ويُسهم في بناء بيئة تعليمية محفّزة ومشجعة على التعلم. لذا يجب أن يُنظر إلى الأخطاء الشائعة في التقويم التربوي لا كعقبات حتمية، بل كفرص للتطوير المهني والتربوي المستمر، من خلال مراجعة الممارسات، والانفتاح على أساليب جديدة في التقييم، والاستفادة من البحوث التربوية في هذا المجال.