المحاضرة 7 : تقويم الأداء في التعليم عن بُعد والتعليم الرقمي
Section outline
-
يُعد تقويم الأداء في التعليم عن بُعد والتعليم الرقمي من التحديات الحديثة التي فرضتها التحولات التكنولوجية المتسارعة في مجال التعليم. ففي ظل الاعتماد المتزايد على المنصات الإلكترونية والتطبيقات الرقمية، لم يعد التقويم يقتصر على الأساليب التقليدية المرتبطة بالتعليم الحضوري، بل أصبح من الضروري تطوير آليات جديدة تأخذ بعين الاعتبار طبيعة البيئة الرقمية، وأنماط التفاعل بين الطالب والمعلّم، وكذلك خصوصية المحتوى الرقمي. هذا ما يفرض إعادة النظر في مفاهيم الجودة، ومعايير التقييم، وأدوات جمع البيانات الخاصة بأداء المتعلم في هذا السياق الجديد.
يختلف تقويم الأداء في التعليم عن بعد عن نظيره في التعليم التقليدي من حيث المنهجية والأدوات والمعايير. ففي حين يرتكز التعليم الحضوري على الملاحظة المباشرة والمشاركة الصفية، يعتمد التعليم الرقمي على التفاعل غير المباشر، وتسجيل البيانات، واستخدام البرمجيات التي تتابع تقدم الطلبة بشكل آلي. لذا، فإن أدوات التقويم أصبحت متنوعة، وتشمل الواجبات الإلكترونية، الاختبارات عبر الإنترنت، التقييم الذاتي، تقويم الأقران، والأنشطة التفاعلية مثل المنتديات والمشاريع الجماعية الرقمية. هذا التنوع يُمكّن الأستاذ من جمع معلومات أعمق عن مدى استيعاب الطالب، لكنه يتطلب كذلك كفاءة رقمية عالية.
من جهة أخرى، يواجه تقويم الأداء الرقمي عددًا من التحديات، أبرزها ضعف المصداقية الأكاديمية في بعض الحالات، وصعوبة التحقق من هوية الطالب أثناء الاختبارات، بالإضافة إلى الفجوة الرقمية بين الطلبة من حيث الإمكانيات والمهارات. كما أن غياب التفاعل الوجاهي قد يؤثر سلبًا على دقة الحكم على أداء الطالب، خاصة في الجوانب المتعلقة بالاتصال الشفهي، والسلوك التعاوني، والمشاركة الفعلية. لذلك، يُطرح سؤال جوهري حول مدى عدالة وموضوعية التقويم في هذا السياق، وما إذا كانت المعايير المستخدمة تراعي الفروق الفردية والبيئية بين المتعلمين.
في المقابل، تتيح البيئة الرقمية إمكانيات واسعة لتحسين جودة التقويم، إذا ما تم استغلالها بشكل سليم. إذ يمكن عبر التحليلات الرقمية (Learning Analytics) تتبع تقدم كل طالب بشكل مفصّل، ومعرفة نقاط الضعف والقوة لديه، وتوفير تغذية راجعة فورية، مما يُعزز من فاعلية التعلم الذاتي. كما تُمكّن أدوات التقييم المستمر من مراقبة الأداء بشكل دوري، وليس فقط عبر اختبار نهائي، وهو ما يتماشى مع فلسفة التقويم التكويني. وتعد المرونة في الوقت والمكان أحد أبرز مزايا التقويم الرقمي، حيث يستطيع الطالب أداء المهام متى يشاء، ما يخفف من الضغط النفسي
تتطلب فعالية تقويم الأداء في التعليم الرقمي توفر مجموعة من الشروط الأساسية، منها وضوح الأهداف التعليمية، وتنوع أساليب التقويم بما يناسب المهارات والمعارف المطلوبة، واعتماد معايير تقييم دقيقة وشفافة يمكن مشاركتها مع الطلبة منذ بداية المسار التعليمي. كما ينبغي أن يُرفق التقويم بتغذية راجعة فورية وموجهة، تساعد الطالب على تصحيح أخطائه وتحسين مستواه بشكل مستمر. ومن الضروري كذلك أن يتم تدريب الأساتذة على استخدام أدوات التقويم الرقمي وتطوير كفاءاتهم في تصميم الأنشطة التفاعلية ومتابعة الأداء إلكترونيًا.
إن العلاقة بين التعليم الرقمي والتقويم علاقة تكاملية؛ فكما أن التعليم الرقمي يغير طبيعة التعلم، فإن التقويم الرقمي يعيد تعريف مفهوم "الأداء" ذاته، إذ لم يعد الأداء محصورًا في الامتحان الكتابي، بل يشمل إنتاج الوسائط الرقمية، والمشاركة في المنتديات التعليمية، وتقديم المشاريع المشتركة، وحل المشكلات بطريقة إبداعية. كل هذه المؤشرات تشكل معًا صورة شاملة لأداء الطالب في البيئة الرقمية، وتحتاج إلى تقويم شامل يجمع بين الكمي والنوعي، وبين الآلي والبشري، وبين الفردي والجماعي.
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن تقويم الأداء في التعليم عن بُعد والتعليم الرقمي يشكّل خطوة أساسية نحو بناء منظومة تعليمية أكثر عدالة ومرونة وكفاءة، بشرط أن يتم توجيهه وفق فلسفة تربوية واضحة، تضع المتعلم في قلب العملية، وتستخدم التكنولوجيا كوسيلة وليس كغاية. كما يتطلب ذلك وضع سياسات تربوية جديدة تُنظّم التقويم الرقمي، وتضمن مصداقيته، وتحفّز الابتكار فيه، بدلًا من نسخه من النماذج التقليدية.
وأخيرًا، فإن نجاح تقويم الأداء في البيئة الرقمية لا يتحقق فقط بالأدوات والمنصات، بل بوجود رؤية تربوية شاملة، تدمج بين العنصر البشري والتقني، وتراعي العدالة التربوية، وتُشرك الطالب في تقويم ذاته، وتُحفّزه على التعلم المستمر. ومن هنا، فإن تطوير التقويم الرقمي يجب أن يكون من أولويات مؤسسات التعليم العالي، خاصة في التخصصات المرتبطة بسوسيولوجيا التربية، لأن جودة التقويم تعني بالضرورة جودة المخرجات التعليمية.
-
لطلبة الماستر 1 علم الاجتماع التربية