Topic outline

  • برنامج محاضرات مقياس الفلسفة السياسية


    1.    مدخل مفاهيمي:

    -   تعريف السياسة.

    -   موضوع الفلسفة السياسية.

    منهج الفلسفة السياسية.

    2.    الفكر السياسي الشرقي (كونفوشيوس)

    3.    الفلسفة السياسية في اليونان:

    -   المدرسة السفسطائية.

    -   المدينة الفاضلة عند أفلاطون.

    -   الدولة والسياسة عند أرسطو.

    4.    الفكر السياسي الروماني (شيشرون)

    5.    الفكر السياسي المسيحي (القديس أوغسطين)

    6.    الفكر السياسي في الإسلام.

    7.    الفكر السياسي الحديث:

    -    نظريات العقد الاجتماعي.

    -    الفلسفة السياسية عند هيجل.

    -    الفلسفة السياسية عند ماركس.

    8.    قضايا الفلسفة السياسية المعاصرة:

    -    الدولة والأمة.

    -    أنظمة الحكم.

    -    القانون وحقوق الأفراد.

    -   المواطنة والعولمة.

    -    الحرب والسلم.


    • المحاضرة 01: مدخل مفاهيمي

      مدخل مفاهيمي

      1.    مصدر ومعاني كلمة سياسة:

      إن كلمة سياسة هي ترجمة لكلمة politique  في اللغة الفرنسية أو politics في اللغة الإنجليزية ، ومردها إلى الكلمة اليونانية polis أي الحاضرةla cité، وهي تعني اجتماع المواطنين الذين يكونون المدينة، والكلام على الحاضرة يستدعي إعطاء تحديد واضح لما كانت تعنيه هذه الكلمة عند اليونان القدماء.

      في اللغة العربية، غالبا ما تعتبر كلمة حاضرة cité مرادفة لكلمة مدينة، ولكن في اليونانية كان هناك فارق كبير بين الحاضرة والمدينة، فهذه الأخيرة كانت تحمل معنى ماديا، كونها مجموعة الأبنية والشوارع والساحات، بينما الحاضرة على عكس المدينة، فلم يكن لها مفهوم مادي إنما إنساني وحقوقي، فهي مجموعة المواطنين القاطنين في المدينة، ولكن من هم المواطنون في اليونان القديمة ؟

      لم يكن كل انسان يسكن المدينة مواطنا ، فالنساء لم تكن لهن حقوق، لذلك لم تشمل المواطنة الرجال والنساء على حد سواء، إنما اقتصرت على الرجال، وليس كل الرجال؛ فقط أولئك الذين يتمتعون بوضع حقوقي ممنوح لهم من الحاضرة، ويخولهم حق المشاركة في الحياة السياسية وتولي المناصب الإدارية والسياسية، وهذا يعني عمليا أن الحاضرة هي مجموعة العلاقات المنظمة القائمة بين الأشخاص الذين يتمتعون بصفة المواطنة.

      هذا المفهوم للحاضرة، ارتبط بمفهوم " المدينة – الدولة " الذي كان سائدا في اليونان القديمة ؛ إذ كانت المدينة وملحقاتها تؤلف دولة لها مقومات الدولة العادية، أي الأرض والشعب والسلطة الممارسة على الشعب الذي يعيش على هذه الأرض، فالإنسان القديم ، كما يعرفة أرسطو ، يبدو " كحيوان مدني  animal civique وليس " كحيوان اجتماعي animal social  ؛ لأن الحيوان يمكن أن يكون اجتماعيا بمعنى أنه يعيش ضمن جماعة أو قطعان، أما الإنسان فهو وحدة سياسي، إذ أنه يعيش في التنظيم الجماعي الذي يشكل الحاضرة " البوليس " التي هي بالنسبة له ضرورة طبيعية ومثال أخلاقي ، على حد تعبير مارسيل بريلو M.Prelot.

      أما في اللاتينية، فقد حلت كلمة Respublica مكان الحاضرة، وقد أصبحت فيما بعد مرادفة للدولة، وفي الفرنسية ظهرت كلمة سياسة politique بمعناها اليوناني، منذ مطلع القرن الثالث عشر، فقد عرف برينوتو لاتيني السياسة بأنها: " حكم الحواضر "، وهي أنبل العلوم وأسماها، وهي أنبل الوظائف على الأرض.... "، وقد تطور إستعمال كلمة سياسة فعرفها معجم الأكاديمية بما يلي: politique ( اسم مؤنث ) " هي معرفة كل ما له علاقة بفن حكم الدولة وبإدارة علاقاتها الخارجية ، وهي تعني أيضا الشؤون العامة، والأحداث السياسية ، والتحدث بالسياسة، والسياسة الداخلية، والسياسة كصفة هي ما له علاقة بالشؤون العامة، وحكم الدولة ، والعلاقات المتبادلة بين الدول، والقانون السياسي هو مجموعة القوانين التي تنظم أشكال الحكومة وتحدد العلاقات بين السلطة والمواطنين أو الرعايا ".

      2.  الفلسفة السياسية:

      لتعريف الفلسفة السياسية فلا بد من تعريف الفلسفة أولا، تعني الفلسفة – بأوسع معانيها – حب الحكمة، أو حب البحث عن الحكمة، وتقصي جذور الحقائق العليا، وطبيعتها، والعلاقات التي تربطها بعضها ببعض، وذلك بإثارة الأسئلة الكبرى في شأنها، وإعمال العقل في محاولة الإجابة عن تلك الأسئلة.

      وبتعريف أدق فالفلسفة هي : " البحث النظري في العلاقات المنطقية التي تربط الأفكار المستخدمة في فهم أجزاء الحقيقة  "، فهي خلال البحث النظري تتولد في ذهن الفيلسوف مجموعة من الأفكار الكلية والنظرات القيمية المعيارية .

      أما الفلسفة السياسية، فهي ذلك الفرع من فروع الفلسفة الذي يركز بحثه حول اكتشاف الحكمة والحقيقة المتعلقة بالمبادئ الأصولية للحياة السياسية، ومعرفة علاقات هذه المبادئ بعضها ببعض، وعلاقات المبادئ الأساسية بمبادئ الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وبتعريف أكثر دقة يقدمه لنا العالم السياسي الهندي فارما، فهي تعني: " توليد وتركيب الآراء ، والمعلومات، والتأملات ، والبديهيات ، والافتراضات ، والقواعد، والتعميمات المتصلة بتوزيع واستخدام القوة في المجتمع ".


      • المحاضرة 02: الفكر السياسي الشرقي القديم

        الفكر السياسي الشرقي القديم

        1.    الفكر السياسي الصيني:

        عرفت الحضارة الصينية فكرا ذو صبغة عملية لم يهتم بالمسائل الميتافيزيقية، بل تناول فلسفة ارشادية ، أخلاقية، تربوية، وسياسية تمس جوهر المجتمع، وعلى هذا الأساس، نجد ثلاث سمات أساسية للفكر الصيني:

        -       العلمانية: بمعنى تحييد الجانب الديني عن دراسة الظواهر الاجتماعية والسياسية.

        -       الاكتفاء الذاتي: يوضح ما مدى تأثر الصينيين بثقافتهم وتقاليدهم.

        -       العملية: ما يميز الفكر الصيني أنه فكر عملي أكثر منه تجريدي من خلال تناوله لأفكار سياسية واجتماعية وثقافية واقعية.

        وقد جاءت أفكار الفيلسوف كونفشيوس تحمل هذه المعاني السياسية والتربوية والأخلاقية بحيث دعا الحكام إلى احترام حقوق الناس وتحقيق مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية كتوفير المياه وغيرها، إلى جانب دعوته إلى الاعتماد على أساليب الاقناع والحوار في الممارسة السياسية، كما شدد على رقابة السلطة ويعتبرها ركيزة أساسية لممارسة الحكم، وإذا كان لا يرفض فكرة السند والتفويض الإلهي للسلطة إلا أنه يرى أن السلطة تغدوا أعمالها باطلة إذا لم تمتثل إلى مبدأ الحق والعدل، وعليه فقد دعا الحكام إلى توفير ثلاث أسس للحياة السياسية والاجتماعية : تقوية الجيش- بناء اقتصاد قوي – والسعي لاكتساب ثقة الشعب.

        2.    الفكر السياسي الهندي:

        عرفت الحضارة الهندية فكرا سياسيا متنوعا ومتعددا جوهره التعدد الديني بسبب تعدد الأجناس والأقاليم، وأهم ما يميز الفكر السياسي الهندي، وجود فلسفتين أو ديانتين هما البراهمية والبوذية.

        أ‌.       البراهمية:

        ظهرت في القرن السابع قبل الميلاد، ونسبت إلى براهما الذي يمثل القوة العظمى الكامنة، والمجتمع البراهمي هو مجتمع طبقي ينقسم إلى أربع طبقات:

        -       طبقة البراهمة ( يشتغلون بالعلم والدين ويحتلون المكانة الأسمى في النظام الاجتماعي والسياسي ).

        -       القضاة العسكريون والحكام والملوك.

        -       المزارعون والتجار.

        -       العبيد والخدم.

        تناولت الفلسفة البراهمية أفكارا سياسية تشمل العقاب السياسي الذي ينطلق من مسلمة أساسية هي أن الانسان سيء من حيث طبيعته، ولذلك يجب ردعه بمجموعة من القوانين العقابية ، وعليه يجب تأسيس سلطة سياسية تنفذ هذه القوانين ، ويرأس هذه السلطة ملك يحمل صفات الأولهية، والفلسفة البراهمية ترفض العنف ولا تلجئ إليه إلا عند الضرورة.

        ب‌.  البوذية:

        نسبة إلى بوذا بمعنى العارف المتيقظ والعالم المتنور. تقوم الفلسفة أو الديانة البوذية على الابتعاد عن الغنى وترفض الفوارق الطبقية، ولذلك دعت إلى المساواة بين جميع فئات المجتمع، وقد ركزت على الجانب الأخلاقي كأفكار أساسية في المجتمع، لذلك تدعوا إلى إصلاح النفس ومحبة الأخرين والمساواة بين الجميع.

        عموما يتميز الفكر السياسي الهندي بأنه فكر أساسه الدين والأخلاق، ومن أهم فلاسفة الهند نجد الفيلسوف كوتيليا الذي دعا الحكام إلى تبمي سياسة هدفها الاستقرار والأمن وضرورة وجود مشاركة شعبية كأسلوب رقابة على عمل الحكومات.

        وقد عبر عن فلسفته في كتابه المشهور ارتاكسترا Arthacustra  الذي بين فيه نظريته المتكاملة حول السيادة القائمة على مفاهيم عقلانية دنيوية بعيدة عن الأمور الأخلاقية، كما يدعوا فيه الحكام إلى تبني أسلوب عمل يحوي الشؤون الاقتصادية باعتبارها السند الأساسي للشؤون السياسية.


        • االمحاضرة 03: الفكر السياسي الغربي

          الفكر السياسي اليوناني:

          تعد الحضارة اليونانية القديمة أول من قدم الفكر السياسي بصورة علمية مستقلة، فقد بدأت الأفكار السياسية في تصوير طبيعة العلاقات الإنسانية في دولة المدينة، وركزت على الأسس الأخلاقية للحكم، فاهتمت بالقيم السياسية كالعدالة والحرية ونوعية الحكم والمشاركة السياسية والمواطنة، فقد امتازت دولة المدينة بالحكم الديمقراطي عكس أسبرطة التي غلب عليها الحكم الارستقراطي، لذلك فدولة المدينة (أثينا) كانت بمثابة المركز الحضاري الذي نشأت فيه المفكرون والفلاسفة اليونانيون الذين أثروا الحضارة الإنسانية بأفكارهم ونظرياتهم، فهي عبارة عن نظام لنموذج مصغر لكيان قانوني يطلق عليه الدولة .

          أولا: التنظيم الاجتماعي:

          ساد المجتمع الأثيني تنظيما طبقيا معينا، قد قسم إلى ثلاث طبقات:

          -       طبقة المواطنون: كان الأثينيون يتمتعون وحدهم بحق المواطنة التي تمنح لهم جميع الحقوق المدنية والسياسية.

          -       طبقة الأجانب: لم يكن لهم حق اكتساب المواطنة ولا حق ممارسة أي نشاط سياسي، رغم أنهم كانوا أحرار.

          -       طبقة العبيد: فهي محرومة من ممارسة أي دور سياسي، وهي عبارة عن أموال منقولة خاضعين لرغبة الأسياد.

          ثانيا: التنظيم السياسي:

          إن النظام الديمقراطي الذي ميز أثينا، يعتبر من أهم الأنظمة التي أنشأتها الحضارات القديمة، إذ مازال ساري المفعول إلى يومنا هذا مع تغيير بعض القواعد نتيجة التطورات التي ظهرت عليه، ويحكم هذا النظام مبدآن أساسيان:

          -       المبدأ الأول: المساواة أمام القانون، فالجميع خاضع لقواعد نفس القانون، والشعب هو الذي يسن القوانين.

          -       المبدأ الثاني: الحرية، كل المواطنين من حقهم العيش أحرارا وأخيارا بكل استقلالية، ومن هنا تجلى نظام الديمقراطية الاثينية في توزيع السلطات التي يتولاها الشعب بنفسه.

          ويقوم النظام السياسي في دولة المدينة على ثلاث مؤسسات رئيسية، تتولى تصريف شؤون الدولة، وهي :

          -       الجمعية العمومية: تتكون من جميع المواطنين، أي الرجال البالغين من العمر 18 سنة، ذي أصل أثيني وغير محرومين من حق المواطنة، وقد كانت لها صلاحيات واسعة ومتعددة:

          -    من الناحية السياسية والإدارية: كانت تقرر في شؤون السلم والحرب، وتعيين السفراء واستقبالهم، وإبرام المعاهدات، ومراقبة المالية، والتصويت على القوانين المتعلقة بالمالية، وتعيين الحكام ومراقبتهم، إذ كان عليهم تقديم أعمالهم عشر مرات خلال السنة لتقييمها، ويصوت أعضاء الجمعية بالثقة، وعدم الثقة، وهو ما يعني عزل الحاكم في حالة سحب الثقة منه.

          -    من الناحية التشريعية: تصوت الجمعية على القوانين بعد اقتراحها ودراستها من طرف المجلس النيابي.

          -    من الناحية القضائية: تملك صلاحيات محددة تتعلق بالمسائل الخطيرة التي تمس أمن الدولة.

          -       المجلس النيابي: يتكون من 500 عضو يتجاوز عمرهم 30 سنة، إذ تعين كل قبيلة من القبائل العشرة الموجودة في أثينا 50 عضوا من رجالها عن طريق القرعة، وكانت له عدة صلاحيات من أهمها:

          -    دراسة المشروعات المقترحة من طرف الجمعية قبل التصويت عليها.

          -     في حالة الأزمة يتولى المجلس جميع السلطات.

          -    في حالة السلم فكان يتقاسمها مع بقية الهيئات الأخرى.

          -    تحضير القرارات والاعمال التشريعية وارسالها الى الجمعية العمومية.

          -    ممارسة بعض الأعمال الإدارية كرقابة الموظفين.

          -    الاهتمام بالسياسة الخارجية واستدعاء الجمعية عند اتخاذ قرارات أساسية.

          -       المحاكم: تتألف من 6000 عضو ينتخبون لمدة عام، تهتم بالمسائل المدنية والجنائية، من صلاحياتها:

          -    فحص ملفات القضاة قبل تعيينهم في مناصب عملهم.

          -   تقييم أعمال القضاة بعد انتهاء تعيينهم ومحاسبتهم.

          -   مراجعة الحسابات المالية التي كانت تحت تصرف كل قاضي.

          ثالثا: المفكرون اليونانيون:

          1.    سقراط: ولدت أفكاره النزعة المثالية في الفكر السياسي، اشتهر بفكرة أساسية مفادها أن الفضيلة هي المعرفة، كما اشتهر بمحاورته لجماعة السفسطائيين.

          2.    أفلاطون: اعتبر أن السياسة فن الحكم، وهي من اختصاص الملوك الفلاسفة، وليس الأفراد العاديين، وهو ما عبر عنه في كتاباته، حيث دعا في مؤلف الجمهورية بأن تخضع جميع الأمور في الدولة لشخص الحاكم الفيلسوف، وقد كان ينظر للحاكم كوصية من المحكومين لأنه لم يتصور الحكم إلا على أنه حكم مطلق، أما في كتابه السياسي، فقد سعى إلى التمييز بين الحاكم المثالي الفيلسوف، وبين رجل الدولة السياسي، وتوصل إلى ضرورة وجود نظام حكم مثالي لأفراد ليسوا أنفسهم مثاليين، ولذلك اقترح نظاما يقوم على القانون لمجابهة الحياة الواقعية، وقد قسم أفلاطون المجتمع إلى ثلاث طبقات: طبقة الحكام الفلاسفة، طبقة المحاربين، طبقة المزارعين والتجار، بينما توصل إلى تصنيف نظام الحكم إلى ستة أنواع: الحكم الفردي المطلق، الحكم المطلق الدستوري ، الحكم الأوليغارشي، الحكم الديمقراطي، الحكم الفوضوي، الحكم الاستبدادي.

          3.    أرسطو: لم تعد السياسة عند أرسطو فكرا بحتا مجردا، بل أضاف للفكر المجرد التجربة، بمعنى يجعلها فكرا مرتبطا بمنهاج واقعي تجريبي، يعتمد على الملاحظة، ويستدل بالتجربة التاريخية، وبالظروف السياسية والاجتماعية القائمة، ثم يستعين بكل المعطيات العقلية والواقعية لمعالجة الظواهر السياسية. ناقش أرسطو 3 أنواع من الحكم:

          -   الحكم الملكي الذي يرى أنه عبارة عن حكومة الفرد، وهي قادرة على تحقيق أمال المواطنين بسرعة نظرا للتحكم في القرار السياسي وسرعة تنفيذه، لكن بالمقابل يرى أن عيبها هو سرعة تحولها إلى حكم استبدادي.

          -   الحكم الارستقراطي: وهو حكم أقلية قليلة تحتكر السلطة، وميزتها أنها الفئة المؤهلة علميا لقيادة الحكم، إلا أن أفرادها يحاولون دائما الاستئثار بالسلطة، والثروة، ويتجاهلون المطالب الشعبية، ولهذا يتحول الحكم الارستقراطي إلى حكم أوليغارشي.

          الحكم الديمقراطي: هو حكم الأغلبية، ويعتبر من الأنظمة البناءة لأنه يمنح الأفراد فرصا متساوية، غير أن الديمقراطية تخلق الفوضى أحيانا، وينجم عنها تدهور الوضع السياسي، وعليه فإن أرسطو يفضل الحكم الديمقراطي القائم على الدستور الذي تحدد فيه صلاحيات الحكومة، ويبين فيه حق المواطنين.

           الفكر السياسي الروماني:

          تطور الفكر السياسي الروماني من الناحية القانونية نتيجة بروز مفكرين ومشرعين بارعين وفقهاء قانونيين من أمثال سينكا وشيشرون، وهو ما يرجع الفضل للرومان في اعتبار القانون علما قائما بذاته، فقد نجحوا في التفريق بينه وبين قواعد الدين، الفلسفة والأخلاق، فهو وإن كان يتأثر بها فإنه يختلف عنها لا محالة من حيث طبيعة قواعده ومجال تطبيقه، وطريقة دراسته، لذلك قيل عن الرومان بأنهم خلقوا ليحملوا رسالة القانون إلى العالم.

          أولا: نظام الحكم: عرفت روما 3 أنواع من الحكم: ملكي – جمهوري – امبراطوري.

          1.    الحكم الملكي: تأسست روما على يد الملك رومولوس، والتي تحمل اسمه، وقد قام هذا الحكم على ثلاث هيئات سياسية: الملك- مجلس الشيوخ- مجلس الشعب.

          -         الملك: لم يكن الملك ينتخب بواسطة الهيئتين، ولم يكن يتولى منصبه عن طريق الوراثة، بل يتم اختياره عن طريق سلفه، وان لم يكن هذا يتم تعيينه من طرف وسيط ينتخب من قبل مجلس الشيوخ، وكان الملك يتمتع بسلطات غير محدودة.

          -       مجلس الشيوخ: كانت له الصفة الاستشارية ويقوم بانتخاب وسيط الملك.

          -       مجلس الشعب: كان له ابداء الرأي بالموافقة أو الرفض دون أن يكون له حق التعديل أو الاقتراح.

          ونتيجة للسياسة التعسفية للملوك، تغير النظام وتأسست الجمهورية.

          2.    الحكم الجمهوري: تميز بالتوسع الجغرافي وبالتطور القانوني، ويتكون نظام الحكم من الهيئات التالية:

          -       الحكام: حل محل الملك في إدارة شؤون الدولة حاكمان ينتخبهما مجلس الشعب لمدة سنة، ويطلق عليهما القنصلان، ونظرا لاتساع الرقعة الجغرافية للدولة استعان هؤلاء الحكام بموظفين ينتخبهم مجلس الشعب.

          -       مجلس الشيوخ: يتولى إدارة شؤون البلاد في مجال السياسة الخارجية والنظر في ميزانية الدولة.

          -       مجلس الشعب: انقسم الى عدة مجالس نظرا لانقسام الشعب الى اشراف وعامة.

          أما من الناحية القانونية: فقد برز قانونين أساسيين هما:

          -    قانون الألواح الاثنتا عشر: يتضمن اثنتا عشر لوحة، وكل لوحة تحتوي على عدد من النصوص القانونية تتعلق بمادة معينة من المواد القانونية، وقد وضع هذا القانون نتيجة ثورة الطبقة العامة التي كانت تسعى للمساواة مع طبقة الأشراف.

          -   قانون الشعوب: وضع نتيجة التوسع الجغرافي الذي عرفته الدولة الرومانية نظرا لاندماج عدة أجناس مختلفة تحت لواء الدولة الرومانية.

          3.    الحكم الامبراطوري: الملاحظة في هذا العصر هو انقسامه إلى قسمين: حكم الإمبراطورية العليا التي امتازت بالمجد والرخاء، وحكم الإمبراطورية السفلى التي امتازت بالتدهور السياسي والاجتماعي، لذلك فقد عرفت الإمبراطورية العليا في عهد الامبراطور أوغسطين نظام حكم مطلق يتمتع بثلاث سلطات أساسية: سلطة الولاية العامة- سلطة حكام العامة- سلطة الرئيس الديني، ونتيجة للممارسات السياسية للإمبراطور عرفت نهاية حكمه الاضطراب السياسي والصراع الداخلي بين قادة الجيوش مما مكن وشجع بعض القبائل البربرية المجاورة الاغارة على الإمبراطورية وهو ما دفع بعض قادة الجيوش للاستيلاء على السلطة ووضع حد لسلطة الامبراطور، أما عصر الإمبراطورية السفلى فقد عرف منذ البداية التدهور السياسي والاجتماعي والقانوني مما شجع غزوات القبائل المجاورة ، وهو ما أضعف كثيرا الإمبراطورية ، وأدى إلى اقتسامها إلى دولتين شرقية وغربية، فالدولة الشرقية عاصمتها بيزنطا وقد سميت فيما بعد القسطنطينية نسبة إلى الامبراطور قسطنطين ، ودولة غربية بقيت روما عاصمتها حتى دب الضعف فيها وسقطت على يد القبائل الجرمانية عام 476 م، أما الدولة الشرقية فقد استمرت في البقاء ما يقارب 10 قرون بعد زوال الغربية إلى أن سقطت القسطنطينية على يد الأتراك عام 1453 م.

          ثانيا: أهم المفكرين الرومان:

          1.    شيشرون: ركز على فكرة القانون الطبيعي الذي حسبه ينبثق من الحكمة الإلهية للعالم، ومن الطبيعة العقلية والاجتماعية للبشر، وأن هذا القانون يمثل دستورا موحدا للعالم لا يتغير ولا يتبدل، لأنه قانون حق، وقائم على البداهة والتفكير السليم، ولهذا يتماشى مع الطبيعة وينطبق على كل الناس في كل الأوقات ولا يجوز تعطيل أحكامه بتشريعات البشر.

          2.    سينكا: ركز على الجانب الأخلاقي، وذكر أن الحكومة لا تستطيع أن تخلق الرجال النزهاء طالما كانت الناحية الأخلاقية منعدمة فيهم، ولذلك لم يضع ثقته في أي حكومة مدنية.

          3.    القديس أوغسطين: تدور أفكاره حول ربط السلطة المدنية بالسلطة الدينية، وعليه يرى أن العدالة لا تتحقق إلا في ظل دولة مسيحية تسير وفق تعاليم الكنيسة، وهو ما ذكره في كتابه " مدينة الله " أن الكنيسة محررة البشرية من الذنوب ومنقذتها من الشرور الدنيوية مادامت هي السلطة الممثلة لإله فوق الأرض.

          4.    القديس توماس الإكويني: دعا الى الفصل بين السلطتين الدينية والدنيوية ويرى أن السلطة الدينية سلطة روحية عالمية ينتمي إليها جميع أفراد المجتمع والأجناس، أما السلطة المدنية فيتطلب وجودها عدة دول وخبراء لهم مهارات سياسية تختلف عن مهارات رجال الدين، وعلى هذا الأساس طالب باستعمال العقل للتوفيق بين القانون الوضعي والقانون الطبيعي.

          ثالثا: خصائص الفكر السياسي الروماني:

          اهتم بالنزعة الواقعية العسكرية إلى جانب النزعة القانونية، بحيث قدم مجموعة من القواعد والمفاهيم العامة، أصبحت فيما بعد مرجعا قانونيا لعدة دول.

           


          • المحاضرة 04: الفكر السياسي الإسلامي

            الفكر السياسي الإسلامي:

            لقد مكن الإسلام العرب من فتح بلاد فارس وبلاد الروم، وقد ارتقى العرب بشعوب هذه البلدان لأنهم كانوا أهل عقيدة وحضارة معا، مما جعل الشعوب تندمج في الحضارة الإسلامية طوعا، وما وصول الإسلام إلى وسط آسيا وإفريقيا، وأوروبا إلا دليل على ذلك.

            إن صدر الإسلام يتمثل بنزول الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الوحي مصدر جميع المعرفة في القرآن الكريم، وكان أسلوب تطبيقه في سنة النبي صل الله عليه وسلم، وكان النموذج هو حضارة المدينة التي أسسها رسول الله، وناضلت الحضارة الإسلامية عبر عصورها المختلفة على عالمية نطاقها، لتقدم الدين الإسلامي كحل لجميع مشاكل البشرية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين وقائدهم وقاضيهم.

            أولا: المبادئ والأسس الإسلامية:

            -       الحاكمية لله هز وجل وحده، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

            -       عالمية رسالة الإسلام.

            -       شمولية الإسلام.

            -       الشورى.

            -       العدل والمساواة.

            -       طاعة أولي الأمر من المسلمين.

            -       الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

            ثانيا: الخلافة الإسلامية:

            بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ظهرت مشكلة خلافته.

            الخليفة:هو الذي يقسم حدود الله وشريعته بين الناس بعد مبايعته ، والبيعة العامة تؤدي إلى الخلافة بأنها عقد حقيقي بين الإمام وبين المسلمين.

            الخلافة: رئاسة أمور الدين والدنيا معا نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

            شروطها: أن يكون رجلا - مسلما تقيا - عاقلا لأداء صحة العبادات - عادلا - عالما  بأمور الدين والدولة -أن يتمتع بصفات المؤمن ( الصدق ، الاخلاص ) - أن يكون سليم البدن - لا يشترط فيه نسب أو انتماء معين لجهة ما.

            وسلطاته كانت شمولية تمتد بنشاطها ونفوذها إلى جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها ذات الطابع العام المتصل بمجموع الافراد وجماعتهم.

            أما فيما يخص الثورة على الحاكم هناك اجماع بإمكانية مقاومته إن خرج عن شريعة الله عز وجل بحيث لا تؤدي هذه المقاومة إلى فتنة بين المسلمين .

            ثالثا: السلطات السياسية: 

            1. السلطة التنفيذية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول رئيس للسلطة التنفيذية في الدولة الاسلامية بالمدينة المنورة، ثم تولاها من بعده الخلفاء الراشدون، فالخليفة هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية ، ومن وظائفه: 

            - حفظ الدين ونشر تعاليمه وأصوله.

            - تنفيذ أحكام الشريعة واقامة الحدود.

            - حفظ الأمن والنظام والدفاع عن الدولة.

            - القيام بالوظائف المالية والاقتصادية كجمع الزكاة وغيرها.

            2. السلطة التشريعية: اصطلح عليها أهل الحل والعقد، وتقوم بمهام التشريع وسن القواعد المنظمة لحياة الأفراد في إطار القرآن الكريم والسنة النبوية والاجتهاد.

            3. السلطة القضائية: اكتملت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تختص في الفصل في المنازعات طبقا للشريعة الاسلامية ( دار القضاء ).



            • المحاضرة 05: الفكر السياسي الحديث والمعاصر

              الفكر السياسي في العصر الحديث:

              تبدأ هذه الفترة حوالي القرن السادس عشر ميلادي، والذي مثل بداية التحولات في القارة الأوروبية في كافة المجالات، كما تمثل بداية عصر النهضة، حيث بدأ نفوذ الكنيسة يتضاءل نتيجة الصراعات الدينية، وانقسام الكنيسة على نفسها، وبداية ظهور القوميات والحركات التحررية التي مهدت الطريق لكافة الأفكار والمذاهب السياسية للظهور آنذاك، ومن أهم المعالم الأساسية التي ساهمت في تحديد انطلاق الفكر السياسي الحديث في أوروبا نجد:

              -       القضاء على فكرة ازدواج السلطة التي كانت سائدة في العصور الوسطى، وبالتالي الاعتراف بسلطة الدولة السياسية، والحد من تدخل رجال الدين في الحياة العامة.

              -       ظهور الدولة القومية بعد معاهدة وستفاليا، واضمحلال النظام السياسي الاقطاعي بحيث بدأت الشعوب تطالب بحريتها وحقها في تكوين الدول القومية المستقلة الخاصة بها، متحررة من سلطة الكنيسة وأمراء الاقطاع.

              -       ظهور الحركات التحررية وبلورة مبدأ السيادة التامة من الناحية الروحية والزمنية على سكانها وأراضيها.

              -       التقدم التكنولوجي، وزيادة الاهتمام بالبحث العلمي، مما كان له الأثر الكبير في ظهور عصر الثورة الصناعية والتكنولوجية في معظم أنحاء أوروبا، وتهيئة المناخ العلمي للأبحاث والدراسات العلمية.

              أولا: ميكافيللي ( 1469-1527 ):

              -       إنتاجه الفكري: الأمير 1513 م، يعتبر من أشهر مؤلفاته، وأهم الكتب التي أثرت في الفكر السياسي العالمي، يتضمن عدة نصائح وتوجيهات للحاكم، وكتب أيضا تيتوسليفيوس العشرة الأوائل، والذي سمي فيما بعد بالمطارحات 1521 م، لجئ فيها إلى تحليل الأوضاع السياسية بصفة عامة.

              -       أهم أفكاره: نادى بفصل السياسة عن الأخلاق والدين، حيث عالج موضوع السلطة، والدولة بعيدا عن القيم الدينية والأخلاقية.

              -       الغاية تبرر الوسيلة: كان يرى أن الشهرة والنجاح هي الغاية التي على الحاكم السعي وراءها دون مراعاة دمى أخلاقية الوسيلة التي يتبعها لتحقيق أهدافه.

              -       نظرته للمجتمع والدولة: يرى بأن الإنسان شرير بطبعه، وبأن الخطيئة أصيلة في الإنسان، وانطلاقا من نظرته المتشائمة للطبيعة البشرية، اعتبر العامل الأمني هو العامل الأساسي لتكوين الدولة، فهو يرى أن الدافع الأساسي لنشوء الدول والمجتمعات البشرية هو رغبة الجماعات في التخلص من الأخطار ، وتجنب الحروب ، بحيث يجتمع الأفراد في أماكن يختارونها لضمان بقائهم ، ويقبلون الرضوخ لحاكم قوي وشجاع يضمن لهم استتباب الأمن، ويرجع له الفضل في استخدام مفهوم الدولة بالمعنى الحالي ككيان سياسي وقوة منظمة لها سيادتها على جميع الأفراد والمؤسسات والأراضي التابعة لها.

              -       نظام الحكم: كان يحبذ النظام الملكي والجمهوري، لأنها صالحان ويتمتعان بالاستقرار، فالنظام الملكي ضروري لإصلاح الدول الفاسدة، والقضاء على الأعداء والثورات وفي أوقات الأزمات، بينما النظام الجمهوري أكثر حرية حيث يطالب باللجوء الى الانتخابات والحرية بشرط أن يكون الشعب قد وصل إلى مرحلة متقدمة من النضج السياسي.

              -       أهم نصائحه للأمير:

              •     فصل السياسة عن الأخلاق والدين.
              •   توفير الأمن الداخلي.
              •  تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للملكية.
              •  استعمال القوة في مجابهة الأعداء لا التفاوض.
              •  انشاء جيش قوي مستعد للحروب من المواطنين، وأن لا يستعين بالمرتزقة.
              • الجمع بين صفات الأسد والثعلب ( القوة + الدهاء )

              -       خصائص فكره:

              •  من أوائل الذين أهتموا بالدولة ككيان سياسي له خصوصيته.
              •  اهتم بفصل السياسة عن الأخلاق والدين.
              •  معظم كتاباته واقعية.
              •  أباح اللجوء الى الوسائل غير الأخلاقية لتحقيق أهداف الحكم.
              • ولعه بالتاريخ وكثرة استخدامه للأمثلة التاريخية للتدليل على صحة أفكاره، وبذلك يعد ميكافيللي أحد أهم مؤسسي منهجية التحليل التاريخي الحديث.

              ثانيا: نظرية العقد الاجتماعي:

                        لقد ظهرت نظرية العقد الاجتماعي كرد فعل على فكرة القانون الطبيعي التي كانت سائدة في بداية العصور الحديثة والتي تقوم على الاعتراف بوجود عصر أو حالة طبيعية كان الأفراد يعيشونها قبل تكوينهم للمجتمع السياسي ، وقبل ظهور الدول، وأن الأفراد في هذه الحالة أو العصر كانوا يعيشون وفق قواعد القانون الطبيعي الذي يمثل تلك القواعد والمبادئ التي يمليها العقل وتتفق وقواعد ومبادئ الأخلاق، وكان هذا القانون ينسجم مع فطرة الإنسان وطبيعته، وللرد على هذه الفكرة حاولت نظرية العقد الاجتماعي إعطاء تفسير مدني أو اجتماعي للدولة والسلطة السياسية بدلا من التفسير الإلهي أو الطبيعي.

                        يقوم جوهر نظرية العقد الاجتماعي على انتقال الجماعة الإنسانية من الحالة الطبيعية إلى حالة المجتمع السياسي المنظم نتيجة عقد اجتماعي يتفق عليه الناس، وقد شكلت النظرية أساس معظم الأفكار والنظريات السياسية التي ظهرت في أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ومن أهم مفكري هذه النظرية نجد توماس هوبز، جون لوك، وجان جاك روسو.

              1.     هوبز: ينبع فكره من نظرته المتشائمة للطبيعة البشرية القائمة على افتراض الأنانية في الطبيعة الإنسانية وتركيزه على العامل الأمني في نشوء الدولة ووظيفة السلطة فيها، وكان ذلك افرازا طبيعيا للظروف المضطربة التي عاش في ظلها.

              2.     لوك: انطلقت فلسفته من إيمانه بأهمية الحقوق الطبيعية، وخاصة حق الملكية، وأن وجود الدولة في نظره مقيدة بصيانة هذه الحقوق، واعتبر الشعب مصدر السلطة، وبناء على ذلك يعتبر لوك من أوائل المنادين بالنظم الديمقراطية والمطالبين بالحد من تدخل الدولة أو الحكومة في حياة الأفراد وحقوقهم الطبيعية.

              3.     روسو: ركز على فكرة الإرادة العامة ، حيث تشترط إرادة الأفراد جميعا حسب العقد، وتكون إرادة جماعية يعبر عنها بنشوء الدولة ، ويعبر عن الإرادة العامة من خلال إرادة الأغلبية ، وتصبح ملزمة للجميع، لأنها تمثل المصالح المشتركة لجميع الأفراد ، كما دعى أيضا إلى ضرورة فصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية، فالسلطة التشريعية تمثل الإرادة العامة التي تتجلى في الشعب نفسه الذي يملك السيادة، أما السلطة التنفيذية فهي وكيلة أو مندوبة عن الشعب لتنفيذ رغباته، ويمكن حلها ومراقبتها ، وقد آمن روسو بحقيقة وجود العقد من ناحية تاريخية ، وركز على أهمية دور الشعب في هذا العقد.

              في الأخير، تم نقد هذه النظرية على أساس أنه لا وجود لنشوء الدولة بعقد تاريخيا.

              الفكر السياسي المعاصر:

              ترتبط الأفكار السياسية المعاصرة بما نتج عن الثورة الصناعية من آثار سياسية واجتماعية واقتصادية، فقد ظهر دعاة المبدأ الفردي الرأسمالي المدافعين عن الحرية الفردية، والمفكرين الاشتراكيين الذين يدافعون عن حقوق العمال والطبقات الفقيرة.

              1.    النظرية الرأسمالية ( الفردية ):

              تدعوا إلى الدفاع عن المبدأ الفردي والحرية الفردية والاقتصادية، اعتمادا على أسس المنفعة والمصلحة الشخصية، وهو ما عبر عنه الباحث آدم سميث في كتابه ثروة الأمم عام 1776 ببريطانيا، وعليه فإن مضمون الاتجاه الفردي يعتمد على المصلحة الشخصية التي تعتبر بمثابة الدافع لتحقيق النمو والازدهار داخل المجتمع، وأن المصلحة العامة تتحقق من خلال تحقيق مصلحة الأفراد، إضافة إلى المنافسة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وراء تحسين الخدمات الإنتاجية والرقي بالمجتمع، أما وظيفة الدولة فتقتصر على الوظيفة الحمائية أو حماية الملكية الخاصة، وصيانتها، وحماية حقوق الأفراد وحريتهم...الخ.

              على العموم، فقد ساهمت النظرية في إثراء الحرية الفردية وحماية الحقوق الشخصية للأفراد، كما ساهمت في الحد من التدخل السيئ للحكومات في الحياة العامة، مما فتح المجال لنشوء وتطور النظم الديمقراطية الحديثة، والمشاركة الشعبية في الحكم.

              2.    النظرية الاشتراكية:

              ظهرت كنقيض للنظرية الرأسمالية، حيث حاولت في البداية الاهتمام بمصلحة العمال، وسيطرت الدولة على الملكية الخاصة في المجتمع، وهو ما ظهر في كتابات المفكر الفرنسي سان سيمون، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل في ظل تزايد احتكار الدولة في وسائل الإنتاج، وتدني مستوى العمال وزيادة البطالة في المجتمع، مما مهد الطريق إلى بروز النظرية الماركسية بتصورات جديدة على أسس اقتصادية اجتماعية أبرزها الصراع الطبقي ، فالتاريخ صراع دائم بين الطبقات تقرره طبيعة قوى الإنتاج داخل المجتمع، والثورة تقوم بها طبقة معينة للسيطرة على السلطة المتحكمة بوسائل الإنتاج.

              وقد وجهت عدة انتقادات للنظرية الماركسية منها أنها ركزت على الطبقة الاقتصادية متناسية الطبقات الأخرى، كما أنها تدعوا إلى العنف لتحقيق الأهداف، ولا تعترف بالحلول السلمية، وعموما، فقد لعبت هذه النظرية دورا كبيرا في تحسين أحوال الطبقات العمالية، سواء في الدول الاشتراكية أو الرأسمالية.