Topic outline

  • This topic

    المحاضرة الأولى : هل للمسلمين فلسفة أم لا ؟

           من المعلوم أن التفكير الفلسفي المنظم والعقلاني بدأ في اليونان ، فناقش فلاسفة تلك الحقبة مسائل عديدة تتعلق بالنفس والعدالة وغيرها من المسائل الكونية ، حتى وإن كان هذا الطرح نابع من حكم وتعصب للثقافة الغربية بحيث جعل من كل ثقافة الشرق ( الهندية ، الصينية ...) ثقافة لم تصل إلى التفكير الفلسفي الأصيل وأضحى سبق اليونان للفلسفة حكم قطعي ونظرية ثابتة بيد أن الكثير من الدراسات الراهنة تثبت الميراث الزاخر للشرق و فضله على فلسفة اليونان ، فلولا التوارث لما كانت نظرية المثل عند أفلاطون ولولا الرياضيات عند المصريين لما كانت مدرسة فيثاغورس للرياضيات ، إن السؤال الذي طرح حول حقيقة اليونان في إنتاجهم لفكر فلسفي سيتردد صداه حول حقيقة الفلسفة الإسلامية للمسلمين هل هي فكر أصيل أم فكر دخيل ؟ وهل هناك إنتاج لفكر فلسفي خاص بالثقافة العربية الإسلامية أم فلسفتهم عبارة عن ترجمة ونقل؟.

    1 : ليس للمسلمين فلسفة : يذهب الكثير من المستشرقين وعلى رأسهم أرنست رينان في كتابه تاريخ اللغات السامية على أن العقل السامي ليس بإمكانه إنتاج هكذا فكر عكس العقل الآري المتسم بالمزج والتركيب والإبداع علاوة على هذا الطرح هناك سبب أخر يحول دون ذلك وجود فلسفة خاصة بالمسلمين  وهو طبيعة الخطاب الموجود في النص القرآني،و أن الفلسفة لدى المسلمين لم تبدأ إلا بعد حركة الترجمة وهذه الأخيرة لا تعد جهدا فلسفيا خالصا .

    2 : للمسلمين فلسفة : أولا لا يمكن اعتبار العقل عقلان عقل مبدع وعقل ساذج لا يمكنه إنتاج فكر معين خاصة أن هذا التقسيم قائم على الجنس وليس على الجهد، كما أننا نجد في القرآن الكريم دعوى صريحة لإعمال العقل والتدبر والتأمل مثل قوله تعالى (إن في خلق السموات والأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مازال الرجل عالما ما طلب العلم فإن ظن إنه علم فقد جهل )، أيضا نجد للعروبة والعربية نصيب في إنتاج فكر وفلسفة إسلامية من خلال أهم مقوماتها ألا وهي اللغة العربية فهي تحمل في ثناياها تصنيفات الفقهاء والعلماء وفي معظمها تساهم في توحيد لسان المسلمين وتسيير حفظ القرآن والأحاديث إضافة إلى علوم الدين .


    • المحاضرة الثانية : علم الكلام وفرقه

      1 ـــــ  ما هو علم الكلام؟:

      تعالج الفلسفة الإسلامية ثلاث محاور كبرى فلاسفة الإسلام ــ التصوف  ــ علم الكلام هذه الأخيرة يعتبرها الكثير أنها نتاج ثقافة عربية إسلامية خالصة ، حيث بدأت تتشكل ملامح هذا العلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإثارة عدة مشاكل كطبيعة سلوك النبي ، مسألة الإمامة وغيرها من المسائل الدينية .

      ويؤكد الكثير من الباحثين على أن الخلافات كانت في البدء سياسية ثم سرعان ما تحولت إلى عقائدية ، وهنا طرح السؤال من يخلف النبي عليه الصلاة والسلام ، من يخلفه في السلطة الزمنية والروحية ؟  وفي أغلب الظن أن إمامة المسلمين كانت شورى بين عامة الناس وهذا الكلام أقرته فيما بعد فرقة الخوارج ، وقبل ذلك قيل أن الأئمة من قريش ، لكن الأصح في الغالب أن المسلمين  انقسموا إلى قسمين أو الأصح  إلى تيارين متضادين  فريق يرى أن أهل البيت هم أولى في إدارة شؤون المسلمين  لأنهم أهل النبي ، وفريق أخر أن الشورى مسألة ربى عليها الرسول ص صحابته .

      2 ــــ عوامل نشأة علم الكلام :

       تضافرت عدة عوامل في نشأة علم الكلام  ، ويعد العامل الداخلي من أبرز مقومات ظهور هذا العلم من خلال الآيات القرآنية الصريحة والكثيرة التي تتكلم عن المسائل والصفات ومسألة البعث ، أما العامل الخارجي فلا يقل شأنا في اكتمال هذا العلم بهذا الصورة بحيث نجد أن الثقافة اليهودية ( الإسرائيلية ) كبير الأثر فطبيعة الإله في المضمون اليهودي  تختلف عن الثقافة الإسلامية  فالإله يهوى مثلا خاص فقط باليهود ، واليهود هم شعب الله المختار ، إله متسامح مع اليهود والجبار المنتقم مع غير البشر فالثقافة والديانة اليهودية دين مغلق ، فبعد النبي عيسى عليه السلام ظهرت شخصيتان تمثلان الفكر هما عبد الله بن سبأ وكعب الأحبار وقاما بنشر أفكارهما في الأوساط الإسلامية ، إضافة إلى هذا هناك المعتقد المسيحي الذي ساهم أيضا في بلورة المسائل الكلامية  ، كل هذه المسائل المثارة في الفكر والديانة اليهودية والمسيحية حتمت على الفلسفة الإسلامية مناقشتها والتصدي لها .

      ملاحظة :  علم الكلام يرجح البعض من الباحثين أن أصل التسمية فيه أخذت من أكثر المسائل التي أثير حولها الجدل والنقاش وهي مسائل كلام الله هل هو مخلوق أم قديم أم غير ذلك ؟

      • المحاضرة الثالثة : فرق علم الكلام

        أولا : المعتزلة

        1 : من هم المعتزلة ؟

         بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نشأت عدة فرق ومدارس كلامية ومنها نجد فرقة المعتزلة من أكبر وأقوى الفرق الإسلامية ، أو بمعنى أصح في الفكر الإسلامي ويرجح ظهورها إلى موقف الحياد والاعتزال بين أنصار علي وخصومه في معركة الجمل ، لكن أسباب قيامها في الحقيقة كثيرة منها الأكثر شيوعا في حلقة حسن البصري حول مسألة ارتكاب الكبيرة حيث رأى واصل بن عطاء أن مرتكبها لا هو بالمؤمن ولا هو بالكافر وإنما هو فاسق وأتبعه في الرأي عمر بن عبيد.

        2 : أصول المعتزلة :

        يذكر المعتزلة أنفسهم في كتبهم بأصول خمسة أجمعوا عليها وهي :

         أ : التوحيد : وذلك في إثبات توحيد الله في صفاته وتنزيهه عن كافة المخلوقات وبأن الله قديم ، وترتكز صفات التوحيد على سبع صفات وهي : العلم ، القدرة ، الإرادة ، السمع ، الكلام ، البصر ، الحياة  ثم نفوا الصفات المركبة لمنع تجسيد الصفات الذاتية ، وبذلك يبقى فقط عالما ، قادرا ، حيا .

         أما رؤية الله فهذا أمر مستحيل لأن الرؤية تكون مقتصرة فقط على الأشياء المجسمة والمجسدة وبالتالي لا يمكن رؤيته بالعين المجردة . أما كلام الله فهو مخلوق كباقي المخلوقات

          ب: العدل : الله حسبهم لا يخلق إلا الحسن والكون في حد ذاته مخلوق لغاية، صالح الإنسان والإنسان حر في أعماله وبذلك يكون استحقاقا له فيكون الجزاء والعقاب  ، كما أنهم أنكروا الشفاعة التي تعني قلب السيئات حسنات .

           ج : الوعد والوعيد :  ومؤداه أن الله وعد المطيعين بالثواب وتوعد العصاة  بالعقاب وأنه لا يجوز الخلف والكذب منه ، فيفعل لا محالة ما وعد به وما توعد به.[1]

           د:  المنزلة بين المنزلتين : ومعنى هذا أن مرتكب الكبيرة  من المسلمين  مثلا عند المرجئة المتسامحين في الإيمان والخوارج المتشددون واعتباره من الكفرة، أما عندهم فهو في الوسط بين منزلتي الإيمان والكفر .

         ه :الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وقد ذهب المعتزلة إلى أن القيام بهذا الواجب يجوز ، حتى أنه يجب استخدام القوة والخروج المسلح في حين مال عامة أصحاب أهل الحديث وأهل السنة إلى قصره على اللسان فقط وهو عبارة عن تطبيق للأصول السابقة.[2]

        ولقد لقب المعتزلة أنفسهم بالعدلية لأخذهم بالأصل الأول ، وبالموحدة لأخذهم بالأصل الثاني وبأهل العدل والتوحيد  ، وقد كانت فترة نهوض المعتزلة في النصف الأول من القرن التاسع بمثابة العصر الذهبي في تاريخ علم الكلام .[3]

        ثانيا : الأشاعرة

        1: التعريف بمؤسسها ودواعي التأسيس :

        هو أبو الحسن علي بن إسماعيل ابن إسحاق ينتهي نسبه إلى أبي موسى الأشعري ولد بالبصرة سنه 260ه . وتوفي عام 324ه . كان في الأول معتزليا وحسب أتباعه تبنى مذهب الاعتزال مدة 40 سنة ، وقيل أنه كان مناظرا بارعا لكن لا أثر لاعتزاله على الأقل من خلال مؤلفاته ، لكن بعد تحوله من الاعتزال يحصى له أكثر من 90 مؤلفا كانت مواضيعها في الرد على الاعتزال  وبيان عقائد الأشعرية وإضفاء المشروعية على علم الكلام بعد تهجم أهل الحديث عليه  .

           2 :أسباب تحول الأشعري من الاعتزال :

           هناك مناسبات يرد بها تلامذة الأشعري بسبب تحوله عن الاعتزال مع العلم أنه كان تلميذا لأبي على الجبائي. 

           أ : مسائلة شيخه في مسائل ثلاث أصناف من الناس : سأل الأشعري أستاذه الجبائي : ما رأيك في ثلاث مؤمن وكافر وصبي  ؟ فقال الجبائي : المؤمن من أهل الدرجات والكافر من أهل الهلكات والصبي من أهل النجاة . فقال الأشعري : فإذا أراد الصبي أن يرقى إلى أهل الدرجات هل يمكن ؟ قال الجبائي : لا . يقال له أن المؤمن قد نال هذه الدرجة بالطاعة وليس لك مثلها . قال الأشعري : التقصير ليس منى فلو أحييتني لكنت عملت من الطاعات كعمل المؤمن . يقال له كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت ولعقبت فراعيت مصلحتك وأمتك قبل أن تنتهي إلى سن التكليف ،  قال الأشعري : فلو قال الكافر يا رب علمت حاله كما علمت حالي فهلا راعيت مصلحتي وأمتني صغيرا ؟ ، فأنقطع الجبائي ولم يستطع أن يرد .

         هذه المناظرة تدور حول فعل الصلاح والأصلح ، هل واجب على الله سبحانه وتعالى ؟ وهل يمكن تعليل أفعاله ؟  إذن يظهر الأشعري عجز العقل البشري في تعليل أفعال الله ، وفيها إشارة إلى تغليب المشيئة الإلهية على العقل .

            ب : المناظرة في أسماء الله  : دخل رجل على الجبائي فقال له هل يجوز أن يسمى الله عاقلا ؟ فقال : لا . لأن العقل مشتق من العقال بمعنى المانع والمنع  في حق الله تعالى محال  ، فقال الأشعري : فعلى قياسك لا يسمى الله حكيما من حكمة اللجان وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج ، فإذا كان اللفظ مشتق من المنع والمنع على الله محال يلزمك أن تمنع إطلاق حكيم على الله سبحانه وتعالى ، فلم يهدى جوابا إلا أنه قال فلما منعت أنت أن يسمى الله عاقلا وأجزت أن يسمى حكيما قال الأشعري : لأن طريقي في مأخذ الأسماء هو السماع الشرعي  ( القرآن) لا القياس اللغوي فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه ولو أطلقه الشرع لأطلقته .

           ج : أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأمره أن يغير الطريق وينجي السنة

        3 : مسائل التوحيد

           أ ـــــ  الصفات : وهي القدرة ، العلم ، السمع ، البصر  ، الكلام ، الإرادة و الحياة  ، وهي تختلف عن صفات البشر فالعلم ليس كعلم البشر والبصر ليس كبصر البشر .... الخ ، وهم يعتقدون أيضا أن هذه الصفات قديمة لأن الله قديم ولو كانت محدثة فإن الله محدث ، هذا بالنسبة لصفات الذات أما صفات الفعل فهي مخلوقة كالقول : رازق ، عادل ... الخ .

           ب ــــ كلام الله : وينقسم إلى كلام نفسي وهو ما يجول في النفس الإلهية وهو قديم وكلام لفظي ، وهو حروف وأصوات مخلوقة كباقي المخلوقات .

        ج ـــــ  رؤية الله : رؤية الله ممكنة لكن عن طريق النفس وليست حسية .

             4 : نظرية الفعل الإنساني

        نجدهم يقسمون الفعل الإنساني إلى  ثلاث نقاط  :

          أ :إثبات الفعل وإتقانه : الله هو الذي يوجد الخلق.

           ب :القدرة أي الاستطاعة : الله هو الذي يعطي القدرة والاستطاعة .

        ج : الإرادة في الاختيار :  مثلا الفعل والاختيار بالنسبة للجبرية الإنسان مقيد في أفعاله أما المعتزلة الإنسان مخير في أفعاله ، الأشاعرة موقفها في الوسط .

            أما بالنسبة لموضوع الشفاعة عندهم فهم يقرون بها وهي حسبهم نوع من اللطف الإلهي لنبيه وليس كل إنسان تجوز عليه الشفاعة .[4]

         ثالـــثا : الشــــــيعة

        1 : معنى التشيع :

        الشيعة من شيع أو نحل ، وهي حركة إسلامية بالدرجة الأولى ، وشايع بمعنى والى أو ناصر أهل البيت ونجد المعنى العام للتشيع إنما يدور حول الولاء التام لعلي ولآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبعده يجب أن تنحصر الولاية في الإمام علي وذريته بحيث يمثل علي بن أبي طالب بداية .

        2  : نشأة التشيع :

        لقد إختلف المؤرخون في البداية التاريخية للتشيع ، ويقال في أغلب الظن أنه بدأ في عهد الرسول كنتيجة لحب عميق لرسول الله وآل بيته وهذا الحب ، هذا الحب الذي تركز حول علي بن أبي طالب بصف خاصة ، وأخرون يرون أن التشيع ظهر بعد واقعة الجمل ، وأخيرا بعد مقتل الحسين في كربلاء ، وتعد مشكلة الخلافة ركيزة أساسية في الموضوع فبعد وفاة النبي قامت هذه المشكلة : هل الذي يخلفه من أهل البيت أم من الخلفاء ؟ .

        3 :  فرق الشيعة :

        للشيعة فرق كثيرة منها :

            الزيدية : يقولون أن الإمام الذي يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعلن عنه بالوصف وهو من أهل البيت ، كما دعوا إلى تأليه علي .

            الاثناعشرية :  تسمى الإمامية : فرقة سياسية عقائدية وهي الصفة الأساسية للفرق وتقول بأن الإمام علي هو الخليفة بعد النبي ، والذي لا يؤمن به فهو ضال ، والروح تنتقل من إمام إلى إمام ، وبهذا فهم يؤمنون بتناسخ الأرواح .

        ومن الأئمة المعترف بهم حسبهم : الإمام علي ـــ الحسن  ـــ الحسين  ــــ زين العابدين بن علي ــــ أبو جعفر الصادق  ـــــ موسى الرضا ـــ علي  بن موسى الرضا  ـــ  محمد بن علي بن جواد  ..... المهدي المنتظر . 

         ونجد أن أسباب انقسام الشيعة إلى فرق هو الاختلاف في الأحفاد ولكل فرقة مصلحة خاصة ، إضافة إلى تأويل النصوص كل حسب هدفه .

        4 : عقائدهم :

        الإمامة : وتكون بالنص إذ يجب أن ينص الإمام السابق على الإمام اللاحق بالعين لا بالوصف .

         العصمة : كل الأئمة معصومون من الخطأ والنسيان وعن اقتراف الكبائر .

        العلم : كل إمام قد أودع العلم من الرسول صلى الله عليه وسلم

        الغيبة : كل إمام قد غاب في سردابه كما زعموا أن له غيبة صغرى وغيبة كبرى .

        الرجعة : يعتقدون أن الحسن سيعود ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا .

        التقية : وهي أصل من أصول الدين ومن تركها كان في منزلة من ترك الصلاة .

        البراءة : يبرؤون من الخلافة كل من أبى بكر وعثمان وعمر وينعتونهم بأقبح الصفات .

        المغالاة : الغلو في مرتبة علي ورفعوه إلى مرتبة الألوهية .[5]

         5 : كتبهم :

        مرجعين أساسيين وهما كتاب الله والسنة النبوية .



        [1]

         أحمد علي زهرة، الكلام والفلسفة عند المعتزلة والخوارج، نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، سوريا، دمشق، ط1، 2044م.[2]

        ابراهيم مذكور، في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه،القاهرة: مكتبة الدراسات الفلسفية ،ط2 .   [3]

        [4]

         [5]


        • المحاضرة الرابعة : الفلاسفة المسلمين

           أولا : الكندي

          1 : من هو الكندي ؟.

          هو أبو يوسف إسحاق الكندي ( 158ه ـــ256 ه ) مؤسس الفلسفة العربية الإسلامية ، رياضي وفيزيائي وفلكي ولد بالكوفة من قبيلة كندة ، حاول من خلال فلسفته أن يوفق بين الشريعة والعلم والوعي من خلال عدة مؤلفات ، حيث كتب حوالي 232 كتاب في مختلف المجالات .....الخ .

           2 : فلسفته :

          حاول من خلال فلسفته أن يوفق بين الشريعة وأن لا يجعل أحدهما يتفوق على الأخر والسبب الأول في ذلك يرجع إلى ضيق الرأي العام للفلسفة ، فلم يكونوا يرون فيها خيرا وأنها من الأمور المحرمة ، والسبب الثاني هو لإنكار الفلسفة يجب إتباع حجج عقلية فلسفية وهذا تناقض ، أما السبب الأخير هو أن الفلسفة والدين يلتقيان في الموضوع والغاية فالفلسفة لها موضوع والدين له موضوع ، أما الغاية فحسب الكندي من الدين معرفة الوجود وهي نفس الغاية بالنسبة للفلسفة ، كل هذه الأسباب دعت بالكندي ليوفق بينهما

          3 : أسلوبه  ولغته :

            اتخذ من المنهج العقلي منهجا له ، كذلك كان يؤمن بالمنهج الحسي لأن المعرفة الحسية مهمة في الكثير من الأشياء .

             كان للكندي بعض المصطلحات الخاصة به مثل :

             ليس : اللاوجود  ، العدم / النقيض ـــــ الأيس : الوجود / العنصر  ، المادة .

             الحقي : الحقيقي .  /              ــــ الجرم : الشيء الذي له ثلاثة أبعاد أو الجسم .

           

           

           

          4 :  أدلة وجود الله  :

           أ: البرهان الكوني أو الإمكان : ( الحركة ) يعني أن العالم في حركة معينة ، وإن الحركة لم تكن إلا في زمان ومكان ، فيفصل أولا كل شيء في هذه الممكنات له حركة معينة ( فالحركة لا تقاس إلا بالزمان والزمان لا يكون إلا بالمكان ) والحركة منتهية وطبعا بفترة زمنية ، وبالتالي توجد علة أوجدته وهي المحرك الأول  ( الله) .

          ب : البرهان الغائي : أو قياس الشاهد على الغائب ، إن لكل شيء غاية أو هدف ، ولكل شيء موجود سبب لوجوده ، يقول الكندي : لو أبعدت الشمس عن الأرض لما كانت هناك حياة فالعلاقة بين الشمس والأرض توجد من وراءها علة  وهي الله .

          ج : البرهان الأنطولوجي الوجودي  : الوجود المادي والوجود النظري .

            د:  برهان الإجماع : لكل شعب ولكل أمة ثقافة ما حول الإله أو صورة حول الخالق ، أي أن هناك مجموعة متفقة تؤمن بأن هناك خالق، وهو الله .

            ه :البرهان الأخلاقي : هذه المظاهر أو الاختلال في التصرفات الإنسانية ، فقر ، غنى ، جهل ، مرض ..... الخ هذا الاختلال أو عدم التوافق  إلا وله حساب معين  ، فكيف لا يعقل الناس أن هذه الاختلافات لها غاية معينة ، فهذا الدليل يثبت أن هناك حساب يوم القيامة .[1]

          5 : النفس :

             هي عند الكندي مثل عند أفلاطون يقسمها إلى ثلاث : الناطقة والشهوانية والغضبية ، ويقر لها بالخلود .

          6 : العقل :

           يقسمه إلى أربعة

          أ : العقل بالقوة :  موجود عند جميع الكائنات الموجودة ، وهو بمثابة استعداد فطري لقبول المعقولات ونجده في الغالب عند الطفل الصغير .

             ب :  العقل بالفعل : وهو عبارة عن كمال لصورة العقل الأولى .

            ج : العقل المستفاد : وهي الاستفادة مثلا الرغبة في القراءة والكتابة .

             د :العقل الظاهر :هو العقل البارز وهو عبارة عن تجسيد في أرض الواقع.


           


          • المحاضرة الخامسة ثانيا : الفارابي

            1 : من هو الفارابي؟

            هو من مدينة فراب كانت تسمى من قبل مدينة خرسان ولد عام 259 ه وتوفي في 339 ه ، كان يتقن العديد من اللغات ، انتقل إلى بغداد وتعلم اللغة العربية وكذا أصول الفقه على يد أبي بشر متى .... الخ ، ترك العديد من الكتب والمؤلفات من أبرزها : التوفيق بين الحكيمين ، شروح رسالة زينون الكبير اليوناني ، التعليقات ...الخ ، تتنوع ثقافته بين الطب الفلك ، المنطق ... الخ ، ردد كثيرا تعريف الفلسفة التالي : علم الموجودات بما هو موجود ، يعني أنه كان أرسطيا في التعريف أي البحث عن أسباب الوجود وغايته وماهيته ، وهذا التعريف لا يشمل الناحية الفيزيقية فقد بل حتى الموجودات الأخرى : كالدولة ، المدينة ، السلوك .... الخ .

            2 : مراتب العقل عند الفارابي :

              العقل الهيولاني : ( المادي ) معناه استعداد النفس لانتزاع الماهيات من الأشياء دون موادها .

               العقل بالفعل : وهو الذي حصلت فيه المعقولات المنتزعة من مواد أخرى أي حصولها في الذهن .

              العقل المستفاد : وهو إدراك المعقولات البريئة من المادة ، وهي أرقى مرتبة وهي مرتبة الفيلسوف أو النبي .

             3 :فلسفته وأرائه :

                 حاول الفارابي أن يشيد مذهبه الفلسفي من خلال التوفيق والجمع بين فلسفة أرسطو وأفلاطون ، نافيا في الوقت ذاته أي تعارض بين هذين العالمين ، إذ يقول كان هذين العلمين مبدعين في الفلسفة ومنشئان لأصولها ومتممان لفروعها ، بحيث كان يرى وجود نقاط الاتفاق بين أرسطو وأفلاطون دليل كاف على عدم تعارض الدين والفلسفة ، وبما أن الفلسفة الأفلاطونية ترتكز على الجانب الديني أكثر بالموازاة  مع التفكير الأرسطي المنحني للتفكير العقلاني أكثر . إذن حاول الفارابي التوفيق بين الفلسفة والدين وإيجاد نقاط التشابه ، فأراد أن يصل إلى نظرة شاملة للوجود ، والسعادة هي اكتشاف نقاط الاتفاق وهي أكثر بكثير من نقاط الاختلاف  .[1]

             

            4 : نظرية الفيض الإلهي : ( الصدور )

            ليست فكرة إسلامية هي أفلوطينية نسبة إلى أفلوطين ، يدافع عنها ابن سينا ويرفضها ابن رشد .

            أسباب ظهور هذه النظرية:  هو محاولة الإجابة على التساؤل المتعلق بعملية الخلق أو نشأة العالم وكيف يمكن تبرير صدور التعدد عن الواحد؟

              مادام الأول واحدا يجب أن يكون الصادر واحدا ، وصدور أكثر من واحد عن ذات الله يعني تعدد لذات الإلهية ، وعملية الصدور تقوم أصلا عن عملية التعقل ، أي أن قوة الفيض تستند إلى تعقل الله وصدور العقول عنه في ترتيب تنازلي .

                الله واحد  وواجب الوجود هو الذي أوجد هذه الموجودات ومن صفة الله أنه خصب العالم و استعان بنظرية الوسائط، ومن نوره الفياض يفيض نور أول.

             النور الأول: يفيض منه العقل الأول

             العقل الأول: هو بريء من المادة ويتعقل الأول فيفيض عنه الفلك المحيط

             العقل الثاني: السماء الأولى

             العقل الثالث: كرة الكواكب

              العقل الرابع: كرة زحل

              العقل الخامس: كرة المشتري

             العقل السادس: كرة المريخ

            العقل السابع: كرة الشمس

                العقل الثامن: كرة الزهرة

                العقل التاسع: كرة عطارد

                العقل العاشر: وهو فلك القمر والعقل الفعال.[2]

                 وهناك ست مراتب للوجود حددها الفارابي كما يلي:

                 المرتبة الأولى :  وهي العقل الأول ممكن الوجود بذاته وواجب الوجود .

                المرتبة الثانية :  هي مجموعة العقول التسعة .

                المرتبة الثالثة :  يوجد فيه العقل الفعال الصادر عن العقل التاسع وعقل فلك القمر ويسميه الفارابي روح القدس وهو مجرد من المادة وهمزة وصل بين العالم العلوي والعالم السفلي .

                المرتبة الرابعة:  مرتبة النفس.

                المرتبة الخامسة: توجد فيها صورة الأشياء المادية.

                المرتبة السادسة:  توجد المادة وتنجم عنها أشياء أخرى.

            الموجودات الأولى والثانية والثالثة روحية، أما الرابعة والخامسة والسادسة مادية.

               5 : النفس عند الفارابي :

                النفس عند الفارابي مثل النفس عند اليونان ومصيرها خالدة ، إذا علمت هذه النفس بالخير ولم تطبقه هي خالدة في العقاب وهي نفس فاسدة ، إذا بلغت درجة الكمال وعاشت في سعادة وطباعها خيرة فهي خالدة ، إذ لم تعرف الخير ولم تطبقه هي فانية .

                 قوى النفس  :

                1 : النفس المحركة وهي نوعان : المنمية و النزوعية ، و النزوعية نوعان : الشهوانية و الغضبية .

            2: النفس المدركة  وهي ثلاثة أنواع :  الحاسة ، المخيلة ، الناطقة  والناطقة  فيها جانبان :

                         أ : النظري : وينقسم إلى أربعة :

                                     ـــــ العقل بالقوة :  الهيولاني وفيه إمكانية قبولها .

                                     ــــ الملكة بالفعل:  القدرة على أخذ الصور.

                                     ـــــ العقل الفعال:   إمكانية إعطاء الحركة.

                                     ــــ العقل المستفاد:  التوظيف.

                        ب : العملي : المهني مثل الحرف والصناعات ..... الخ .[3]

            6 : الفضائل عند الفارابي :

             يقصد بها الأشياء الإنسانية التي حصلت في الأمم وفي أهل المدن لتتوفر لهم السعادة في الأولى والآخرة من خلال تطبيق هذه الفضائل وهي :

                  أ  : الفضائل النظرية : وهي المبادئ الأولية للمعرفة  فبعضها يحصل للإنسان بلا شعور وبعضها يحصل نتيجة التأمل والفحص والاستنباط مثل المنطق ومبادئ الموجودات .

                 ب : الفضائل الفكرية : ومصدرها القوة الفكرية ويمكن للإنسان أن يستنبط منها ما هو أنفع بالنسبة لغاية فاضلة .

                 ج : الفضائل الخلقية : وهي مرتبة تالية عن الفضائل الفكرية لأن الفضائل الفكرية شرط لها و بها يلتمس الخير وهي هيئات وملكات عن الأفعال الإدارية الجميلة .

                 د : الفضائل الصناعية والعملية : ويقصد بها تحقيق الفضائل الخلقية بأفعال ظاهرة بحيث تكون ترجمة أمينة للمبادئ الخلقية النظرية .

                  وهذه الفضائل الأربعة تمثل للفارابي نظرية الأخلاق التي تحقيق السعادة للبشر من خلال التطبيق العملي لسكان المدينة الفاضلة .

                  ــــــ إن مشروع الفارابي هذا وقع تحت الخطأ لاعتماده على مرجع ينسب لأفلوطين ( إثنولوجيا أرسطو  طاليس ) الذي اعتقد أنه لأرسطو المعلم الأول حيث وجد فيه مسألة النفس تناقش بنفس التفكير الأفلاطوني بمعنى أنها جوهر مستقل بذاته ، فاختيار الكتاب الخطأ حمل فلسفة الفارابي أخطاء كثيرة جعل المحققون ينعتونها بالغامضة .


            [1]

             

             


            • المحاضرة السادسة ثالثا : ابن سينا

              1 : من هو ابن سينا؟

                  هو أبو الحسن بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا ، ولد في قرية أفشنة على مقربة من بخارى عام 370 ه ــــ 980 ه ، لقب بالشيخ الرئيس ويقترب من أهل السنة والجماعة ، تتلمذ ابن سينا بامتياز وحاول أن يصل ويصبح طبيب العلماء ، وبعد دخوله إلى أعظم مكتبة قرأ لأرسطو والفلسفة اليونانية  ، وتأثر بالفارابي .

              2 : فلسفته وأرائه :

                 امتازت فلسفته بالبساطة والوضوح حيث كان يدرس كل الآراء ثم يأخذ برأيه ويطورها إلى وضع فلسفة خاصة به ، استطاع كذلك أن يمزج  في نفس الوقت بين علم اليونان وحكمة الشرق ، كان نتيجة ذالك أنه كوّن صرحا فلسفيا عظيما يمثل مذهب القدماء ويعبر عن روح العصر الماضي والحاضر واستطاع أن يجمع بين فنون العلوم من شعر وعلم وفلسفة .

              3 : أقسام العلوم عند ابن سينا :

               قسمها إلى قسمين :

              أ :  العلوم النظرية : وتشمل التطبيقات والرياضيات والإلهيات ، فالرياضيات تحاول أن تتنزه عن المادة من خلال التجريد ، والإلهيات أصلها روحي ذات العلية .

                         ب : العلوم العملية والأخلاق : كتدبير المنزل وتسيير المدينة . 

                4: النفس عند ابن سينا :

              1:أدلة وجود النفس :

                  أ : البرهان الطبيعي : يقسمه إلى نوعين من الحركة :

                       ــــ حركة قسرية : وتصدر عن محرك خارجي تدفع المتحرك إلى الحركة قسرا أو إلزاما . [1]

                      ــــ حركة إرادية : وهي نوعان : النوع الأول مع الطبيعة كسقوط الحجر من الأعلى للأسفل ، والثاني عكس الطبيعة كتحليق الطائر إلى الأعلى .

                  هذه الحركة المضادة للطبيعة تستلزم محركا زائدا على عناصر الجسم وهذا المحرك هو النفس ، هذا من جهة ومن جهة أخرى تدل أفعال الكائن الحي من غذاء ونمو وتوليد هذه الأمور الطبيعية لا يمكن أن تصدر عن الجسم وحده فلا بد من التسليم أن هناك مصدرا أخرا وهو النفس .

                 ب : البرهان النفسي السيكولوجي  : ويكون من خلال الانفعالات كالتعجب الضحك البكاء ... الخ ، وإدراكنا للصفات التي تتميز بها النفس ومعرفة المجهولات من المعقولات ، فهذه الأحوال والأفعال تختص بالإنسان دون غيره من الكائنات وتوجد فيه بسبب النفس ، فللإنسان المدرك قوة تميزه عن الكائنات غير المدركة ، وهذه هي النفس .

                   ج : برهان الاستمرار : جسم الإنسان يخضع للتبدل والتغير نتيجة للنمو والزيادة والنقصان بينما النفس تبقى كما هي ، إذ أنها تتذكر الأحوال السابقة وتحس خلال هذا التذكر باستمرارها في هذه الذكريات المترابطة ، بمعنى أن النفس هي التي تدبر وتسير الجسم ، وتبقى ثابتة لا تتغير فالنفس غير الجسم .

                   د : برهان وحدة النفس : باعتبار النفس مكان المعقولات وهذه الأخيرة لا تنقسم  ، إذن فالنفس جوهر عقلي غير منقسم ، وعلى الرغم من أن لها وظائف مختلفة وقوى مختلفة من شهوانية إلى غضبية إلى مدركة إلا أنها تضل واحدة ، وهذه القوى لا بد لها من رابط يجمعها وهو النفس فمثلا عندما يشير الإنسان إلى نفسه بالإدراك فإنه يشير إلى النفس التي هي جوهر ووحدة مغايرة لجملة أجزاء البدن .

                  ه : برهان الرجل الطائر أو الرجل المعلق في الهواء : بمعنى أن الإنسان إذا غفل عن جميع أعضاء جسمه ، فإنه لا يستطيع أن يغفل عن ذاته أبدا ، أعطى مثالا عن ذلك رجل معلق في الهواء لا يدرك ولا يعلم بأجزاء بدنه فإنه إن غفل عن أجزاء بدنه لا يستطيع أن يغفل عن الشعور بذاته .

                  و: برهان حصر التفكير : ممكن أن يمر علي شخص ولم أره لأنني كنت شارد الذهن ومحصور في مسألة أخرى فلم أعطه اهتماما ، فالذي يثبت وجود الإنسان في النفس وفي الذات في حد ذاتها هو شيء يثبت وجود الإنسان .[2]

              ي : برهان تمييز النفس عن المؤثرات الخارجية : أي بمؤثر خارجي ، أقارن بين النفس والبدن وأيهما يتأثر يقول ابن سينا بأن هناك مؤثرات خارجية تأثر في البدن أكثر من النفس مثال دخول غرفة مظلمة فإن التكيف سيستغرق مدة لكي تتعود عينك من هذا الوضع أما النفس فستستغرق وقتا أطول للتعود .

              2 : مصير النفس :

              النفس تكون موجودة في البدن فهو الوعاء الذي يحويها والنفس هي التي تحاول أن تثبت أنه موجود من خلال الأفعال ويقسمها إلى :

                                 ـــــ نفس عاملة : أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة .

                                 ــــ نفس عالمة: السابقون أي عندما تأتي بالعلم يجب أن تطبقه وبالتالي تصبح كاملة في الأرض وفي درجة رفيعة في الجنة.

                               ــــ نفس عالمة و عاملة: أحيانا عالمة وأحيانا عاملة و بالتالي ناقصة.

                                 ــــ  نفس لا عاملة ولا عالمة : وهي المرتبة السفلى ومصيرها الفناء .

              3: قوى النفس :

                                  ــــ النباتية : الغاذية ، النامية ، المولدة .

                              ــــ الحيوانية : وتنقسم إلى المدركة والمحركة ، فالمدركة فيها الحواس و المحركة تنقسم بدورها إلى عاملة وباعثة و الباعثة تنقسم إلى شهوانية و غضبية .

                                 ــــ الإنسانية: وتنقسم إلى عاملة و عالمة .

                   ـــــ مازال ابن سينا يشكل اختلاف بين الباحثين والدارسين ، فهو يعتبر حكيما للفلسفة الإشراقية ، التي استمرت إلى عصور لاحقة عبر السهروردي وغيره ، في حين يرى بعض المفكرين مثل الجابري : أن الفلسفة السيناوية فلسفة باطنية و غنوصية ( رواية تفسير الوجود ) أن هناك حياة أخرى كانت في علم الآخرة وأن طبيعة حياة الإنسان أنه ارتكب خطأ وألحق بالبدن وهو الجسم وبالتالي الوصول إلى الأعلى ، والباطنية معروفة بها الشيعة ترتكز فقط على الباطن في التأويلات ، و لقد مثل ابن سينا الازدهار الفني للفلسفة الإسلامية ( ضخامة مؤلفاته ووضوح فكره ) وسلامة أسلوبه ويمكن تقسيم نشاطه العلمي لثلاث مراحل:

                   مرحلة التحصيل: حيث تميز عن باقي أهل زمانه وكان أعجوبة عصره بحيث لم يبلغ 20سنة استطاع أن يطلع على مؤلفات أفلاطون وأرسطو و غيرهم.

                   مرحلة الشرح والتعليق : حيث وضع بعض الرسائل يشرح فيها المنطق الأرسطي ومفهوم الطبيعة عند اليونانيين .

                  مرحلة الإبداع: وفيها ألقى الشفاء والنجاة والإشارات وتكلم عن النفس.


               

               


              • المحاضرة السابعة رابعا : الوليد ابن رشد

                    1 : من هو الوليد بن رشد :

                هو طبيب وقاضي وفيلسوف قرطبة من مواليد 1126م ، يقال أنه كان مقربا من أصحاب الحكم البلاط ألموحدي والذي قربه إلى الحكام هو نسبه ، إضافة إلى تفوقه العلمي الذي أعطاه المكانة .

                2 : فلسفته :

                بين الشريعة والحكمة علاقة اتصال وكلاهما حق ، وبتضافرهما يصلان إلى الحقيقة التي ينشدها كل إنسان  فالشريعة أمر صحيح والعقل أمر صحيح ، فالفلسفة هي تأمل في المصنوعات حتى نصل إلى الصانع .[1]

                     ــــ ما السبيل إلى فهم القرآن ؟

                     للقرآن وجهين ظاهر وباطن ، وبالتالي يكون التأويل شيء ضروري وإلزامي في فهم القرآن الكريم ولكن في حدود معينة .

                ـــــ اكتشاف الحقيقة الظاهرة من الحقيقة الخفية :

                 هناك أمور بسيطة وواضحة لا تحتاج إلى تأويل ، والباطن يحتاج إلى تأويل والذين يقومون بالتأويل هم العلماء ( الخاصة) ويجوز لهم إباحة أو تحريم جزء للعوام، فالباطن للفلاسفة والظاهر للعامة و العامة طبقات :    

                ــــ ناس يتأثرون بالبرهان: يقتنعون بالحجة والبينة و الدليل.

                 ــــ ناس جدليون: علماء الكلام.

                 ـــ ناس خطابيون : أصحاب اللغة، أصحاب الإقناع عن طريق الألفاظ اللغوية


                 


                • المحاضرة الثامنة التصوف في الإسلام وفلاسفته ما هو التصوف ؟

                  1 : تعريف الصوفية :

                  هي حركة بدأت زهدا وورعا، ثم تطورت فأصبحت نظاما شديدا في العبادة ثم استقرت اتجاها فكريا وعقليا بعيدا عن مجراها الأول وعن الإسلام في كثير من أوجهها المتطرفة.

                  وللصوفية تعاريف كثيرة ومتعددة منها صوفي من صفى قلبه لله ومنها من لا يملك شيئا ، كذلك التصوف هو الطلب للحقائق . ويعتبر الغزالي من بين مفكري الإسلام الذي لقي صعوبة في تعريف الفكر الصوفي، عندما قال ( فابتدأت بتحصيل علمهم أي علم الصوفية من كتبهم حتى اطلعت على كل مقاصدهم العلمية وحصلت ما يمكن تحصيله من طريقتهم بالسماع ، وظهر لي أن أخص خصائصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعليم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات ) .

                  2 : نشأة التصوف في الإسلام وتطوره :

                   الزهد والورع قديمان في البشر وقد كان بين العرب زهاد وعباد في الجاهلية ثم جاء الإسلام فبرز عنصر الزهد بروزا واضحا ، ففي العصر الأموي اتسعت الإمبراطورية الإسلامية وتدفقت الأموال فأصبحت حياة الناس حياة الترف ، وشغل الترف الكثيرين فأحدث ذلك ردة فعل من طرف الآخرين على هذا التوجه في الحياة المادية وجعلوا من العبادة والتقشف طريقا أخر للتقرب إلى الله عز وجل ، ثم برز الزهد أكثر في العصر العباسي مثل إبراهيم بن أدهم الذي تحدث عن الصبر والتوكل وغيرها .

                  3 : العناصر الأجنبية للتصوف في الإسلام :

                   من أبرز الثقافات المؤثرة على التصوف في الإسلام نجد الفلسفة اليونانية خاصة فلسفة فيثاغورس الذي كان يقول أن وراء هذا العالم عالم روحاني تشتاق إليه الأنفس ، إضافة إلى هذا تأثير أرسطو الذي قال بأن الله هو الغاية التي ينجذب إليها كل موجود ، كما نجد المتصوفة أخذوا من الفكر الإسكندراني الذي يقول أن النفس تحاول في أثناء حياتها أن تتصل للحظات بالملأ الأعلى .[1]

                   

                     4 : أهم العناصر الموجودة في الفكر الصوفي :

                       ــــ الذكر:  ويكون على جزئيتين حسب التفكير الصوفي: ذكر باللسان وذكر القلب، ويعد ذكر القلب الأسمى، لذا يجب على الصوفي أن يكون دائم الذكر لله بقلبه لأنه إذا غفل عن ذلك فقد غفل عن الله.

                      ـــــالسماع: وهو السماع إلى الغناء الذي يراد به التواجد، وقد يرافق هذا الغناء عزف من جنسه، أما الرقص فهو حركات موزونة بالجسم، وتساعد على حصول التواجد في الجسم .

                      ـــــ التوبة: معنى التوبة عندهم أن يذكر المريد ذنبه دائما أي خطيئته ومعصيته وبعد أن يجتاز هذا المريد هذه الخطوة يقوم بالمراحل التالية:

                            ـــــ مقام الورع: وهو أن يتعفف عن كل معصية أو خطيئة.

                          ــــ مقام الزهد: وهو الإعراض عن جميع ما في الدنيا، وتفقد الدنيا في عينه كل قيمة، والشرط من ذلك ليس خوفا من العذاب أو ابتغاء الجنة وإنما محبة لله عزوجل.

                            ــــ مقام الفقر: وهو أن لا يملك المتصوف أي شيء، فقط من الضروريات التي يحتاجها

                            ـــــ مقام الصبر: وهو أن يصبر المتصوف عن كل شيء يناله فلا يتمنى مثلا زوال الإثم بل بعده ابتلاء.

                            ـــــ مقام التوكل: وهو أن يترك المتصوف الاهتمام بأمور الدنيا ولا يدخر أي شيء أو ممتلكات للمستقبل وإنما يترك كل شيء لله متوكلا عليه.

                           ــــ مقام الرضا: وهو أن يتقبل المتصوف كل ما يأتي من عند الله باطمئنان.

                      وبهذا يكون الصوفي قد بلغ مداه ويكون نقي القلب مستعدا لقبول معرفة الله.


                  [1]


                  • المحاضرة التاسعة فلاسفة التصوف أولا : ابن باجة

                    1 : من هو إبن باجة ؟

                    هو طبيب وأديب وشاعر وحافظ لكتاب الله من مواليد 75ه، مؤلفاته لم تصل مكتملة وهذا ما يقودنا للقول أن فلسفته غامضة، ويقال أنه مات مسموما.

                        ومن مؤلفاته :

                       كتاب رسالة تسمى بالوداع: كتبها لصديقه يتكلم فيها عن غاية الإنسان.

                      كتاب رسالة في تدبير المتوحد : تدبير يعني بها المقصد الذي يقصده الإنسان ، والمتوحد حسب ابن باجة هو الإنسان الاجتماعي والإيجابي الأكثر منه سلبي، أي يحاول من خلال هذا الكتاب أن يتكلم عن شخصية المتوحد في المجتمع وكيفية تقبل المجتمع .

                       كتاب النابت: الإنسان الإيجابي الذي يستطيع أن يغير، والنابت هو المصلح وفي نفس الوقت المنعزل، وهنا يظهر تعارض كيف يكون مصلحا ومنعزلا، يتعامل مع الجماعة ولا يشاركهم في أي شي ويعلم سلبياتهم ويصلحها.

                    2 : الدولة الكاملة :

                      في الدولة التي بناها ابن باجة لا وجود فيها لأطباء أو قضاة ، فالطبيب غير موجود لأن الإنسان يأكل الغذاء الملائم من الطبيعة، والقاضي غير موجود لأن الإنسان المتوحد يتسم بالمحبة .

                      لكن إذا كان المتوحد سلبي في المجتمع فعليه أن يتعامل بالألغاز عليه أن يكذب ظاهريا والباطن شيء أخر، بهذه اللغة يفسر ابن باجة عالمه السياسي .[1]

                    3 : مراتب الوجود( الموجودات والحركات اللامتناهية ) :

                       الموجودات من المعدودات ومن التعدد وهي كثيرة و لكن في الغالب تنقسم  الموجودات من المعدودات ومن التعدد وهي كثيرة تنقسم إلى قسمين : ذوات الأحجام وغير ذوات الأحجام ، فعند النظر إلى العالم نجد أن الحركات خاضعة للموجودات ، فذوات الأحجام أي ما له حجم ويمكن قياسه له طول وعرض .. الخ أما الأخرى يقصد بها الأشياء المعنوية مثل الشرف ، الكرم ، الشهامة ...الخ ، أما الحركات جزئين : هناك حركات منقطعة وهناك حركات مطلقة ، فالمنقطعة هي الأدنى ويمكن قياسها ، والمطلقة هي الأبدية والأزلية وتمشي في خط مستقيم وكأنها سرية وتتسم بعد الرؤية .

                       4 : الأجسام :

                     تنقسم إلى ثلاثة : الأشكال والمادة والصورة ، كل شيء له مادة وصورة والمادة لا يمكن أن تكون موجودة إلا من خلال الصورة والصورة ثلاث أشكال : الكلية والجزئية والجسمانية ، ويجب أن يكون هناك إتحاد بين الصورة والمادة، فالصورة الكلية مثلما أقرها أفلاطون شأنها شأن المثل ( العقل الكلي أي كل الموجودات لها عقل واحد وكل العقول تنتمي إلى العقل الأول الذي خرجت منه ، مثال واحد تجزأت منه ، وهناك الصور الجسمانية أي هناك جسم وله صورة خاصة به أما الجزئية ترتبط بالمخيلة عند الإنسان وكذلك الحس المشترك .

                       المادة غير حاصلة بدون صورة ووجوده يبنى مع الصورة ، الصورة الكلية ثم الجزئية ثم الجسمانية فالكلية هي المثال ثم الجسمانية هي المحسوس ، فالمادة تشكل الشيء بصورة معينة وهناك الصور الجزئية المخيلة الذاكرة  ،الحس المشترك .[2]

                    5 : النفس عند ابن باجة :

                       ليس له الشيء الجديد النفس على خمس أشكال :

                      الروحية ، الغاذية ، الحاسة ، المولدة ، الأسطقسية ( الهواء ، الماء ، التراب )

                      الروحية خاصة بالحيوان الناطق ، أما الغاذية والحاسة والمولدة فخاصة بالحيوان غير الناطق ، أما الأسطقسية فهي الاندفاعية .

                        يحاول أن يقسم أفعال الإنسان إلى عمل بهيمي وعمل إنساني فإذا قام الإنسان بعمل بهيمي يغيب عنه التفكير، وإذا كان فيه تفكير فهو إنساني.

                     ويقسم أفعال الإنسان إلى ثلاث:

                             ــــ أعمال جسمانية : متعلقة بالجسم قصد الترفيه فقط .

                             ــــ أعمال مرتبط بقوى النفس: الغضب، الشجاعة، الكرم...الخ وهي كل فعل له علاقة بالنفس وقد تكون صادقة وقد تكون كاذبة مثل: الرياء إدعاء الكرم ..الخ فالصادقة سلوكيات إنسانية سواء نابع إما من اعتقاد ديني أو وازع اجتماعي.

                            ــــأعمال خالدة :  و هو عمل يحقق السعادة  وعادة ما يكون عمل إلهي .

                    6 : أنواع الفضائل عند ابن باجة :

                       يقسمها إلى نوعين :

                     أ : الفضائل الشكلية : تنبعث هذه الفضائل من ضرورة أو من غريزة وليس فيها مجال للإرادة أو لرؤية أو تفكير مثلما نجدها عند بعض الحيوانات وهذه الفضائل لا قيمة لها إذا وجدت عند الإنسان .

                    ب: الفضائل الفكرية : وهي المبنية بالدرجة الأولى على التأمل والإرادة بحيث يفعل الإنسان السلوك الإنساني ويعلم أنه حق من دون أن ينتظر النتائج وهذا الفعل هو الذي يتجاوز السلوك الإنساني إلى الإلهي حسب ابن باجة وهذا هو هدفه من فلسفة الإنسان المتوحد .


                    .[1]

                     


                    • المحاضرة العاشرة ثانيا : إبن طفيل

                      1 : من هو ابن طفيل ؟

                      هو شخصية ظهرت في بلاد الأندلس بغرناطة  من مواليد 500ه، له طابع قصصي في سرد فلسفته ، اشتغل بالطب أيضا ، مشهور بالنظرة الثاقبة للأمور ، لم يترك مؤلفات كثيرة لكن أشهرها   رسالة "حي بن يقضان" ولديه رسالة أخرى في النفس لكن لم توجد...الخ ، وأهم مسألة يحاول أن يجيب عليها ابن طفيل هي مسألة علاقة الإنسان بالعقل الفعال أي جبريل صاحب الرسالة إلى الله عز وجل هو الموضوع الرئيس الذي تعالجه الرسالة ، ومن خلالها أيضا يحاول إعطاء مواضيع أخرى عن المواد البسيطة إلى غاية الوصول إلى الله عز وجل .

                       2 : رسالة حي بن يقضان :

                       الفلسفة التي كانت  في عصره لم تكن واضحة ولم تشبع فضوله ، كما رأى أن فلسفة الغزالي فيها الكثير من الشك والريبة إلا بعض الأحكام المسبقة. وهذا تفكير خاطئ حسب ابن طفيل ، بالإضافة إلى ذلك معظم الفلاسفة المعاصرين له فكرهم لم يكتمل، وبالتالي كتب هذه الرسالة ليوضح بها فكر المشرق وفيها من الإضفاء الروحي للحياة الإنسانية والبلاغة نوع من الراحة للنفوس المتعبة ، وقصة حي بن يقضان هي قصة متداولة ولكل فيلسوف تفسيره الخاص فمثلا ابن سينا هي نفسها عنده سلمان و أبسال.

                         ـــ في هذه القصة هناك احتمالين لهما مدلولين :

                         الاحتمال الأول : في أرض الهند تخمرت فيها طينة من برودة وحرارة ومن فعل الانتقاء الروحي ولد الإنسان، ونشأة حي هي تطور طبيعي والإنسان بالتالي خلق من خلية ثم وصل إلى إنسان عاقل، أي أن حي ولد بدون أبوين وبدون بيئة اجتماعية .

                         الاحتمال الثاني: أن حي ولد عن طريق أبوين طبيعيين وأن أبسال حاكم المدينة له أخت لم يزوجها لأنه لم يجد الزوج المناسب فتزوجت سرا ، فأنجبت ابن وخوفا من أخيها وضعته في النهر .[1]

                      المهم أن حي نشأ حياديا عن المجتمع وعندما وصل إلى شاطئ الجزيرة سمعته ظبية ، فأرضعته ولم تكن تفارقه ، ومع مرور الوقت كبر حي وتعود على بعض الأصوات وبعض الحيوانات والموجودات .

                      والرسالة من سبعة أسابيع وكل أسبوع بسبعة سنوات، وهي 50 سنة الحيز الزمني الذي وضعه ابن طفيل لفيلسوفه بن يقضان، ففي الأسبوعين الثاني والثالث موت الظبية  وهنا اصطدم بن يقضان بمشكلة : كيف فارقت الحياة ؟ فحاول أن يصل إلى العطب الذي تسبب في موتها فعلم أن الظاهرة الحسية حل بها شيء، ثم واصل البحث حتى وصل إلى القلب ووجد فيه تيارين: هناك خط للدم ولم يجد فيه أي عطب أما التيار الثاني فورد فيه هواء كثيف طفيف فاكتشف أنه سبب وفاة الظبية ....الخ فانهارت عليه مجموعة من الأسئلة ...الخ ثم بعد ذلك رأى النار فاستأنسها ثم أدرك أن الإنسان نابع من هذا الجوهر الساخن ...الخ ثم أتى الأسبوع الرابع والخامس نظر إلى السماء ...الخ، ثم الأسبوع السادس بدأت قواه الحسية و العقلية تضعف، ثم المرحلة السابعة هي مرحلة الكشف عن طبيعة الأشياء التي يشاهدها.

                          ما هي طبقات الناس حسب ابن طفيل ؟ تمام القصة:

                      سلمان و أبسال، سلمان كان حاكم المدينة وله رعيته وله صديقه أبسال ، سلمان يفهم القرآن جيدا ويحاول تطبيق تعاليمه ظاهريا، بينما أبسال له جانب باطني في فهم القرآن ، ثم يتوج أسال إلى جزيرة حي فيحدث نوع من التنافر بين كل من حي وابسال. فأبسال لم ير حي وحي لم ير أبسال، حي هو العقل وابسال هو الدين ، ثم يفر أسال هاربا فيتبعه حي لأنه تربى على حقيقة الاكتشاف ، ثم رآه يصلي ويتكلم بلغة القرآن وشيئا فشيئا بدأ حي يتقرب من أبسال فعلمه اللغة وعلمه الصلاة والعبادات فزال بذلك التناقض بين الدين والعقل، ثم طلب حي من أبسال أن يريه المجتمع ، فذهب به إلى سلمان ومجموعة من الناس ( الصفوة ) لكن حي لم يستطع أن يتعايش معهم ولا إقناعهم فرجعا إلى الجزيرة .

                        إذن من خلال تمام القصة ندرك أن الناس أربع طبقات حسب ابن طفيل  وهي :

                        ـــــ أصحاب الفطرة الفائقة مثل حي .

                            ـــــأفراد ذوو فطرة فائقة عاشوا في بيئة اجتماعية ففهموا من الدين أكثر مما فهم الآخرون مثل أبسال .

                       ــــ الخاصة من العامة وهم الذين يدركون من الأمور ما يدركه أهل الفطرة لكنهم يؤثرون المجتمع على العزلة مثل سلمان .

                            ــــ عامة الناس أو الجمهور الغالب.

                      3: غاية ابن طفيل من خلال قصة حي بن يقضان :

                       حاول ابن طفيل أن يبحث في مسألة شغلت حيزا كبيرا من التفكير الفلسفي وهي مسألة اتصال الإنسان بالعقل الفعال، لأن شأن هذا الاتصال هو الحصول على السعادة، وهذه الأخيرة لن تكون إلا للفلاسفة عن طريق العقل فيصلون إلى سعادة مطلقة كاملة ، بينما العامة المعتمدين على الشرائع فتبقى سعادتهم نسبية ناقصة ، فالفلسفة إذن سبيل لتطوير العقل الإنساني نحو الكمال والخير الأسمى بينما باقي الشرائع وما أتت به من عبادات فهدفها فقط وضع وازع اجتماعي للعامة، فالغاية إذن العملية لكل من الدين والفلسفة واحدة ، إلا  أن الدين يختلف اختلافا جوهريا في سبيله وتفاصيله ، كما أن للدين فضل واحد على الفلسفة وهو أنه يهيئ السعادة للكثير من البشر بينما الفلسفة لا تستطيع أن تمنح ذلك إلا للأفراد فائقي الاستعداد والفطرة .[2]

                       

                      4: نظرية المعرفة :

                        المعرفة معرفتان : المعرفة الحسية القائمة على الإحساس ويعتمد فيه على الحواس ، أما الأخرى فهي المعرفة الصوفية وهي الأرقى درجة من الأولى .

                      5 : النفس ومصيرها :

                        يقسمها إلى ثلاث نامية ومولدة وحيوانية ولها حركة مفيدة، أما بالنسبة للخلود فالخلود لأصحاب الفطرة الفائقة والسعادة تكون عندما تلتصق النفس بالبدن


                       

                      [2]


                      • المحاضرة الحادية عشر ثالثا : مسكويه

                        1: من هو مسكويه ؟

                        هو أحمد بن يعقوب الملقب أبو علي الملقب بمسكويه ، ويطلق عليه اسم علي الخازن، مؤرخ وفيلسوف فارسي بارز من أبناء مدينه الري، كان ناشطا سياسيا زمن الدولة البويهية ويعتبر أول من كتب في الأخلاق بمفهوم عملي فلسفي له كتاب في هذا المجال بعنوان " تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق " الذي ركز فيه على الأخلاق والمعاملات، بالإضافة إلى كتاب أخر بعنوان الفوز الأكبر والأصغر .

                        2 : أدلة وجود الله :

                          البراهين التي كانت حاصلة للفارابي والكندي وابن سينا تكفي للإثبات وجود الله، وإن كان يميل إلى برهان الحركة الأرسطي فكل شيء متحرك له علة تحركه ، ألا وهو الله لأن المتحركات لا تنتهي حركتها.

                         3 : صفات الله :

                        إثبات صفات الله باللغة السلبية وهي حسب رأيه كافيه لأن العقل قاصر على إعطاء توصيفات لله  بصورة مطلقة فالله عز وجل بمفهوم مسكويه جلي غامض، فالتنظيم المحكم للمخلوقات هو الجلي، أما الخفي فإن هناك أمورا تجعلنا لا ندرك صفاته بصورة تامة .

                         4 : النفس :

                         هي قوة روحانية غير جسمانية تختلف عن الجسم مصيرها الخلود بخلاف الجسم لها معرفة قبلية ، لها علم مسبق لما تأخذه من الحواس لأنها هي التي تعدل المعرفة التي تأتي بها الحواس ولها القدرة على فهم المتناقضات .

                              ـــــ أقسامها:

                                       ــــ النفس الناطقة: فضيلتها الحكمة، القوى التي تسير في باقي القوى الأخرى.

                                       ــــ النفس الغضبية : القلب أو الاندفاعية .

                                       ــــ النفس الشهوانية

                        5 : الأخلاق :

                         يعد مسكويه من أبرز علماء الأخلاق فهو صاحب لقب المعلم الثالث ، حيث جعل للأخلاق قيمتها العظمى والعلم الذي يبحث في هذا المجال هو أشرف العلوم ولهذا جعل جل مصنفاته تناقش هذه المسألة على غرار " تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق " الذي يقول في صدر مقدمته يجب أن نصدر لأنفسنا خلقا تصدر به الأفعال كلها جميلة وتكون مع ذلك سهلة بدون تكلفة ومشقة. ولبلوغ هذا الهدف بحث مسكويه في طبيعة النفس فجعلها جوهرا مختلفا كل الاختلاف عن البدن لأنها حسبه قادرة على استيعاب الصور المتضادة سواء كانت محسوسة أو معقولة .

                               ـــــ أقسام الأخلاق :

                                                 ــــ قسم طبيعي من أصل المزاج

                                             ــــ قسم مشتق بالعادة ويعود إلى الرؤية والأناة والفكر ويستمر ليصير خلقا.

                               6: الفعل الإرادي عند الإنسان :

                           يعتبر الإنسان الكائن الوحيد القادر على إثبات الأفعال الإرادية عن طريق التفكير والتمييز، وعليه وحتى وإن كان السلوك يتناغم مع الفعل والسلوك الأخلاقي غير معتمد على التفكير والتدبر فلا يعد أخلاقيا بمفهوم مسكويه ، وعليه يشترط التفكير ومن ثمة الإرادة لكي نحكم على الفعل خير أو شر .[1]

                        المحاضرة الثانية عشر :

                         رابعا : ابن خلدون .

                        1 : من هو ابن خلدون ؟

                          هو عبد الرحمان ابن خلدون من مواليد 1332م بالأندلس وتربى بتونس العاصمة على يد والده ، حفظ القرآن الكريم بلغة السمع في السنوات الأولى ، مشهور بأنه مؤرخ وأحد رواد علم الاجتماع، من أهم كتبه   " المقدمة " وتنقسم إلى ستة أبواب تناقش قضايا معينة ، وقد كان قد كتبها بعد 40 سنة من عمره بينما كان متجولا من منطقة لأخرى ، وبسبب انتهاجه للسياسة تعرض للسجن ...الخ .

                         

                        2 : لغة أبن خلدون أو بعض المصطلحات التي عرف بها :

                                 ـــــ العمران : الاجتماع البشري .

                                 ـــــ العصبية : صلة الرحم ، القرابة أو تلك الرابطة الاجتماعية بين الناس التي تشمل العادات والتقاليد التي تساهم في بناء الدولة .

                                 ـــــ الوازع : الدولة ، وظيفة الدولة هي الردع لكل من يقوم بإيذاء الآخر.

                                 ـــــ الخير : هو مصطلح موجود خاص بالمجتمع البدوي ، مثل التصوف والزهد مبني على التقشف وهذا الأخير موجود في المجتمع البدوي .

                                 ـــــ الحاجي : الضروري .

                                 ـــــ الأسمائي : هو الشيء الكمالي .

                         3 : موقف ابن خلدون من بعض القضايا :

                                أ : العقل : العقل حسبه له حدود معينة وإذا حاول البعض إعطاءه الصيغة الكلية هذا خاطئ ، ومن الصعب أن نضع للعقل حدود متناهية بمعنى له مدركات جزئية فقط لأنه مبني على الأشياء المحسوسة ووظيفة العقل في الأمور الطبيعية ( المنطق والرياضيات ) ولكن لا ندرك به الأمور الغيبية ، فالعقل لا يجب أن نثق به ثقة مطلقة .[2]

                        ب : الفلسفة : لا يحاول ابن خلدون إنصافها تماما بل وضع لها شرط أساسي وهو أن تمتلئ بالأشياء الدينية حتى يتمكن من الغوص فيها (البعد الأنطولوجي) وأنها تمتلك القدرة على شحن الذهن أي الاستقامة 

                                ج : الدين : إن ابن خلدون فيلسوف واقعي ويرى أنه من الخطأ أن نجعل من الدين كل شيء لأن هناك حدود معينة يهتم بها الدين وهي ( البعث ، الميعاد ، الآخرة ...الخ ) أما غير هذا فيكون غير صالح ، ويمكن توظيف العقل لوضع قوانين تكون عادلة بغض النظر عن الدين لأن الدين أموره واضحة ولا يحق له التدخل في العقل الخاص بالأمور الطبيعية الظاهرية .

                         

                         

                                 د : التصوف : له موقفان .

                           الموقف الأول عبارة عن موقف متعجل سلبي ، حيث يقول في المقدمة بأنه بدعة غير مألوف خارج عن الدين وبعدما قرأ وأطلع حكم عليه بعد 20 سنة ، فتكلم عنه بأنه شيء إيجابي لأنه انتقاده للمرة الأولى من عقيدة الشيعة ، وحاول دائما إعطاء أعذار له فرأى بأن أي إنسان لم يذق التصوف يخشى عليه من سوء الخاتمة ، فالتصوف له دوافع معينة ، ويحاول من جهة أخرى أن يعطيه مفهومه الخاص ، فيذهب إلى أن التصوف أو الزهد يكون مع إمكانية توفر المادة وعندما يحاول الإنسان محاسبة نفسه فهي أرقى مرتبة يصل إليها المتصوف، حيث بدأ متشبعا بالإسلام والقيم الإسلامية.

                                  ــــ التقوى والورع والخشية من الله سبحانه وتعالى، وتأتي على أساس العلم الشرعي وهو واجب على كل مسلم أو مؤمن وبالتالي يكون وجود الشيخ هنا عرضي .

                                  ـــــ الاستقامة يكون فيها الشخص بحاجة إلى الشيخ  تكتسب النفس سلوكيات معينة فتستقيم بين الترك والأخذ .

                                 ــــ الكشف : الوصول عندما يصل إلى هذه المرحلة يكون بأسس الحاجة إلى الشيخ ويجب أن لا يتوج بما وصلت إليه أحد حتى لا يكون خطر عليه .

                             ه : المعرفة :

                          المعرفة عنده حسية وعقلية و نقليه لكنه يغلب الجانب العلمي على الجانب النظري .


                        . [1]

                        [2]


                        • المحاضرة الثالثة عشر خامسا : ابن عربي

                          1 : من هو ابن عربي ؟

                           هو أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي الحاتمي المعروف ببن عربي ، من مواليد 560 ه ــــ 638 ه ، جنوب الأندلس ، تعلم القرآن والفقه ، عرف كغيره من رجال الصوفية بالتجوال و الترحال ، وهذا ما جعله يلتقي بمشايخ الصوفية ويأخذ منهم ، ويعتبر من أكثر الشخصيات المثارة للجدل فهو تارة ينعت بأنه صديق وتارة ينعت بأنه زنديق. ومن أشهر مؤلفاته نجد الفتوحات المكية بحيث يجمع فيه العلوم الصوفية إضافة إلى أهم محطات حياته ، الذخائر والأخلاق في شرح ترجمان الأشواق وفيه يتكلم عن مقامات الصوفية ويشرحها . الأخلاق وفيه يتكلم عن الأخلاق الاجتماعية بمنظور صوفي .

                             2 : أسباب دخوله لعالم التصوف :

                          تربى وترعرع في بيت تقى فكان لها تأثير على تحوله من منحى إلى منحى فكان صيادا ثم أصبح صوفيا ، وأهم عامل جعله يتحول هو ما شاهده في البيت الذي ترعرع فيه، أيضا نجد والده كان ذا شأن في العلم والفقه ، وأبرز حالة هي إصابته بمرض فوجد أباه بجانبه، حيث رأى في المنام أنه كان محاطا بعدد هائل من القوى البشرية وفجأة رأى شخص جميل يدفع عنه الضر والشر ، فسأله من أنت فأجابه أنا سورة يس ، فاستفاق ووجد أبيه عنده يقرأ سورة يس ، وهذه الحادثة تعد من أهم الأسباب التي دفعت به إلى دخول عالم التصوف

                          3 : المنهج الصوفي حسب إبن عربي :

                          إن النجاح في بلوغ التصوف يتم بمجاهدة وعلى هذا الأساس يتوجب من المريد الذي يريد الوصول إلى أعلى درجات التصوف أن يأتي بالعناصر التالية:

                                   ــــ اعتدال المزاج أو انحرافه .

                              ـــــ استقامة الهمة .

                                   ـــــ مساندة الشيخ للشخص المريد .

                          4 : نظرية وحدة الوجود :

                          تعتبر نظرية وحدة الوجود من أهم الأفكار التي يدافع عنها ابن عربي ، فهو يقول أن هذا العالم المختلف في أشكاله ليست سوى مظاهر متعددة لحقيقة واحدة وهي الوجود الإلهي، ومن ثمة يصل إلى  هذه النتيجة الوجود في جوهره واحد  وأن وجود الأشياء جميعها إنما هو الله ، إضافة إلى هذا فهو يقر على إمكانية نزول الله في البشر ، بالرغم من أن بعض كتاباته تنكر هذا، ولكن في أشعاره الصوفية الكثير ما يحيل إلى هذا الأمر، وعلى هذه الشاكلة تكون نظرية وحدة الوجود عنده هي الله زائد العالم يساوي الوجود

                          • المحاضرة الرابعة عشر خامسا : السهروردي

                            1 : من هو السهروردي ؟

                            هو أبو الفتوح ابن حبش المنتهي إلى شهاب الدين السهروردي ولد في القرن 6 ه ، بمدينة السهرورد من أعمال أذربيجان ، وهناك تلقى تعليمه الأول ودرس القرآن وتلقى فكر ابن سينا في مدينة فارس، عرف بكثرة الترحال لأنه يرى في الترحال راحة للنفس، عرف على شخصته الظاهرة عدم اللامبالاة بالخلق والدنيا وما فيها من ملذات ، أيضا اللامبالاة بالنظافة والمظهر الخارجي .

                               يعرف أيضا بكثير الجوع والسهر وهي ما يسمى بالمجاهدات النفسية ، فشخصيته تنعت بالجانب السلبي بالرغم من أنه لم يعمر طويلا لأنه مات مقتولا ، من مؤلفاته : حكمة الإشراق ، المشارع و المطارحات، هياكل النور، كتاب البصر...الخ.

                            2 : فلسفته الإشراقية :

                             يعتبر من أبرز الفلاسفة الإشراقيين، لأنه من الأوائل الذين ناقشوا ما يعرف بالفلسفة الإشراقية، والمقصود بها الحكمة المؤسسة على الإشراق ( أو الكشف أو حكمة المشارقة الذين هم من أهل فارس ) ، فهي كشفية لأن حكمتهم مبنية على الإشراق الذي هو ظهور الأنوار العقلية ولمعانها وفيضانها بالإشراقات على النفس عند تجردها من الأمور المادية ، ومن شروطها رؤية داخلية وتجربة صوفية ومعرفة مشرقية نسبة إلى مشرق المعقولات الخالصة، لكن يبقى لفظ إشراق ومشرقي مترادفين فالمكان بلاد فارس (المشرق) والمعرفة الإشراقية ظهرت في تلك الثقافة ، وحسب السهروردي فإن المعرفة الإشراقية هي تزاوج بين البحث الاستدلالي و التجربة الذوقية . 

                              3 :  وجود الله :

                            واجب الوجود أو نور الأنوار هو الله عز وجل ، ولإثبات وجود الله يحيل إلى أن هناك ممكن الوجود ، فالعالم متكون من ممكنات الوجود ، ولا يمكن أن تنتهي إلى سلسلة  غير متناهية ، وبالتالي يجب أن نقف عند علة أولى وهذه العلة هي واجب الوجود والوصول إلى الله عز وجل بطريقين :

                                  ــــ طريق الاستدلال والنظر : وهو غير موصول.[1]

                                  ــــ طريق المجاهدات الرياضية والنفسية : وهنا نجد حسب السهروردي فريقين : فريق المعرفة الصوفية وفريق المزاوجة بين الجانب العملي والنظري .

                             4 : فكرة الفيض عند السهروردي :

                             هي ليست أصيلة عنده نقلها كما وجدها عند الفارابي ، نور الأنوار ينبثق عنه النور الأول ، فالله عز وجل هو الكمال  ، وإذا كان الله هو نور الأنوار فإن النور الأول هو جبريل عليه السلام ، ثم الثاني ثم الثالث وهكذا وكلما تدنت المرتبة كلما قل النور ،  وكلما قل النور تشكلت الظلمة ، وهناك الأنوار العقلية والأنوار الحسية فالأولى لها الخلود والثانية لها التلاشي ، لكن بصفة عامة لم نجد موقف صريح للسهروردي من نظرية الفيض فنجده تارة يقول أن هناك عشرة عقول وتارة أن العالم عبارة عن مجموعة من الأنوار غير المتناهية .

                            5 : المعرفة الصوفية :

                             الفلسفة الصوفية: تعتمد على العلم الشرعي أو الرسمي، علم ظاهر القرآن الكريم وما نص عليه

                             الفلسفة الإشراقية  :لا تجعل من العلم الرسمي أساسا لها بل تزيد عليه وتتجاوزه .

                              ومن خلال الفلسفتين نصل إلى محنة السهروردي وهي تجاوز لمسائل الشرع وحتى النبوة مما تسبب في قتله على يد صلاح الدين الأيوبي ، لأنه أقر أن الله يستطيع أن يخلق نبي بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأن النبوة لم تنقطع ، فأعدم لأن فكره لم يوافق ما جاء به مذهب السنة.

                                  ومن خلال طرحه عموما نجده قسم الحكماء إلى ثلاث:

                                  ــــ حكيم متأله غير باحث : الأنبياء فهم يعيشون سعادة قصوى وهذه السعادة تأتي من عند الله عز وجل

                            ــــ حكيم باحث غير متأله : يقوم بالبحث والجهد النظري لكنه لم يصل إلى الإتحاد بالله ، وهو الذي ينشد السعادة وينتهي إلى العقل الفعال .

                                 ـــــ حكيم متأله وباحث : يزاوج بين المعرفة العقلية والمعرفة الذوقية الصوفية


                            . [1]


                            • المحاضرة الخامسة عشر : سادسا :ابن سينا

                              التصوف في فلسفة ابن سينا :

                              إنه من المفارقة التكلم عن التصوف عند ابن سينا  ، لأنه يعتبر في نظر الكثير عبارة عن تجربة ذوقية روحية يعيشها الفرد ، والقارئ لحياته لا يجد ذلك الورع الذي اتسم به غالبية الصوفية أو المتصوفة ، إلا أن هذا لا يمنعنا من اعتبار أن الشيخ الرئيس نجح إلى أبعد حد في وضع الأساس النظري لهذه الطريقة ومن أبرز هذه المؤلفات التي خص بها ابن سينا فلسفته الصوفية نجد كتاب الإشارات والتنبيهات حيث ناقش في فصوله الأخيرة مسألة التصوف وميز بين ثلاث أنواع من المتصوفة :

                                    ــــ العابد : حسب منظوره هو ذلك الإنسان الذي يجعل من العبادة أساسا له ، فيحرص على الصيام والصلاة ، إلا أن عبادة هؤلاء حسبه يتوخى صاحبها لذة من ورائها، فبسلوكه هذا يستأجر اللذة الراهنة على الآتية .

                                    ــــ الزاهد : والذي يلتقي مع العابد في طلب اللذة والزهد في الحياة إلا أن هذين الصنفين حسبه أقل مرتبة من المتصوف الأخير وهو العارف .

                               ـــــ العارف : هدفه كله هو الشوق لله تعالى وعشقه له لا يكمن في للذة الآتية ولا خوفا من عقابه بل يعشقه لأنه حق .

                                 وللوصول إلى هذا المستوى يتطلب من الشخص العارف السير وفق مراحل آتية :

                                       ــــ الإرادة: التي تعد الدافع الحقيقي لبلوغ هذا الهدف.

                                       ـــ تطويع النفس : عن طريق الرياضة والمجاهدات وهذه الطرق قد عبر عليها الشيخ الرئيس في أكثر من قصة من قصصه الرمزية مثل قصة الطير وقصة سلمان وأبسال ، وكلا القصتين تناقش مسألة  صراع النفس الناطقة والنفس الأمارة بالسوء والتي تحاول كل مرة منعه من بلوغ الكمال.[1]

                               

                                 قصة سلمان وابسال :  هي من أبرز القصص الرمزية التي حكاها الفلاسفة المسلمون على غرار ابن طفيل ...الخ ، وابن سينا نجد عنده هذه القصة الرمزية تتكرر في أكثر من موضع إلا أنها تهدف في مقام واحد وهو ارتقاء النفس الناطقة  لبلوغ الكمال، فسلمان وابسال حسبه هما شقيقان ويعد أبسال الشقيق الأصغر لسلمان ، وكان يتعهده ويسهر على راحته ويجتهد في خدمته ، وكان أبسال حسب ابن سينا عالما ، قادرا ، أديبا ، ثم بعد ذلك تأمر زوجة سلمان بأن يجعل أبسال أحدا منهم ، حتى يصبح أولادها مثل أبسال ويأخذون منه العلم والحكمة ، وسرعان ما اقتنع سلمان بفكرة زوجته ، فدعى سلمان أخيه وأخبره بالفكرة وقال له أن زوجتي مثل أمك ، ( تشبه فصول القصة كثير قصة يوسف عليه السلام ) إلا أن قدرة أبسال الفائقة جعلته ينجوا من شراك المؤامرة بعد خطفة برق أنارت له الطريق ، وتستمر فصول القصة إلى أن يفتح أبسال بلاد المشرق والمغرب ويجعل أخاه ملكا لها . إلا أن مؤامرة زوجة سلمان التي قلبت عليه الجيش جعلته يغتم ويحزن للأذى الذي تلقاه أخاه أبسال بعدما وضع له السم من طرف أحد قادة الجيش .

                                  فك رموز القصة :

                                  ـــــ سلمان لابن سينا يمثل النفس الناطقة .

                                  ـــــ أبسال : العقل النظري المرتقي إلى أن أصبح عقلا مستفادا وهو درجة في العرفان .

                                  ـــــ امرأة سلمان : هي القوة البدنية الأمار بالشهوة والغضب .

                                  ـــــ رفض أبسال زوجة سلمان دليل على انجذاب العقل إلى عالمه الأول .

                                  ـــــ فتح أبسال البلاد لأخيه : دليل على إطلاع النفس بالقوة النظرية على الجبروت والملكوت وترقيها إلى العالم الإلهي .

                                  ـــــ اختلال سلمان لفقد أخيه أبسال : دليل على اضطراب النفس عند إهمالها تدبيرها .

                                  ـــــ وضع السم من طرف زوجة سلمان عن طريق الطابخ : دليل على أن الطابخ هو القوة الغضبية التي تنم عن الانتقام والطعام هو القوة الشهوانية الجاذبة لما يحتاجه البدن والتكلم عن البرق ولمعانه دليل النور الإلهي .

                                  هذا الصراع كله يمثل حسبه مدى اجتياز النفس الناطقة لصعوبات متعددة  حتى تصل إالى الغاية القصوى وهي السعادة وبهذا فقط يصطلح عليه ابن سينا العارف . الذي يريد الحق الأول ولا يريد شيء غيره ولا يؤثر شيء على عرفانه وتعبده له ، والمطلوب حسبه هو الحق أي أن العارف تتعلق إرادته بذات الحق فقط ، لأن غير العارف يؤثر شيئا غير الحق، وهو نيل الثواب والنجاة من العقاب.


                               ا.[1]


                              • قائمة المراجع المعتمدة

                                 

                                1- إبراهيم مذكور، في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه، القاهرة: مكتبة الدراسات الفلسفية .

                                2- ابن حزم ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ، تحقيق محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمان عميرة، بيروت: دار الجيل، ت؟199م.

                                3- أبي الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصليين،ألمانيا، فرانز شتانير بفيسبادن، ط3،ت1980م.

                                4- هاري أ . ويفلسون، فلسفة المتكلمين، ت مصطفى لبيب عبد الغني، القاهرة : المجلس الأعلى للثقافة ، المشروع القومي للترجمة، ط1، 2005م.

                                5- الفارابي، آراء أهل المدينة الفاضلة، تعليق آلبير نصري نادر، بيروت: دار المشرق(المطبعة الكاثوليكية)، ط2، 1968م

                                6- آرثور سعدييف، الفلسفة العربية الإسلامية(الكلام والمشائية والتصوف)، ترجمة توفيق سلوم، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط1، 2000م.

                                7- الفارابي، التنبيه على سبيل السعادة، دراسة وتحقيق سحبان خليفات، عمان: الجامعة الأردنية، كلية الآداب، قسم الفلسفة، ط1، 1987م.

                                8-  أحمد علي زهرة، الكلام والفلسفة عند المعتزلة والخوارج، نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، سوريا، دمشق، ط1، 2044م.

                                9- إبراهيم مذكور، في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه، القاهرة: مكتبة الدراسات الفلسفية.

                                 

                                10- أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دراسات في الفلسفة الإسلامية، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة، ط1، 1957م.

                                 

                                11- الفارابي، الواحد والوحدة، تحقيق وتعليق محسن مهدي، المغرب، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، سلسلة المعرفة الفلسفية، ط1، 1990م.

                                 

                                قاسم محمود، نظرية المعرفة عند ابن رشد، مكتبة لأنجلو مصرية،القاهرة، ط2 12-

                                13- سلمى الخضراء الجيوسي وآخرون، الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، الجزء الأول، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 1999م.

                                 14- ماسينيون، التصوف، بيروت: دار الكتاب اللبناني، مكتبة المدرسة، ط1، 1984م.1 [1]

                                .  ابن باجه، تدبير المتوحد، دار سراس، تونس، ط1، 1994م 15-

                                 16- روني إيلي آلفا، أعلام الفلسفة العرب والأجانب، مراجعة جورج نحل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1992م.[1]

                                17- ابن طفيل، حي بن يقظان، موفم للنشر، الجزائر، ط2، 1994م.1

                                18- جعفر آلاياسين، فلاسفة مسلمون، دار الشروق، القاهرة، 1998م.1

                                  19- ابو الوفاء الغنيمي، مدخل إلى التصوف الإسلامي، القاهرة،مكتبة الثقافة للطباعة والنشر، ط2، 1976م.

                                  19- محمد عبد العزيز المعايطة، الفلسفة الإسلامية، درا الحامد للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2008م.