Résumé de section


  • مرت الفلسفة اليونانية بثلاثة أطوار: طور النشأة، وطور النضج، و طور الذبول، الطور الأول يقسم إلى فترتين: فترة ما قبل سقراط(الفلاسفة الطبيعيين) وتمتاز باتحاد العلم الطبيعي بالفلسفة وفترة السوفسطائيين وسقراط، وتمتاز بتوجه الفلسفة بالاهتمام بقضايا المعرفة والأخلاق، و الطور الثاني يمثله أفلاطون و أرسطو، والطور الثالث يمتاز بتجديد المذاهب القديمة و بالعودة إلى الأخلاق و التأثر بالشرق، والميل إلى التصوف مع الاهتمام بالعلوم الواقعية.(2) ): في الفترة الأولى أي قبل سقراط تمتاز بالاهتمام بالقضايا الطبيعية و ذلك مع طاليس و أنكسيمندريس أنكسيمانس و هيراقليدس ، نشأ الثلاثة الأوائل في ملطية و نشأ الرابع في أفسوس و هما في مقدمة المدن الأيونية عمرانا وثقافة و هؤلاء الفلاسفة يسموا بالطبيعيين الأوائل و مع الطبيعيين المتأخرين أمثال أنباذوقليس، ديموقريطس، أنكساغوراس، يجمعهم اتجاه و احد في الفلسفة و هو الاتجاه المادي،أي يفسرون الوجود تفسيرا علميا برده إلى المادة"المادة الأولية" و الاهتمام بالقضايا الميتافيزيقية وذلك مع المدرسة الايلية* القائلة بالوجود الثابت والتي من روادها بارمنيدس، أكسانوفان، زينون الايلي ومليسوس وبالقضايا الرياضية، وهي تمتد من القرن 6ق م إلى منتصف القرن 5 ق م، بينما الوجهة الرياضية أخذ بها فيتاغورس(ايطاليا الجنوبية)(1)، وسنبدأ ب::   

    الفلاسفة الطبيعيون الأوائل أو المدرسة الطبيعية الأولى/الكوسمولوجيا اليونانية  

    يجمع أغلب مؤرخي الفلسفة على أن طاليس الفيلسوف الأول لأنه أول من قام بمحاولة علمية قائمة على مبادئ طبيعية لشرح الكون دون عون من الأساطير و الآلهة المصطبغة بصبغة إنسانية. و أن ظهوره يرتبط بتنبؤه بكسوف الشمس الذي وقع سنة 28ماي 585 ق م.(2)

      

    أ_طاليس624-546ق م

    يمثل المدرسة الطبيعية الأولى التي ظهرت في مالطية و سميت بالمدرسة المالطية نسبة لكونها ظهرت في مالطية، وسميت بالمدرسة الأيونية نسبة إلى مدينة أيونيا في ساحل أسيا الصغرى، يعد طاليس فيلسوفا و رياضيا و فلكيا، زار مصر و درس علم المساحة على يد علمائها، و أخذ علم الفلك عن البابليين، هذا الاحتكاك بالثقافات الشرقية حسب اعتقاد بعض الباحثين ولد فيه روحا علمية أبعدته عن ميثولوجيا عصره، وجعلت منه أول الفلاسفة و أول الفلكيين و الرياضيين* في بلاد أيونيا.(3) وقد اعتبره هيرودت فينيقيا ،و هو يرى أن أصل الكون هو الماء فهو المادة الأولى التي تتكون منها الأشياء، لأن الحياة تدور وجودا وعدما مع الماء ،فحيثما وجد الماء وجدت الحياة و حيثما انعدم الماء انعدمت الحياة، بمعنى الماء كمادة حيوية نجدها في كل الموجودات على اختلافها، فتجمد الماء يؤدي إلى نشأة الأجسام الصلبة، و عملية التبخر تحول الماء إلى هواء، الذي يتحول هو الأخر إلى نار و من هذا المنطلق يكون الماء هو الأساس في العناصر الطبيعية الأربعة: الماء، التراب، الهواء، النار.و يبرر أرسطو رأي طاليس بأن النبات والحيوان يتغذيا من الرطوبة و مبدأ الرطوبة الماء، ثم أن النبات و الحيوان يولد من الرطوبة بل أن التراب تكون من الماء، و الأرض خرجت من الماء فصارت قرصا طافيا على وجهه كجزيرة كبرى فوق بحر كبير، ويذكر أرسطو قولا له"العالم مملوء بالآلهة" أو بالأنفس.(1) غير أن هذا القول لا صلة له بأية نزعة دينية ثيولوجية عند طاليس لأن المادة كانت تتسم عند القدماء بالحياة أو لها نفسا، و الذي يؤكد هذا هو ما ورد عن أرسطو في كتاب"النفس" و هو أن طاليس رأى أن للحجر المغناطيسي نفسا،لأنه يجذب الحديد، بمعنى مبدأ الحركة في الأشياء هو النفس، لهذا وصف مذهبه بالنزعة الحيوية Hylozoïsme وهي نزعة سادت مذاهب القدماء في المادة.(2) إن أهمية طاليس الفلسفية تكمن في قوله بالأحادية بإرجاع الوجود إلى عنصر واحد هو الماء دون الاعتماد على أساطير عصره، بل اعتمد على التأمل العقلي والحدسي وهما خطوة تقدمية نحو العلم، و سبب تفسيره للكون بالماء ربما قصة الطوفان كان لها تأثيرا في تفكيره حيث عادت الحياة إلى الأرض و كأنها نمت من الماء من جديد(3) إضافة إلى اعتنائه بظاهرة فيضان النيل عند الفراعنة، والذين كانوا يفسرونها سر الحياة و مصدر الخير و الثراء.

      

    ب_انكسمندريس610-545ق م

    معاصر لطاليس، ينتمي إلى عائلة معروفة في مالطية، تميز تفكيره بالدقة و الشمول، وأشتهر بمعرفة واسعة بالفلك والجغرافيا، و أول مدون للفلسفة بأسلوب شعري، وينسب إليه أو ل خارطة للعالم، جعل فيها اليونان في المركز تحيطها أجزاء من أسيا و أوروبا، ثم يحتضنها المحيط الواسع.رفض وجهة نظر طاليس القائلة بأن الماء أصل الأشياء،و أيده في فكرة المادة الواحدة، و هو يرد المبدأ الأول لكل الموجودات إلى الأبيرون(اللامتناهي، اللامحدود)،لكن ما هو هذا الأبيرون وما هي مميزاته؟ هل هو محدد كما وكيفا؟ الفكرة تحمل معنيين: الأول: الأبيرون غير معين، فهو لا هذا العنصر الطبيعي و لا ذاك،فليس هو الماء و لا التراب و لا النار. ثانيا: من حيث الكم الأبيرون غير محدد ماديا.و قد شرح "أنكسيماندريس هذا الأبيرون في كتابه"الطبيعة" الذي فقد و لم يبق منه إلا شذرات قليلة ذكرها أرسطو، غير آن تلك الشذرات لم تزيل الغموض، ولعل السبب في ذلك أنه مات قبل أن يوضح توضيحا مقنعا لفلسفته، يرجح تلميذه أنكسيمانس أنه كان يقصد الهواء بينما شراح أرسطو و على رأسهم الاسكندر الأفروديسي، قالوا أن المقصود به الهواء والماء.(4)لكن كيف نشأت الموجودات عن الأبيرون؟ يرى أن العالم تشكل وفق ثلاث مراحل، في المرحلة الأولى: حالة وجود الأبيرون الأولى و هو متجانس لانهائي الكم والكيف، في المرحلة الثانية: تكوين العناصر الأربعة وسيادة قانون العدالة على عملية التكوين، ويعني ذلك أن كل عنصر له مقداره المحدد، المرحلة الثالثة: تكوين العوالم (لأنه يرى أن هناك عدة عوالم ونحن نعيش في عالم من هذه العوالم)والكائنات من العناصر الأربعة، من المادة اللانهائية حدثت عملية غامضة انفصل عنها الحار والبارد ، وتصاعد البخار بفعل الحار كون الهواء، ومن هذه البرودة والرطوبة تصبح الأرض في مركز الكون، و الأرض كانت في الأصل سائلة و حرارة محيط الأرض جعلت مياه الأرض تتبخر على نحو مطرد نتج عنه تكوين الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض.(1) كيف تكونت الحياة على ظهر الأرض؟ لأنكسيماندريس نظرية في الحياة ، فهو يرى أن كل الحياة تبدأ في البحر، حيث كانت جميع الكائنات الحية تعيش في قواقع ضخمة داخل الماء، أي كانت أشبه بالأسماك، غير أن الشمس جففت هذه القواقع و خرج منها الإنسان إلى الأرض الصلبة، فأصل الإنسان إذن سمكة تحولت من العيش داخل الماء إلى مناطق الأرض الجافة وعن طريق التكيف أصبحت زعانفها أطرافا، هذا المفهوم التحولي للحياة هو تفسير عقلاني علمي و طبيعي غير أسطوري، فهو يدخل عناصر البحر و الحياة وتأثير الشمس و الماء و تأثير البيئة في تغيير الشكل، فالإنسان تحول من سمكة إلى إنسان تحت ضغط جفاف قسم من البحر و دفعه إلى الحياة على الأرض، ربما أخذ هذا التفسير عن السوريين، الذين كانوا يبجلون السمك باعتباره من أصل مشابه للإنسان.(2) و بهذا يكون "أنكسيماندريس" أول فيلسوف قال بالتطور،سبق "داروين" و "لامارك" بمئات السنين.

      

    ج_انكسيمانس545ق م

    ): ثالث فلاسفة المدرسة المالطية، وهو يرى أن أصل الأشياء أو الكون هو الهواء، لأنه ينتشر في كل العالم، و لأن نفس الإنسان من الهواء، فهو مبدأ الوحدة في كل منا، كذلك فان النفس أو الهواء يحوي العالم كله و يجعل منه وحدة وقد جاء بمفهومين: التكاثف والتخلخل، فالهواء إذا تكاثف تحول إلى برودة و تخلخله يؤدي إلى الحرارة، فالهواء إذا تخلخل تحول إلى نار و إذا تكثف صار ماء و إذا تكثف الماء أكثر تحول إلى تراب و إن زاد تكثفه صار صخرا، و الأرض تطفو على الهواء كدائرة مسطحة، و يفصلها الهواء عن السماء، قال بعد لانهائي من العوالم.وسبب تفسيره هذا هو نزعته الحيوية التي تعتبر الكون كائنا حيا يتنفس بالهواء، لذلك فهو يوحد بين النفس والهواء.(1)

      

    د_هيرقليدس535-470ق م

    كان من مدينة أفسوس، التي وقعت بدورها كباقي مدن أيونيا تحت سيطرة الفرس، لذلك فهو أيوني، عرف كتابات الأيونيين، كان ينتمي إلى الطبقة الأرستقراطية ، لذلك كان عداؤه لنظام حكم الطغاة و للنظام الديمقراطي على وجه الخصوص، كان محتقرا للعامة متكبرا، متعاليا، وكان محتقرا حتى لبعض المفكرين والشعراء السابقين عليه(هوميروس، هزيود) فقد سبق أفلاطون في الهجوم على هوميروس، لأنه كان يرى أن كثرة المعارف أو الحفظ ليس حكمة، وقد كان عصره عصر حرب دائمة بين الفرس و اليونان، ترك كتاب "في الطبيعة"، ومن خصائص المنهج الفلسفي عنده هو الاعتماد على العقل، وهو مشترك بين جميع الناس، فالحكمة عنده رغم اشتراطه للمعارف الكثيرة هي إعمال العقل للوصول إلى اللوغوس، و اللوغوس يعنى المقياس أو القانون العام الذي يتحكم في الظواهر كوحدة، و الطريق إلى ذلك ليس إتباع الشعراء و الديانة التقليدية التي تدعو إلى عبادة الأحجار والتماثيل ولا الديانة الأورفية، فهذه الطرق كلها تجعل تابعيها يفقدون عقولهم و كأن الجنون أصابهم أو الهذيان، على حين الحكمة تستدعي الاحتفاظ بالعقل في حالة يقظة دائمة.(2) و في تفسيره لأصل الكون، يرى أن العالم واحد لم يخلقه اله و لا بشر، وهو موجود منذ الأزل، ويبقى إلى الأبد نار حية تشتعل، يعود في نشأته إلى مادة تتضمن الخلق و الحياة هي النار، و طبيعة هذه النار محسوسة حسب اعتقاد بعض الباحثين الذين اعتمدوا على القدماء وخاصة أرسطو الذي أدرج هيراقليطس ضمن القائلين بالعناصر المادية للكون، غير أن القول بالطبيعة المحسوسة للنار لا ينفي التصور الميتافيزيقي لها، لأن النار المحسوسة كمبدأ للوجود المادي هي من جهة أخرى مبدأ روحاني ميتافيزيقي، لأنها تمثل اللوغوس أو القانون الثابت، و لأنها رمز للتغير الدائم،(3) "هذه النار تشتعل بحساب(بمقياس، نسبة) و تخبو(تسكن، يخمد لهبها) بحساب" و من النار تظهر العناصر الأخرى، و والصور التي تتحول إليها النار هي:أولا البحر، ثم يتحول نصف البحر أرضا و نصفه الأخر يتحول بواسطة ظاهرة البرستير prester (أعاصير أو ينابيع، انفجار مصحوب باللهب) إلى هواء و نار، فتكون العناصر الأربعة: النار، الماء، الأرض، الهواء.، ويصف تحولات النار بطريقتين: طريق تصاعدي(نحو الأعلى) و طريق تنازلي(نحو الأسفل)، في الطريق التنازلي، تثقل النار فتصبح ماء و جزء من الماء يصير أرضا، أما بالطريق التنازلي، بخار من الماء و الأرض يتصاعد فيصبح سحبا ثم تشتعل هذه السحب فتصبح النار، وذلك بواسطة ظاهرة برستير.(1) فكل الأشياء تخرج من النار وتعود إليها، وهو يقول" النار تحيا بموت الأرض، والهواء يحيا بموت النار، والماء يحيا بموت الهواء، و الأرض تحيا بموت الماء" فهناك تبادل بين النار و بين جميع الأشياء كالتبادل بين والذهب و السلع، و هذا يعني أن هناك فكرة رئيسية في فلسفة هيراقليطس هي أن الصراع أساس الوجود و هو صراع بين الأضداد فالعالم مكون من أضداد، العدل، الظلم مرض الصحة ، التعب والراحة، الخير والشر، الشبع والجوع، فالمرض هو الذي يجعل الصحة ممتعة، و الشر هو الذي ينتج الخير، و الجوع هو الذي يرغب في الأكل، و العدل هو الذي يجعل للعدل معنى فالصراع هو الذي يسمح للعالم بالوجود والاستمرار و هو يقول"لو لم يوجد الظلم لكنا نجهل حتى العدل"، و هكذا رغم وجود الأضداد إلا بينها وحدة، أو ما يعرف باتحاد الأضداد و انسجامها و الفكرة الرئيسية الثانية في فلسفته هي فكرة التغير الدائم المرتبطة بفكرة الصراع بين الأضداد "الأشياء الباردة تصير حارة و الحارة تصير باردة، ويجف الرطب و يصبح الجاف رطبا" وهو يقول"انك لا تستطيع أن تنزل النهر مرتين لأن مياهه تتغير باستمرار" و في نظرية المعرفة يرفض المعرفة العامية لأنها تقتصر على الجزئيات و لا ترقى إلى مستوى القانون العام، فالعامة لا يفهمون حقيقة الكون، فالمعرفة تتم بإعمال العقل و نشاط الحواس.   

    خاتمة:  

    و ختاما لما سبق يمكن القول أن هيراقليطس أول من استخدم مصطلح اليوناني Kosmos للدلالة على العالم وهذه الكلمة تتضمن معنى النظام، و هذا  يدل على أن هيراقليدس نظر إلى العالم كوحدة حقيقية و هو بهذا يتقدم على الفلاسفة الثلاثة الذين سبقوه الذين لم يرتقوا بتفكيرهم إلى هذا التصور العام للكون. كما كان لفكرة صراع الأضداد و التغير الدائم في الوجود أثر في فلسفة هيجل و الفلسفة الماركسية، فهول أول من عارض منطق الثبات الصوري بمنطق الحركة الديالكتيكية المطابقة لحركة الواقع و قد رأى انجلز في كتابه"جدل الطبيعة" أنه ابتداء من طاليس إلى هيراقليطس تبنى فلاسفة الإغريق النظرة المادية للوجود و أن هذه المادية تميزت بأنها مادية جدلية، و أنها أكثر تقدما من مادية القرن 18 التي كانت مادية ألية.