االمحاضرة رقم (2): طريقة وأسلوب تناول القضايا من الوجهة العلمية والفلسفية واستنباط المحاور الاساسية( الاسباب-المظاهر...

أولا- الأسلوب العلمي:  بمعنى الاعتماد على النظريات المختلفة لأن النظرية العلمية تقوم بوصف وتفسير ما هو . والنظرية التربوية كما قال " بول هيرست" تقوم بالتشخيص والعلاج، بمعنى تصف وتقرر ما ينبغي عمله مع الناشئة، وتوجه وترشد الممارسات التربوية.  لأن أي نظرية تربوية تستمد مفهومها من الفلسفة السائدة في المجتمع سواء لأكانت عقيدو دينية أو فلسفية ويتأثر هذا بالحضارة السائدة وطبيعة العصر وأهداف المجتمع و مستواه الاقتصادي. فأصول النظرية التربوية تتكون من ثلاث عناصر هي الحاجات الحاضرة والتحديات المستقبلية والخبرات الماضية.

     فالنظرية التربوية هي نسق من مفاهيم ومعارف ونماذج تتصف بالصلاحية، موضوعه هو من جهة المساهمة في تطوير التربية، ومن جهة أخرى المساعدة في تفسير الظواهر التربوية والتنبؤ بها.

   فالنظرية التربوية تعبر عن التخطيط المسبق الشامل لما يراد أن يكون عليه انسان العصر من معلومات، وما يتقنه من مهارات وما يتصف به من قيم وعادات واتجاهات، ولما يراد أن تكون عليه شبكة العلاقات المنظمة لعمل المؤسسات وسلوك الجماعات المختلفة، مع مراعاة الأسس النفسية وقوانين التعلم، ومراعاة الفاعلية التي تنتج أكبر كمية من المخرجات مقابل أقل كمية من المدخلات.

    تتمثل أهداف النظرية التربوية في النقاط التالية:

-دراسة طبيعة وخصائص وسمات الظاهرة التربوية.

-التعرف على الوقائع الثقافية والاجتماعية والشخصية المرتبطة بالظاهرة التربوية في نشأتها وتطورها.

-فهم طبيعة العلاقات التي تربط الظواهر التربوية بعضها ببعض والتي تربطها بغيرها من الظواهر الاجتماعية في المجتمع .

-الكشف عن الوظائف الاجتماعية التي تؤديها الظواهر والنظم التربوية بالنسبة للجوانب الاجتماعية والثقافية في المجتمع.

-تحديد المضمون الايديولوجي للتربية وآثاره على العمليات التربوية.

-تحديد القوانين الاجتماعية العامة التي تحكم الظواهر التربوية وما يرتبط بها من وقائع اجتماعية وثقافية وشخصية

-تحليل التربية كوسيلة للتقدم الاجتماعي.

-بعض النظريات التربوية:           

      من بين النظريات التي تناولت قضايا التعليم والتعلم ما يلي:

-نظرية الصراع المعرفي(البنائية الجديدة):

    ظهرت بعد نظريتي كل من بياجيه وباشلار ، تقوم على فكرة مؤداها أن الصراع المعرفي يكون أكبر إذا صاحبه صراع اجتماعي . ويعني الصراع هنا التحديات التي يواجهها المتعلم وهي تحديات خارجية تثير قدراته التعليمية على التعلم، فهذه التحديات تمنح فرصا أكثر لمسار مواءمة البنى المعرفية الموجودة سلفا . وهذا ما يحقق التوافق نتيجة الاحتكاك مع البيئة خاصة في جانبها التعليمي .

    إن النظرة البنائية الجديدة أظهرت أهمية الاحتكاك بالبيئة بما يجعل الطفل في موقع الصراع والتحدي المعرفي،  هو ما يجعله يستخدم تعلماته ومكتسباته السابقة لفهمه، وحل الصراع والمشكل الذي أثاره، الأمر الذي يكسبه تعلمات جديدة.

-النظريات التي تعالج الملامح البيداغوجية للمتعلم:

    أكد Antoline de lagaraugiene من خلال أبحاثه أن للتلميذ استعدادت تعلمية وأسلوب في العمل ، وطريقة في معالجة المعلومة، حيث يعتقد أن للتلميذ عادات معرفية سلوكية بامكانها أن تتحول الى معوقات ابستيمولوجية تحول دون حدوث أي تغيير ذهني يسعى الى فرضه عليه. حيث تأكد الباحث أن التلاميذ يستعملون تصورات ذهنية أو تمثلات تتحول الى أساليب عامة تنطبق على جميع مجالات المعرفة والقانون البيداغوجي الأساسي يدل على أن حدوث التعلم والفهم الصحيح يحتاج الى وجود مثل تلك التصورات، وأرجع تعدد الأساليب الذهنية والعادات الاسترجاعية الى نموذجين هما النماذج المرئية والنماذج السمعية.

ثانيا-الأسلوب الفلسفي( فلسفة التربية):

تسعى فلسفة التربية الى فهم التربية في مجموعها وتفسيرها بمفاهيم عامة، بغية تحديد الغايات التربوية وترشيد سياساتها، وكذلك تفسير المكتشفات العلمية المتجددة وفق علاقتها بالتربية. وتعنى فلسفة التربية بتحديد المكونات الرئيسية لشخصية الانسان الذي تتطلع التربية الى اخراجه. والمجتمع الذي تعما على تنميته في ضوء علاقات كل منهما بالمنشأ والحياة والانسان والمصير. ولتجسيد هذه العلاقات في واقع تربوي ملموس تركز فلسفة التربية على أربع مبادئ هي: الوجود، المعرفة، القيم وطبيعة الانسان، ويفترض في كل نظام تربوي أن تتكامل برامجه ونظمه ومؤسساته لاخراج متعلم يحمل تصورا شاملا مفصلا عن هذه القضايا الأربعة ثم تكون لديه القدرة على ترجمة هذا التصور في سلوكه وشبكة علاقاته مع الكون والانسان والحياة.

  ولأن غايات التربية تنبثق من فلسفة التربيىة وتتجسد غايات التربية من أهداف التربية العامة وأهدافها الخاصة العملية ومؤسساتها ومناهجها وطرقها ووسائلها في التعليم والتقويم. ومن هذه الفلسفة كذلك أنماط السلوك في واقع الانسان وفي جميع النشاطات والممارسات.

    ولا يمكن وضع أهداف التربية ولا وسائلها إلا من خلال معايير صحيحة يقوم بتمحيصها فيلسوف التربية . فمثلا لا يمكننا معرفة اذا كان على التربية أن تمارس الديموقراطية أم لا في ادارة المدرسة وفي حكم الطلبة بغير أن نوجه أنظارنا الى الفلسفة الاجتماعية المحيطة بالمدرسة.( بمعنى أن فلسفة التربية ارشادية)

   كما تسعى فلسفة التربية الى تحليل نظرياتنا التأملية والارشادية وكذلك وزن معقولية مثلنا العليا التربوية واتساقها مع المثل العليا الأخرى. وفحص الدور الذي يلعبه التفكير غير المتفحص والتفكير الذي توجهه الرغبة . وأيضا اختبار المنطق الموجود في مفاهيمنا وكفاءته في مجابهة الحقائق التي ننشد تفسيرها. وذلك بفضح التناقضات الموجودة في نظرياتنا.(الفلسفة التربوية تحليلية ونقدية).

الى جانب ذلك تقوم فلسفة التربية بما يلي:

 - تعمل فلسفة التربية على نقد العملية التربوية وتعديلها والعمل على اتساقها وتوضيحها، حتى تتلاءم هذه الخبرة الانسانية مع الحياة المعاصرة.

-فلسفة التربية هي تطبيق الفلسفة على المشكلات التربوية ، حيث تشمل فلسفة التربية تطبيقات الافكار والمبادئ والطرق الفلسفية على تلك المشكلات التربوية  التي تناسبها المعالجة الفلسفية أكثر مما تناسبها المعالجة العلمية.

-تشكل فلسفة التربية مجموعة الأفكار العامة والمبادئ الكلية التي توجه العملية التربوية . فكل منهاج ينطلق من فلسفة تربوية معينة وهي فلسفة المجتمع وثقافته، ذلك أن المنهاج هو أداة المجتمع الرئيسية لتربية أبنائه وفقا للصورة التي يريدها .

-من الضروري أن تكون الأهداف الرئيسية للتربية وأطارها الفلسفي واضحة في ذهن واضع المنهاج ومطبقه. فاذا لم يربط المعلم أهدافه الصفية بالاطار الفلسفي الكلي فلن تفلح التربية في تحقيق أهدافها.

- تقوم فلسفة التربية بتطوير نظرتنا للعملية التربوية وتحسين طرائقنا وأساليبنا في التدريس والتقويم والتوجيه والادارة وعلى مستوى معالجتنا للمشكلات التربوية ومستوى قرارتنا وأحكامنا.

 خلاصة

  إن معرفة الباحث لأسباب ومظاهر القضايا التربوية المختلفة وما تعلق بها، يستوجب منه المعرفة العميقة للاطار المعرفي والعلمي للقضية التربوية التي يود دراستها، لعله يجد تفسير وتحليلا للموضوع المتناول قصد الكشف عن أدق تفاصيله.

  كما يتطلب كذاك منه الكشف عن فلسفة التربية التي انطلقت منها القضية التربوية المتناولة، لأنها هي التي تحدد غايات التربية وأهدافها والطرق والوسائل التي تستوجب تحقيق ذلك، كما يجب الكشف عن الدور الارشادي والتحليلي النقدي لها ، فمعرفة هذا الكل المترابط يجد تفسيرا له للموقف الغامض أو الكشف عن مختلف عناصره. 


Modifié le: mardi 16 février 2021, 22:13