Options d'inscription

رابعا: تحليل المضمون:

 يعتبر تحليل المضمون أداة هامة من أدوات البحث العلمي والتي يمكن أن يستخدمها الباحث ضمن أساليب وأدوات أخرى في إطار التناسب المنهجي، ذلك أن هناك جوانب كبيرة من سلوك الإنسان يمكن دراستها بطريقة مباشرة من خلال أدوات منهجية ملائمة، وبالمقابل هناك جوانب أخرى لا يمكن ملاحظتها مباشرة وبالتالي لا يمكن الحصول على بيانات بشأن تلك السلوكات، هذا ما يستهدفه تحليل المضمون من خلال تحليل الأشياء المكتوبة أو الرموز اللفظية سواء كان خطابا أو أعمال على مستوى المؤسسات السياسية أو الإدارية، أو تشريعات أو غيرها.

1-   تعريف تحليل المضمون:

   لا يشهد تحليل المضمون تعريف محدد بدقة إلى حد الإتفاق التام في ظل مشكلات حدود تطبيقاته وإجراءاته، بالرغم من التطور والتوسع في استخدامات تقنياته حتى على مستوى السياسة الدولية. 

-           يعرف مورتون كابلان تحليل المضمون على أنه المعنى الإحصائي للأحاديث والخطب السياسية.

-     ويرى بيرلسون فيه أحد الأدوات البحثية التي تستخدم في وصف المحتوى الظاهر أو المضمون الصريح للمادة الإعلامية وصفا موضوعيا منتظما وكميا.

-           أما لازويل فيرى أن تحليل المضمون يستهدف الوصف الدقيق والموضوعي لمجمل الرموز.

من خلال هذه التعريفات يمكننا ملاحظة أن اختلافها في تحديد المضمون يعود إلى اختلاف الأهداف التي يرجوها الباحث، إذ تقف بعض البحوث عند حد المادة الإعلامية وذلك  بتحليل مضمون وسائل الإعلام، في حين تهتم أخرى بالعلاقات الدولية ومظاهر الصراعات، بينما تهدف بحوث أخرى إلى دراسة بعض القضايا الحديثة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشكلات الإجتماعية، وبحوث إدارية تحلل الوثائق الإدارية وتعتمد مضمونها كبيانات أساسية في عملية البحث وهكذا.

   كما أن المادة موضوع التحليل تمثل بالنسبة للباحث المادة الأولية التي تشكل البيانات التي يعتمد عليها في بحثه باعتبار تحليل المضمون أداة من أدوات جمع البيانات(22).

2-          الخصائص التحليلية للمضمون:

  رغم تنوع استخدامات تحليل المضمون تبعا لاختلاف مواضيع الدراسة، إلّا أنه ينطوي على مجموعة خصائص وسمات مميزة، أهمها:

-        يهتم التحليل بدراسة المضمون الظاهر للمادة قيد التحليل من خلال تصنيف البيانات وتبويبها.

-     رصد تكرار الفئات المختلفة للجمل أو الكلمات أو المصطلحات أو الرموز أو أشكال المعاني المتضمنة في مادة التحليل بناءا على التحديد الموضوعي لفئات ووحدات التحليل.

-           يستلزم التحليل ترجمة الفئات إلى أرقام ومن ثم التحليل الكيفي على أسس موضوعية.

-           يراعي الموضوعية ويخضع للمتطلبات المنهجية، وذلك لضمان ثبات النتائج، ومن ثم الأخذ بأحكام نتائجه.

-     ترتبط نتائج تحليل المضمون مع ما ورد من نتائج وصفية وتحليلية ونظرية بإطار عام وشامل، ليتم وفقها تفسير الظاهرة أو المشكلة، وبالتالي فهو مكمل لإجراءات منهجية أخرى تسبقه أو تليه في إطار الدراسة الشاملة.

3-   الخطوات العملية لتحليل المضمون:

   ترتبط إجراءات تحليل المضمون بالإطار النظري الذي يتخده الباحث كموجه له وبطبيعة المادة قيد التحليل قصد تحديد خصائصها، بالإضافة للأهداف التي يسعى الباحث لتحقيقها، وعلى ذلك فإن عملية التحليل تخضع لمجموعة من الإجراءات الأساسية التي تحكمها، والتي يمكن اختصارها في الخطوات التالية:

 1.3-إختيار موضوع البحث:

 وهو مجال أو إطار عملية التحليل، كأن تكون مجموعة من الخطابات السياسية أو البرامج السياسية...، وبذلك تمثّل هذه الخطابات مجتمع البحث بالنسبة لتحليل المضمون.

2.3-إختيار عينة مجتمع البحث:

 اعتبارا لصعوبة قيام الباحث بالتحليل الشامل لمجتمع البحث، يلجأ إلى تحديد مكاني أو زماني لاختيار عينة بحثه، فإن كان مجتمع البحث في الموضوع مثلا: موقف الصحافة من الإنتخابات، ومع صعوبة دراسة كل الصحف وتحليل كامل محتوياتها، تتحدد عينة البحث في إحداها.

3.3-تحديد فئات التحليل:

 فبعد اختيار العينة يحرص الباحث على أن تكون الفئات محددة تحديدا واضحا ومعبّرة عن كل المادة محل التصنيف، بالإضافة لضرورة التفرقة بين مادة المضمون وشكله كفئتين أساسيتين لتحليل المضمون(23).

4.3-وحدات التحليل:

   تُستخدم لتحليل محتوى المادة خمسة وحدات أساسية، وهي:

1.4.3- وحدة الكلمة:

 تُعبر عن رمز أو مفهوم، وتستخدم عندما يراد الكشف عن بعض المفاهيم المستقرة في نظام سياسي ما، مثل الديمقراطية والإشتراكية والحرية...، وهي أصغر وحدة تستخدم من خلال قوائم يسجل فيها الباحث تكرار ورود تلك الكلمات.

2.4.3- وحدة الموضوع:

 هي من الوحدات الكبرى للتحليل، وهي عبارة عن جملة أو فكرة يدور حولها موضوع التحليل، وتُستخدم للكشف عن الإتجاهات الرئيسية في الموضوع أو المادة.

3.4.3- وحدة الشخصية: وتشير إلى الشخص محور الإهتمام.

4.4.3- الوحدة الطبيعية أو المفردة:

   وهي أكثر الوحدات استخداما وتختلف باختلاف وسيلة الإتصال، فقد تكون خطاب أو منشور أو مقال أو كتاب أو برنامج...، إذ يستطيع الباحث تصنيف الأخيرة  مثلا إلى برامج سياسية، اقتصادية، ثقافية وغيرها.

5.4.3- مقاييس المساحة والزمن:

  هي مقاييس مادية تستخدم كوحدة للتحليل من خلال تقسيم المضمون محل الدراسة إلى مجموعة من التقسيمات المادية للتعرف على المساحة التي تشغلها المادة المنتشورة مثلا في الكتب، أو المدة الزمنية التي استغرقتها كخطابات سياسية من نوع معين.

5.3- تصنيف وترميز البيانات:

   حيث يتم تصنيف البيانات وفقا لوحدات، ومن ثم إعطاء وحدات التحليل رموز محددة للتعبير عنها.

6.3- التفسير والمقارنة:

    بعد القيام بإحصاء أعداد الوحدات في كل فئة من الفئات المختارة، تأتي مرحلة تفسير وتوضيح الدلالات النظرية للمضامين التي توصل إليها، ومقارنتها بمفاهيم الدراسة وتساؤلاتها وفروضها(24).

4-          مجالات تحليل المضمون:

  لقد بدأ استخدام تحليل المضمون في الصحافة أولا بعد دراسة لازويل حول الدعاية والرأي العام والإعلام، ليتسع استخدامه بعدها في كثير من المجالات ومنها علم السياسة، إذ يفيد مثلا في دراسة القيم السياسية للنظام، ويعتمد التحليل السياسي بالأساس على تحليل المضمون من خلال وحدة التحليل الأولى، كما يُستخدم في تحليل الأوضاع السياسية والإقتصادية القائمة في أي مجتمع  في الماضي أو الحاضر، وهي دراسات تفيد في معرفة عوامل التغير وردود فعل الجماهير لقرارات القيادة السياسية من خلال دراسة تقاريرها بطريقة موضوعية، بالإضافة لدراسة التطور الفكري الخاص بفكرة محددة(25).

  وقد انتشر مؤخرا وشاع استخدام تحليل المضمون في مجال السياسات العامة وتحليلها، كتحليل مضمون الخدمة الإجتماعية، وتحليل سياسات المؤسسات، وبرامج الخدمات بهدف تطويرها.

  فتحليل المضمون يوفر للباحث بيانات عديدة يمكن تنظيمها وتنسيقها وتحليلها وفق محددات ومتغيرات للتوصل إلى نتائج تتعلق بمشكلة الدراسة وفروضها، ومن ثم كان تحليل المضمون وسيلة واقعية موضوعية للتعرف على الوضع القائم ومشكلاته عبر مصدر أو أكثر من مصادر التحليل، بما يتيح في النهاية التعرف على الخصائص والمؤشرات الكمية التي يحتويها المضمون.

  إن الميل المتزايد إلى التعبير عن الوقائع بصورة كمية في مجال المعرفة العلمية للعلوم السياسية قد حقق لعلم السياسية قدرا من الإنجاز والنجاح من خلال تراكم كبير للدراسات والبحوث العلمية، كان ذلك بسبب التزام العلم بالمناهج والأطر التحليلية والطريقة العلمية المعتمد عليها، وكذا من خلال الأدوات التي تمكن بواسطتها الباحثين من التعبير عن الوقائع والمعلومات والبيانات بصورة عددية، حتى وإن كان لكل أداة مزاياها وأوجه قصور، إلّا أن مبدأ المرونة المنهجية الذي ينهض على إمكانية استخدام أكثر من أداة مكّن الباحثين بدوره من التعامل مع المواضيع المختلفة بالإستفادة من مزايا تلك الأدوات، كل ذلك رغم العقبات التي تبقى تواجه تطبيق المناهج العلمية في دراسة الظواهر السياسية كطبيعة السلوك السياسي وتعقيداته، أو كأن تؤثر الملاحظة كأحد أهم الأدوات المستعملة في رصد الوقائع في طبيعة الموقف الذي تجري ملاحظته وهكذا.

 

 

 

 


Les visiteurs anonymes ne peuvent pas accéder à ce cours. Veuillez vous connecter.