مقياس الجرائم الإقتصادية، موجه لطلبة السنة الأولى ماستر تخصص قانون إداري، يتضمن محورين:

المحور الأول: الإطار النظري للجريمة الاقتصادية

المحور الثاني: الجرائم الإقتصادية (النماذج التطبيقية)

محاضرات التشريع المالي 2 لسنة اولى ماستر اداري للموسم الجامعي 2019-2020

مدخل عام حول المنازعة الإدارية 

تعريف الدعوى الإدارية

المعروف أن الجهاز الإداري في الدولة يتكون من جملة من الهيئات التي تشكل لنا في النهاية ما يسمى بالسلطة التنفيذية؛ هذه الأخيرة التي تمارس عملها " بواسطة الوظيفة الإدارية " سواء في:

1.    إطار نظام مركزي والمكون من سلطات إدارية متواجدة على مستوى العاصمة لها صلاحية وسلطة اتخاذ القرارات والتي إلى جانبها يوجد أيضا مؤسسات لها دور استشاري – الهيئات العامة الوطنية – والتي تساعدها في اتخاذ هذه القرارات ( كالمجلس الدستوري، المجلس الشعبي الوطني، مجلس المنافسة، مجلس الأمن ...)

2.    أو في شكل نظام لا مركزي تجسده الإدارات المحلية الإقليمية المتمثلة أساسا في الولاية والبلدية وهذا ما يسمى بالتقسيم التقليدي أو الكلاسيكي للنظام الإداري للدولة والذي يقوم إما على: السلطة الرئاسية في النظام الأول أو الوصاية الإدارية في النظام الثاني، في حين تقوم السلطات الإدارية المستقلة على أساس إعادة توزيع المهام والاختصاصات التي تمارسها هذه الإدارة التقليدية بعيدا عن السلطة الرئاسية الملازمة للنظام المركزي، وبعيدا أيضا عن الوصاية الإدارية الملازمة للنظام اللامركزي مع تمتعها بمهام وسلطات : ضبطية، ورقابية، وعقابية، وسلطة اتخاذ القرارات فيما أوكل لها من اختصاصات، وعليه نجد بأن السلطات الإدارية المستقلة تختلف عن السلطات التقليدية بكونها:

أ‌-    لا تخضع لأي رقابة رئاسية ولا وصائية .

ب‌-           لا تخضع لمبدأ التدرج الهرمي.

ت‌-           لا تعد لجان استشارية ولا مرافق عامة .

ث‌-           ليس لها نظام موحد من حيث تكوين الهيئات، تعيين الأعضاء، وآليات أو طرق ضمان وتأمين استقلاليتها.

ج‌- منها من تتمتع بالشخصية المعنوية ومنها من لا تتمتع بها.

  هذا وتعود مسألة ظهور السلطات الإدارية المستقلة أو بروز مفهوم السلطات الإدارية المستقلة لأول مرة في سنوات السبعينات في الولايات المتحدة الأمريكية لينتقل في الثمانينات إلى فرنسا أين تطورت بنيته القانونية والإدارية فيها.

 غير أنه لا زال في الجزائر موضوعا أو مفهوما بكرا إذ ظهر مع بداية التسعينات ومهد لظهوره القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية والاقتصادية رقم 88/01 ليظهر بشكل بارز في التسعينات ويعرف انتشار في سنوات 2000 .

ومست هذه الهيئات أو عرفت في المجالات ذات الأهمية أو الأولوية في الدولة لاسيما المجال الاقتصادي كقطاع المحروقات،و الصرف إلى جانب قطاع الحريات العامة كالإعلام والملكية الفردية... وهذا بما يتماشى والدور المستحدث للدولة على اعتبارها دولة ضابطة لا متدخلة، وهذا إلى جانب تواجد السلطات التقليدية التي لا غنى عنها وعلى رأسها السلطة التنفيذية .

مع الإشارة أن لموضوع السلطات الادارية المستقلة جوانب متعددة: قانونية، اقتصادية، سياسية، إدارية...

         إن الوضعية العامة للدولة على الصعيدين الاقتصادي والمالي ذات المرجعية الأحادية القطبية لفكرة الريع النفطي دون غيره من القطاعات الإنتاجية، التي تعود بالفائدة وبالمداخيل على الخزينة العمومية، تبرر ما شهدته  الجزائر من حركية  في مرحلة البحبوحة المالية وما تشهده من معاناة في الوقت الراهن، فرض عليها تطويع سياستها التشريعية لمواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة في شتى المجالات لاسيما الإنفاق العام، حيث أصبحت حماية المال العام من كل الانتهاكات والإنفاقات الغير ضرورية ومن كل صور الفساد أولوية من الأولويات الوطنية.

                ما دفع بالدولة  في سبيل تلبية حاجات أفراد  وتحقيق المصلحة العامة إلى البحث عن مقتضيات التنمية الشاملة في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، محاولة تحقيق الرقي والازدهار في نوعية الخدمات المقدمة، وتحسين مستوى المعيشة في مختلف القطاعات، هذا ما يتحقق من خلال تطوير جهازها الإداري وإحاطته بكل الضمانات التي تكفل أدائه للمهام المنوطة به على كامل وجه دون حياد وتعسف  أو حتى تقاعس، فالجهاز الإداري داخل الدولة يعتبر المحرك الأساسي للتنمية والمعبر الحقيقي عن السياسة المنتهجة من قبلها، بل يعتبر مرآة عاكسة لمدى فعالية كل الأجهزة الأخرى داخل الدولة.

        فالجهاز الإداري المعبر عنه بالإدارة يسعى جاهدا لتحقيق الغرض المرج ومنه من خلال القيام بجملة من الأعمال الإدارية، منها ما ه ومادي ممثلا في التصرفات والوقائع الصادرة عن الهيئات الإدارية والتي لا تحدث أية آثار قانونية، ومنها الأعمال القانونية التي تهمنا في موضوعنا والتي تتجه إرادة الإدارة فيها إلى إحداث آثار قانونية معينة، هذه الأخيرة (الأعمال القانونية) تشمل شقين أساسين من الأعمال، فالشق الأول يصدر من جانب واحد وه وجانب الإدارة بهدف تحقيق المصلحة العامة وبغض النظر عن إرادة الطرف الثاني بهدف إحداث مراكز قانونية جديدة  إما إنشاءا أو تعديلا أو إلغاءا، وتوجه إما لفرد معين بذاته أو تخاطب جماعة من الأفراد بشكل تنظيمي، وهي ما تعرف بالقرارات الإدارية.

        أما الشق الثاني من الأعمال القانونية للإدارة فتسعى من خلاله إلى تسيير المرافق العامة وتحقيق المصلحة العامة من خلال اعتماد الأسلوب التعاقدي، لتبرم عقودا مع أشخاص القانون العام أ والخاص،  ممثلة في العقود الإدارية التي تعتبر عقود ذات طبيعة خاصة وتخضع لقواعد استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، فهي لا تخضع لفكرة التراضي ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين، حيث تبقى الغلبة فيها لإرادة الإدارة، وهي  تشبه نوعا ما عقود الإذعان، ومن أبرز هذه العقود الصفقات العمومية التي تعتبر أغلبها عقود إدارية  تسعى الدولة لإبرامها لتحقيق التنمية في شتى المجالات.

         وفي سبيل تحقيق الإدارة للدور المنوط بها في خدمة المصلحة العامة وضمان عدم تعسفها وحيادها، بالنظر لما تتمتع به من امتيازات السلطة العامة، فقد قيدت أثناء قيامها بالأعمال القانونية السابقة سواء القرارات أ والعقود الإدارية بمبدأ قانوني أساسي وه ومبدأ المشروعية، الذي يقتضي خضوعها للأحكام والقواعد القانونية في كل التصرفات التي تقوم بها وإلا كان مصيرها الإلغاء لعدم مشروعيتها، أ والفسخ عند عدم تنفيذ التزاماتها.

        ففعالية الأعمال القانونية للإدارة مرتبطة بفكرة قانونية أخرى تتمثل في الرقابة الكاملة والمتكاملة بشتى صورها، فهي تهدف لتحقيق فعالية الجهاز الإداري للدولة وتضمن عدم حياده وتعسفه، كما أنهت تعتبر آلية قانونية للحد من مظاهر الفساد التي باتت تهدد المجتمعات المعاصرة، ففكرة الرقابة ليست بالأمر المستحدث بل هي قديمة وترجع بظهورها لظهور فكرة الدولة والمال العام.

        إلا أن الجديد هي وزيادة الاهتمام الفقهي والقانوني بفكرة الرقابة الذي تزامن والانتشار الهائل لصور الفساد التي اكتسحت كل المجالات داخل الدولة بما فيها، المجال الإداري، ما جعل منها من الأولويات التي تسعى كل الدول والمنظومات القانونية لتجسيدها وتطوير أساليبها على نح ويضمن الفعالية، باستحداث أجهزة رقابية جديدة وتطوير الموجودة، كما سعت الدولة إلى التنوع في صور الرقابة ولم تكتفي بنوع واحد، فهناك الرقابة السياسية والشعبية والقضائية، فضلا عن الرقابة الإدارية .

        حيث ارتأينا تخصيص دراستنا وتوجيهها للرقابة على الصفقات العمومية، بشقيها الإداري والمالي، بدراسة الآليات الرقابية التي تبناها المشرع الجزائري، من خلال طرح الإشكالية الآتية:

ما مدى فعالية التنظيم الموضوعي والإجرائي لآليات الرقابة الإدارية والمالية التي لجأ لها المشرع  في تطوير الجهاز الإداري المختص بإبرام الصفقات العمومية وضمان  عدم تعسفه وحياده عن الغرض المسطر له في تحقيق المصلحة العامة وترشيد الحاجات العامة؟