Options d'inscription

مقياس صدر الاسلام والدولة  الاموية

 

المحاضرة الاولى:مصادر تاريخ العرب قبل الاسلام

يطلق على تاريخ العرب القديم تسمية تأريخ العرب قبل الإسلام، وهو تعبير مجازي، لأن الإسلام يعد فاصلاً بين تأريخ العرب القديم والتأريخ الإسلامي، كما أطلق الكتاب المسلمون تسمية العصر الجاهلي على هذا العصر، والجهل هنا لا يقصد به الجهل المضاد للعلم والمعرفة، إنما أرادوا به المضمون الأخلاقي والسلوكي للجهل، أي الجهل بمعنى السفه والغضب والحمق، وأطلقوا هذه التسمية على العرب الذين عاشوا في البوادي والمدن قبل الإسلام، وكان يغلب على جماعات منهم أحياناً وأد البنات وشرب الخمر ولعب الميسر واخذ الربا والإسراف في الكرم.

أما مصادر دراسة تاريخ العرب القديم فهي::

                النقوش والكتابات :

‌ .             النقوش والكتابات العربية الجنوبية: تعد النقوش والكتابات في مقدمة مصادر دراسة تاريخ العرب القديم، فهي وثائق أصلية تعود للحقب الزمنية التي المعصرة للحدث أو قريبة منه، وهي بلهجات مختلفة، تتميز بكونها دونت ككتابات تذكارية على البنايات للتعريف ببناتها، أو هي كتابات تاريخية دونت فيها أخبار المكاربة والملوك وإنجازاتهم وحروبهم، فضلاً عن كتابات على شواهد القبور، وكتابات دال القوانين والدساتير، وتتميز الكتابات والنقوش العربية الجنوبية أيضاً بكونها متشابهة في المضمون والأسلوب لأنها كتبت لأغراض شخصية مماثلة، ولم تكن مؤرخة في بداياتها الأولى لعدم اعتمادهم على تقويم ثابت، فأرخوا بسنوات حكم المكاربة والملوك أو الرؤساء، أو بالظواهر أو الكوارث الطبيعية.

‌  .            النقوش والكتابات في شمال ووسط شبه جزيرة العرب: وهي على العموم قليلة وقصيرة وفي أمور شخصية، والمؤرخة منها قليل جداً، وهي لا تعطي فكرة عن تاريخ الكتابة في وسط وشمال شبه جزيرة العرب، وأفادتنا في استخراج أسماء بعض الآلهة والمواقع وأسماء بعض القبائل وبعض الوقائع لاسيما أيام العرب

                المصادر العبرية

وتشمل المصادر العبرية: التوراة والتلمود والتفاسير، ومع أنها حوت على الكثير من الزيف والدس (الإسرائيليات) بسبب موقف اليهود الواضح من العرب، إلا أنه لا بد من الرجوع إلى هذه المصادر للتعرف على ما كتبوه، والتوراة بالعبرية من (تورة أي الهدى والإرشاد)، وهو كتاب اليهود الأول وهو عبارة عن مجموعة من الأسفار المتفرقة لأنبياء عاشوا في أزمنة مختلفة على مدى ألف سنة، كتب أكثرها في فلسطين والباقي كتب في وادي الفرات بعد ترحيل اليهود من قبل نبوخذنصر الثاني، ثم جمعت هذه الأسفار في كتاب واحد، وقد أشارت التوراة في كثير من أسفارها إلى القبائل والأماكن التي يسكنها العرب وعلاقاتهم السياسية والاقتصادية من اليهود لاسيما في الألف الأول قبل الميلاد، والمصدر العبري الثاني هو التلمود ويعني بالعبري (التعاليم أو الشرح والتفسير)، وهناك تلمودان أحدهما كتب في بابل (التلمود البابلي) في القرن 5 ق.م بعد ترحيل نبوخذنصر الثاني لليهود، والثاني كتب في فلسطين (التلمود الأورشليمي) في ما بين القرنين 3 و 5ق.م، ويحتوي التلمود على مجموعة من الشرائع والسنن أو التقاليد اليهودية التي دونها أحبار اليهود، وقد وردت فيه إشارات إلى العرب، يضاف إلى ما تقدم التفاسير والشروح العبرية للتوراة والتلمود وأهمها تفسير يوسف بن متي (فلافيوس يوسفوس)(37-100م).

                المصادر الكلاسيكية

وتشمل الكتب اليونانية والرومانية، إذ ذكر الكثير من المؤرخين والجغرافيين والرحالة اليونان والرومان أخبار العرب في مدوناتهم، وفيها نجد تقسيم لأرض العرب وذكر لسكانها والعلاقات السياسية والاقتصادية التي تربطهم مع محيطهم، ومن أهم الكتاب اليونان: (هيرودوت) (484-425 ق.م تقريباً)، و(ديدروس الصقلي) ولد بجزيرة صقلية (140-80ق.م)، ومن الكتاب الرومان و(استرابو) (64ق.م – 19م)، و(بلينوس بليني) (23-79م) وغيرهم.

 

                المصادر النصرانية

وهي الكتب التي كتبت عن تأريخ المسيحية ولعل أهمها كتبت باللغة السريانية، ومن أهمها ما كتبه (اوبسبيوس)(265-340م) الذي ألف عدة كتب عن تأريخ العرب العام، و(شمعون الأرشامي) (القرن 4م) عن حادثة نصارى نجران، و(ملالا) (491-478م)، وغيرهم الكثير..

                المصادر العربية الإسلامية 

‌                القرآن الكريم وكتب التفسير والحديث النبوي الشريف: يعد القرآن الكريم من أهم وأوثق المصادر المدونة عن تاريخ العرب القديم، ومع أنه ليس بكتاب تاريخي إلا أنه يصور لنا جوانب كثير من حياة العرب قبل الإسلام من الناحية الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فوصف الأقوام التي سكنت أرض العرب والمناطق التي سكنوها ووصف مدنيتهم وثرواتهم وغير ذلك، ثم جاءت كتب التفاسير لتشرح باستطراد ما جاء في القرآن الكريم من ذكر لاسيما التاريخي منه، وحوت كتب الحديث النبوي الشريف على أخبار لكثير من نواحي العرب قبل الإسلام.

‌                الشعر العربي القديم: وهو من المصادر المهمة لدراسة تاريخ العرب القديم، ويمتد لـ(120سنة) قبل الإسلام، وهو يقدم صورة للحياة السياسية والاجتماعية والسياسية للعرب قبل الإسلام، على الرغم مما أثير من شكوك أو إنكار لهذا الشعر أو عن جزء منه.

‌ .             المؤرخون المسلمون الأوائل: وهي الروايات والأخبار التي دونها الكتاب العرب المسلمون الأوائل بعد أن كان يتناقلها العرب شفاها عن طريق الرواة والإخباريين، وهي تحتوي على الكثير من الأساطير والمبالغة، وتعد الكتب التي دونت في شمال شبه جزيرة أكثر مصداقية من تلك التي دونت في جنوبها، وفي هذه الكتب الكثير من أخبار العرب قبل الإسلام وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والحضارية

مصادر التاريخ الإسلامي

القرآن الكريم: يأتي القرآن الكريم الموحى إلى النبي محمدٍ -صلوات الله وسلامه عليه- كأول وأهم مصدرٍ من مصادر التاريخ الإسلامي، فالتاريخ الإسلامي الذي استمد روح ارتباطه بآدم -عليه السلام- كان مصدره الأول ولا ريب القرآن الكريم،ووفي القرآن ذكرٌ لعديدٍ من أخبار الرسل والملوك والأمم قبل الإسلام، وفيه بدء الخليقة وما قبل حتى، وهو مصدرٌ موثوق لا تطاله الأيدي ولا يمسه التحريف، إذ تكفل الله - عز وجل- بحفظه.

السنة النبوية: والسنة النبوية الشريفة أهم مصادر التاريخ الإسلامي بعد القرآن، فالله سبحانه وتعالى وفي القرآن الكريم يشير إلى إن وحديث رسول الله وحيٌ سماويٌ كما جاء في سورة القمر، فالحديث الشريف غالبًا ما يفصّل ما أجمل القرآن الكريم من أحكامٍ وأحداث، كما إن سيرة الرسول محمدٍ -صلّ الله عليه وسلم- لا تقف عند حياته وحده لكنها تقدم سيرةً أو منهجًا لحياته -صلّ الله عليه وسلم- وحياة الصحابة وما كان فيها من أحداثٍ وغزواتٍ انتصاراتٍ وغيره، كما تقدم السنة النبوية الشريفة تفصيلاتٌٍ لذكر أقوامٍ غابرة، فتمنح بذلك كله المؤرخ نظرةً تاريخيةً بعيدة.

المصادر الروائية: يُجمل "جان سوفاجيه" صاحب كتاب "مصادر دراسة التاريخ الإسلامي" القرآن الكريم والسنة النبوية تحت ما يعرف بالمصادر الروائية أو المروية، وذلك إلى جانب كل الأنواع الأدبية المختلفة، لكن وكما تقدم فإن المقال افرد حديثًا منفصلًا مبينًا فيه أهمية كلًا من القرآن الكريم والسنة النبوية كمصادرٍ موثوقةٍ للتاريخ الإسلامي،ومن المصادر المروية/المحكية أو المنقولة شفويًا بالحفظ كالأشعار، وما كان يتبعها أو يسبقها -الأشعار- من مقدماتٍ أو شروحاتٍ نثريةٍ تبين أسباب كتابتها، إضافةً إلى القصص التي كانت تنتقل من جيلٍ إلى جيل، إن كانت عن التفاخر بالنسب أو بالقوة والانتصارات وخلافه، وتستمر المصادر الروائية أمدًا طويلًا كمصادرٍ للتاريخ الإسلامي، حتى إنها كانت تخضع لضوابطٍ مشابهةٍ لتلك المشروطة في رواية الحديث، مثل الجرح والتعديل، ولعل هذه المصادر الروائية كانت -وإلى حدٍ بعيدٍ- شكلت المصدر الأوحد لمصادر التاريخ الإسلامي خاصةً في الفترة ما بين سيرة النبي -صلّى الله عليه وسلم- والصحابة حتى بداية تدوين التاريخ الإسلامي.

  

 

 

كتب التراجم: أو كتب الطبقات، وتأتي هذه الكتب على ذكر الأحوال والجوانب الحضارية من اجتماعٍ وأدبٍ، إلى جانب السياسة، وتختص هذه الكتب في سير الأشخاص ومحيطهم، إن كانوا علماء أو ملوك أو حرفيين أو غيرهم.

كتب الجغرافيا والرحلات: وهذه الكتب التي كتبها المسلمون مصدرًا مهمًا من مصادر التاريخ الإسلامي عند المحدثين، فهي تصف البلاد وتقدر بُعدها عن بعضها، وتعرض لأهلها وعاداتهم وحياتهم، وما تُشتهر به تلك البلاد.

 

المحاضرة الثانية الحالة الاجتماعية في شبه جزيرة العرب قبل  الاسلام:

  كان المجتمع العربي في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام قبائلي بشكل كامل ، وكانت البنية الاجتماعية فيها هي القبيلة ، والتي تتكون بداخلها من الصليبية ، وهم الرجال من القبيلة التي تجمعهم رابطة دم واحدة  ، وينتمون إلى السلف الواحد مثل بنوبكر  

  ويوجد فئة أقل في القبيلة وهي الخدم أو العبيد ، وهم من كانوا العرب يقومون بشرائهم من أسواق النخاسة وقتها ، وهي أسواق مخصصة لبيع العبيد ، أو أنهم قوما تم أسرهم في الحروب  ، والنزاعات القبلية التي كانت كثيرة وقتئذ.

  كان يقوم على رئاسة الحكم في القبيلة هو شيخ القبيلة ، والذي كان يتميز بالحكمة والكرم والشجاعة ، والقدرة على حل النزاعات   وغالبا ما يكون كبيرا في السن ،  ويجتمع حول الخيمة التي يقيم بها الأعيان ، وكبار رجالات القبيلة لمناقشة الأمور الخاصة بالقبيلة.

 . كانوا يتدارسون فيما بينهم في الصالح العام لقومهم

  انتشرت الحروب بين القبائل العربية  ومن أشهر تلك الخلافات والنزاعات التي قامت عليها حروب للكثير من السنوات ،  ما حدث بين قبيلة الأوس والخزرج في يثرب.

الزواج في الحياة الاجتماعية قبل الإسلام:

نكاح البعولة:نكاح الناس اليوم (نكاح البعولة)، وهو أن يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها. و هذا الزواج مألوف بين العرب، وهو زواج الناس إلى يومنا هذا.  القائم على الخطبة والمهر، وعلى الإيجاب والقبول.الاستبضاع هو من أنواع الزواج عند العرب في الجاهلية حيث تنكح الزوجة من قبل رجلٍ آخر بموافقة زوجها. ولا يمسسها زوجها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل. ويحدث الاستبضاع رغبة في صفات الرجل الآخر من شجاعةٍ وفروسية وحكمة وقيادة. فإن ضاجعت الزوجة فارساً شهيرًا سُمّي ذلك الاستبضاع بـ ((الاستفحال)) بمعنى صفات الفحولة. وعرف زواج المباضعة في أكثر من حضارة وليس فقط في منطقة جزيرة العرب بل وجد كذلك في الشعوب الأصلية التي سكنت الأمريكيتين  .المخادنة هي المُصاحبة، وفيها ما ذكر في القرآن: «ولا متخذات أخدان». إذ كانت بعض النساء قبل الإسلام، تصادق عشيقًا غير زوجها، ويقع بها. وهناك اختلاف حول كيفية المخادنة قبل الإسلام،   فقيل إن المخادنة لا تصل إلى النكاح، ويكتفي العشيق من المرأة بالقبلة والضمة، كما قيل إنه النكاح. كذلك يُختلف في ما إذا كانت ممارسة سرية أو عرفًا متّبعًا    

البدل :وهو أن يُبدّل الرجلان زوجتيهما، لفترة مؤقتة، بُغية التمتع والتغيير، دون إعلان طلاق أو تبديل عقد زواج. يروى عن أبي هريرة قوله: «إن البدل في الجاهلية، أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي، وأزيدك» 

الرهط:وهو أن يجتمع عشرة من الرجال، وينكحون امرأة واحدة. وإذا حملت، أرسلت إليهم جميعًا، ثمّ تختار من بينهم من يكون والد الجنين الذي في بطنها، ولا يستطيع أحد الامتناع عن الاعتراف به.

المحاضرة الثالثةالدعوة المكية:

ولد النبي في صبيحة يوم الاثنين التاسع من ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، الموافق للعشرين من أبريل من سنة 571 م   ولد نبي الرحمة والرسول الكريم وخاتم النبيين وأشرف المرسلين وأكرم الخلق: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف

وذكرت بعض الروايات أن أمه آمنة بنت وهب لم تجد في حملها ما تجده النساء عادة من ألم وضعف، بل كان حملا سهلا يسيرا مباركا، كما روي أنها سمعت هاتفا يهتف بها قائلاً:

"إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: إني أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، وسميه محمدا

ولما وضعته أمه خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب، حتى أضاءت منه قصور بصرى بأرض الشام وهو المولود بمكة ].

لدعوة في المرحلة المكّية:

الدعوة السرّية:

بدأ الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالدعوة إلى الإسلام في مكّة المُكرَّمة بأمرٍ من الله -تعالى-؛ إذ قال: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ*وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ*وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ*وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ*وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ*وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ

فبدأ الرسول بدعوة أهل بيته، ثمّ الأقربين فالأقربين، وكانت الدعوة حينها سرّيةً؛ دون أن تعلم بها قريش، وقد وصل عدد المُستجيبين لها إلى أربعين، منهم: خديجة بنت خويلد، وزيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصدّيق، وغيرهم، وعُرِفت تلك المرحلة من الدعوة بالمرحلة الأرقميّة؛ نِسبةً إلى دار الأرقم؛ إذ كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يُعلّم الصحابة أمور الدين فيها

وذلك قبل الهجرة إلى المدينة المُنوَّرة؛ حيث كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجتمع بهم في شِعاب* مكّة المُكرَّمة، ولمّا عَلِمت قريش بأمرهم، تصدّت لهم؛ فتوجّه بهم رسول الله إلى دار الأرقم الواقعة على جبل الصفا، واستمرّت الدعوة بشكلٍ سرّيٍ مدّة ثلاث سنواتٍ، ثمّ جاء الأمر من الله بالجهر فيها.

الدعوة الجهرية وموقف قريش منه:

بدأت الدعوة بمرحلتها الثانية، وانتقلت من المرحلة السرّية إلى المرحلة الجهريّة، وذلك بنزول قول الله -تعالى-: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، فما كان من قريش إلّا أن تصدّت لتلك الدعوة، وبدأت تُعارضها بكلّ ما تملكه من الأساليب؛ إذ لجأت إلى التهديد، والتخويف، والتذليل، وغيرها، ومع ذلك ثبت رسول الله على دعوته .

واستمرّ الجهر بالدعوة إلى حين الهجرة إلى المدينة المُنوَّرة،[٩] وفي ما يأتي أبرز الأمثلة التي تعرّض لها رسول الله، وأصحابه من الإيذاء في سبيل هذه الدعوة :

تعرُّض رسول الله -عليه الصلاة والسلام- للضرب من قِبَل قريش؛ بحُجّة صبرهم على ما يفعله رسول الله من احتقار آلهتهم، وسبّها كما يدّعون، وقد دافع عنه آنذاك أبو بكر الصديق، وتصدّى لهم، قائلاً: "أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله

تعرُّض الرسول للإيذاء من قِبَل عمّه أبي لهب وزوجته؛ فقد كانا من أشدّ الأعداء للنبيّ، والدعوة، حتى نزل قول الله -تعالى-: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ).  ]

تعرُّض الصحابة -رضي الله عنهم- لشتّى أنواع التعذيب؛ فقد تعرّض أبو بكر الصدّيق للأذى، وجُعِل التراب على رأسه، وضُرِب على وجهه، كما تعرّض بلال بن رباح لمختلف أنواع الأذى، وثبت على توحيد الله رغم ما تعرّض له، إلى جانب العديد من الأمثلة على صبر الصحابة على التعذيب في سبيل الدعوة.

دعوة أهل الطائف

خرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من مكّة مُتوجِّهاً إلى الطائف في شهر شوّال من السنة العاشرة للبعثة؛ ليدعو أهلها إلى الإسلام، وتوحيد الله، ورافقه في تلك الرحلة زيد بن حارثة، وكان يدعو كلّ قبيلةٍ يمرّ بها أثناء سَيره، إلّا أنّهم رفضوا دعوته، كما رفضها أهل الطائف، وبقي فيها عشرة أيّامٍ إلى أن طردوه، وتَبِعَه السفهاء منهم، وضربوه بالحجارة، وسبّوه

فتصدّى لهم زيد بن حارثة، ووقف أمام رسول الله يحميه حتى ضُرِب في رأسه، وسارا حتى وصلا إلى حائطٍ لعتبة بن ربيعة، وأخيه شيبة، فجلس رسول الله تحت شجرة عنبٍ يستظلّ بظلّها، ودعا ربّه، فرقّ له قلبا عتبة وشيبة، فأرسلا له قُطفاً من العنب مع غلام نصرانيّ يُدعى عدّاس، فتناوله رسول الله، وبدأ بأكله، قائلاً: "باسم الله".  

فسأله عدّاس عمّا قاله مُتعجِّباً أنّ كلامه لا يصدر من أهل ذاك المكان، فسأله الرسول عن أصله ودينه، فأخبره أنّه من أهل نينوى، وأنّه يعتنق النصرانيّة، فعرف رسول الله أنّ نينوى هي بلاد نبيّ الله يونس -عليه السلام-، فتعجّب الفتى وسأله عن صِلته بيونس، فقال رسول الله: "ذاك أخي، كان نبياً وأنا نبي

 

ثمّ أخذ عدّاس يُقبّل يَدَي رسول الله وقَدمَيه، وقال لابنَي ربيعة إنّ الرسول أخبره بما لا يعلم به إلّا نبيّ، فلاموه وعاتبوه؛ لرجوعه عن النصرانيّة، وفي طريق عودة رسول الله من الطائف أرسل الله إليه جبريل؛ يستأذنه بأن يُطْبِق على أهل مكّة الجبلَين، إلّا أنّ رسول الله رفض ذلك؛ آملاً أن يستجيب أحدهم لدعوته

دعوة القبائل العربيّة:

كان رسول الله حريصاً على استغلال موسم الحجّ في دعوة القبائل العربية إلى الإسلام، وكان يتحرّى أماكن تجمُّع الحجّاج، كالأسواق، مثل: سوق عُكاظ، وسوق مجنّة، وسوق ذي المجاز، ومع كلّ الجهد الذي بذله رسول الله في ذلك، إلّا أنّه لم تستجب أيّ قبيلةٍ لدعوته، وكانوا يردّون عليه بأسوأ ما عندهم، ويُؤذونه

 

حيث كان يدعو القبائل واحدةً واحدةً؛ حيث كان يخبر كلّ واحدةٍ منها أنّه رسولٌ من عند الله، ثمّ يدعوهم إلى عبادة الله -تعالى-، والابتعاد عن الشرك، وعن عبادة ما سواه، وأن يصدّقوه، ويحموه، إلّا أنّهم رفضوا دعوته، وعاندوه، وأصرّوا على ما هم عليه  ]

موفق قريشمن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم:

استعملت قريش، وسائل شتى لأجل منع دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم من الانتشار، في الجزيرة العربية، لأن قريشًا كانت تعلم أنه لو تم إفساح المجال أمامه، فلن يقف في وجه دعوته شيء لما يعلمون من صدقه، وأنه نبي الله.

لكن العناد وذهاب الجاه والمكانة يدفعهم لإجهاض الدعوة بكل السبل والسائل، ومن ذلك:

 السخرية والتحقير:

وقد لجأوا ذلك لأجل تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، فرموا النبي صلى الله عليه وسلم بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، فكانوا ينادونه بالمجنون: "وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ".

وكانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة ناقمة، وعواطف منفعلة هائجة كما وصف حالهم القرآن: "وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ".وكان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقالوا: هؤلاء جلساؤه: "مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا"، ورد الله تعالى على سخريتهم: "أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ".

 : تشويه تعاليمه وإثارة الشبهات والإكثار من كل ذلك بحيث لا يبقى للعامة مجال في تدبر دعوته، فكانوا يقولون عن القرآن: "أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ                  ".

وأيضا كما ذكر القرآن: "إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُون                                                                            

  هجوم الإعلام:

ولأجل ذلك ذكروا أن النضر ببن الحارث قال مرة لقريش: يا معشر قريش، والله لقد نزل بكم أمر ما أوتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلامًا حدثًا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في رأسه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به، قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه، وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.

المساومات

وهناك رواية تفيد أن المشركين عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعبد آلهتهم عاما، ويعبدون ربه عامًا.

واعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو يطوف بالكعبة- الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن وائل السهمي- وكانوا ذوي أسنان في قومهم- فقالوا: يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل الله تعالى فيهم:"قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ" إلى آخر السورة.

   القتل والاضطهادات:

بعد استنفاذ الوسائل السابقة لجأت قريش إلى طريق الاضطهاد والتعذيب، وكونوا منهم لجنةـ أعضاؤها خمسة وعشرون رجلاً من سادات قريش، رئيسها أبو لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد التشاور والتفكر اتخذت هذه اللجنة قرارا حاسما ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضد أصحابه.

فقررت ألا تألو جهدًا في محاربة الإسلام، وإيذاء رسوله، وتعذيب الداخلين فيه، والتعرض لهم بألوان من النكال ووالقتل الجماعي والفردي

 

الدعوة في المرحلة المدنيّة

لمّا أراد الله للدعوة الظهور والانتشار وتحقيق العِزّة والمَنَعة للنبيّ وللدعوة، خرج رسول الله في موسم الحجّ، فالتقى رجالاً من قبيلة الخزرج من موالي اليهود، ودعاهم إلى الإسلام في مكانٍ اسمه العقبة، وتكلّم عن الإسلام، وتلا عليهم آيات من القرآن، فقَبِلوا ما عُرِض عليهم، وخرجوا مُتوجّهين إلى قومهم؛ ليدعوهم إلى ما آمنوا به  ]

وكان هذا في بيعة العقبة الأولى، وفي العام الذي يليه اجتمع إلى النبي من أهل المدينة الذين قدموا إلى الحجّ ثلاثاً وسبعين رجلاً أغلبهم من الخزرج، وبايعهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإيمان والاتّباع، وسمّيت هذه البيعة ببيعة العقبة الثانية، وبعد عودتهم إلى المدينة أصبح أمر الهجرة ممهّداً ومُلحّاً أكثر من ذي قبل.  

خاصة أنّ أذى المشركين ازداد على المسلمين في مكة؛ فأمر النبي -عليه السلام- أصحابه بالهجرة إلى المدينة، فتتابعوا بالهجرة خِفية، وخرجوا فراراً بدين الله -تعالى-، ثمّ أذن الله -سبحانه- لنبيه -عليه السلام- بالهجرة؛ فهاجر يرافقه أبو بكر -رضي الله عنه-   ]

وأقام رسول الله والمسلمون فيها، وعاشوا أوضاعاً تختلف عمّا عاشوه في مكّة، ومع اختلاف فئات الناس، وطبقاتهم، واتّجاهاتهم، إلّا أنّهم خضعوا لرسول الله، وساروا نحو أمره، وقد امتدح المولى سبحانه المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله، قال الله -تعالى-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ). 

وفرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بلقاء الأنصار الذين آمنوا به وبدعوته قبل أن يروه، وبعد أنْ استقر المقام بالمهاجرين مع إخوانهم الأنصار بالمدينة كان لا بُدّ من تنظيم العلاقة بين كلّ الفئات في المدينة المنورة، واجتهد النبي في تحقيق ذلك من خلال:  ]

المُؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

أتمّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- المُؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ ليكونوا مُترابطين مُتكافلين، ولم تقتصر المُؤاخاة فيما بين المهاجرين والأنصار؛ فقد تمّت أيضاً بين المهاجرين أنفسهم؛ إذ آخى رسول الله بينه وبين عليّ بن أبي طالب -وكلاهما مُهاجرٌ- في مسجد رسول الله 

كما كان يُؤاخي بين المسلمين كلّما دخل في الإسلام أحدٌ، أو قَدِم مُهاجرٌ جديدٌ إلى المدينة، وقد أظهر الأنصار مواقف عظيمة في الإيثار وحب الخير لغيرهم، وقد أثنى الله -سبحانه- عليهم في كثيرٍ من الآيات القرآنيّة، منها قوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).  ]

ولم يكن المهاجرين أقلّ منهم في ذلك؛ فقد ردّوا إلى الأنصار كلّ ما أعطوهم إيّاه حين استقرّت أمورهم، فأصبح المسلمون بذلك مجتمعاً واحداً، لا فرق فيه بين كبيرٍ وصغيرٍ، أو غنيٍّ وفقيرٍ، أو مهاجرٍ وأنصاريّ، أو حُرٍّ وعَبدٍ، بل كانوا جميعاً تحت راية الإسلام، وقيادة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.   ]

وثيقة المدينة:

جاءت وثيقة المدينة بعد المُؤاخاة؛ لتنظيم العلاقات بين الناس في المدينة المُنوَّرة ضمن نصوصٍ مكتوبةٍ تُبيّن لكلٍّ منهم ما له وما عليه، وتضع الضوابط التي يسير الناس عليها في تعاملهم مع الآخرين داخل المدينة وخارجها  ]وقد مثّلت الوثيقة أوّل دستورٍ مدنيٍّ في الدولة الإسلاميّة في المدينة المُنوَّرة، ولم تترك الوثيقة قبيلةً من قبائل المدينة إلّا وضعت لها بنداً وقانوناً، ونظّمت العلاقة بين القبائل، كما نظّمت الوثيقة حركة المسلمين وغيرهم بين مكّة والمدينة.ويمكن استخلاص العبر:

  1-تحديد مفهوم الامة:

 

  فالأمَّة في الصَّحيفة تضمُّ المسلمين جميعهم، مهاجريهم، وأنصارهم، وَمَنْ تبعهم ممَّن لحق بهم، وجاهد معهم، أمَّةٌ واحدةٌ من دون النَّاس، وهذا شيءٌ جديدٌ كلَّ الجدَّة في تاريخ الحياة السِّياسيَّة في جزيرة العرب؛ إذ نقل الرَّسول صلى الله عليه وسلم قومه من شعار القبليَّة، والتَّبعيَّة لها، إلى شعار الأمَّة، الَّتي تضمُّ كلَّ من اعتنق الدِّين الجديد، فلقد قالت الصَّحيفة عنهم: «إنَّهم أمَّةٌ واحدةٌ» (الفقرة: 1، 2). وقد جاء به القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92 ].

  المرجعيَّة العليا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم

جعلت الصَّحيفة الفصل في كل الأمور بالمدينة يعود إلى الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد نصَّت على مرجع فضِّ الخلاف في الفقرة (23)، وقد جاء فيها: «وإنَّه مهما اختلفتم فيه من شيءٍ، فإنَّ مردَّه إلى الله، وإلى محمَّد صلى الله عليه وسلم» والمغزى من ذلك واضحٌ، وهو تأكيدُ سلطةٍ عليا دينيَّةٍ، تُهيمن على المدينة، وتفصل في الخلافات؛ منعًا لقيام اضطراباتٍ في الدَّاخل من جرَّاء تعدُّد السُّلطات

:                  : إقليم الدَّولة

جاء في الصَّحيفة: «إنَّ يثرب حرامٌ جوفها لأهل هذه الصَّحيفة» مادة (40)، وأصل التَّحريم ألا يقطع شجرها، ولا يقتل طيرها، فإذا كان هذا هو الحكم في الشَّجر والطَّير، فما بالك في الأموال، والأنفس؟ فهذه الصَّحيفة حدَّدت معالم الدَّولة: أمَّةٌ واحدةٌ، وإقليمٌ هو المدينة، وسلطةٌ حاكمةٌ يُرْجَع إليها، وتَحْكُم بما أنزل الله.

:  الحرِّيَّات وحقوق الإنسان

فقد أعلنت الصَّحيفة: أنَّ الحرِّيات مصونةٌ؛ كحرية العقيدة، والعبادة، وحقِّ الأمن. إلخ، فحرية الدِّين مكفولةٌ: «للمسلمين دينهم، ولليهود دينهم». قال تعالى: ﴿لاَ إِكْرآه فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256] وقد أنذرت الصَّحيفة بإنزال الوعيد، وإهلاك من يخالف هذا المبدأ، أو يكسر هذه القاعدة، وقد نصَّت الوثيقة على تحقيق العدالة بين النَّاس، وعلى تحقيق مبدأ المساواة.

غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم:

غزوة بدر  :

تُسمى أيضاً بـ غزوة بدر الكبرى ويوم الفرقان وقعت في 17 رمضانمن العام 2هـ (بين المسلمين بقيادة رسول الله، وقريش ومن حالفها من العرب بقيادة أبو جهل عمرو بن هشام، وتُعد أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة، وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكة والمدينة المنورة.

بدأت المعركة بمحاولة المسلمين اعتراضَ عيرٍ لقريشٍ متوجهةٍ من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان بن حرب، ولكن أبا سفيان تمكن من الفرار بالقافلة، وأرسل رسولاً إلى قريش يطلب عونهم ونجدتهم.

انتهت بانتصار المسلمين وقتل قائدهم عمرو بن هشام، وكان عدد من قُتل من قريش في غزوة بدر 70 رجلاً وأُسر منهم 70 آخرون، أما المسلمون فلم يُقتل منهم سوى 14 رجلاً، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.

غزوة بني قينقاع:

عَلِمَ اليهودُ ما حلَّ بكفار قريش في بدر، فظهر حسدُهم على المسلمين، وقاموا بنقض عهود مع المسلمين، وحدثَ أنّ امرأةً مسلمةً ذهبت إلى بائع حُليٍّ في سوقهم، فجاء أحد رجال بني قينقاع فكشف عنها سترتها حتى بانت عورتها، فضحكوا منها.فغضب النبي وخرج ومعه المسلمون فحاصروهم 15 خمسة عشر ليلة، حتى اضطرهم إلى الاستسلام والنزول على حكمه؛ الذي قضى بإخراجهم من ديارهم، وكان ذلك في منتصف شوال من السنة الثانية للهجرة.

 غزوة احد: 

كانت بين المسلمين وقبيلة قريش في يوم السبت السابع من شهر شوال في العام الثالث للهجرة، يقود المسلمين رسول الله، أما قبيلة قريش فكانت بقيادة أبي سفيان بن حرب.

رغبت قريش بالانتقام من المسلمين واستعادة مكانتها بين القبائل بعد الهزيمة في غزوة بدر، فقامت بجمع حوالي 3 آلاف مقاتل، في حين كان عدد المقاتلين المسلمين حوالي 1000، وانسحب 300 من المنافقين ليصبح عددهم 700 مقاتل.

فبدأت المعركة بانتصار للمسلمين لكن الرماة خالفوا أمر رسول الله وتركوا أماكنهم؛ فاستغل المشركون ذلك بقيادة خالد بن الوليد فعادوا وانقلبت النتيجة وقُتل 70 من المسلمين، في حين قُتل 22 من قريش وحلفائها.

 غزوة بني النضير:غزوة بني النضير حدثت في السنة 4 للهجرة مع يهود بني النضير بعد محاولتهم اغتيال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لما جاءهم طالباً مساعدتهم في دية قتيلين أخبر رسول الله وحياً بغدرهم فعاد وأرسل إليهم طالباً منهم الخروج من المدينة، فتحصنوا وحاصرهم عدة ليالي حتى خضعوا، فوافق على خروجهم شرط أن يأخذوا فقط ما تحمله الإبل دون السلاح.

 غزوة الخندق في شهر شوال من العام 5 من الهجرة خرج سادات بني النضير لتحريض القبائل العربية على غزو المدينة المنورة، فاستجابت لهم قريش وحلفاؤها من غطفان وقبائل العرب.ولما علم المسلمون أخبار زحف الأحزاب إليهم عقد الرسول مجلس استشاري لبحث خطة الدفاع عن المدينة فأشار سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة.فوجئ المشركون بالخندق فلم تكن تعرفه العرب قبل ذلك، فلجأوا إلى فرض حصار على المدينة وحاولوا مراراً اختراق الخندق دون جدوى ولم يجر قتال مباشر.قام يهود بني قريظة كانوا يعيشون جنوب المدينة بنقض عهدهم، فأصبح الموقف شديد الخطورة على المسلمين، فأمامهم جيش الأحزاب وخلفهم عدو نقض عهده وبدأ المنافقون بالتسلل والهروب.فكر الرسول في فك تحالف الأحزاب بأن يعرض ثلث ثمار المدينة على قبيلة غطفان في مقابل انسحابهم إلا أنه عدل عن رأيه بعد استشارة سعد بن معاذ وسعد بن عبادة الذين فضلوا عدم الرضوخ.جاء نعيم بن مسعود أحد قادة قبيلة غطفان إلى الرسول معلناً اسلامه، فكان له دور محوري في إنهاء المعركة بأن عمد إلى بث الفرقة بين المشركين واليهود وإقناع كل طرف أن الطرف الأخر سيخذله.وفي هذه الأثناء ثارت رياح شديدة عند مواقع المشركين لم تترك لهم خيمة إلا واقتلعتها، ولم تترك نارًا إلا أطفأتها، مما دفعهم لفك الحصار والعودة من حيث جاؤوا وانتهت الحرب.

غزوة بني قريظة

قادها النبي محمد في السنة الخامسة للهجرة على يهود بني قريظة الذي قاموا بالغدر أثناء حصار الأحزاب، فسار إليهم وحاصرهم حتى انتهت باستسلامهم وطلب التحكيم، فطلبوا حكم سعد بن معاذ الذي كان حليفاً لهم في الجاهلية، فحكم فيهم بقتل الرجال وسبي الذراري وتقسيم أموالهم وأراضيهم على المسلمين، وهكذا كان.

غزوة صلح الحديبية:رأى الرسول في المنام أنه دخل وأصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا واستبشروا، ثم تجهزوا إلى مكة بغرض العمرة في شهر ذي القعدة من عام 6 هـ.أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى قريش وقال له: «أخبرهم أننا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عُمّاراً»، بعثت قريش سُهَيْل بن عمرو لعقد الصلح، الذي كانت بنوده:

يرجع المسلمون ولا يدخلوا مكة هذا العام، على أن يدخلوا مكة معتمرين في العام المقبل آمِنِين

وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض.

من أحب أن يدخل في عهد محمد دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل فيه.

من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه هارباً منهم رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يرد عليه.

يعد صلح الحديبية انتصاراً معنوياً للمسلمين، فقد باتت قريش تعترف بالمسلمين وسماه الله تعالى فتحاً: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا…}.

 غزوة فتح مكة:

 

وقعت في 20 من رمضان في العام 8 من الهجرةانتهكت قبيلةَ قريشٍ الهدنةَ التي كانت في صلح الحديبية، بإعانتها لحلفائها من بني بكرٍ في الإغارة على قبيلة خزاعة حلفاءُ المسلمين، وردّاً على ذلك جَهَّزَ النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً قوامه 10 آلاف مقاتل لفتح مكة، وتحرَّك الجيشُ حتى وصل مكة فدخلها سلماً دون قتال، إلا ما كان من جهة سيدنا خالد بن الوليد، إذ حاول بعضُ رجال قريش بقيادة عكرمة بن أبي جهل التصديَ للمسلمين، فقاتلهم خالدٌ وقَتَلَ منهم اثني عشر رجلاً، وفرَّ الباقون منهم، وقُتل من المسلمين رجلان اثنان.ولمَّا نزل الرسولُ محمدٌ بمكة عفى عن أهلها وقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، ثم جاءَ الكعبة فطاف بها وجعل يطعنُ الأصنامَ التي كانت حولها بقوس كان معه، ويقول﴿ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ وأمر بلال بن رباح أن يصعد الكعبة فيؤذن.

كان من نتائج فتح مكة اعتناقُ كثيرٍ من أهلها الإسلام، وعلى رأسهم سيد قريش أبو سفيان بن حرب، وزوجتُه هند بنت عتبة، وكذلك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وأبو قحافة والد أبي بكر الصديق، وغيرُهم.

المحاضرةالرابعة:تطور نظام الخلافة

طرق اختيار الخلفاء الراشدين

اتفاق أهل الحلّ والعقد

فقد تمّ اختيار الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه بهذه الطريقة، فبعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام تداعى المسلمون إلى سقيفة بني ساعدة، حيث اجتمع عددٌ من زعماء المهاجرين والأنصار، وقد حصلت حينئذٍ سجالاتٌ بين كلّ فريقٍ قدم فيها كل طرفٍ رأيه فيمن هو أحقّ بالخلافة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد استقر رأي كبار الصحابة على أفضلية الصديق رضي الله عنه وأنه هو الأحق بالخلافة دون الناس؛ لفضله وسبقه في الإسلام، فبايعه الصحابة رضوان الله عليهم، ثمّ بايعه المسلمون

الشورى والتزكية:

تمّ اختيار الخليفة الثاني الفاروق رضي الله عنه بهذه الطريقة، فقد زكى أبو بكر رضي الله شخصية عمر ليكون الخليفة من بعده بما له من الصفات والفضائل، كما شاور المسلمين في ذلك، فلم يسمع منهم في حقه إلّا خيراً باستثناء خوفهم من غلظته وشدته، وكان رد أبو بكرٍ على ذلك التخوف بقوله: (ذلك أنّه يراني لينا، أمّا إذا وسد الأمر إليه فلن يكون كذلك). وقد صدقت فراسة أبي بكر فكان عمر رضي الله عنه من أفضل الخلفاء المسلمين على مرّ العصور.

التزكية من بين مجموعة:ٍ

فقد تمّ اختيار الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه بناءً على اختيار عمر رضي الله عنه مجموعةً من خيار الصحابة وكان عددهم ستة، وأمرهم بتزكية رجلٍ منهم واختياره، فأعطى الزبير صوته لعلي، وأعطى سعد صوته لعبد الرحمن بن عوف، وأعطى طلحة صوته لعثمان رضي الله عنهم أجمعين، ثمّ أخيرا تنازل عبد الرحمن لحقه في الخلافة لعثمان مرجحا كفته ليكون هو الخليفة   الثالث.

اختيار مباشرٍ من أهل الحلّ والعقد:

فقد تمّ اختيار الخليفة الرابع علي رضي الله عنه فقد كان بهذه الطريقة من قبل الصحابة، حيث بويع له في فترةٍ حرجةٍ من فترات التاريخ الإسلامي ثمّ بايعه الناس على الخلافة.              

                                               المحاضرة  الخامسة:   العلاقات الاجتماعية

بعد انتشار العادات السيئة في العصر الجاهلي مثل : شرب الخمر ولعب القمار و وأد البنات والقتل والنهب والغزو ، جاء الإسلام وقضى عليها وأقرّ بعض العادات الإيجابية مثل : تحريم الخمر والميسر والقتل ووأد البنات وحثّ على الإخاء والتضحية وبنى المجتمع على المساواة ولم يغفل جانب المرأة فكرّمها وكفل لها حقها مثل التعليم والميراث حق اختيار الزوج ، فهو بهذا قلب موازين الحياة عندهم وجعل الفرق بين الناس التقوى

 .

 

المحاضرة السادسة :الفتوحات الاسلامية

فتح العراق:

وما كاد عمر يفرغ من دفن أبي بكر بعد وفاته حتى دعا الناس إلى التطوع لحرب الفرس مع المثنى، وركز على تعبئة المسلمين على الجبهة العراقية، وأدى المثنى دورًا بارزًا في ذلك حين اجتمع به، وشرح له الوضع الداخلي المتدهور للفرس، وشجعه على إرسال المسلمين لتكثيف حملاتهم على أراضي السواد، إذ لا بقاء لهم في العراق إذ لم تعزز قواتهم هناك بمدد قوي. أحجم معظم المسلمين عن الاستجابة لنداء عمر، إذ كانت العرب تهاب الفرس، وتخاف الخروج لقتالهم، وذلك بفعل هيبتهم، وسطوتهم وشدة بأسهم في القتال، والواقع أن حدود فارس تبدو صعبة في نظر العرب، وخطرة ورهيبة في أعينهم، كما كانت تثير كثيرًا من الاحترام في قلوبهم، ويتجنبون تجاوزها خشية من ملوك الفرس لاعتقادهم بأنهم على قدر من القوة يكفل لهم إدخال شعوب سائر الدول تحت سلطانهم، لكن المثنى استدرك الموقف، وشرح للمسلمين حقيقة الوضع الفارسي المنهار.

أدرك عمر من واقع الوضع الميداني عظم المهمة، ورأى في المقابل ضآلة حجم الاستجابة، فلا بد إذن من إشراك كافة المسلمين، ودفعهم لمواجهة رد الفعل الفارسي، إنه استوعب العلاقة العضوية المباشرة بين إمكان توحيد جميع القبائل العربية الإسلامية، وإنهاء التصدعات الموجودة بينها، وبين التنظيم الواسع لحملات الفتوح، لهذا كان أول إجراء سياسي اتخذه هو رفع هذا الحاجز بين القبائل التي استمرت على إسلامها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبائل التي ارتدت، فدعا من كان قد ارتد وحسن إسلامه للاشتراك في الفتوح، وقد أحدثت هذه الانعطافة تطورات جوهرية، وفتحت آفاقًا واسعة وجديدة لحركة الفتوح القائمة على أراضي دولتي الفرس وبيزنطية، الأمر الذي أسفر في وقت قصير جدًا عن تغيير طابع هذه الحملات تغييرًا كليًا.

كان صدى دعوة عمر عند قبائل الردة من نوع آخر تمامًا قياسًا بقبائل المدينة، فقد استجابت هذه القبائل لدعوة الخليفة، وكأنها كانت تنتظرها، وسارعت بإرسال جموعها إليه لتلبية هذا النداء الذي طال ترقبها له. وهكذا رفع الحاجز بين المدينة وبين قبائل الردة، وأخذت هذه تتدفق على المدينة بتسارع مذهل طالبة الاشتراك في الفتوح، مثل بجيلة بقيادة جرير بن عبد الله البجلي.

اختار عمر أبا عبيد بن مسعود الثقفي قائدًا للجيش؛ لأنه أول من لبى النداء، متجاوزًا المثنى الذي أرسله إلى العراق على عجل لتهيئة الأجواء، واستنفار من حسن إسلامه من أهل الردة، وأوصاه بالحذر، والتيقظ واستشارة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبعدم التسرع في الحرب

معركة النمارق:

عبَّأ أبو عبيد جيش المسلمين البالغ عشرة آلاف مقاتل (تسعة آلاف كانوا مع المثنى، وانضم إليهم ألف قدموا مع أبي عبيد)، وزحف من خفان نحو النمارق (موضع قرب الكوفة)، وعسكر بمواجهة جابان، وفي المعركة التي دارت الطرفين في "8 شعبان 13هـ/ 8 أكتوبر 634م"، هزم الفرس، ووقع جابان في الأسر، ولم يكن يعرفه المسلمون، فتمكن بدهائه من خديعة آسره، ففدى نفسه وهرب، كما أُسر القائدان جوشن شاه ومردان، وقتل الثاني على يد آسره.

معركة السقاطية

توجه من نجا من الفرس إلى كسكر لينضم إلى جيش نرسي، فطاردهم المثنى حتى درنا (دون الحيرة وهي باب من أبواب فارس)، ووصلت في ذلك الوقت أنباء هزيمة جابان إلى المدائن، فجهز رستم جيشًا آخر بقيادة الجالينوس، ودفعه إلى المعركة مددًا لنرسي، وتمنى هذا الأخير أن يدركه قبل الاشتباك مع المسلمين، فراح يناور ويتمهل في خوض المعركة، غير أن أبا عبيد لم يمهله كثيرًا، واصطدم بقواته في الساقطية الواقعة جنوبي كسكر قرب واسط، وذلك في "12 شعبان 13هـ/ 12 أكتوبر 634م"، وانتصر عليه، وفر نرسي في جو الهزيمة القاتم.

معركة باقسياثا

عسكر الجالينوس في باقسياثا (بأرض السواد)، وتقوى بمن انضم إليه من فلول جابان، فاصطدم به أبو عبيد في "17 شعبان 13هـ/ 16 أكتوبر 634م" وهزمه، وفر القائد الفارسي من أرض المعركة، وعاد إلى المدائن، وانتشر المسلمون في قرى السواد، وغلبوا على تلك البلاد   .

معركة الجسر:وقد حفزت هزائم الفرس رستم فعبَّأ جيشا كبيرا بقيادة بهمن جاذويه ذي الحاجب يساعده الجالينوس ومعهم الفيلة وراية كسرى "درفش كابيان"، والتقى الجيشان على الفرات بقس الناطف، وقد خيَّر الفرس أبا عبيد أن يعبر إليهم أو يعبروا إليه، فاختار العبور كي "لا يكونوا أجرأ على الموت منا"، لكنه فقد خصائص عديدة، فقد كان وراءه الصحراء وبعبوره أصبح النهر وراءه، وكان في صحراء فأصبح في أعشاب ومستنقعات، وفي بدء المعركة رجحت كفة المسلمين، لكن الفيلة أرعبت خيلهم وخبطت أبا عبيد فقتلته، وانهزم المسلمون، وقام أحدهم بقطع الجسر ليمنع الهزيمة، لكنه أخطأ وزاد خسائر المسلمين التي بلغت أربعة آلاف بين قتيل وغريق ثم أصلح الجسر وعبر المسلمون. لقد كانت الهزيمة قاسية حتى لحق بعض المسلمين بالمدينة وبقي بعضهم بالبوادي يغلبهم الحياء، وجرت معركة الجسر في "23 شعبان 13هـ/ 22 أكتوبر 634م"  

معركة البويب:

وكان لابد للمسلمين أن يثأروا للجسر، وبدأ الخليِفة عمر رضي الله عنه يحشد الجيوش لهذا الغرض، وقد تثاقل بعض المسلمين عن الذهاب إلى جبهة العراق ورغبوا في الالتحاق بالشام حتى أكره عمر بجيلة بقيادة جرير بن عند الله البجلي بالالتحاق بالعراق وعوضهم ربع خمس ما أفاء الله عليهم. وكذلك سمح عمر رضي الله عنه للمرتدين بالاشتراك بالفتوح وأمد بهم المثنى بن حارثة، وقد قاد المثنى جيش المسلمين والتقى بالفرس في البويب (وتسمى أيضًا معركة النخيلة، والبويب نهر كان بالعراق) مما يلي موضع الكوفة اليوم وعليهم مهران، وقد تمكن المثنى من حصر الفرس والإيقاع بهم وقتل مِهران. كما قام بتعقب الفارين، وبذلك استعاد المسلمون معنوياتهم، وغلبوا من جديد على السواد. وفي هذه المعركة اشتركت بعض القبائل العربية ونصارى النمر وتغلب إلى جانب المسلمين ضد الفرس.

معركة القادسية 15ه:ـ

أما المسلمون فقد قام المثنى بن حارثة باستنفار القبائل العربية لقتال الفرس، وأرسل عمر رضي الله عنه الأمداد من المدينة وأراد أن يقودها بنفسه لولا نصيحة الصحابة له بالبقاء، ويولى القيادة سعد بن أبي وقاص، ويقال أن جيشه بلغ بمن التحق به في طريقه إلى العراق 20,000 مقاتل، ولما وصل إلى العراق كان المثنى قد استشهد من جراح أصابته، فضم إليه جيشه البالغ 8000 مقاتل، وأمر عمر رضي الله عنه أبا عبيدة بن الجراح قائد الجيش في الشام أن يمده بالجيش الذي سحبه خالد من العراق قبل اليرموك فأعادهم وهم 8000 مقاتل بقيادة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وأما الفرس فبلغ عددهم في بعض الروايات 120,000 مقاتل معهم 33 فيلاً يقودهم رستم كببر القادة الفرس.

وقد بدأت المفاوضات أولاً وأوضح رسل المسلمين ومنهم المغيرة بن شعبة والنعمان بن مقرن أهداف المسلمين لرستم الذي تصور أن الأمر يمكن أن يسوى بالمال، ثم دارت رحى المعركة في القادسية ثلاثة أيام هي أرماث وأغواث وعمواس، ولياليها الهدأة والسواد والهرير وهىِ أشدها، وقد أفاد المسلمون من يوم الجسر، حيث تمكنوا من التخلص من الفيلة برمي عيونها ففرت وقتل رستم وانهزم الفرس وقتل منهم ألوف كثيرة وخسر المسلمون 6000 مقاتل. واختلف في سنة الوقعة بين 14 و 15 و 16هـ ولعل الراجح أنها سنة 15هـ بعد اليرموك ودمشق وفحل  ].

فتح المدائن:

وانطلى المسلمون بعد القادسية إلى المدائن بعد أن سقطت أمامهم بابل ثم بهرسير في شهر "صفر 16هـ/ مارس 637م"، وفر يزدجرد من المدائن إلى حلوان تاركا حامية في المدائن، وقد اقتحم المسلمون نهر دجلة بجرأة نادرة ولم يستطع الفرس صدهم، وسلمت الحامية على الجزية، ودخل المسلمون القصر الأبيض الذي وعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم بفتحه   ].

موقعة جلولاء 16هـ وفتح حلوان:

وبدأ يزدجرد بتنظيم المقاومة من حلوان ويتقدم نحو المدائن، لكن سعدا وجه هاشم بن عتبة على جيش من المسلمين، فالتقى بالفرس وهزمهم وفتح حلوان وذلك في موقعة جلولاء ("أول ذي القعدة 16هـ / 24 نوفمبر 637م") التي يمثل سقوطها انهيار الخطوط الأولى للمقاومة الفارسية وفي أعقاب جلولاء اعتنق دهاقين السواد الإسلام، فأقرهم عمر رضي الله عنه على مراكزهم ورفع عنهم الجزية.

                                                                                              فتح الشام

فُتوحات الشَّام في عهد أبو بكر: ]

انطلقت الجُيوش الإسلاميَّة من قاعدتها في المدينة المُنوَّرة باتجاه أهدافها المُحددة، وقد شعرت القبائل العربيَّة المسيحيَّة المُتحالفة مع بيزنطية بهذا الزحف، فخشيت من اجتياحٍ إسلاميٍّ لِقُراها وأراضيها، كما خشي سُكَّانُ المُدن من توغُلٍ إسلاميٍّ في عُمق الشَّام ممَّا يُشكِّلُ تهديدًا لهم، فكتبوا إلى الإمبراطور البيزنطي هرقل يُعلمونه بالأوضاع المُستجدَّة ويطلبون منهُ مُساعدة عاجلة لِصد الزحف الإسلامي. كان هرقل آنذاك في فلسطين أو في دمشق، فدعا إلى عقد اجتماع مع مُستشاريه وأركان حربه للتشاور. وأدرك في الوقت نفسه مدى جديَّة المُسلمين في تقدُّمهم باتجاه الشَّام في هذه المرحلة التي تختلف في التخطيط والأداء عن الحملات السَّابقة، لذلك عرض على المُجتمعين تجنُّب القِتال وعقد صُلح معهم. إذ أنَّ إعطائهم نصف خِراج البِلاد والاحتفاظ بالنصف الآخر، أفضل من خِسارة خِراج البلاد بِكامله. غير أنَّ المُجتمعين عارضوا هذا الرأي، فنزل عندئذٍ على رأيهم    على الرُغم من أنَّهُ كان أكثرُهم تقديرًا لِخطر المُسلمين على مُلكه ودولته، كما كان أكثرُهم ذُعرًا وخوفًا، حتَّى أنَّهُ رحل عن فلسطين واستقرَّ بعيدًا في أنطاكية في أقصى شمالي الشَّام، لِيُوجِّه الجُيوش منها، ويبعث بِتعليماته إلى قادته، ويُدير العمليَّات العسكريَّة. كان للبيزنطيين في الشَّام جيشان  ، يتمركز الأوَّل في فلسطين ويبلُغ عديده سبعين ألف مُقاتل، ويتمركز الثاني في أنطاكية ويبلغ عديده مائتي ألف مُقاتل مُعظمهم من الارمن

وصل يزيد بن أبي سُفيان إلى تبوك في أواخر سنة 12هـ، في الوقت الذي نزل فيه شُرحبيل بن حسنة في بُصرى وأبو عُبيدة في الجابية. وكان هرقل قد جهَّز قُوَّة عسكريَّة قِوامُها ثلاثة آلاف مُقاتل بِقيادة سرجيوس قائد منطقة غزَّة، وأرسلها إلى وادي عربة في فلسطين لِحصار المُسلمين المُتقدمين باتجاه الشمال، من الخلف، وقطع خُطوط إمداداتهم مع المدينة. كان من المفروض أن يتصدّى خالد بن سعيد لِهذه القُوَّة، وقد أمرهُ أبو بكر بأن يتقدَّم من تيماء دون أن يقتحم حتَّى لا يُؤتى من خلفه، غير أنَّ خالدًا توغَّل أكثر ممَّا سُمح لهُ حتَّى أنَّهُ سبق جيش أبي عُبيدة المُرابط في الجابية، فبلغ مرج الصَّفر في ضواحي دمشق. علِم يزيد بِتقدُّم جيش سرجيوس، وهو في البلقاء، في مكانٍ يقع شرقيّ البحر الميِّت، ثُمَّ شاهد طلائعُه، فاصطدم به في مؤاب وتغلَّب عليه، وانسحب البيزنطيّون مُنهزمين إلى داثن، إحدى قُرى غزَّة حيثُ أعاد سرجيوس تنظيم صُفوف قُوَّاته لِيستأنف القِتال.[68] كانت مؤاب أوَّل مدينة بيزنطيَّة في الشَّام تسقط في أيدي المُسلمين، وقد أمَّن لهم فتحها السيطرة العسكريَّة على المنطقة الواقعة جنوبي وادي المُوجب أو نهر أرنون، وسمح لهم القيام بِنشاطاتٍ عسكريَّةٍ في وادي عربة ثُمَّ في داثن، بعد أن أضحى جناحهم الشمالي محميًّا، وأزاح كُل الحواجز العسكريَّة الجديَّة من طريقهم حيثُ أضحى الانتشار في رُبوع فلسطين يتمُّ وفق إرادتهم.

 ]

معركة داثن

تحصَّن سرجيوس في داثن وخاض المعركة الثانية ضدَّ المُسلمين فخسرها، وخسر حياته حيثُ قُتل في المُبارزة التي جرت بينه وبين ربيعة بن عامر، وذلك في 24 ذي الحجَّة 12هـ المُوافق فيه 1 آذار (مارس) 634م.   عزَّزت معركة داثن النجاح الذي حقَّقهُ المُسلمون أصلًا إلى مدى أبعد شرقًا وفي منطقة مُختلفة. وخلَّفت الخِسارة البيزنطيَّة صدىً قويًّا تراوح بين الفرح الذي عمَّ السُكَّان اليهود بِخاصَّة الذين عدّوا انتصار المُسلمين فاتحة زوال السيطرة البيزنطيَّة، وبين الأسى الذي عمَّ الدوائر الحاكمة في القُسطنطينيَّة وبعض القبائل العربيَّة الشَّاميَّة. وتُمثِّلُ هذه المعركة إلى جانب الهدف الديني الأسمى للمُسلمين، المُقاومة الإسلاميَّة للمُحاولات البيزنطيَّة لِتضييق الخِناق الاقتصادي عليهم من واقع فرض السيطرة على المناطق الحُدوديَّة والتَّحكُّم بِمُرور القوافل التجاريَّة، بعد أن استعاد هؤلاء سيطرتهم على سواحل البحر الأحمر. وتابع يزيد زحفهُ بعد انتصاره، فاجتاز حوران وغوطة دمشق حتَّى وصل إلى أبواب مدينة دمشق، وتمركز حولها، ومنع حاميتها من الاتصال بالقيادة المركزيَّة في أنطاكية، ثُمَّ اتصل ببقيَّة الجُيوش الإسلاميَّة.  ]

معركة مرج الصفَّر  

رأى هرقل أن يضرب أولًا جيش خالد بن سعيد الزَّاحف باتجاه مرج الصَّفر، فاستنفر العرب المُتنصرة مثل بهراء وسُليح وتنّوخ ولخم وجُذام وغسَّان، فتوافدوا وعسكروا في مكانٍ قريبٍ من آبل وزيراء والقسطل بِقيادة ماهان الأرمني، فاصطدم بهم خالد بن سعيد بعد أن استأذن أبا بكر وانتصر عليهم. وفرَّ ماهان مع من تبقّى من جُنوده من ساحة المعركة        كتب خالد بن سعيد بأنباء الانتصار إلى أبي بكر، وطلب منهُ إرسال المزيد من الإمدادات، فاستجاب لِطلبه، ثُمَّ تسرَّع خالد، فشقَّ طريقهُ إلى مرج الصَّفر مُتجاوزًا القواعد العسكريَّة الضروريَّة للزحف، وبخاصَّةً إرسال الطلائع لاستكشاف المنطقة ورصد وُجود تحرُّكات العدوّ، ممَّا أعطى الفُرصة لِماهان الذي كان يُراقب تحرُّكاته لِمُهاجمته. وعندما وصل إلى مرج الصَّفر بين الواقوصة ودمشق، قُطع عليه خط الرَّجعة دون أن يشعر، ثُمَّ التفَّ حول الجيش الإسلامي وفاجأهُ. فلاذ خالد بن سعيد بالفِرار تاركًا جيشه تحت رحمة الروم، لكنَّ عِكرمة بن أبي جهل نجح في إعادة تنظيم صُفوفه وانسحب من ميدان المعركة، وعسكر على مقربةٍ من دمشق. وجرت المعركة في 4 مُحرَّم 13هـ المُوافق فيه 11 آذار (مارس) 634م     وبحسب بعض الروايات التي تخالفها روايات أخرى، فقد وصلت أنباء هذه الهزيمة إلى مسامع أبي بكر، فكتب إلى خالد بن سعيد، الذي وُصف بأنَّهُ قائد غير كُفوء، يُعنِّفه، ويتَّهِمهُ بالجُبن والفرار طلبًا للنجاة، وأمرهُ بأن يظل في مكانه.

مسيرة خالد بن الوليد من العراق إلى الشَّام

وضع هرقل خطَّة عسكريَّة لِمُواجهة المُسلمين على أثر انتشارهم في أجزاءٍ من الشَّام، تقوم على عددٍ من الأُسس، وهي تتمحور حول ضرب الجُيوش الإسلاميَّة مُنفردة، وذلك عبر تراجع البيزنطيين وفق خطةٍ تكتيكيَّة والتَّخلّي للمُسلمين عن مناطق الحُدود الشماليَّة لِشبه الجزيرة العربيَّة، ثُمَّ تتجمَّع وحدات الجيش الأوَّل في فلسطين بعد تعزيزها، بِقيادة تذارق (ثُيودور) أخي هرقل لِمُواجهة جيش عمرو بن العاص، وعلى الجانب الآخر تتجمَّع وحدات الجيش الثاني في أنطاكية بِقيادة وردان أميرُ حِمص، ثُمَّ يزحف الجيش الثاني من أنطاكية إلى حِمص ويُباشر القِتال مع كُل جيشٍ من الجُيوش الإسلاميَّة الثلاثة بشكلٍ مُنفرد بحيثُ يستدرج كُل جيشٍ منها إلى القِتال على حدة، فيهزمهُ ثُمَّ يميلُ إلى الآخر، وهكذا إلى أن ينتهي منها جميعًا، مُستخدمًا أُسلوب «المُناورة بالخُطوط الدَّاخليَّة».  وبناءً على ذلك، تراجع البيزنطيّون بسُرعة من أمام المُسلمين مُتخلين عن الأراضي المُتاخمة لِشبه الجزيرة العربيَّة، ثُمَّ استجمعوا قِواهم في أنطاكية وفلسطين استعدادًا للتصدي للمُسلمين. وهكذا نشأت أمام المُسلمين حالة جديدة لم يكونوا يتوقعونها. ]

ازداد الموقف العسكريّ وُضوحًا بعد استعدادات البيزنطيين وحشدهم الجُند. ووقف القادة المُسلمون في الشَّام على هذه التعبئة البيزنطيَّة، فتشاوروا فيما بينهم واستقرَّ الرأي على اقتراحٍ قدَّمهُ عمرو بن العاص ويقضي باجتماع الجُيوش الإسلاميَّة في مكانٍ واحد،  وقضت الخِطَّة بالجلاء بِأقصى سُرعةٍ مُمكنة عن المناطق التي فتحوها في الدَّاخل، إذ المُهمُّ في الحرب ليس السيطرة على العواصم والبُلدان، بل القضاء على جُيوشِ العدو وسحق مُقاومتها. والتراجع حتَّى جِوار بُصرى، مع تجنُّب الاشتباك بالعدوّ والدُخول معهُ في معركةٍ غير مُتكافئة، على أن يتم تنظيم المرحلة التالية من العمليَّات فيما بعدتنفيذًا لِهذه الخِطَّة سار أبو عُبيدة باتجاه بُصرى، وجلا يزيد عن الغوطة ورفع الحِصار عن دمشق، ثُمَّ جلا شُرحبيل رافعًا الحِصار عن بُصرى، واجتمعت الجُيوش الثلاثة في جوار بُصرى في حين أخذ عمرو بن العاص ينسحب تدريجيًّا بِمُحاذاة الضفَّة الغربيَّة لِنهر الأُردن لِيتصل بِزُملائه  بعد تنفيذ إجراءات التراجُع والتَّجمُّع في جوار بُصرى، كتب أبو عُبيدة رسالةً إلى أبي بكر يُعلمهُ بِقرار القادة ويطلب مُوافقته عليه. وفعلًا وافق أبو بكر على هذا القرار وأدرك في الوقت نفسه حرج موقف المُسلمين على الجبهة الشَّاميَّة، وأنَّهم بحاجة إلى قيادةٍ عسكريَّةٍ فذَّة تُخرجهم من هذا الوضع الحرج، وجدها في خالد بن الوليد الذي انتشرت أخبار انتصاراته على الفُرس في العراق، فاستشار أصحابه فوافقوه.  

كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد بالعراق يأمُرهُ بالمسير إلى الشَّام في نصف الجيش، وكان خالد آنذاك في الحيرة وقد أنشأ لِنفسه موقعًا ثابتًا مُوطد الأركان نسبيًّا، في غربي الفُرات. لكنَّهُ لم يكن ينطوي مُنذُ البداية على الرغبة في فتح إقليم لِنفسه والاستقرار فيه، فرَّحب بالدعوة فورًا من واقع كونها تحديًا لِكفاءته العسكريَّة؛ فأطاع أمر الخليفة على وجه السُرعةاصطحب خالد معهُ إلى الشَّام تسعة آلاف مُقاتل، وهم الذين قدموا معه يوم جاء إلى العراق، وترك ثمانية آلاف بِقيادة المُثنّى بن حارثة الشيبانيّ وهم الذين كانوا معهُ في العراق خرج خالد بن الوليد من الحيرة في 8 صفر 13هـ المُوافق فيه 14 نيسان (أبريل) 634م، وأرسل رسالةً عامَّةً إلى المُسلمين في الشَّام يُخبرهم بأمر الخليفة بِنجدتهم، ورسالة خاصَّة إلى أبي عُبيدة يُخبره بأمر الخليفة تعيينه قائدًا عامَّا لِجُيوش المُسلمين في هذه البِلادواخترق الصحراء التي تفصلُ العراق عن الشَّام في ثمانية أيَّام وقيل خمسة أيَّام    في طريقٍ وعرة لم يسلُكها أحدٌ قبله، وهي طريق قراقر - عين التمر - سُوى - أرك - تدمر - القريتين - الغوطة - بُصرى. ويتمَّيز هذا الطريق بأنَّهُ خالٍ من قلاع الفُرس والروم ومسالِحهم، ويصل بِسالكه إلى بُصرى دون أن يتعرَّض لِهجمات العدوّواجتهد خالد حين أشرف على الشَّام وأراد أن يتوغَّل فيها؛ ألَّا يترك خلفهُ مواقع قائمة للبيزنطيين أو لِحُلفائهم من العرب، فصالح أهل مصيَّخ وبهراء وأرك بعد أن اصطدم بهم، وضرب الحصار حول تدمر وتم فتحها. ]

 

  معركة القريتين

كانت تدمر من المراكز العسكريَّة المُحصَّنة، فحاصرها المُسلمون من كُلِّ جانب وقد تحصَّن بها أهلها، فهدَّدهم خالد وقد أصرَّ على فتحها. ويبدو أنَّهم أدركوا حرج موقفهم في ظل غياب الدعم البيزنطي فمالوا إلى طلب الصُلح وفتحوا أبواب مدينتهم للمُسلمين   واصل المُسلمون سيرهم حتَّى وصلوا إلى القريتين، فاعترضهم أهلها. وجرى اشتباكٌ بين الطرفين أسفر عن انتصار المُسلمين، ثُمَّ مرّوا بِحوارين، فتحصَّن أهلها وراء أسوارهم وطلبوا مُساعدة عاجلة من المُدن والقُرى المُجاورة، فجاءهم جيشان، الأوَّل من بعلبك والثاني من بُصرى، يبلغ عديدهُما أكثر من أربعة آلاف مُقاتل، لكنَّ المُسلمين اصطدموا بهما قبل أن يصلا وشتتوهما. واضطَّر أهالي حوارين إلى قُبول الصُلحتوجَّه المُسلمون بعد حوارين باتجاه الجنوب قاصدين غوطة دمشق، فاعترضهم الغساسنة بِقيادة الحارث بن الأيهم، وجرى اشتباكٌ بين الطرفين أسفر عن انتصار المُسلمين. وتراجع الغساسنة إلى حُصون دمشق، وواصل المُسلمون تقدُّمهم حتَّى بلغوا الثنية ووقفوا على التل المعروف بهذا الاسم ونشروا عليه الرَّاية السوداء المُسماة بالعُقاب وهي رايةُ النبيّ،  وأغاروا على بعض قُرى الغوطة، وعسكروا أمام الباب الشرقي لِدمشق على دير صليبا. وفي رواية أنَّ خالدًا عسكر على باب الجابية الغربي، وأجرى مُباحثات مع أُسقف المدينة وعامل هرقل منصور بن سرجون أسفرت عن مُعاهدة صُلح. وكتب خالد كتابًا لِأهل المدينة يتعهَّد لهم بأنَّهُ لو دخلها لن يتعرَّض لهم أحد في أنفُسهم وأموالهم وكنائسهم وأن لا تُسكن دورهم طالما أعطوا الجزية  والواضح أنَّ دمشق لم تكن هدف خالد الآني، إنما أراد أن يحمي مؤخرة جيشه عندما يستأنف الزحف باتجاه الجنوب.

 

معركة أجنادين

 

ارتدَّ عمرو بن العاص نحو أجنادين الواقعة بين الرملة وبيت جبرين، وتوقَّف فيها ينتظر وُصول جيش تذارق، ولمَّا وصل الأخير انضمَّ إليه نصارى العرب وغيرُهم من أهل الشَّام آملين أن ينالوا نهائيًّا من المُسلمين ويُخرجوهم من فلسطين. وكان مثل هذا العمل سيُؤدي إلى إحراج المُسلمين المُنتشرين في المناطق الواقعة شرقيّ البحر الميِّت ونهر الأُردُن، ووضعهم في موضعٍ مكشوفٍ على نحوٍ يُنذرُ بالخطر، إذ كانت القوى الإسلاميَّة بعيدة عنهم. عقد خالد بن الوليد مجلسًا عسكريًّا عندما علِم بِزحف البيزنطيين تقرَّر فيه تجميع القوى الإسلاميَّة والصُمود في أجنادين. وجرى اللقاء في هذه البلدة يوم السبت في 27 جمادى الأولى 13هـ المُوافق فيه 30 تمّوز (يوليو) 634م، دارت فيه الدائرة على القُوَّات البيزنطيَّةكانت معركة أجنادين مكشوفة وأدَّت إلى جعل البيزنطيين أقل حماسةً عمَّا كانوا عليه من قبل لِمُجابهة المُسلمين في الأماكن المكشوفة. والواقع أنَّ الخوف كان يسبق القِتال المكشوف. واندلع القِتال بعد ذلك في أماكن هي أقرب إلى خُطوط المُواصلات البيزنطيَّة. وقد نال المُسلمون حُريَّةً نسبيَّةً مكَّنتهم من فتح مُعظم المُدن دون مُقاومة وشل حركة المُواصلات بين المُدن. واضطرَّت القيادة البيزنطيَّة إلى تغيير خِططها العسكريَّة، بالاعتماد على المُدن المُحصَّنة كقواعد حماية لِجُنودها، والانطلاق لِمُناوشة المُسلمين مع تجنُّب خوض معارك مكشوفة، ممَّا قلَّص حركيَّة القوى البيزنطيَّة وجعل المُبادرة بيد المُسلمين، إذ إنَّ توزيع القوى في مُدنٍ مُستقلَّة حال دون التعاون فيما بينها حيثُ شُغلت كُلُّ مدينة بالدفاع عن نفسها، وأضعف قُدرتها على مُجابهة خُصومها، وخلقت في نُفوس سُكَّانها عقليَّة دفاعيَّة، ومع ذلك فقد كانت هزيلة ممَّا يسَّر للمُسلمين فتحها. وكان هرقل قد جمع سُكَّان دمشق وأمرهم أن يُقفلوا الأبواب إقفالًا وثيقًا وأن يأتمروا بأمر القائد الذي سيُعينهُ عليهم وشجَّعهم على الاهتمام بالدفاع عن أنفُسهم.  

فُتوحات الشَّام في عهد عُمر  ]

توجَّه المُسلمون إلى دمشق بعد أن فرغوا من أجنادين، عبر الجولان، ولمَّا وصلوا إليها ضربوا حولها حصارًا مُركزًا، فعسكر خالد تجاه دير صليبا، والذي عُرف فيما بعد بدير خالد، وهو على مسافة ميل من الباب الشرقي، وعسكر أبو عُبيدة على باب الجابية في حين نزل يزيد على جانب آخر من دمشقولم يشترك جيش شُرحبيل في الحصار ويبدو أنَّهُ بقي في الجنوب لِحماية مؤخرة المُسلمين. كان هرقل لا يزال يحشد قُوَّاته ويدعها لِقتال المُسلمين، فأرسل جيشًا بلغ تعداده خمسة آلاف مُقاتل لِمُساعدة أهل دمشق، وانضمَّ إليه عددٌ كبير من حامية حِمص. فاضطرَّ المُسلمون أن يُخفِّفوا الضغط عن دمشق، وساروا مُجددًا نحو مرج الصَّفر لاعتراض القُوَّة البيزنطيَّة التي لا بُد وأن تمُر من هذا المكان للوُصول إلى المدينة. وجرى قتالٌ بين الطرفين في 17 جمادى الآخرة 13هـ المُوافق فيه 18 آب (أغسطس) 634م أسفر عن انتصار المُسلمين. فقتلوا عددًا كبيرًا من الروم وفرَّ من نجا من المعركة في كُل اتجا  ه

عزل خالد بن الوليد عن إمارة الجيش  

عاد المُسلمون بعد انتهاء المعركة إلى دمشق. فنزل خالد على الباب الشرقي وأبو عُبيدة أمام باب الجابية، ويزيد على بعض أبوابها، وعمرو بن العاص على بابٍ آخر، وجاءهم، وهم على هذه الحال منجمة بن زُنيم رسولُ عُمر بن الخطَّاب يحملُ رسالة تتضمَّن نعي الخليفة أبي بكر الذي توفي مساء الثُلاثاء في 21 جمادى الآخرة 13هـ المُوافق فيه 22 آب (أغسطس) 634م، ومُبايعة عُمر، وتضمَّن أيضًا عزل خالد بن الوليد عن إمارة جُيوش الشَّام وتعيين أبي عُبيدة بدلًا منه. لكن هذا الأخير أخَّر إعلان خبر العزل لِأنَّ المُسلمين كانوا في صدد تحضير فتح دمشق، ولم يشأن أن يُحدث هذا التبديل أيَّ بلبلةً في صُفوف الجيش الإسلامي. ولِهذا كان هُناك نوعٌ من الازدواجية في الإمارة على الجيش لدى مُحاولة فتح دِمشق. واختلف المُؤرخون والباحثون في تحديد أسباب عزل خالد بن الوليد عن إمارة الجُيوش، وهو القائدُ الفذ الذي حقَّق للمُسلمين انتصاراتٍ باهرة في حُرُوب الرِّدَّة وفي معارك فتح العراق ومن بعدها الشَّام، وذلك في ظُروفٍ صعبةٍ جدًا، فقيل أنَّ الدَّافع كان ضغينة قديمة من جانب عُمر تجاه خالد  وقيل أنَّ عُمر قلق من تعلُّق المُسلمين بشخص خالد بعد أن انتصر في المعركة تلو الأُخرى، فعظمهُ النَّاس، فقام عُمر بعزله كي يُظهر للناس أنَّ النصر يأتي من عند الله وأنَّ الله ينصر الإسلام وليس أشخاصٌ مُعينين بذاتهم،  وقيل أخيرًا أنَّ العزل جاء نتيجة عناد خالد وتصرُّفه بالمال وغنائم الحرب، فكان يُعطيه لِذوي البأس والشرف والفُصحاء من الشُعراء ولا يُعطي لِفُقراء المُسلمين وضُعفائهم شيئًا، فعزلهُ عُمر كي يحفظ أموال المُسلمين وتُوزَّع بالعدل على النَّاسوفي جميع الأحوال يبدو أنَّ خالد تلقّى خبر العزل بِهُدوء عندما أُعلم به لاحقًا، فخاطب المُسلمين قائلًا: «بُعِثَ إِلَيْكُمُ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ: "لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ"». فقال أبو عُبيدة: «سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ: "خَالِدٌ سِيْفٌ مِن سُيُوفِ الله، نِعْمَ فَتَى العَشِيْرَةِ"» 3 ]

فتح دمشق

استأنف المُسلمون حِصار دمشق بعد عودتهم من الأُردُن، فأخذوا الغوطة وكنائسها عنوةً، وتحصَّن أهلُ المدينة وأغلقوا بابها،  وقد أملوا بوُصول نجدة من الشمال على وجه السُرعة تفُك الحصار عن المدينة. وتوزعت مهام الحِصار كما يلي: نزل أبو عُبيدة على باب الجابية، وخالد بن الوليد على الباب الشرقي ويزيد بن أبي سُفيان على باب كيسان وعمرو بن العاص على باب الفراديس وشُرحبيل بن حسنة على باب توما.     وعمد أبو عُبيدة إلى عزل المدينة عمَّن حولها، وقطع اتصالاتها مع العالم الخارجي حتَّى يُجبر حاميتها على الاستسلام، فأرسل ثلاث فرق عسكريَّة تمركزت إحداها على سفح جبل قاسيون، على مسافة خمسة كيلومترات إلى الشمال من المدينة عند قرية برزة، والثانية على طريق حِمص للحُؤول دون وُصول الإمدادات من الشمال وقطع الاتصالات بينها وبين القيادة البيزنطيَّة، والأخيرة على الطريق بين دمشق وفلسطين لِقطع طريق الجنوب     وطال أمدُ الحِصار على الدمشقيين، الذي دام سبعين ليلة، وقيل أربعة أشهر، وكذلك ستة أشهر،        وازداد التوتُّر بينهم، وبخاصَّةً بعد أن انسحبت الحامية البيزنطيَّة من مواقعها تاركةً للدمشقيين تدبُّر أمرهم بِأنفُسهم، ولمَّا يئسوا من حُصول نجدة تُنقذهم وتُجلي المُسلمين عن مدينتهم؛ وهنت عزيمتهم، ومالوا إلى الاستسلام.

تتباين روايات المصادر في وصف أيَّام دمشق الأخيرة قبل دُخول المُسلمين إليها، وفي تحديد كيفيَّة هذا الدُخول. فقد ذكر البلاذري أنَّ أبا عُبيدة دخل المدينة عنوةً من باب الجابية، ولمَّا رأى الأُسقف منصور بن سرجون أنَّهُ قارب الدُخول، بادر إلى خالد فصالحهُ وفتح لهُ الباب الشرقي، فدخل الأُسقف معهُ ناشرًا كِتاب الصُلح، والتقى خالد مع أبي عُبيدة بالمقسلَّاط، وهو موضعُ النحَّاسين بدمشق فتحدَّث بعضُ المُسلمين في ذلك مُعترضين على عدم جواز صُلح خالد كونه ليس أمير الجيش، لكنَّ أبو عُبيدة أجازه قائلًا أنَّهُ يُجيزُ على المُسلمين أدناهم، فأمضى الصُلح ولم يلتفت إلى ما فُتح عُنوةً، فصارت دمشق كُلَّها صُلحًا، وكتب بذلك إلى عُمر وأنفذه.   وروى الطبري أنَّ خالدًا اقتحم المدينة فاستيقظ السُكَّانُ مذعورين على جُند المُسلمين يلِجونها ويُمعنون في الجُنود الروم تقتيلًا، ففتحوا أبواب مدينتهم للفرق الإسلاميَّة الأُخرى والتجأوا إلى أبي عُبيدة يعرضون عليه الصُلح، فقبل عرضهم. ودخل كُلُّ قائدٍ من الباب الذي هُو عليه صُلحًا باستثناء خالد فقد دخل عنوةً. وكان صُلحُ دمشق على المُقاسمة على الدينار والعقار وعلى جزية دينار عن كُلِّ رأس لِأنَّ جانبًا من المدينة فُتح عنوةً، فكان كُلَّهُ حقًا للمُسلمين، في حين فُتح جانب منها صُلحًا فوجبت عليه الجزية دون سواها. لِذلك أخذ المُسلمون نصف ما في المدينة من كنائس ومنازل وأموال بِحُكم الفتح عنوةً وفرضوا الجزية بحُكم الفتح صُلحًا، بحسب ابن كثير     وأخذ المُسلمون سبع كنائس من أصل أربع عشرة القائمة بدمشق، كما اقتسموا الكنيسة الكُبرى، وهي كاتدرائيَّة القدّيس يوحنَّا المعمدان، مع الدمشقيين، فتركوا نصفها للمسيحيين يُقيمون فيه صلواتهم، وجعلوا النصف الآخر مسجدًا جامعًا،       ]

فتح حِمص

كانت مدينة حِمص في النصف الأوَّل من القرن السَّابع الميلاديّ، أي قبل الفتح الإسلاميّ، مركزًا إداريًّا هامًّا، كما كانت قاعدة هرقل، يُرسلُ منها الجُيوش لِمُحاربة المُسلمين في الجنوب، ويُديرُ منها العمليَّات العسكريَّة. سار أبو عُبيدة بعد فتح بعلبك إلى حِمص، ولمَّا وصل إلى ضواحيها تصدَّت له قُوَّة عسكريَّة في جوسية، على بُعد ستَّة فراسخ منها بين جبل لُبنان وجبل سنير، فوجَّه إليها خالدًا، فاشتبك مع أفرادها وهزمهم، فولّوا الأدبار ودخلوا المدينةوكما امتنعت دمشق على المُسلمين فاضطرّوا لِحصارها، كذلك كان حالهم مع حِمص التي أغلقت أبوابها في وجههم. كانت القُوَّة المُدافعة على المدينة تأمل في تلقّي دعمٍ سريعٍ من جُيوش الإمبراطوريَّة. والواقع أنَّ هرقل أرسل إلى أفراد الحامية يعدُهم بالمُساعدة ويُشجعهُم على المُقاومة، لكنَّ هذه الوُعود لم تتحقَّق حيثُ كان من الصعب على الإمبراطور البيزنطي أن يجمع جيشًا على وجه السُرعة ويقذف به في المعركة نجدةً لِحمص. عند ذلك أمل هؤلاء أن يُجبر البرد وقساوة الطقس المُسلمين على التراجع، ويبدو أنَّهم انقسموا إلى فئتين: مالت الأولى إلى التفاهم مع المُسلمين بِفعل قُوَّتهم الكبيرة التي هزمت الروم في أكثر من مُناسبة وعجز البيزنطيين عن إمدادهم بالمُساعدة، وأصرَّت الثانية على الاستمرار في المُقاومة والصُمودويروي الطبريّ أنَّ بعض الحِمصيين صالح على صُلح أهل دمشق على دينارٍ وطعامٍ على كُلِّ جُريبٍ أبدًا أيسروا أم أعسروا، وصالح بعضُهم على قدر طاقته، فإن زيد حاله زيد عليه وإن نقص نُقص.     

طال أمدُ الحِصار على أهل حِمص، وساءت حالتهم، وخشوا على أنفُسهم من السبي إن فُتحت مدينتُهم عِنوة. ووقع، في هذه الأثناء، زلزالٌ في المدينة أدَّى إلى تدمير بعض البُيوت والمُنشآت، وألحق أضرارًا أُخرى بالسُّكَّان، في الوقت الذي تجاوز في المُسلمون الأوضاع المُناخيَّة؛ الأمر الذي أدَّى إلى التوافق بين الحامية البيزنطيَّة والسُّكَّان إلى طلب الصُلح، فنالوه وكتب لهم المُسلمون عهدًا بِعدم التعرُّض لهم في حياتهم وأملاكهم ودورهم وأماكن عبادتهم لِقاء الجزية. وساير المُسلمون مشاعر الحِمصيين إلى حدٍ بعيد، فلم يدخُلوا المدينة بل نصبوا خيامهم بالقُرب منها على ضِفاف نهر العاصي. وكتب أبو عُبيدة إلى عُمر في المدينة المُنوَّرة يُخبره بما حصل، ويُعمله بأنَّ الجيش الإسلامي سيتوجَّه نحو الشِمال لِمُطاردة هرقل  .

معركة اليرموك

حشد هرقل جيشًا ضخمًا يضُمُّ مائة وعشرين ألفًا من الجُنود من مُختلف الولايات البيزنطيَّة، منهم فرقة من العرب المسيحيّون تُقدَّر بإثني عشر ألفًا من الغساسنة ولخم وجُذام بِقيادة جَبَلة بن الأَيهم، وفرقة من أرمينية تضُمُّ أيضًا اثني عشر ألفًا بِقيادة جُرجة بن توذاروكتب إلى روما عاصمة الإمبراطوريَّة الرومانيَّة الغربيَّة يطلب نجدة عاجلة تُساعده على التخلُّص من موقفه العصيب، وكان ذلك في الواقع رغبةً منهُ في تحقيق انتصارٍ على المُسلمين يُعيد إليه هيبته وإلى الإمبراطوريَّة مكانتها، وإجلاء أعدائها عن الشَّام واستردادها.ونزل الروم بين دير أيّوب واليرموك، وكانوا بِقيادة تذارق (ثُيودور) أخو هرقل يُساعدهُ القائد الأرمني ماهان وسقلاب الخصيّ. علِم أبو عُبيدة بواسطة الجواسيس التي بثَّها بين البيزنطيين بهذا الحشد الضخم، فتشاور مع قادته وتقرَّر أن يُغادر المُسلمون حِمص إلى دمشق كونها أقرب إلى حُدود شبه الجزيرة العربيَّة فيما لو اضطرّوا إلى الانسحاب، وأرسل أبو عُبيدة إلى عُمر يُخبره بذلك، فأمدَّهُ بِقوَّة عسكريَّة جديدة بِقيادة سعيد بن عامر الجمحي. وعقد القادة اجتماعًا آخر في دمشق قرَّروا فيه الصُمود والمُقاومة على أرض الشَّام.   وفوَّض أبو عُبيدة في هذه الأثناء سُلطاته إلى خالد، إذ كان أقدر القادة على تحمّل مسؤوليَّات المُهمَّات الصعبة.   وصل المُسلمون إلى اليرموك فوجدوا البيزنطيين قد سبقوهم إليه، فنزلوا عليهم بحذائهم وعلى طريقهم، إذ ليس للبيزنطيين طريقٌ إلَّا عليهم.    بلغت قُوَّة المُسلمين ما بين ستة وثلاثين ألفًا إلى أربعين ألفًا، وقيل ستةٍ وأربعين ألفًا، مُقسَّمة على أربعة ألوية على رأس كُلٍ منها أمير  ]

وعندما تواجه الجمعان في سهلٍ فسيح شمال اليرموك يُعرف بالواقوصة، أدرك خالد بن الوليد أهميَّة هذه المعركة الفاصلة في حرب الشَّام، وأظهر حِنكةً عسكريَّةً عبر مُحاولته توحيد الألوية الأربعة تحت قيادةٍ واحدة، فخطب في الأُمراء داعيًا أيَّأهم إلى توحيد إمارة الجيش تحت قيادته، لأنَّ هذه المعركة إمَّا ستفتح على المُسلمين أبواب الشَّام على مصراعيها، أو لن يُفلحوا بعدها أبدًا إن هُزموا. وهكذا ولّى أُمراء الألوية الأربعة عليهم خالد بن الوليد في ذلك اليوم، وهُم يظنون أنَّ المعركة ستستمر أيَّامًا وليالي.       بدأ المُسلمون القِتال عندما أمر خالد بن الوليد مُجنبتا قلب الجيش بِقيادة عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو التميميّ بالهُجوم، فاخترق الزُبير بن العوَّام صُفوف الروم مرتين، ثُمَّ حملت ميسرة الروم على ميمنة المُسلمين فانهزم عمرو بن العاص وانكشف شُرحبيل بن حسنة وأصحابه، فحاول البعض منهم الفرار، ونادى عكرمة بن أبي جهل يُبايعُ على الموت فلحق به عمُّه الحارث بن هشام وضرَّار بن الأزور في أربعمائة من الجُنود المُسلمين يُقاتلون حتّى الموت أمام فسطاط خالد بن الوليد، فقُتل مُعظمهم. ثُمَّ حمل خالد بن الوليد على ميسرة الروم ففرَّق شملهم، وانضمَّ إليه القائدُ الأرمنيّ جُرجة مُعلنًا إسلامه. ثُمَّ كرَّ الروم على المُسلمين فتصدّى لهم خالد ومعهُ جُرجة الذي قُتل، فتراجع الروم. فزحف خالد بِقلب الجيش مُخترقًا صُفوف البيزنطيين ففرَّت الخيَّالة منهم تاركين المُشاة أمام الجيش الإسلامي، واقتحم خالد عليهم خندقهم، فتراجع الروم تحت جُنح الظلام إلى سهل الواقوصة حيثُ أمعن المُسلمون فيهم قتلًا حتَّى هُزموا. وقُتل من الروم في هذه المعركة حوالي الستين ألفًا، وقُدِّرت خسائر المُسلمين بِثلاثة آلاف قتيل منهم عدد من الصحابة مثل عكرمة بن أبي جهل وابنه عمرو وسلمة بن هشام وعمرو بن سعيد بن العاص وهشام بن العاص وعمرو بن الطُفيل. وانحاز جَبَلة بن الأَيهم ومن معهُ من العرب المسيحيّون إلى بني قومهم العرب المُسلمون، ثُمَّ أظهر الإسلام هو وجماعةٌ من قومه الغساسنة  وكانت هذه المعركة من المعارك الحاسمة في الصراع الإسلامي - البيزنطي، إذ أنَّها فتحت أمام المُسلمين باب الانتصارات المُتتالية في هذه البلاد، ووضعت حدًا لِآمال هرقل في إنقاذها بعد أن قضى المُسلمون على آخر ما تبقّى لديه من جُيوشٍ وقُوَّاتٍ جمعها بِصُعوبةٍ بالغة.

عاد المُسلمون إلى حِمص بعد أن هزموا الروم في اليرموك، ووضع أبو عُبيدة نصب عينه الجهات الشماليَّة، فبعث خالد بن الوليد على مُقدِّمة جيشه إلى قنسرين. فلمَّا نزل بالحاضر زحف لهم الروم، وثار أهل الحاضر بِخالد بن الوليد، وعليهم ميناس وكان من أعظم الروم بعد هرقل، فالتقوا بالحاضر ووقعت بين الجمعان معركة كبيرة، فقُتل ميناس ومن معه ولم يبق منهم أحدُ    وكان أهلُ الحاضر عربٌ مسيحيين من تنّوخ، فأرسلوا إلى خالد أنَّهم عرب وإنهم لم يكن من رأيهم حربه. فقتل منهم وترك الباقين. فدعاهم أبو عبيدة بعد ذلك إلى الإسلام فأسلم بعضهم، وبقي البعض على النّصرانيَّة، فصالحهم على الجزية.   وسار خالد حتى نزل على قنسرين، فقاتلهُ أهلُ المدينة ثم لجؤوا إلى حِصنهم، فتحصّنوا منه، فهدَّدهم بما معناه أنَّ المدينة ستسقط بيد المُسلمين لا محالة، فنظروا في أمرهم ورأوا ما لقي أهل حِمص فصالحوهم على صلح حِمص، على دينار وطعامٍ على كُلِّ جريبٍ أيسروا أو أعسروا. ودعا أبو عُبيدة أهل قنسرين إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأقام على النصرانيَّة بعضهم الآخر   لمَّا فرغ أبو عُبيدة من قنسرين سار إلى حلب، فبلغه أن أهل قنسرين نقضوا وغدروا، فوجَّه إليهم السمط ابن الأسود الكِندي، فحاصر المدينة وأعاد فتحها وغنم فيها بعض المواشي من أبقارٍ وأغنامٍ، فقسَّم بعضهُ في جيشه وجعل بقيَّته في المغنم.     ولمَّا ورد أبو عبيدة عليهم أسلم المزيدُ من أهالي المدينة، وصولح كثيرٌ منهم على الجزية، ثم أسلموا بعد ذلك بيسيرٍ، إلَّا البعضُ منهم الذي فضَّل البقاء على المسيحيَّة. وصل المُسلمون إلى حلب، فتحصّن منهم أهلُها، وجاء أبو عبيدة حتى نزل عليهم فطلبوا من المُسلمين الصُلح والأمان. فقبل منهم أبو عبيدة وصالحهم وكتب لهم أمانًا، ودخل المُسلمون حلب من باب أنطاكية، وحفّوا حولهم بالتّراس داخل الباب     سار أبو عُبيدة بعد ذلك، إلى أنطاكية، وكانت مركزًا لِجُيوشِ الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة ومقر هرقل ومأمنه، وكان قد لجأ إليها كثيرٌ من البيزنطيين. وفتح أثناء زحفه أعزاز بدون قتال، وحاولت قُوَّة عسكريَّة خرجت منها وقف تقدُّمه إلَّا أنها فشلت واضطرَّ أفرادُها للعودة والتحصُّن بالمدينة. ولمَّا وصل أبو عُبيدة إلى أنطاكية ضرب الحصار عليها، وجرت مُناوشات بين الطرفين اضطرَّ بعدها السُكَّان إلى طلب الصُلح وأقرّوا بالجزية، ووافق أبو عُبيدة على طلبهم، ودخل المُسلمون بعد ذلك إلى المدينة. ونظرًا لِأهميَّة موقعها كمركزٍ مُتقدِّمٍ مُلاصقٍ لِحُدود العدوّ، أمر عُمر أبا عُبيدة بِشحنها بالمُقاتلين.  ]

وكان هرقل قد خرج من أنطاكية قبل وُصول المُسلمين وعاد إلى القُسطنطينيَّة، وتروي المصادر الإسلاميَّة أنَّه ودَّع الشَّام مُدركًا أنَّ الروم خسروها للأبد، فقال: «عَلَيْكِ السَّلَامُ يَا سُورِيَا سَلَامًا لَا اجتِمَاعَ بَعْدَهُ، إلَّا أن أُسَلِّمَ عَلَيْكِ تَسْلِيْمَ المَفَارِق، وَلَا يَعُوْدَ إِلَيْكِ رُومِيٌّ أَبَدًا إلَّا خَائِفًا حَتَّى يُوْلَدُ المَوْلُوْدُ المَشْؤُومُ، وَيَا لَيْتَهُ لَم يُوْلَد، مَا أَحْلَى فِعْلُهُ، وأَمَرَّ عَاقِبَتُهُ عَلَى الرُّومِ!»  ]

القدس العهدة العُمريَّة

شكَّلت بيت المقدس القاعدة البيزنطيَّة الهامَّة، ومركز تجمُّع البيزنطيين الذين فرُّوا من المواقع التي هُزمت فيها جُيوشهم، كما كانت ملجأ للذين خرجوا من المُدن التي فتحها المُسلمون ورفضوا البقاء فيها مثل دمشق. وكان الأرطبون وهو أحد لقادة البيزنطيين، من بين الذين التجأوا إليها وقاد عمليَّة المُقاومة ضدَّ المُسلمين. وكان المُسلمون قد وضعوا المدينة نصب أعيُنهم مُنذ أن توغلوا في الشَّام نظرًا لِمكانتها الدينيَّة في الإسلام، فهي أولى القِبلتين وموطن الأنبياء والرُسل، ومسرى الرسول مُحمَّد، ومنها عرج إلى السماء. قاد عمرو بن العاص عمليَّة حِصار المدينة بوصفه قائد الجبهة الفلسطينيَّة في الوقت الذي كان فيه أبو عُبيدة وخالد بن الوليد يفتحان شمالي الشَّام، وقد واجه مُقاومة ضارية من جانب حاميتها وسُكَّانها، ووجد مشقَّة بالغة في امتصاص الهجمات البيزنطيَّة، فأرسل إلى الأرطبون يطلب منهُ التسليم مثل بقيَّة المُدن ووعدهُ بالأمان  واستعمل البيزنطيّون المجانيق من فوق الأسوار لِضرب المواقع الإسلاميَّة، فسبَّبت أضرارًا بالأرواح والمعدَّات. وعانى المُسلمون من مصاعب طبيعيَّة قاسية، إذ اشتدَّ البرد وانهمرت الأمطار الغزيرة وتساقطت الثُلوج الكثيفة، فاستغلَّ الأرطبون سوء الأحوال الطبيعيَّة التي لم يتعوَّد عليها المُسلمون ورفض الدُخول في الصُلح، وأطال أمد الحرب، وشدَّد ضرباته ضدَّهم وهو يأمل أن يُلحق بهم الهزيمة أو يضطرَّهم إلى فك الحِصار عن بيت المقدس. اضطرَّ عمرو بن العاص، في هذه الظُروف القتاليَّة الصعبة، أن يكتب إلى عُمر في المدينة المُنوَّرة يطلب منهُ المُساعدة، فاستجاب لِطلبه وأرسل إلى أبي عُبيدة لِيُنجده، وكان قد فرغ لِتوّه من فتح شمالي الشَّام، فغادر المنطقة ونزل في الجابية، وقد صحبه خالد بن الوليدوأرسل إلى يزيد بأن يبعث أخاه مُعاوية لِفتح قيسارية كي يشغل البيزنطيين على أكثر من جبهة، كما خرج عُمر بنفسه إلى الشَّام لِيكون قريبًا من مجرى الأحداث نظرًا لِأهميَّة وضرورة فتح بيت المقدس 

تسلَّم أبو عُبيدة فور وُصوله قيادة القُوَّات الإسلاميَّة، فارتفعت معنويَّات الجُند، وتسرَّب في المُقابل الخوف والقلق إلى قُلوب المُدافعين وبخاصَّةً بعد أن فشلوا في إلحاق هزيمة مؤكدة بِقوَّات عمرو، كما أنَّ سُقوط المُدن المُحيطة ببيت المقدس كان لهُ أثره السلبي على معنوياتهم لِأنَّهم حُرموا من الإمدادات، ولم تأتهم نجدة من هرقل، وعلموا أنَّ عُمر آتٍ فأدركوا أنَّ مدينتهم لن تستطيع الاستمرار بالمُقاومة وأنَّ سُقوطها أضحى مسألة وقت، فانسحب الأرطبون مُستخفيًا في قُوَّة من الجُند إلى مصر.[132] وتسلَّم بطريرك المدينة العجوز صفرونيوس مقاليد الأُمور، فعرض عليه أبو عُبيدة الإسلام أو الجزية أو الحرب.   كان اعتناق الإسلام بالنسبة إلى سُكَّان بيت المقدس آنذاك أمرًا صعبًا بل مُستحيلًا، كما أنَّ التجربة التي مرَّت بها المدينة قبل نحو خمسةٍ وعشرين سنة حين دمَّرها الفُرس جعلت الأهالي يحرصون على الجُنح إلى السلم إن سنحت الفُرصة. لِذلك اختار البطريرك استسلام المدينة على أن يُسلِّمها لِعُمر شخصيًّا ولا أحد سواه. وأتى عُمر إلى بيت المقدس وأعطى أهلها الأمان على أنفسهم وأموالهم وبيوتهم وكنائسهم وأديرتهم وجميع دور عبادتهم، كما أعطاهم حُريَّة البقاء في المدينة أو الخُروج مع الروم إلى حيثُ يشاؤون. ودخل عُمر وأصحابه إلى بيت المقدس بعد عقد الصُلح، ورافقهم البطريرك صفرونيوس يدُلُّهم على آثارها وأماكن الحج فيها، كما دلَّهم كعب الأحبار، وهو يهوديٌّ أسلم، على موقع الصخرة المُقدَّسة التي عرج منها الرسول مُحمَّد إلى السماء وفق المُعتقد الإسلامي، وكانت في منطقة الهيكل. وأعطى عُمر النصارى عهدًا بألَّا يُصلي المُسلمون على عتبات الكنائس جماعة، ولكن فُرادى وألَّا يدعوهم لِصلاة الجماعة مؤذِّن كي لا يُنفر أهل المدينة من الدين الجديد، كما امتنع عن الصلاة في كنيسة القيامة كي لا يتخذها المُسلمون بعده مسجدًا، وصلّى مُنفردًا خارجها، وابتنى المُسلمون لاحقًا مسجدًا في الموضع الذي صلّى فيه عُمر.  ]

فتح بلاد المغرب

المرحلة الإستطلاعيّة (الاستكشافيّة:)

حملة عمرو بن العاص:

ابتدأ المسير لفتح المغرب، بعد فتح مصر مباشرةً، وقام عمرو بن العاص فاتح مصر بقيادة تلك الحملة، حيث قام بفتح طرابلس وبرقة، لتأمين الحدود الغربيّة لمصر من خطر اليد البيزنطيّة التي كانت تسعى لإستعادة مصر، وذكر المؤرخين بأن عمرو بن العاص أراد المضي قدماً بفتوحاته بعد فتحه لطرابلس، ولكن الخليفة (عمر بن الخطاب) منعه من إتمام المسير بسبب تخوّفه على جيش المسلمين من التشتّت في هذه المناطق الشاسعة، وعلى وجه الخصوص بأنه تم فتح مصر وبلاد الشام حديثاً، وأن الجيش مازال بحاجة إلى توطيد دعائمه، بالإضافة إلى توطيد سلطانهم في تلك البلاد، وتوسيع رقعة نفوذها.

حملة عبدالله بن سعد بن أبي السرح:

قرر الخليفة عثمان بن عفان إستئناف تلك الفتوحات التي بدأت في المغرب العربي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، فأرسل أخاه في الرضاعة (عبدالله بن سعد) والذي كان والي مصرفي تلك الفترة، على رأس حملة قوية، فقام القائد عبدالله بالإستيلاء على سفن البيزنطيين التي كانت راسيةً على شواطئ طرابلس، ثم تابع المسير إلى أن وصل إلى تونس وهناك التقى بجيوش البيزنطيين في موقعة (سبيطلة)، وكانت الغلبة فيها لجيوش المسلمين على الجيش البيزنطي بقيادة (جريجوريوس)، وقتل فيها القائد البيزنطي على يد عبدالله بن الزبير والذي يعود الفضل إليه في هذا الإنتصار كما ذكر الرواة والمؤرخين. لم يستطع القائد عبدالله بن سعد البقاء في هذه الحملة ، وذلك للفتنة التي قامت في مصر في ذلك الوقت ، فاضطر للعودة لمحاربة أهل النوبة في الجنوب.

حملة معاوية بن حديج:

عند تولي (معاوية بن أبي سفيان) الخلافة، قرر الإستمرار في متابعة الفتوحات في المغرب، وعهد هذا الأمر للقائد (معاوية بن حديج الكندي)، فقام الكندي بإعداد الجيوش، واتخذ من مدينة القيروان معسكراً له، وقام بتوجيه السرايا من هناك إلى المعاقل البيزنطيّة، ومنها سرية القائد (عبدالله بن الزبير)، حيث قامت بالتوجّه إلى المدن الساحليّة وقامت بالسيطرة على أهم المدن فيها وهي (بنزرت، وقابس، وسوسة). وأيضاً قام الكندي بإرسال سريّة أخرى بقيادة (عبد الملك بن مروان) إلى أهم حصن للبيزنطيين وهو حصن (جلولا)، وتم الإستيلاء عليه بعد نزال عنيف معهم.

مرحلة الفتح الحقيقي لبلاد المغرب:

حملة عقبة بن نافع الأولى:

استمرت حملة معاوية لفترة زمنية امتدت لخمسة أعوامٍ، قام عقبة في تلك الفترة ببناء مدينة عربية، وجعل هذه المدينة بمثابة قاعدة عسكريّة لهم، لتوطيد نفوذهم في البلاد وما حولها، ووقع اختياره على (مدينة القيروان) لهذا الأمر، ونتيجةً لهذا اتخذت العمليّات العسكريّة هناك طابعاً مستقراً ثابتا

حملة أبو المهاجر دينار:

حل دينار مكان عقبة، واستمرت حملته لفترة، امتدت إلى سبعة أعوامٍ ، حيث قام بالإبتعاد عن مدينة القيروان بدون أن يعيث بها خراباً، وقام ببناء مدينة أخرى، اتخذ منها قاعدة المسلمين العسكرية، هي مدينة (تكروان)، وسجلت حملته تلك نجاحاً كبيراً بسبب تعاون المسلمين مع البربر في مواجهة جيوش البيزنطيين، مما نتج عن هذا الأمر فتح مدينة الجزائر- حدبثاً - (المغرب الأوسط)، حتى وصل بفتوحاته تلك إلى مدينة (تلمسان).

حملة عقبة بن نافع الثانية:

تمّت هذه الحملة في عهد (اليزيد بن معاوية)، وتمّ في هذه المرحلة فتح بلاد المغرب، حتى وصل إلى سواحل المحيط الأطلسي، أي من أدناه إلى أقصاه، وانتهت تلك الحملة باستشهاد القائدين: عقبة بن نافع، وأبو المهاجر دينار.

حملة زهير بن قيس البلوي:

ونتج عن تلك الحملة بأن أعاد القائد زهير القيروان إلى معاقل المسلمين، وحطم مقاومة أوربا والبربر، ولكنه وقع في كمين أدّى إلى استشهاده.

حملة حسان بن النعمان:

عُدَّ هذا القائد هو (الفاتح الحقيقي) لبلاد المغرب حسب آراء المؤرخين، حيث قام بوضع الأسس للنظام السياسي والإداري والعسكري والثقافي في البلاد، وقام ببسط نفوذه على مدينة (قرطاجة)، لكنه اصطدم بمواجهةٍ عنيفة قادتها إمرأة تدعى (الملكة الكاهنة)، وهي زعيمة قبيلة (جراوة)،انتصرت الكاهنة على جيوش المسلمين، وأوقفت زحفهم، ممّا أدى إلى تراجع حسان وأتباعه إلى ما وراء مدينة (طرابلس)، وتوقف المدّ الإسلامي لمدة خمسة أعوام، وذلك بسبب صلابة الملكة وسعة نفوذها في المنطقة. استُئنفت هذه الفتوحات بعد أن ضعف شأن الكاهنة، بعد أن تسببت في الكثير من الخراب في البلاد، وأدّت هذه الحملة إلى فتح أغلب المناطق الإفريقيه بشكل تام، وتم انهاء المقاومة لجيوش المسلمين فيها.

حملة موسى بن نصير:

لم يبذل القائد موسى بن نصير مجهوداً كبيراً في حملته تلك، فقد كان دوره يرتكز على تدعيم المكاسب التي تمّت السيطرة عليها في الحملات السابقة، فانطلق منها إلى فتح بلاد الأندلس عن طريق القائد (طارق بن زياد ).


Les visiteurs anonymes ne peuvent pas accéder à ce cours. Veuillez vous connecter.