Section outline

  • 10- النظام السياسي الجزائري

    النظام السياسي الجزائري بين الأحادية الحزبية والتعددية

    1. مقدمة

    2.  المبحث الأول : النظام السياسي الجزائري في ظل الأحادية الحزبية (1962–1989)

    المطلب الأول: السياق التأسيسي للدولة المستقلة وهيمنة الشرعية الثورية

    المطلب الثاني: البناء الدستوري والمؤسساتي في ظل الحزب الواحد

    المطلب الثالث: الإشكالات القانونية المرتبطة بمبدأ الفصل بين السلطات

    3. المبحث الثاني: النظام السياسي الجزائري في ظل التعددية الحزبية (1989–2020)

    المطلب الأول: التحول الدستوري نحو التعددية السياسية

    المطلب الثاني: توازن السلطات في النص والممارسة

    المطلب الثالث: دور المؤسسة العسكرية في ضبط المشهد السياسي

    4. المبحث الثالث : التعديل الدستوري 2020 وإعادة هندسة النظام السياسي

    المطلب الأول: تحليل قانوني لمضامين دستور 2020

    المطلب الثاني: التحديات القانونية في أفق بناء دولة الحق والقانون

    5.  الاستنتاجات

    6. قائمة المراجع

    مقدمة يمثل النظام السياسي الجزائري نموذجًا خاصًا في العالم العربي والإفريقي، فهو نِتاجُ مسارٍ ثوري طويل أفرز مؤسسات سياسية ذات طابع مركزي أحادي، ثم عرف في نهاية الثمانينيات تحولا بارزا باتجاه التعددية الحزبية. غير أن هذا التحول ظل حبيس البنية السلطوية التي لم تُمكِّن من ترسيخ ديمقراطية فعلية قائمة على مبدأ التداول، الفصل بين السلطات، واستقلالية القضاء.

     

    الدراسة التالية تتناول هذا النظام في بعده القانوني والدستوري، بالتحليل والمقارنة بين مرحلتين مفصليتين: مرحلة الأحادية الحزبية (1962–1989) ومرحلة التعددية (1989–الآن)، مع التركيز على الأبعاد القانونية لممارسات السلطة وتوازنها بين المؤسسات، في ظل آخر تعديل دستوري عرفته البلاد سنة 2020.

    المبحث الأول: النظام السياسي الجزائري في ظل الأحادية الحزبية (1962–1989)

    المطلب الأول: السياق التأسيسي وهيمنة الشرعية الثورية

    تأسس النظام السياسي الجزائري عقب الاستقلال على شرعية وحيدة تُسمى "الشرعية الثورية"، حيث مُنحت جبهة التحرير الوطني (FLN) موقع الحزب القائد الذي لا منافس له، بحكم قيادته للكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي. وقد تُرجمت هذه الهيمنة من خلال النصوص القانونية والدستورية الأولى، وأُقصيت بقية القوى السياسية والاجتماعية المعارضة أو المستقلة[1].

    المطلب الثاني: البناء الدستوري والمؤسساتي في ظل الحزب الواحد

    أُقرّ أول دستور للبلاد في سبتمبر 1963، ثم تم تعليقه سنة 1965 بعد الانقلاب الذي قاده هواري بومدين، ليدخل البلد في مرحلة "الشرعية الثورية بالأمر الواقع"، إلى غاية صدور دستور 1976 الذي نص صراحة على الدور المركزي لجبهة التحرير الوطني في المادة 4 منه، باعتبارها "الطليعة القائدة للدولة والمجتمع[2]

    وقد منح هذا الدستور رئيس الجمهورية سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية شبه مطلقة، كحق اقتراح القوانين، تعيين القضاة، رئاسة مجلس الوزراء، والقيادة العليا للقوات المسلحة [3]

    المطلب الثالث: الإشكالات القانونية المرتبطة بمبدأ الفصل بين السلطات

    يُلاحظ أن دساتير هذه المرحلة لم تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات بالمفهوم الدستوري الكلاسيكي، بل تم تذويب البرلمان في وظائف استشارية أو تشريعية خاضعة للسلطة التنفيذية. كما كان القضاء يُعيَّن ويُعزل بمرسوم رئاسي، ما يفقده عنصر الاستقلالية[4].

    والنتيجة كانت نظامًا يقوم على مركزية السلطة السياسية في يد رئيس الجمهورية، بغطاء شرعي حزبي ثوري.

     

     

    المبحث الثاني: النظام السياسي في ظل التعددية الحزبية (1989–2020)

    المطلب الأول: التحول الدستوري نحو التعددية السياسية

    شهدت الجزائر تحولا دستوريًا نوعيًا بعد أحداث أكتوبر 1988 التي فجّرت موجة احتجاجات اجتماعية، أجبرت النظام على تعديل دستوري جذري سنة 1989، تم بموجبه إلغاء المادة 4 من دستور 1976، وفتح المجال أمام حرية تكوين الأحزاب (المادة 40)، والاعتراف بتعدد الرؤى السياسية، رغم اشتراط "عدم المساس بالثوابت الوطنية".[5]

    المطلب الثاني: توازن السلطات في النص والممارسة

    رغم أن دستور 1989 وما تلاه من تعديلات (1996، 2008، 2016) نص على مبدأ الفصل بين السلطات، غير أن الواقع السياسي أثبت هشاشة هذا المبدأ، إذ بقيت مؤسسة الرئاسة مهيمنة، وتم تكريس آليات تقييدية مثل سلطة حل البرلمان، تعديل الدستور بمراسيم، تعيين القضاة، ورئاسة مجلس القضاة الأعلى [6]

    أما البرلمان، فغالبًا ما كان مجرد هيئة لتصديق سياسات الحكومة، وهو ما يتنافى مع مبدأ الرقابة البرلمانية، كما أن التعددية السياسية تم احتواؤها من خلال التحكم في شروط اعتماد الأحزاب والتمويل العمومي لها[7].

    المطلب الثالث: دور المؤسسة العسكرية في ضبط المشهد السياسي

    رغم أن الدساتير لم تُشر صراحة إلى دور الجيش في الحياة السياسية، إلا أن المؤسسة العسكرية ظلت اللاعب الحاسم في إدارة المرحلة الانتقالية بعد وقف المسار الانتخابي في 1992، وفي الإطاحة برؤساء أو دعم آخرين، مثل بوتفليقة في 1999 ثم الاستقالة سنة 2019، ما يُثير إشكالية العلاقة بين السلطة المدنية والعسكرية في ظل النظام الدستوري[8].

    المبحث الثالث: التعديل الدستوري 2020 وإعادة هندسة النظام السياسي

    المطلب الأول: تحليل قانوني لمضامين دستور 2020

    في أعقاب الحراك الشعبي، أُقر دستور جديد سنة 2020 تضمن مستجدات من بينها:

    تقليص عهدات الرئيس إلى عهدتين فقط (المادة 88)،

    استحداث المحكمة الدستورية بدل المجلس الدستوري (المادة 224)،

     

    إعادة تنظيم العلاقة بين الحكومة والبرلمان،

    التنصيص على مشاركة الجيش في الخارج بشروط برلمانية (المادة 91/7) لأول مرة في تاريخ الدساتير الجزائرية.

    لكن الملاحظة الأهم أن الدستور لم يحدّ من الصلاحيات الجوهرية للرئيس، بل أبقى على مركزية السلطة التنفيذية، بما في ذلك تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، ورئاسة مجلس الوزراء.[9]

    المطلب الثاني: التحديات القانونية لبناء دولة الحق والقانون

    تتمثل أبرز التحديات فيما يلي:

    ضعف استقلال القضاء رغم التنصيص عليه دستوريا،

    غياب قضاء دستوري فعّال مستقل،

    هشاشة الأحزاب السياسية وخضوعها لشروط اعتماد صارمة،

    غياب إطار قانوني فعال لمكافحة الفساد السياسي والمؤسساتي،

    ضعف ضمانات الحريات الفردية والجماعية في الممارسة.

    الاستنتاجات

    يمثل النظام السياسي الجزائري نموذجًا ديناميكيًا تطور عبر مراحل متباينة، من الأحادية الحزبية القائمة على الشرعية الثورية إلى التعددية الشكلية التي لم تُفضِ إلى ديمقراطية حقيقية. ففي المرحلة الأولى (1962–1989)، هيمنت جبهة التحرير الوطني على المشهد السياسي تحت مظلة دستور يكرس سلطة مطلقة للرئاسة، ويُهمش مبدأ الفصل بين السلطات. أما بعد 1989، فقد فُتح الباب أمام التعددية الحزبية، لكنها ظلت مقيدة بآليات قانونية وسياسية حفظت هيمنة السلطة التنفيذية، خاصة في ظل الدور غير المعلن للمؤسسة العسكرية.

    التعديل الدستوري لعام 2020 جاء استجابةً للحراك الشعبي، لكنه لم يُحدث قطيعة جذرية مع المركزية الرئاسية، بل أبقى على صلاحيات واسعة للرئيس، بينما زاد من تعقيد الإطار الدستوري دون ضمانات فعلية لاستقلالية القضاء أو توازن السلطات.

    1.    الشرعية الثورية كإطار سلطوي: مثلت الهيمنة التاريخية لجبهة التحرير الوطني أساسًا لشرعية أحادية، جعلت الديمقراطية التمثيلية شكلية حتى بعد التعددية.

    2.    التعددية المقيدة: رغم الإصلاحات الدستورية منذ 1989، بقيت الآليات القانونية (مثل شروط تأسيس الأحزاب، صلاحيات الرئاسة) تُفرغ التعددية من مضمونها.

    3.    دور الجيش الخفي: ظلت المؤسسة العسكرية لاعبًا مركزيًا في صناعة القرار، مما يُناقض مبدأ سيطرة المدنيين على الدولة في النصوص الدستورية.

    4.    دستور 2020: إصلاح غير جذري: رغم تقليص العهدات الرئاسية واستحداث محكمة دستورية، بقي النظام مركزيًا، مع ضعف ضمانات استقلال القضاء والمؤسسات.

    أسئلة تقييمية

    1.    هل يمكن اعتبار التعددية الحزبية في الجزائر منذ 1989 تعددية حقيقية أم شكلية في ظل هيمنة السلطة التنفيذية؟

    2.    إلى أي درجة نجح دستور 2020 في معالجة إشكالية الفصل بين السلطات، خاصة مع استمرار تعيين الرئيس لأعضاء المحكمة الدستورية؟

    3.    كيف يُمكن تفسير التناقض بين النص الدستوري الذي يُكرس ديمقراطية تعددية، والممارسة السياسية التي تُبقي على مركزية القرار؟

    4.    ما مدى تأثير العامل العسكري في الخيارات الدستورية الجزائرية، وهل يمكن الحديث عن "ديمقراطية تحت الوصاية"؟

    5.    هل تُشكل التعديلات الدستورية المتكررة (1996، 2008، 2016، 2020) آليةً لتطوير النظام السياسي أم أداةً لترسيخ الوضع القائم؟

    قائمة المراجع:



    [1] دستور الجزائر 1976، المادة 4.

    [2] محمد العربي آيت خويا، النظام السياسي الجزائري، دار المعرفة، 2018، ص 45.

    [3] دستور الجزائر 1976، المواد 112–120

    [4] رابح لونيسي، السلطة والتعددية في الجزائر، دار القصبة، 2009، ص 63.

    [5] دستور الجزائر 1989، المواد 39–40.

    [6] دستور الجزائر 2008، المادة 77

    [7] عبد الحميد مزيان، الديمقراطية في الجزائر بين النص والتطبيق، دار الحكمة، 2017، ص 78.

    [8] Hugh Roberts, The Battlefield Algeria 1988–2002, Verso, 2003, p. 112

    [9] دستور الجزائر 2020، المواد من 88 إلى 224.