8- أنماط الاقتراع وتطبيقاتها في الجزائر
الخطوط العريضة للقسم
-
8- أنماط الاقتراع وتطبيقاتها في الجزائر
مقدمة
اولا: أساليب ممارسة العملية الانتخابية
1 الانتخاب المقيد والانتخاب العام
2 الانتخاب المباشر وغير المباشر
ثانيا: أنماط الاقتراع
1 الاقتراع الفردي
2 الاقتراع بالقائمة
3 الاقتراع النسبي والاقتراع بالأغلبية
3.تطبيقات نظام الاقتراع في الجزائر
مقدمة
يُعدُّ الاقتراع أحد الركائز الأساسية للنظم الديمقراطية، حيث يعكس إرادة الناخبين ويحدد شكل التمثيل السياسي في المؤسسات التشريعية والتنفيذية. وتختلف أنماط الاقتراع من دولة إلى أخرى وفقًا للسياق التاريخي والسياسي والقانوني لكل بلد. وفي الجزائر، مثل غيرها من الدول، يشكل النظام الانتخابي أداة حاسمة في ترجمة الإرادة الشعبية إلى تمثيل سياسي فعّال، مما يجعله موضوعًا بالغ الأهمية في دراسة التطور الديمقراطي والحياة السياسية في البلاد.
اولا: أساليب ممارسة العملية الانتخابية
1 الانتخاب المقيد والانتخاب العام
يُقصد بالانتخاب العام ذلك النظام الذي يُمنح فيه حق التصويت لجميع المواطنين الذين بلغوا سنًا معينة، دون تمييز يُذكر سوى ما يقرّه القانون استثناءً. أما الانتخاب المقيد، فهو نظام يُقصر فيه حق التصويت على فئة معينة من المواطنين تتوافر فيهم شروط خاصة، كالمستوى التعليمي أو الضريبي أو الاجتماعي.
وقد شهد التاريخ تطورًا في الاتجاه نحو الانتخاب العام، خاصة بعد الحروب الكبرى التي دفعت نحو توسيع قاعدة المشاركة السياسية، تحت ضغط الحركات الاجتماعية ومطالب المساواة. ويُعتبر الانتخاب العام اليوم من مقومات الديمقراطية التمثيلية الحديثة، رغم استمرار بعض مظاهر القيد المرتبطة أحيانًا بالجنسية، أو الأهلية القانونية، أو السجل العدلي، وهو ما نجده في التشريعات الجزائرية كذلك، التي تشترط في الناخب أن يكون مسجلاً ضمن القوائم الانتخابية، وأن يتمتع بالأهلية المدنية والسياسية.[1]
2 الانتخاب المباشر وغير المباشر
الانتخاب المباشر هو الذي يمارس فيه الناخبون اختيار ممثليهم بأنفسهم دون وساطة، كما هو الشأن في انتخاب رئيس الجمهورية أو أعضاء المجالس الشعبية. أما الانتخاب غير المباشر، فيُفوض فيه الناخبون اختيار هيئة وسيطة تتولى هي بدورها انتخاب الممثلين، كما هو الحال في انتخاب مجلس الأمة الجزائري .[2]
وقد أقرّ الدستور الجزائري بنمطين من الاقتراع: المباشر لانتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء المجلس الشعبي الوطني، وغير المباشر بالنسبة لمجلس الأمة، حيث يتم اختيار أعضائه من قبل المجالس المحلية المنتخبة، وفقًا لما نصت عليه المادة 119 من دستور 2020 [3]
ثانيا: أنماط الاقتراع
1 الاقتراع الفردي الاقتراع الفردي هو النمط الذي يصوّت فيه الناخب لشخص واحد فقط، سواء في دورة واحدة أو دورتين. ويهدف هذا الأسلوب إلى تعزيز العلاقة المباشرة بين الناخب وممثله، وتكون الدوائر الانتخابية عادة صغيرة لضمان فعالية التمثيل الفردي.
يُعتمد هذا النمط في العديد من النظم ذات الطابع البرلماني، حيث يُعتبر مناسبًا للأنظمة التي تسعى لتعزيز المسؤولية السياسية للنواب تجاه ناخبيهم. غير أن من سلبياته أنه قد يكرّس النزعة المحلية على حساب البرامج الوطنية، كما أنه يُضعف فرص الأحزاب الصغيرة في الوصول إلى المقاعد البرلمانية[4].
في الجزائر، طُبّق الاقتراع الفردي في بعض الاستحقاقات المحلية، إلا أن النظام الغالب ظل قائمًا على القائمة النسبية، خاصة بعد التعديلات التي جاء بها قانون الانتخابات لسنة 2021، الذي أعاد تشكيل آلية الاقتراع على أساس القائمة المفتوحة.
2 الاقتراع بالقائمة: الاقتراع بالقائمة هو الأسلوب الذي يصوّت فيه الناخبون على قائمة حزبية أو مستقلة تتضمن مجموعة من المترشحين. وقد يكون اقتراعًا على قائمة مغلقة، يلتزم فيها الناخب بالترتيب المقدم من الحزب، أو قائمة مفتوحة، يختار فيها الناخب ترتيب المرشحين داخل القائمة.[5]
يسهم هذا النمط في ترسيخ التعددية الحزبية وتوزيع المقاعد بشكل يعكس الوزن الانتخابي الحقيقي لكل تيار سياسي. كما يعزز تمثيل النساء والشباب، خاصة إذا كان مشروطًا بميكانيزمات قانونية مثل المناصفة أو الكوطة.
وقد اعتمدت الجزائر هذا النمط في أغلب الانتخابات التشريعية والبلدية، خصوصًا بعد إصلاحات 2012، التي فرضت إلزامية تمثيل المرأة في القوائم [6]
ومع صدور الأمر رقم 21-01 المؤرخ في 10 مارس 2021، تم تبنّي نظام الاقتراع بالقائمة المفتوحة، ما أتاح للناخب حرية ترتيب المرشحين والتصويت التفضيلي، وهو ما يُعدّ تحوّلًا مهمًا في النظام الانتخابي الجزائري [7]
3 الاقتراع النسبي والاقتراع بالأغلبية: ينقسم الاقتراع من حيث طريقة احتساب النتائج إلى نمطين رئيسيين: الاقتراع بالأغلبية والاقتراع النسبي. في النظام بالأغلبية، يفوز المرشح أو القائمة التي تحصد الأغلبية المطلقة أو النسبية للأصوات. ويتميز هذا النظام بالوضوح وسهولة الفهم، إلا أنه قد يؤدي إلى إقصاء أقلية مهمة من التمثيل السياسي.[8]
أما النظام النسبي، فيسعى إلى تمثيل جميع التيارات وفقًا لحجمها الانتخابي الحقيقي، ويُطبّق غالبًا باستخدام طريقة التمثيل النسبي مع أحد أساليب توزيع المقاعد كطريقة سانت لوغو، أو القاسم الانتخابي. وقد اعتمدت الجزائر، في القانون العضوي للانتخابات الجديد (2021)، نظام التمثيل النسبي عبر القوائم المفتوحة، مع اعتماد العتبة الانتخابية 5% كشرط لدخول عملية توزيع المقاعد.[9]
ثالثا تطبيقات أنماط الاقتراع في الجزائر
1. تطور نظام الاقتراع في الجزائر
عرف النظام الانتخابي الجزائري تطورًا ملحوظًا منذ الاستقلال، فبعد أن كان قائمًا في بداياته على النمط الأحادي القائم على الحزب الواحد، اتجه بعد دستور 1989 نحو تبنّي التعددية السياسية والانتقال إلى أنماط اقتراع أكثر ديمقراطية.
ففي الانتخابات التشريعية لسنة 1991، تم تبني الاقتراع النسبي على أساس القائمة، وهو ما مكّن التيار الإسلامي من الفوز بنسبة كبيرة من المقاعد في الدور الأول، قبل أن يتم توقيف المسار الانتخابي، ما فتح الباب أمام مراجعة عميقة للنظام الانتخابي لاحقًا[10].
2. تطبيق نظام التمثيل النسبي
منذ سنة 1997، اعتمدت الجزائر نظام الاقتراع النسبي على أساس القوائم المغلقة، وقد تم العمل بهذا النظام في عدة انتخابات (تشريعية، بلدية، ولائية). ويُعد هذا النظام ملائمًا لطبيعة المشهد السياسي الجزائري المتعدد، حيث يسمح بتمثيل أوسع للأحزاب السياسية.
غير أن هذا النظام شابه العديد من النقائص، من بينها هيمنة رؤساء القوائم على المقاعد، وغياب الشفافية في الترتيب الداخلي للمرشحين، ما دفع إلى المطالبة بإصلاحات عميقة لنمط الاقتراع المعتمد.[11]
3. التحول إلى نظام القائمة المفتوحة
في ظل الحراك الشعبي الذي انطلق سنة 2019، تمّت مراجعة جذرية للقانون الانتخابي، حيث تم تبنّي نظام القائمة المفتوحة لأول مرة في الانتخابات التشريعية لـ12 جوان 2021. ويقوم هذا النظام على إعطاء الناخب حرية ترتيب المرشحين داخل القائمة الواحدة، مع احتساب الأصوات التفضيلية لكل مرشح.
وقد لاقى هذا التحول ترحيبًا واسعًا، باعتباره يُقلص من هيمنة رؤساء القوائم، ويمنح الناخب سلطة أكبر في اختيار ممثليه، كما يُشجّع على التنافس داخل القوائم نفسها.[12]
غير أن هذا النظام الجديد لا يزال في طور التجريب، ويحتاج إلى ضبط أكبر من حيث التكوين الانتخابي، وتبسيط طريقة احتساب الأصوات، التي كانت معقدة بعض الشيء خلال أول تجربة.[13]
تقييم نظام الاقتراع الجديد في الجزائر
رغم الخطوة الإيجابية نحو القائمة المفتوحة، إلا أن عدة تقارير أكاديمية وملاحظات ميدانية أشارت إلى بعض الإشكالات، من بينها ضعف نسبة المشاركة، خاصة في المدن الكبرى، وغياب ثقافة الانتخاب التفضيلي لدى فئات واسعة من الناخبين [14]
كما أن عدداً من الأحزاب السياسية اشتكت من صعوبة إعداد القوائم وفق النظام الجديد، ومن ضعف التأطير القانوني لبعض جوانبه.
ورغم ذلك، فإن هذه التجربة تُعد بداية مهمة نحو إعادة تشكيل المشهد السياسي الجزائري على أسس جديدة أكثر شفافية، تكرّس للمساءلة السياسية والفعل الانتخابي الواعي [15]
الاستنتاجات
شهد النظام الانتخابي الجزائري تطوراً ملحوظاً خلال العقود الماضية، حيث انتقل من نظام الحزب الواحد إلى نظام التعددية السياسية، ثم إلى نظام أكثر ديمقراطية يعتمد على التمثيل النسبي بالقوائم المفتوحة. وقد جاء هذا التطور استجابة للمتغيرات السياسية والاجتماعية، وخاصة بعد الحراك الشعبي الذي شهدته البلاد.
أبرز النتائج التي يمكن استخلاصها:
1. التطور الإيجابي للنظام الانتخابي:
§ تحسن تدريجي في شفافية العملية الانتخابية
§ زيادة فرص التمثيل السياسي للأحزاب والتيارات المختلفة
§ تعزيز مشاركة المرأة والشباب عبر آليات الكوتا
2. التحديات القائمة:
§ ضعف الإقبال الانتخابي وخاصة في المناطق الحضرية
§ صعوبة فهم الناخبين للأنظمة الانتخابية المعقدة
§ الحاجة لتعزيز الثقافة الانتخابية لدى المواطنين
3. متطلبات التطوير المستقبلي:
§ تبسيط الإجراءات الانتخابية
§ تعزيز برامج التوعية الانتخابية
§ تطوير آليات الرقابة على الانتخابات
§ مراجعة نظام العتبة الانتخابية لتحقيق تمثيل أفضل
الأسئلة التقييمية
1. أي من الأنظمة الانتخابية التالية اعتمدته الجزائر في انتخابات 2021؟
أ) الاقتراع الفردي
ب) التمثيل النسبي بالقوائم المغلقة
ج) التمثيل النسبي بالقوائم المفتوحة
د) نظام الكوتا النسائية2. ما هي العتبة الانتخابية المطبقة في الانتخابات الجزائرية حالياً؟
أ) 3%
ب) 5%
ج) 7%
د) 10%3. أي من المبادئ التالية يميز الانتخاب العام عن الانتخاب المقيد؟
أ) اشتراط مؤهل تعليمي معين
ب) تقييد حق التصويت بالذكور فقط
ج) منح الحق الانتخابي لجميع المواطنين البالغين
د) اشتراط دفع ضرائب معينةأسئلة مقالية قصيرة
1. ما الفرق بين الانتخاب المباشر وغير المباشر مع ذكر مثال على كل منهما من النظام الجزائري؟
2. كيف يسهم نظام القوائم المفتوحة في تعزيز الديمقراطية التشاركية؟
3. ما هي أهم التحديات التي تواجه تطبيق النظام الانتخابي الحالي في الجزائر؟
أسئلة تحليلية ونقدية
1. قارن بين نظامي الاقتراع الفردي والاقتراع بالقائمة من حيث المزايا والعيوب في السياق الجزائري.
2. ناقش مدى نجاح التعديلات الانتخابية الأخيرة في تحقيق المطالب الشعبية للحراك.
3. هل تعتقد أن النظام الانتخابي الحالي في الجزائر قادر على تمثيل كافة التيارات السياسية بشكل عادل؟ علل إجابتك.
[1] عبد الفتاح بيومي حجازي، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2009، ص 136.
[2] صالح مقلد، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار النهضة العربية، بيروت، 2014، ص 192.
[3] دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، تعديل 2020، المادة 119، الجريدة الرسمية العدد 82، ص 11.
[4] عبد الغني بسيوني، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار المعارف، القاهرة، ط3، 2015، ص 212.
[5] حسن نافعة، التمثيل السياسي وأنظمة الاقتراع، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007، ص 88.
[6] خديجة بن قانة، "نظام الكوتا في الجزائر: الآليات والتحديات"، مجلة العلوم السياسية والقانون، العدد 10، 2016، ص 142.
[7] الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، الأمر رقم 21-01 المؤرخ في 10 مارس 2021، المتعلق بنظام الانتخابات، المواد 190–194.
[8] Maurice Duverger, Les Partis Politiques, PUF, Paris, 1976, p. 103.
[9] عبد الرحمان شايب، "إصلاح المنظومة الانتخابية في الجزائر بين النص والتطبيق"، مجلة القانون والمجتمع، جامعة وهران، عدد خاص، 2022، ص 77.
[10] عبد العالي رزاقي، الانتخابات في الجزائر: بين التعددية السياسية والشرعية الشعبية، دار الهدى، الجزائر، 2011، ص 73.
[11] عبد الحق بن خدة، "النظام الانتخابي في الجزائر بين النص والتطبيق"، مجلة العلوم القانونية والسياسية، العدد 15، 2015، ص 99.
[12] المركز الوطني للدراسات والتحليل السياسي، "تقييم الانتخابات التشريعية 2021"، تقرير داخلي، الجزائر، 2021، ص 27.
[13] إسماعيل معراف، "نظام القائمة المفتوحة في الجزائر: قراءة في أول تجربة"، مجلة القانون والعلوم السياسية، جامعة باتنة، العدد 9، 2022، ص 51.
[14] جريدة الخبر، "ضعف المشاركة في الانتخابات: الأسباب والدلالات"، عدد 12345، جوان 2021، ص 4.
[15] نذير قسوم، "إصلاحات النظام الانتخابي الجزائري: رؤية استشرافية"، ملتقى وطني، جامعة الجزائر 1، مارس 2022، ص 12.