النظام البرلماني
Section outline
-
يُعتبر النظام البرلماني البريطاني نموذجًا تاريخيًا فريدًا تطور عبر ثمانية قرون، حيث يمثل حالة استثنائية في الاستمرارية الدستورية. يعتمد هذا النظام على "الدستور غير المكتوب" الذي يتكون من سلسلة من القوانين والتقاليد والسوابق التاريخية. تكمن قوته في مرونته وقدرته على التكيف مع المتغيرات السياسية مع الحفاظ على الجوهر الديمقراطي[1].
أولاً: النشأة والتطور التاريخي
1. الجذور التاريخية
تعود أصول البرلمان البريطاني إلى "المجلس الملكي الكبير" في العصور الوسطى، حيث كان يجتمع النبلاء ورجال الدين لتقديم المشورة للملك. تحول هذا المجلس تدريجياً إلى هيئة تشريعية بعد صراع طويل مع الملوك، خاصة بعد الماغنا كارتا التي فرضت لأول مرة مبدأ خضوع الملك للقانون.[2]
2. مراحل التطور
أ- مرحلة الملكية المقيدة: شهدت تقليصًا تدريجيًا لسلطات التاج لصالح البرلمان، حيث أصبحت الموافقة البرلمانية ضرورية لفرض الضرائب وإصدار القوانين.[3]
ب- مرحلة الديمقراطية البرلمانية: تميزت بتوسيع قاعدة الانتخاب وإصلاح النظام الانتخابي، مما عزز الشرعية الشعبية للبرلمان.[4]
ج- المرحلة المعاصرة: اتسمت بترسيخ دور رئيس الوزراء كقوة سياسية مركزية، مع تقليص دور الملك إلى مجرد رمز دستوري.
ثانياً: المبادئ الدستورية:
1. سيادة البرلمان :
تعني أن البرلمان يتمتع بالسلطة المطلقة في التشريع، دون وجود دستور مكتوب يحد من صلاحياته. يمكن للبرلمان تعديل أي قانون أو إلغائه دون قيود، بما في ذلك القوانين الدستورية نفسها.[5]
2. المسؤولية الوزارية:
تتجلى في صورتين:
- المسؤولية الجماعية: حيث يجب على جميع الوزراء دعم قرارات الحكومة علنًا
- المسؤولية الفردية: كل وزير مسؤول عن أداء وزارته.[6]
3. عدم مسؤولية الملك
يعني أن الملك لا يمكن محاسبته قانونيًا أو سياسيًا عن أي قرار، حيث أن التوقيع الملكي على القرارات يحتاج إلى عَضْد وزير (Counter-signature) الذي يتحمل المسؤولية بدلاً عنه[7]
ثالثاً: هيكل السلطات
1. السلطة التنفيذية
أ. الملك: تقوم بوظائف رمزية مثل افتتاح الدورات البرلمانية، وتعيين رئيس الوزراء، ومنح الموافقة الملكية على القوانين. عمليًا، تمارس هذه الصلاحيات بناء على مشورة الوزراء
ب. رئيس الوزراء: يقود حزب الأغلبية في مجلس العموم، ويوجه السياسة العامة، ويعين ويقيل الوزراء. تتركز في يديه صلاحيات واسعة تشمل حتى تحديد موعد الانتخابات
ج. مجلس الوزراء: يتكون من 20-25 وزيرًا رئيسيًا، وهو مركز صنع القرار الحقيقي. تجتمع الحكومة الكبيرة (Ministry) التي تضم جميع الوزراء نادرًا، بينما يعمل مجلس الوزراء (Cabinet) بشكل أسبوعي
2. السلطة التشريعية:
أ. مجلس العموم: يتم انتخاب أعضائه كل 5 سنوات (حسب القانون الحالي) بنظام الأغلبية البسيطة. يمتلك السلطة الحقيقية في التشريع والرقابة على الحكومة
ب. مجلس اللوردات: يتكون من أعضاء غير منتخبين (حاليًا حوالي 800 عضو)، يقدمون الخبرة في مراجعة التشريعات ولكن بصلاحيات محدودة بعد الإصلاحات الدستورية الأخيرة
3. السلطة القضائية
حصلت على استقلال كامل عن البرلمان عام 2009 بإنشاء المحكمة العليا. كانت القضايا الدستورية الكبرى تنظر سابقًا من قبل لجنة قضائية في مجلس اللوردات
رابعاً: آليات العمل
1. الرقابة البرلمانية
- جلسات الأسئلة: خاصة "أسئلة رئيس الوزراء" الأسبوعية
- لجان التحقيق: تفحص عمل الحكومة بتفصيل دقيق
- التصويت على الثقة: يمكن أن يؤدي إلى سقوط الحكومة
2. العمل التشريعي
تمر القوانين بمراحل متعددة في كلا المجلسين، مع إمكانية تعطيل مجلس اللوردات للتشريعات لمدة محدودة فقط
3. علاقة المؤسسات
تقوم على التوازن الدقيق بين:
- حق الحكومة في حل البرلمان
- حق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة
الاستنتاجات
يقدم النظام البريطاني دروسًا مهمة في التطور الدستوري العضوي، حيث تتفاعل المؤسسات السياسية مع التغييرات المجتمعية دون قطع مع التقاليد. رغم التحديات، يظل هذا النظام قادرًا على التكيف مع الحفاظ على استقراره الأساسي.
الأسئلة التقويمية
أ. ما المقصود بمبدأ "الملك يملك ولا يحكم" في النظام البريطاني؟
ب. عدد ثلاثًا من خصائص النظام البرلماني البريطاني؟
ج. كيف يضمن النظام البريطاني التوازن بين السلطات؟