Section outline

  • 2- الديمقراطية خصائصها وصورها

     

        تعد الديمقراطية من أكثر المفاهيم السياسية إثارة للنقاش في الفكر السياسي الحديث والمعاصر، لما لها من أبعاد فلسفية وتطبيقية تمس جوهر العلاقة بين السلطة والشعب. وقد عرفت الديمقراطية منذ نشأتها الأولى في المدن اليونانية القديمة، لا سيما أثينا، تطوراً كبيراً، انعكس في نماذج مختلفة باختلاف السياقات التاريخية والثقافية للدول.

    يرتكز هذا البحث على منهج وصفي تحليلي، هدفه تقديم معالجة علمية شاملة لمفهوم الديمقراطية من خلال تتبع أصولها، استجلاء خصائصها الأساسية، وتحليل صورها المختلفة، مع ربطها بالإطار النظري والممارسات التطبيقية في الأنظمة السياسية الحديثة.

    أولاً: مفهوم الديمقراطية

    1.1 النشأة التاريخية

    ظهر مصطلح الديمقراطية لأول مرة في اليونان القديمة، وكان يشير إلى شكل من الحكم يمارسه المواطنون الأحرار بشكل مباشر، دون وسيط[1]. وفي أثينا، كان يتم اتخاذ القرارات عبر التجمع العام للمواطنين، الذين يناقشون ويصوّتون على السياسات والقوانين. لكن هذا النموذج كان مقصوراً على فئة معينة من السكان، ما يطرح تساؤلات حول مدى "ديمقراطيته".

     

    1.2 التعريفات الحديثة

     

    من بين أهم التعريفات المعاصرة، يُعتبر تعريف روبرت دال () الأكثر شهرة، حيث يعرّف الديمقراطية بأنها "نظام سياسي يتضمن مؤسسات تضمن المنافسة بين النخب، وتكفل المشاركة السياسية المتكافئة للمواطنين[2]، وتسمح بممارسة الحريات السياسية" (

     

    أما فريد زكريا (Fareed Zakaria) فقد ميّز بين الديمقراطية الليبرالية والديمقراطية الإجرائية، منتقداً الأنظمة التي تجري انتخابات دون أن تحترم الحقوق الفردية والحريات العامة[3]

    ثانياً: خصائص الديمقراطية

    للديمقراطية خصائص مميزة تجعلها تختلف عن غيرها من الأنظمة السياسية، ويمكن تلخيصها كما يلي:

    2.1 السيادة الشعبية

    الشعب في الديمقراطية هو مصدر السلطة. يتم التعبير عن هذه السيادة عبر الانتخابات العامة، التي تُجرى بشكل دوري ونزيه (الحسن، 2021، ص. 14). وهي التي تتيح تداول السلطة بشكل سلمي.

    2.2 التعددية السياسية والحزبية

    تشجع الديمقراطية على وجود أكثر من حزب سياسي، بما يضمن التنافس الحر على السلطة، ويمنع احتكارها من طرف جهة واحدة [4]

    2.3 الفصل بين السلطات

    هذا المبدأ، الذي نظّر له مونتسكيو في كتابه روح القوانين، يهدف إلى خلق توازن يمنع الاستبداد من خلال توزيع السلطة بين الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية .[5]

    2.4 حماية الحقوق والحريات

    الديمقراطية تُؤسس على احترام الحريات الأساسية: حرية التعبير، حرية التنظيم، حرية الصحافة، وحرية الضمير، وكلها تضمن وجود بيئة سياسية مفتوحة .[6]

    2.5 الشفافية والمساءلة

     

    من أهم وظائف الديمقراطية أنها تضع آليات قانونية لمحاسبة المسؤولين عبر الرقابة البرلمانية، والتقارير الدورية، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام [7]

    ثالثاً: صور الديمقراطية

    تعددت نماذج الديمقراطية عبر العصور، وتبلورت صور متنوعة منها بحسب التطور السياسي للمجتمعات:

    3.1 الديمقراطية المباشرة

    وفيها يمارس المواطنون سلطاتهم بأنفسهم دون وساطة، كما كان الحال في أثينا القديمة. يُعتبر هذا الشكل نادراً اليوم، ويُطبّق جزئياً في بعض الكانتونات السويسرية [8]

    3.2 الديمقراطية التمثيلية

    وهي النموذج السائد في معظم دول العالم، إذ يتم انتخاب ممثلين يتولون مهام التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية، مثل البرلمان في بريطانيا أو الكونغرس في الولايات المتحدة .[9]

    3.3 الديمقراطية شبه المباشرة

    تمثل حلاً وسطاً بين النمطين السابقين، حيث يتمكن المواطنون من التأثير المباشر عبر آليات مثل الاستفتاء والمبادرات الشعبية والاعتراض الشعبي، كما هو الحال في النظام السياسي السويسري.

    3.4 الديمقراطية الليبرالية

    تدمج بين مبادئ الديمقراطية السياسية والليبرالية الاقتصادية، مع تأكيد خاص على سيادة القانون وحماية الحقوق الفردية. غالباً ما ترتبط بالدول الغربية المتقدمة.

    3.5 الديمقراطية التشاركية

    ظهرت هذه الصورة لتجاوز حدود الديمقراطية التمثيلية التقليدية، وتهدف إلى تعزيز مشاركة المواطن في اتخاذ القرار السياسي على المستوى المحلي أو المؤسسي، وغالباً ما تكون مرتبطة بالحكم المحلي.

     

    رابعاً: التحديات المعاصرة للديمقراطية

    رغم انتشار الديمقراطية وتعدد أشكالها، فإنها تواجه عدداً من التحديات في العصر الحديث، نذكر منها:

    صعود الشعبوية: التي تستغل الوسائل الديمقراطية للوصول إلى السلطة ثم تقويضها من الداخل

    ضعف المشاركة السياسية: نتيجة عزوف المواطنين عن الانتخابات أو انعدام الثقة في الفاعلين السياسيين.

    تأثير رأس المال والإعلام: الذي يؤثر على نزاهة العمليات الانتخابية ويخلق تفاوتاً في النفوذ السياسي [10]

    الأنظمة الهجينة: التي تمزج بين الاستبداد والديمقراطية، فتسمح بانتخابات صورية دون وجود حقيقي للمنافسة أو الحقوق.

    خاتمة واستنتاجات

    يتضح من هذا التحليل أن الديمقراطية ليست مجرد آليات انتخابية، بل منظومة متكاملة من المبادئ التي تضمن حكم الشعب، احترام الحقوق، والتداول السلمي للسلطة. ومع أن الممارسة الديمقراطية تختلف من دولة لأخرى، فإن القيم المشتركة تظل قائمة على سيادة الشعب، المشاركة السياسية، واحترام الحريات.

    لكن الديمقراطية ليست نهاية التاريخ، بل مشروع دائم التطور، يتطلب يقظة مستمرة، ومؤسسات قوية، وثقافة سياسية تضمن استدامته.

    الأسئلة التقييمية

    1. قارن بين الديمقراطية المباشرة والتمثيلية مع ذكر مثال لكل منهما.  

    2. ناقش كيف تحقق التعددية السياسية مبدأ المساءلة في النظام الديمقراطي.  

    3. ما التحديات التي تواجه الديمقراطية في المجتمعات المعاصرة؟  

    موعد المحاضرة القادمة: مبدأ الفصل بين السلطات.

     

     



    [1] محمد عبد الفتاح، مقدمة في النظم السياسية. القاهرة: دار المعرفة، 2019.ص. 45

    [2] Dahl, Robert. On Democracy. Yale University Press, 2000., p. 37.

     

    [3] Zakaria, Fareed. The Future of Freedom: Illiberal Democracy at Home and Abroad. W.W. Norton, 2003. p. 26.

    [4] أبو زيد، حسام. النظم السياسية والقانون الدستوري. بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات، 2020.ص. 91).

    [5]  Montesquieu, Charles. The Spirit of the Laws. 1748.

    [6] محمد عبد الفتاح، مرجع سابق، ص. 112).

    [7] Dahl, Ibid.

    [8] عويضة، سامي. "النموذج السويسري للديمقراطية المباشرة"، مجلة الفكر السياسي، العدد 32، 2022 ص. 33).

    [9] (أبو زيد، مرجع سابق، ص. 123).

    [10] الحسن، نادر. "الديمقراطية في الفكر السياسي المعاصر"، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 55، 2021