مقدمة

ترجع جذور الظاهراتية كاتجاه فلسفي إلى الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل، الذي أسس هذا الاتجاه انطلاقًا من إيمانه بأن حقيقة الواقع تتجلى في الوعي والتصورات التي يحملها الإنسان ويشكلها في سياق حياته الاجتماعية. يعتبر هذا الوعي وتلك التصورات مرتبطين بخبرات الإنسان التي يتم اكتسابها من خلال الحواس كوسيط. وبناءً على ذلك، تتشكل حقيقة الواقع الاجتماعي كحقيقة عقلية ممثلة في الوعي، مما يعني أنه لا توجد حقيقة واقع مستقلة عن المعاني التي يحملها الإنسان لهذا الواقع.

يُعد الوعي المرتبط بالخبرة الحسية المحور الأساسي في تشكيل وبناء المعرفة. وبالتالي، يصبح التركيز على عملية الوعي وكيفية تشكيل الخبرات للعالم الخارجي هو الأمر الجوهري في الظاهراتية. تُعنى الظاهراتية بدراسة الظواهر كما تبدو لنا، وما نفكر ونشعر به تجاهها، أي إن معانيها وحقيقتها تتشكل في وعينا كما هي ماثلة في خبراتنا الشخصية والجماعية.

تتحول الوعي والخبرات الشخصية، من خلال التفاعل بين الذوات، إلى وعي وخبرات جماعية تشكل معرفة الجماعة حسا عاما. كما يؤكد الظاهرتيون على أن تشكيل المعرفة الجماعية والحس العام مرتبط بمفهوم آخر، وهو "الموقف" أو "الاتجاه الطبيعي". وفقًا لهذا الاتجاه، ينظر أعضاء الجماعة إلى ما يتشكل من حقائق ومعرفة عن عالمهم على أنه طبيعي، ويتقبلونه ويعيشونه كحقيقة دون أدنى تساؤل.

يرتبط هذا الموقف من عالمهم بسلوكهم وتفكيرهم، مما يعني أنه في هذه الحالة يتصرف الأفراد على أساس أنهم يمرون جميعًا في إطار جماعي بنفس الخبرات والتجارب. انطلاقًا من هذه الأفكار، يمكن تعريف الظاهراتية على أنها اتجاه نظري في العلوم الاجتماعية يُركز على دراسة الظواهر، مع الاعتماد على التحليل المباشر للتجربة الحسية للموضوع، حيث يبحث الباحث عن معاني التجربة من خلال الشخص الذي عاش هذه التجربة وأدركها.

على سبيل المثال، عند دراسة ظاهرة المرض من المنظور الظاهراتي، نسعى إلى فهم معانيها ودلالاتها لدى الأفراد الذين تعرضوا للمرض وعاشوا تجربته الحسية والإدراكية. يتعلق الأمر بإدراك بناء الظاهرة وتنظيمها الداخلي وفق التجربة الإدراكية، ومحاولة فهم الظاهرة كما تبدو وتعبّر عن حقيقتها، من خلال استخدام الحدس والاستبطان العاطفي، وتلك الشراكة في تشكيل المعنى، بغرض استكشاف معاني الخبرة الجماعية والإنسانية.