نظرية الضغط النفسي

يعود ارتباط مصطلح الضغط بمفهوم الصدمة النفسية أساسا إلى التسمية التي أطلقها المجمع الأمريكي للطب النفسي(A.P.A) على العصاب الصدمي وعلى عصاب الحرب،وبعد تخليهم عن هذا المصطلح لجئوا إلى مصطلح الضغط.ويعود استعمال الضغط إلى الباحث الفيزيولوجي الكندي(Hans Seley) سنة 1936 ويتعلق الأمر بالنسبة لهذا الباحث برد الفعل البيو-فيزيولوجي للعضوية لكل عدوان،حيث يرى أن الجسم يستجيب للمثير بتحريك مصادره الفسيولوجية وأجهزته العضوية،أي أنه يواجه الضغوط النفسية بردود أفعال مجهزة لمواجهة الأخطار،وهي ردود أفعال لا تستمر طويلا،فإذا طالت حالة الخطر والضغط النفسي تصبح أجهزة المواجهة في حالة إجهاد،وتنهار أمام هذا الضغط قدرات الإنسان على التكيف،كما تنهار مقاومته لتحقيق الاتزان العضوي،ويستنفذ الفرد كل احتياطه النفسي،وقد تفشل جميع ميكانيزمات الدفاع النفسية في تحقيق التوازن،ويتعرض الفرد لحالة كف عقلي أو حركي مما يؤدي إلى الذهول وظهور الأعراض السيكوسوماتية،إلا أن تجارب Seley أظهرت أن تفاعل الإنذار هو بداية استجابة لكلية،حيث أن تعرض الفرد المستمر لموقف عصيب يمكن أن يبدأ بتفاعل الإنذار،ثم يعقب ذلك مرحلة المقاولة ثم الإعياء ولا يستطيع أن يبقى تحت الإنذار لأن العامل المسبب قد يكون شديدا بحيث يجعل الاستمرار مهدد للحياة ومثل هذا العامل يمثل الصدمة.

وقد ميز سيلي بين ثلاثة أنواع من الضغط:

  • ‌ الضغـــــــط التكيــــــفي:هو رد فعل بيولوجي نفسي منذر عن خطر ومعرض للتعبئة والدفاع اتجاه عدوان أو تهديد،ومن هنا فهو رد فعل طبيعي وتكيفي له أثاره الفيزيولوجية (تحرير السكر في الدم،ارتفاع ضغط الدم،زيادة ضربات القلب......)التي تجعل الجسم في غاية الاستعداد للفعل إضافة إلى الآثار النفسية الثلاثة التي يمارسها:مركز الانتباه،معبئ للطاقة النفسية،محرض للعمل والفعل،لذلك فان الضغط يساهم في تخلي الفرد عن الكسل والتردد في اتخاذ القرارات،ويزيد من فعاليته والعمل على السير الحسن والنجاح. ومن هنا فالضغط التكيفي طبيعي يحدث مباشرة بعد الصدمة ويزول تدريجيا لان العضوية الجسدية مهئية للتصدي للعوامل الخارجية بحيث تستجيب بمجموعة من التغيرات الجسدية كالتعرق وزيادة نبض القلب وجحوظ العينين،وبعد هذه الأعراض تبدأ السيرورة الجسدية في العودة إلى شكلها الطبيعي

  • وفي حالة زادت حدة الضغط قد يؤدي إلى الموت وهذا النوع الثاني من الضغط.

  • ‌الضغـــــــــط المتجــــــــاوز:عندما يعجز الجسم عن مواجهة الضغوط النفسية تظهر أربعة أعراض متتالية:

  1. رد فعل الصعق: يمس تخدير عقلي،تبلد عاطفي،كف إرادي وحركي،ويصبح الفرد غير قادر على الإدراك والتفكير في غير ما هو فيه من معاناة انفعالية.

  2. رد فعل تهيجي:في الوقت الذي تكون فيه الحالة النفسية لا تسمح بارصان دفاعات للتكيف مع الوضعية،والتي تظهر من خلال حركات غير متناسقة ولا تلاحم حركي ولفظي.

  3. رد فعل الهروب المفزع:يتضمن هروب منفرد أو جماعي مندفع وغير مهيأ ووحشي حيث تتم محاربة كل من تسول له نفسه عرقلة الهروب بلا هوادة.

  4. رد فعل الآلي:يولد حركات وسلوكات تبدو تكيفية لكنها دون هدف واضح ومحدد،هدفها جعل الشخص ينشغل بشي ما،وقد تكون بذلك مصدرا للقلق

وقد حدد سيلي سيرورة الإصابة بالاضطرابات السيكوسوماتية عبر 3مراحل:

أولا/الصدمة أو الإنذار:هي المرحلة التي يتلقى فيها الجسم الانفعال من العالم الخارجي عبر حواس الجسم المختلفة،وتبدأ هذه الصدمة في استثارة أجهزة الجسم الداخلية من أجل الدفاع عن سلامته،وتشكل الصدمة خطرا على الجسم لأنها تسبب ضعف وصول الدم إلى الأعضاء وانخفاض ضغط الدم.

ثانيا/ المقاومة:عندما يبدأ الجسم في العمل الدفاعي تتأهب جميع أجهزة الجسم الدفاعية لحمايته من الخطر،فتكون هذه الأجهزة في أقصى نشاطها مما يُضعف الجسم،ولأن الغدة الكظرية تزيد من نشاطها إلى الذروة فإنها تتعرض لخطر التضخم القشري فتعجز عن إفراز هرمون الكورتيزون.

ثالثا/الاستنفاذ:أو ما يُعرف بالانهيار،ويحدث باستمرار الضغط النفسي الذي ولدته الصدمة،فيستنفذ الجسم جميع احتياطاته ولا تتمكن المقاومة الدفاعية في الاستمرار في حماية الجسم،فتظهر علامات الإجهاد تدريجيا،وتتوقف عملية إعادة بناء الأجهزة المُهدمة وتضعف وظيفة الجهاز السمبثاوي فينخفض نشاط الجسم إلى أدنى درجة ويعمل الجهاز العصبي الباراسمبثاوي على تبطئ أنشطة الجسم،وتظهر الأعراض المرضية بسبب ضيق الأوعية الدموية وضمور خلايا البنكرياس ونقصان نسبة الزلال وغيرها من إفرازات الجسم الضرورية للحياة السليمة الخالية من الأمراض.