التصورات النظرية حول الفاعل والعميل (الوكيل)

تشكل التصورات النظرية حول الفاعل والعميل (الوكيل) مجالات متباينة من التفكير في العلوم الاجتماعية، وتمثل ثلاثة زوايا أساسية للنظر. سنستعرض هذه المقاربات الثلاثة وأبرز ميزاتها:

1. المقاربة التفهمية (ماكس فيبر):

التركيز على الفهم الذاتي: قدم ماكس فيبر منظورًا فريدًا للفعل الاجتماعي، حيث اعتقد أنه يجب على العلماء الاجتماعيين فهم المعاني والأسباب التي تحرك سلوك الأفراد. كانت هذه المقاربة تعتبر أن الأفعال البشرية ليست مجرد ردود أفعال على stimuli خارجية، بل تتطلب استكشاف الدوافع الشخصية المعقدة.

الإرادة والمعنى: يرى فيبر أن الفرد (الفاعل الاجتماعي) يتخذ خياراته بناءً على معانٍ يدركها ويعطيها للأفعال، مما يعكس الاستقلالية في اتخاذ القرارات ويدعو لضرورة فهم السياق الثقافي والاجتماعي الذي يعمل من خلاله الأفراد.

الوصف النوعي: تعامل فيبر مع الظواهر الاجتماعية بشكل نوعي، حيث يؤكد على التأويل والدلالات بدلاً من التركيز على القياس الكمي فقط.

2. المقاربة التقليدية الموضوعية (دوركهايم):

التركيز على الظواهر الاجتماعية: يعتبر إميل دوركهايم أحد أبرز رواد هذا الاتجاه، حيث يعمد إلى دراسة المجتمعات ككيانات موضوعية مستقلة عن الأفراد، ويشدد على ضرورة فهم الظواهر الاجتماعية من خلال السياقات الأكبر. يسلط الضوء على "الحقائق الاجتماعية" التي تؤثر على سلوك الأفراد.

الحتمية الاجتماعية: في هذا السياق، يتم اعتبار الوكيل أو العميل كمحطة مباشرة لتأثير الشروط الاجتماعية، حيث يتم التحكم في سلوكه من قبل الهياكل الاجتماعية والثقافية بدلًا من أن يكون مستقلاً في خياراته.

المنهج الكمي: يتميز نهج دوركهايم بالتوجه نحو استخدام الأساليب الكمية لإجراء تحليل اجتماعي، مما يزيد من الموضوعية في دراسة السلوكيات الثقافية والأبعاد الاجتماعية.

3. المقاربة التفاعلية (مدرسة شيكاغو):

التواصل الاجتماعي: تنطلق المقاربة التفاعلية من فرضية أن الفاعل الاجتماعي يتفاعل باستمرار مع الآخرين، وأن عملية الفهم الاجتماعي تتشكل من خلال هذه التفاعلات. يتم التركيز على أهمية المعاني والأشخاص في تشكيل السلوك.

الرمزية والتفاعلية: تدرس هذه المقاربة كيف أن الأفراد يخلقون معاني عبر التفاعلات اليومية، مما يعزز من فكرة أن الفعل الاجتماعي هو نتيجة للعمليات التفاعلية وليس مجرد استجابة لمؤثرات خارجية.

الأساليب الكيفية: استخدمت هذه المقاربة أساليب البحث الكيفية، مثل الملاحظة والمقابلات، لفهم كيف تخلق المجتمعات معاني مشتركة.

تسهم هذه المقاربات الثلاث في تشكيل الفهم العلمي للفاعل والعميل، حيث تقدم المقاربة التفهمية رؤية مفهومية ومعنوية، بينما تسمح المقاربة التقليدية الموضوعية بفهم الأبعاد الموضوعية والقوى الاجتماعية المؤثرة. من جهة أخرى، تفتح المقاربة التفاعلية المجال لفهم التفاعلات والعلاقات الإنسانية بشكل ديناميكي. كل هذه الرؤى تساهم في توسيع الأفكار حول كيفية فهم الفعل الاجتماعي والسلوك الإنساني.