تصنيف القطيعة الابستمولوجية حسب غاستون باشلار
يقسم غاستون باشلار لحظات الصيرورة في الفكر العلمي إلى ثلاث مراحل كبرى، وهي كالتالي:
مرحلة المعرفة الانطباعية (الحدسية): في هذه المرحلة، يعتمد التفكير العلمي على المشاعر والانطباعات الأولية، حيث يتشكل الفهم من خلال التجربة الشخصية والتلقائية. يسود هنا الفهم المبسط للظواهر دون تأسيس منطقي قوي أو إطار علمي محدد.
مرحلة المعرفة العقلانية: تتسم هذه المرحلة بالتجريد والعمل المنهجي. ينطلق الفلاسفة والعلماء من قضايا التجريب والتطبيقات الرياضية للعقل لإعادة تنظيم المعارف والمعلومات. تتضمن هذه المرحلة تطور العلوم الكلاسيكية، حيث تُستخدم الأساليب المنطقية والنماذج الرياضية للتعبير عن الظواهر الطبيعية.
مرحلة المعرفة النقدية: في هذه المرحلة، يُخضع الفيلسوف والعالم المعرفة القائمة للنقد والمراجعة، مما يؤدي إلى إحداث قطيعة مع الأفكار القديمة. يبدأ التفكير بالتحول إلى مستوى أعلى من الفهم، حيث يتم تحليل المعرفة بشكل عميق، وتُطرح الأسئلة، ويُعاد النظر في المسلمات السابقة. يصبح من الضروري تحطيم المفاهيم القديمة لتقبل الجديد، مما يساهم في تقدم المعرفة العلمية.
تتميز هذه المراحل الثلاث بالتفاعل والترابط، حيث تسعى كل مرحلة إلى تجاوز وتطوير المعارف السابقة، وتأكيد على أن الفكر العلمي ليس ثابتًا، بل هو في حالة من الحركة والتطور المستمر.
بهذا الشكل يمكن ان نقول ان غاستون باشلار صنف مفهوم القطيعة الإبستمولوجية إلى مستويين رئيسيين:
القطيعة الظرفية (أو السطحية): تشير هذه القطيعة إلى التغيرات التي تحدث في المعرفة العلمية نتيجة اكتشافات أو تقنيات جديدة، لكنها لا تشمل تحطيم البنى المعرفية الأساسية المهيمنة. أي أن هذه التغيرات قد تؤدي إلى تحديث المفاهيم أو الأساليب العلمية دون كسر الجذور الفكرية والتراث المعرفي السابق. في هذا المستوى، يمكن أن تبقى بعض المسلمات قائمة رغم التغيرات، مما يؤشر على عدم حدوث قطيعة جذرية في التفكير.
القطيعة الجذرية (أو العميقة): في هذا المستوى، تحدث تغييرات شاملة تنقض الأسس المعرفية السابقة وتؤدي إلى تأسيس مفاهيم جديدة بالكامل. يُعتبر هذا النوع من القطيعة تحولًا جذريًا في الطريقة التي يُنظر بها إلى العالم، ويستدعي ذلك إعادة تقييم كاملة للمعارف السابقة. يجب أن يدرك الفيلسوف أو العالم هذا التحوّل بشكل أعمق، حيث يتم تخليص الفكر من المعتقدات والأفكار الراسخة التي لا تتماشى مع الاستنتاجات الجديدة.
بهذه الطريقة، يعكس باشلار عمق الإبستمولوجيا من خلال هذا التصنيف، مؤكدًا أن عدم انتباه الفلاسفة إلى القطيعة الجذرية قد يؤدي إلى قيود على الفكر العلمي، وبالتالي إلى تقييد تطور المعرفة.