مقدمة

أصبحت الرقمنة اليوم ضرورة تمسّ مختلف مجالات الحياة، وفرضت على المؤسسات والمجتمعات تبني مشاريع مقاولاتية تعتمد نظم المعلومات لتطوير الأداء والخدمات. ولم يعد مفهوم المقاولاتية حكرًا على الاقتصاد، بل أصبح إطارًا فكريًا وإبداعيًا يمكن توظيفه حتى في العلوم الإنسانية، ومنها التاريخ، من خلال مشاريع رقمية تخدم المعرفة والمجتمع.

أولًا: مدخل إلى المقاولاتية

أ‌. في اللغة:
المقاولة من الجذر "ق و ل" وتعني الاتفاق أو المفاوضة لإنجاز عمل مقابل التزام محدد.

ب‌. في الاصطلاح:
المقاولاتية هي عملية ابتكار وتنظيم موارد لإنشاء مشروع جديد وتحمل المخاطر لتحقيق قيمة مضافة، سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، أو رقمية.

خصائصها الأساسية:

  • تقوم على الابتكار المنظّم وتحويل الأفكار إلى واقع.

  • تشمل جميع المجالات، لا تقتصر على الربح المالي.

  • تجمع بين الفكرة، التنظيم، والمخاطرة.

  • تمثل مهارة حياتية قابلة للتعليم والتدريب.

أنواعها الحديثة:

  • المقاولاتية الاجتماعية (حل مشكلات مجتمعية).

  • المقاولاتية الثقافية (تثمين التراث والفنون).

  • المقاولاتية التربوية والأكاديمية (حلول تعليمية رقمية).

  • المقاولاتية الرقمية (مشاريع قائمة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي).

    • اتساع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية.
    • احتمالية ظهور الاحتكار.
    • ضعف الرقابة إذا غابت المؤسسات التنظيمية.
      ثانيًا: خصوصية المقاولاتية في العلوم الإنسانية

      تُعدّ العلوم الإنسانية مجالًا غنيًا يمكن تحويل معارفه إلى مشاريع عملية تخدم المجتمع، خاصة في عصر الرقمنة. فالمقاولاتية في هذا المجال لا تعني إنشاء مؤسسات تجارية، بل تحويل المعرفة إلى مبادرات ثقافية أو اجتماعية مثل رقمنة المخطوطات، أرشفة التراث، أو إنتاج محتوى معرفي تفاعلي.
      يتميّز هذا النوع من المقاولاتية بأن منتجه غير مادي بالضرورة، وقد يكون منصة رقمية، أو تطبيقًا ثقافيًا، أو أرشيفًا افتراضيًا يهدف إلى نشر الوعي والحفاظ على الهوية.

      ثالثًا: ارتباط المقاولاتية في العلوم الإنسانية بالمقاولاتية الرقمية

      ترتبط المقاولاتية في العلوم الإنسانية، وخاصة في تخصص التاريخ، بالرقمنة لأنها تمكّن من تحويل المعارف النظرية إلى مشاريع ملموسة ومؤثرة مجتمعيًا.
      فالمشاريع الرقمية كالأرشفة الإلكترونية، المنصات التعليمية، والمحتوى التاريخي التفاعلي، تجعل المعرفة أكثر انتشارًا وفاعلية، وتُحوِّل الباحث إلى فاعل مقاولاتي يسهم في نشر التراث بوسائل معاصرة.

      رابعًا: الفرق بين المقاولاتية التقليدية والرقمية

      1. المقاولاتية التقليدية: تعتمد على إنشاء مشاريع مادية (متاجر، ورش...) تقدم منتجات أو خدمات ملموسة لتحقيق الربح ضمن سوق واقعي.
      2. المقاولاتية الرقمية: تقوم على التكنولوجيا والإنترنت لتقديم خدمات أو محتوى رقمي بأقل تكلفة وانتشار أوسع.

      أوجه التشابه:

      • الابتكار وتحقيق قيمة مضافة.

      • التخطيط وتنظيم الموارد.

      • السعي نحو الاستدامة وتحمل المخاطر.

      أوجه الاختلاف:

      • النشاط: تقليدية مادية، رقمية افتراضية.

      • رأس المال: التقليدية تحتاج تمويلًا أكبر.

      • الانتشار: الرقمية عالمية وفورية.

      • التطور: الرقمية أسرع وأيسر تحديثًا.

      • التسويق: الرقمية تعتمد على الوسائط الإلكترونية.

      خامسًا: التسيير الرقمي للمشاريع وأهدافه

      1. التعريف:
      التسيير الرقمي هو إدارة الأنشطة والموارد عبر تكنولوجيا المعلومات (تخطيط، تنظيم، تتبع، تقييم).

      2. الأهداف:

      • تحسين الكفاءة وسرعة القرار.

      • تسهيل الوصول للمعلومات.

      • تقليل التكاليف الورقية.

      • رفع الشفافية والاستمرارية.

      • تحسين جودة الخدمات.

      3. دور المشاريع الرقمية في التسيير:

      • رقمنة الأرشيف والمعلومات لتسهيل الحفظ والاسترجاع.

      • منصات التسيير لمتابعة الأداء والموارد.

      • التعلم عن بُعد عبر منصات تعليمية رقمية.

      • أنظمة التقييم الآلي لتحليل النتائج في الوقت الحقيقي.

      • خدمة الجمهور إلكترونيًا عبر بوابات رقمية.

      مثال تطبيقي:
      منصة PROGRES في الجامعات الجزائرية نموذج ناجح للتسيير الرقمي، حيث مكّنت الطلبة من التسجيل وسحب الوثائق ومتابعة النقاط إلكترونيًا، مما حسّن الخدمات وقلّل الضغط الإداري.

      تاريخ النهج الاقتصادي : تطور الفكر الاقتصادي المرتبط بالمشاريع ودوره في هيكلة المؤسسة 

      -  النهج الاقتصادي: مدخل لفهم كيف تطور الفكر الاقتصادي تاريخيًا وأثره في تشكيل المشاريع والمؤسسات.

      -  الفكر الاقتصادي القديم: ظهرت مفاهيم أولية حول المبادلة والملكية والعمل عند الفراعنة، البابليين، واليونانيين.

      -  الفكر الاقتصادي الإسلامي: ركز على العدالة، تنظيم السوق، منع الغش، وتوظيف الوقف في دعم الاقتصاد والمشاريع.

      -  الفكر الاقتصادي الأوروبي (النهضة): برزت فيه مدرستان: التجارية (تراكم الثروة)، والفيزيوقراطية (أولوية الزراعة والاقتصاد الطبيعي).

      -  المدرسة الكلاسيكية: دعت لحرية السوق والمنافسة، وركزت على تقسيم العمل كوسيلة لرفع الإنتاجية داخل المؤسسات.

      -  المدرسة الاشتراكية: انتقدت الرأسمالية، ودعت إلى الملكية الجماعية وعدالة التوزيع، مما أدى إلى ظهور المشاريع التعاونية.

      -  المدرسة الكينزية: شجعت على تدخل الدولة لتحفيز الطلب، ودعم الاستثمار والمبادرات في فترات الأزمات.

      -  تطور المقاولة كمفهوم وهيكل: انتقلت من نشاط فردي بسيط إلى مؤسسة منظمة، مع تطور في الهياكل من التقليدية إلى الشبكية.

      -  العوامل المؤثرة في بنية المؤسسة: تتمثل في السياق التاريخي، التكنولوجيا الحديثة، والسياسات العمومية التي تنظم وتدعم المقاولات.

       

      الطرق المتبعة في التنظيم الاقتصادي
      (التنظيم المركزي واللامركزي – التسيير الهيكلي والمرن)
      تمهيد
      تؤثر طريقة التنظيم الاقتصادي في كفاءة الأنظمة ونجاح المؤسسات. وتتنوع بين أنظمة مركزية صارمة وأخرى مرنة ولامركزية، تختلف باختلاف طبيعة الاقتصاد وأهدافه ومستوى تطوره.
      أولًا: التنظيم الاقتصادي المركزي
      نظام تُركّز فيه السلطة الاقتصادية بيد الدولة أو هيئة تخطيط مركزي، تتولى تحديد الإنتاج، الأسعار، التوزيع، والاستثمار.
      الخصائص:
      • تركيز القرار الاقتصادي في جهة واحدة (الدولة).
      • تدخل مباشر في تحديد الأسعار والكميات والأولويات الإنتاجية.
      • تمويل الاستثمارات الكبرى من الميزانية العامة.
      الأهداف:
      • تحقيق العدالة الاجتماعية.
      • ضمان الاكتفاء الذاتي.
      • تسريع التنمية في القطاعات الاستراتيجية.
      المثال النموذجي: الأنظمة الاشتراكية أو المخططة (كالاتحاد السوفييتي سابقًا).
      ثانيًا: التنظيم الاقتصادي اللامركزي
      نظام يُوزَّع فيه القرار الاقتصادي بين فاعلين متعدّدين (أفراد، مؤسسات، هيئات محلية)، ويُترك للسوق تنظيم النشاط الاقتصادي.
      الخصائص:
      • السوق (العرض والطلب) هو المنظّم الرئيسي.
      • حرية المبادرة والمنافسة بين الفاعلين الاقتصاديين.
      • استقلالية في اتخاذ القرارات الاستثمارية والإنتاجية.
      المزايا:
      • تشجيع الابتكار والمبادرة الفردية.
      • سرعة التفاعل مع المتغيرات الاقتصادية.
      • كفاءة في تخصيص الموارد.
      العيوب:
  • ثالثًا: أنواع التسيير في المؤسسة
    1. التسيير الهيكلي
    أسلوب إداري هرمي يعتمد على قواعد صارمة وتسلسل واضح للسلطة.
    الخصائص: وضوح المهام، انضباط إداري، مركزية القرار.
    المزايا: وضوح الأدوار، سهولة الرقابة، استقرار إداري.
    العيوب: بطء اتخاذ القرار، مقاومة التغيير، ضعف الإبداع.
    2. التسيير المرن
    نمط إداري يقوم على المشاركة، التعاون، وسرعة الاستجابة للمتغيرات.
    الخصائص: قرارات تشاركية، فرق عمل متعددة، اعتماد على التكنولوجيا.
    المزايا: قدرة على التكيف، تحفيز وابتكار، تحسين الأداء.
    العيوب: صعوبة التنسيق، ضعف الرقابة أحيانًا، الحاجة إلى كفاءات عالية.
     

     

     

آخر تعديل: الأحد، 26 أكتوبر 2025، 1:38 PM