مفهوم الدين
تأتي محاضرتنا اليوم لتُمهّد لهذا التصوّر من خلال الوقوف على جملة من القضايا التأسيسية في العقيدة الإسلامية، تشمل: مفهوم الدين في اللغة والاصطلاح، وخصائص الدين الحق، وأهمية الدين في حياة الإنسان، مع بيان أقسام الديانات بين ما هو سماوي وما هو وضعي، وذلك في إطار علمي وتربوي يستجيب لطبيعة تكوينكم الأكاديمي ومهامكم المستقبلية في ميدان التربية والتعليم.
الدين في اللغة من الدال والياء والنون أصلٌ واحد إليه يرجع فروعُه كلُّها، وهو جنسٌ من الانقياد والذُّل. فالدِّين: الطاعة، يقال دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ. وقومٌ دِينٌ، أي مُطِيعون منقادون
والدين في الاصطلاح هو منظومة اعتقادية وسلوكية تتضمن الإيمان بوجود قوة غيبية أو مبدأ أعلى، تعبّر عنها معتقدات وشعائر وأوامر ونواهٍ، وتُحدّد علاقة الإنسان بتلك القوة، وبالكون، وبالآخرين، وتسعى لتفسير الوجود، وتقديم معنى للحياة، وتوجيه السلوك الفردي والاجتماعي.
ويمتاز هذا التعريف بشموليته، حيث يغطي الأديان السماوية والروحية الوضعية، ويمنع دخول الفلسفات والأيديولوجيات المجردة لافتقارها للإيمان والشعائر.
كما أنه متوازن يجمع بين الجوانب العقدية، والسلوكية، والوظيفية، مما يجعله صالحًا للمقارنة في دراسات الأديان. ورغم شموليته، لا يحكم على صحة الأديان، بل يصفها كمظاهر إنسانية.
ويُحيط بمصطلح "الدين" عدد من الألفاظ ذات الصلة، لكل منها دلالته الخاصة من أهمها: العقيدة، الشريعة الملة العبادة إلخ، وهذه الألفاظ، وإن كانت جزءًا من الدين أو متفرعة عنه، فإنها لا تغني عنه، لأن الدين يجمعها كلها في منظومة متكاملة من الإيمان، والعمل، والسلوك، والتشريع.
ومن هنا يُطرح السؤال الجوهري: إذا كانت جميع الأديان تدّعي تفسير الوجود، فبأي معيار نُميز الدين الحق من سواه؟
الدين الحق
لطالما كان الدين عنصرًا أساسيًا في حياة الإنسان، يجيب عن أسئلته الكبرى: من أين؟ ولماذا؟ وإلى أين؟ لكن في ظل تعدّد الأديان والمعتقدات، يبرز تساؤل جوهري: هل كل دين حق؟ أم أن هناك دينًا واحدًا هو الحق، وغيره باطل؟
الدين الحق هو ما أنزله الله تعالى بوحيه إلى رسله، منذ آدم عليه السلام إلى خاتمهم محمد ﷺ، وهو الإسلام في جميع مراحله، الذي يتضمن توحيد الله عز وجل، والإيمان برسله، والانقياد لأوامره، واتباع شرعه، وترك ما يخالف وحيه. ويقوم هذا الدين على أركان متكاملة تشمل العقيدة الصحيحة، والعبادات المشروعة، والخلق القويم، والأحكام العادلة، مما يدل على شموله لجميع جوانب الحياة، الفردية والجماعية، الظاهرة والباطنة.
1. الدين الحق في النصوص الشرعية:
- في القرآن الكريم، وردت عبارة "دِين الحق" أو "الدين الحق" في ثلاث آيات متشابهة تقريبًا، كلها تشير إلى دين الإسلام وتؤكد أنه الدين الذي بعث الله به رسوله ﷺ، ليُظهره على سائر الأديان. وفيما يلي الآيات مع موضعها:
1. سورة التوبة – الآية 33 ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، ودلالة الآية: تأكيد أن الدين الذي جاء به النبي ﷺ هو دين الحق، الذي سيعلو على كل الأديان الأخرى.
2. سورة الفتح – الآية 28: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾، ودلالة الآية: فيها تأكيد رباني على أن هذا الدين محفوظ ومؤيد من الله، وأن الله شاهد على صحته وعلوّه.
3. سورة الصف – الآية 9: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، ودلالة الآية: التكرار لتثبيت المعنى، بأن ظهور دين الإسلام حتمي، رغم كراهية المعارضين له.