خصائص التحرير الإداري من حيث الشكل والمضمون دون مخططات
ينبغي على الموظف في الإدارة العلم المسبق بأن عملية التحرير الإداري تتطلب مجموعة من الخصائص التي يجب عليه مراعاتها، منها ما هو متعلق بالمضمون، ومنها ما هو متعلق بالشكل، وسوف نحاول فيما يلي التطرق لهذه الخصائص بنوع من التفصيل.
الفرع الأول: خصائص التحرير الإداري من حيث الشكل
هناك العديد من الشكليات التي يجب مراعاتها عند البدء في عملية التحرير، منها شكليات متعلقة بالصياغة وأخرى بقواعد المجاملة واحترام التسلسل الإداري، وأخرى متعلقة بالبيانات الواجب توافرها في المحررة الإدارية
وهو ما نبينه في النقاط التالية:
أولا - احترام شكليات الصياغة في التحرير الإداري
للمحرر الإداري خصوصية في أسلوب صياغته، حيث أن التحرير الإداري صياغة إجرائية (وظيفية) تختلف عن الصياغة الإبداعية، فتميل العبارات المستعملة فيه إلى العملية وتبتعد عن الصياغات الأدبية المركبة والبليغة وسوف نحاول فيما يلي بيان مختلف الجوانب المتعلقة بالصياغة في مجال التحرير الإداري
1 - سلامة صياغة المحررات الإدارية : إن الأسلوب الإجرائي لا يعني بأي حال استعمال عبارات ركيكة وانما يعني استعمال العبارات القانونية (إن وجدت) والمتداولة، ذلك أن المحررات الإدارية تحمل صفة الرسمية في أغلبها، كما أنها مرتبة لآثار قانونية داخل الإدارة وخارجها، وكثيرة هي الوثائق التي تكون مناطا ومحلا للنزاع أمام القضاء، وبالنظر إلى نوعية المركز الذي يحتله الموظف في الإدارة، فإن هذا الأمر يلقي عليه عبء اختيار التراكيب اللغوية السليمة وتجنب الأخطاء الإملائية والركاكة في الأسلوب، حيث أن ما يصدره من وثائق سيكون محل مراجعة من جهات متعددة، وصية سلمية إدارية أو قضائية محلية أو مركزية
معنية بمحتوى المحرر لذلك نشير إلى أن تحرير المسودة وان كان أمرا اختياريا، إلا أنه بالنسبة لغير المتمرسين (المبتدئين) يعتبر أمرا ضروريا، حتى يتمكن الموظف من مراجعة عمله قبل تقديم النسخة النهائية، ولا عيب في الاستعانة بخبرة الزملاء في العمل أو الرؤساء السلميين، ففي الأخير المحرر الإداري ما هو إلا انعكاس الصورة الإدارة ككل وليس الموظف المسؤول عن التحرير فقط. والنقطة الفارقة في سلامة صياغة المحررات الإدارية تكمن في تحكم الموظف في المصطلحات القانونية، ذلك أن الوثائق الإدارية في عمومها إما وثائق منشئة أو مقررة أو ماسة بمركز قانوني، والدلالات اللفظية هنا تصبح خاطئة حتى وان كانت معبرة في ظل وجود مصطلح قانوني مختلف، حيث أن القانون لديه مصطلحاته اللازمة الاستعمال حتى وإن كانت غير سليمة من الناحية اللغوية، فيجب على الموظف الإلمام بالحد الأدنى من المعارف القانونية، فمثلا نجد أن المصطلحات التالية: ترسيم وتثبيت وتسمية تستعمل بنفس الدلالة، في حين أنه من الناحية القانونية لا يكون الترسيم إلا بموجب مرسوم على الرغم من أنه يؤدي معنى التثبيت في المنصب، ونفس المآل في التسمية التي تؤدي إلى شغل منصب ما، غير أن الموظف فيها يحتاج إلى شروط معينة تمكنه من هذه التسمية التي هي في نهاية المطاف تثبيت في المنصب. ولنأخذ مثالا آخر عن الاستشارة والمناقصة والتراضي، فعلى الرغم من أنها مصطلحات تؤدي إلى نفس المآل وهو رسو الصفقة على شخص معين، لكنها مصطلحات مختلفة في إجراءاتها وآثارها وشروطها ونفس النتيجة تؤديها كذلك المصطلحات التالية التحويل والنقل، وكذا الاستقالة والإقالة الانتداب والاحالة على الاستيداع، فبنفس المنطق نجدها تفيد خروج الموظف من مكان عمله إلى مكان آخر، لكن لكل وصف اصطلاحي دلالاته، شروطه، نتائجه
2- الإيجاز في التحرير الإداري: "خير الكلام ما قل وما دل، هو أحسن تعبير عن هذه الخاصية في التحرير الإداري، فيجب على المحرر استعمال أقل قدر ممكن من الألفاظ والمصطلحات للتعبير عن الفكرة موضوع محرره، وكأنه سوف يدفع مقابلا ماليا لكل كلمة يكتبها على نمط رسائل التلغراف، فعلى المحرر أن يتجنب الحشو، التكرار، الإطناب، ويستحسن أن يكون لكل محررة موضوع واحد، فينبغي على المحرر تفادي تحشير المواضيع المتعددة وغير المتجانسة في محرر واحد.
والغاية الأساسية المرجوة من خاصية الإيجاز هي عدم إثقال كاهل المخاطب بالرسالة الإدارية، فطول العبارات وتشعبها يخفي المعنى ويضيعه، كما أن الإيجاز أحسن وسيلة لكسب الوقت، سواء ما تعلق بوقت مرحلة التحرير أو المراجعة والبحث، كما أنه مكسب للمال من حيث عدد الأوراق المستعملة، والمكان المخصص للأرشفة، وكذا أعباء الاتلاف نشير إلى أن خاصية الإيجاز يجب أن لا تكون سمة عامة في كل المحررات الإدارية، ذلك أن هناك بعض المحررات التي تتطلب بحسب طبيعتها نوعا من التفصيل للإلمام بكافة المعلومات وإيصال الفكرة كاملة إلى الجهة المعنية بالخطاب الإداري، على غرار محضر المعاينة أو محضر التفقد محضر التفتيش.... فالمحرر هنا يجب أن يفصل في تقريره بالشكل الذي يحقق الأهداف المرجوة من تقريره، بذكر أوصاف ،واضحة، وبيانات دقيقة، قد يطول التقرير عند ،سردها لكن هذا الأمر لا يعيب المقرر إلا عند تجاوزه حدود التفصيل المطلوب.
ونقول كلمة أخيرة في خاصية الإيجاز، أنه لا إفراط ولا تفريط، فيجب أن لا يكون الإيجاز مخلا بالمعنى بحيث أن كل شخص يطلع على الوثيقة يجب أن يفهم الموضوع وخلفياته، وكل تفصيل مفيد متصل بالموضوع، ذلك أن الموظف لا يكتب لنفسه، وإنما يكتب لغيره ممن وجه له المحرر، أو كل من سيحل محله في ذات المصلحة أو كل شخص يعنيه الموضوع حالا أو مستقبلا.
3- وضوح عبارات المحرر الإداري : جاء في المادة 801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه : "تختص المحاكم الإدارية كذلك بالفصل في :
1 دعاوى إلغاء القرارات الإدارية والدعاوى التفسيرية ودعاوى فحص المشروعية للقرارات الصادرة عن - الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية البلدية والمصالح الإدارية الأخرى للبلدية 1 المؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الإدارية..... أي أنه يحق لكل شخص ذي مصلحة سواء الإدارة أو الأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية الأخرى.
أن يلجأ إلى القضاء الإداري من أجل تفسير مصطلحات أو ألفاظ غامضة أو تقبل تفسيرات متعددة واردة في قرار إداري، ونلاحظ من خلال هذا النص أن هناك تبعات مكلفة للغموض، فدعوى التفسير بالإضافة إلى أنها عبء مالي وزمني فهي عبء كذلك على القضاء، ناهيك أن اشكالات التنفيذ ترجع في أغلبها إلى الصياغات الغامضة في المحررات الإدارية فهذا الأمر ينبغي فهمه منذ البداية بالنسبة للمحرر، فيجب عليه استخدام أسلوب بسيط وواضح ذلك أن المحرر وثيقة موجهة إلى فئات مختلفة ومتفاوتة في مستوياتها العلمية.
وعنصر الوضوح مرتبط بشكل أو بآخر بعنصري الإيجاز والدقة والأمر منصب في كل الأحوال على انتقاء الألفاظ والعبارات القانونية وتلك العبارات المتداولة في الحياة الإدارية والهدف كما سبق وأسلفنا هو سهولة استيعاب مضامين المحررة الإدارية.
وبين الإيجاز والوضوح يقع المحرر في إشكالية الموازنة بينهما، فمن جهة يجب على المحرر استعمال أقل قدر من الألفاظ والعبارات، ومن جهة أخرى يجب أن تؤدي هذه العبارات والألفاظ الدلالة الكاملة من مضامين المحررة ولا حل لهذا الإشكال إلا من خلال الممارسة والاطلاع المتكرر على مختلف الوثائق
الإدارية المنجزة من قبل باحثين أو موظفين في نفس المجال.وهناك بعض الإشكالات العملية التي قد تعتري وضوح الوثائق الإدارية نذكر منها كيفية التوصل إلى صياغة توافقية في الوثائق المحررة بشكل جماعي على غرار محاضر الجلسات ومحاضر الاجتماعات والمداولات وكحل لهذا الإشكال نجد أن هذه الاجتماعات أو الجلسات يعين فيها عادة مقرر للجلسة يعزى إليه أمر الصياغة، حيث أنه ملزم بنقل ما دار في الجلسة من نقاش في محضر بشكل واضح ومختصر. وبالنظر إلى الضغط الذي يتعرض له المقرر في مثل هذا النوع من الجلسات حيث تعرض آراء مختلفة ومتعارضة كما تمرر الملفات للمراقبة والاطلاع بين أعضاء الهيئة التداولية، مما قد يفقد المقرر التركيز، فيغفل مسائل مهمة أو انه لا يعيرها الأهمية اللازمة والمكان المناسب، الأمر الذي قد يحول دون الوصول إلى معنى واضح في الوثيقة.
وكحل لهذا الإشكال يفضل أن تتم تلاوة التقرير أو المحضر النهائي، سواء بصفة جزئية عند الانتهاء من كل نقطة، أو بشكل مجمل عند نهاية الجلسة فهذا الأمر من شأنه أن يرفع اللبس والغموض من جهة كما يعفي المقرر من تحمل المسؤولية عن الأخطاء الممكن وقوعها من جهة أخرى، ذلك أن هناك فسحة لتدارك الأخطاء وتوضيح الغموض قبل رفع الجلسة . كما يمكن اللجوء إلى طريقة أخرى، وهي أن المقرر يحرر مسودة أولية أثناء الاجتماع، ثم يعكف على مراجعتها بعد انتهاء الاجتماع من أجل تصحيحها، ورفع مواضع الغموض وعدم التسلسل فيها، وهذا قبل عرضها مرة أخرى للتوقيع الفصل الأول: مدخل نظري في التحرير الإداري من قبل المعنيين، غير أن هذه الطريقة تستلزم اجتماعا آخر، وقد يصادف كذلك أن أحد الأعضاء يعترض على ما جاء في المحررة النهائية، بدعوى أن ما جاء فيها مخالف لما تم الاتفاق عليه.
ونجد أن هناك حل آخر لهذا الإشكال، وهو المعمول به في محاضر الاجتماعات ذات جدول الأعمال المحدد، وهو أن يتم تحرير المحضر بشكل مسبق كنسخة أولية يتم توزيعها على الاعضاء قبل الاجتماع على أن يتم تنقيحها أثناء الجلسة، فهنا تسهل عمل المقرر بأن ينقح فقط العبارات الخلافية أو المبهمة، غير أن هذه الطريقة يشوبها هي الخرى النقص من حيث أنه يمكن إدراج نقاط جديدة أثناء الاجتماع فنرجع إلى الوضعية الأولى.
هناك حلول أخرى لهذا الإشكال، مثل توكيل مهمة مراجعة وصياغة المحضر النهائي لهيئة أخرى تسهر على التنفيذ، وتتحمل في العادة مسؤولية التقاضي أو المحاسبة عما جاء في المحضر، مثلما هو معمول به في بعض الاجتماعات التداولية التي تقدم محضرا أوليا يحتاج إلى تنفيذه إلى مصادقة هيئة وصية أو جهة إدارية أعلى وهذا الحل مقبول نسبيا، ذلك أن الجهة التي يرفع إليه المحضر تكون ذات خبرة في المجال، وعلى اطلاع بإشكالات التنفيذ والعواقب القضائية لمضامين المحضر، والأهم من ذلك أن لها من الوقت والوسائل المادية والبشرية ما يمكنها من مراجعة قانونية متأنية مسبوقة بخبرة تراكمية في مجال التحرير الإداري، غير أن هذا الحل كما هو واضح حل جزئي متعلق فقط ببعض الجلسات والاجتماعات مثلما نص عليه القانون.
4- الدقة كخاصية في التحرير الإداري لما كانت المحررات الإدارية صادرة عن جهات رسمية فهي بلا شك مرتبة لآثار قانونية، الأمر الذي يستدعي من المحرر حضورا ذهنيا في اختيار العبارات المناسبة المعبرة عن المعنى المقصود بشكل واضح ومختصر ولا يحتمل التأويل كما أسلفنا وهذا ما يعبر عنه من الناحية الفقهية بخاصية الدقة في المحررات الإدارية، فالدقة كم يقال هي النتيجة الحتمية للحذر والنص غير المفهوم لا يحقق الهدف المرجو من إنشائه.
واختيار العبارات الدقيقة يتعارض حتما مع قيدي الاختصار والوضوح وهنا تتدخل خبرة المحرر ومكتسباته المعرفية في انتقاء المصطلحات والصيغ التي تجنب المحرر كل التباس دلالي أو سوء تأويل، كما يجب عليه أن يتجنب الصيغ الفضفاضة والغامضة ذات الدلالات المتعددة، التي تدفع إلى التأويل والتفسير وسوء الفهم وتشويه المعاني.
وكخطوة أساسية لتجنب هذه المزالق يقع على المحرر تحديد الأهداف المرجوة من محرره، فإذا سطر أهدافه بشمل واضح تيسر عليه أمر اختيار العبارات والمصطلحات الدقيقة المحققة لهذا الهدف من جهة، وتحقق خاصيتي الإيجاز والوضوح من جهة أخرى.
ثانيا - احترام التسلسل الإداري وقواعد المجاملة :
سوف نتطرق في هذا المقام إلى خصائص شكلية أخرى لا تقل اهمية عن احترام شكليات الصياغة متعلقة أساسا بالأطراف المخاطبين بالمحرر الإداري لعل أهمها احترام التسلسل الإداري، وكذا استعمال صيغ المجاملة في التحرير الإداري.
-1- احترام التسلسل الإداري في المحرر الإداري :
يقع على الموظف في إدارته، كما هو الحال كذلك بالنسبة للمواطن عند مخاطبته للإدارة أن يعرف جيدا المركز القانوني للمخاطب بمحرره، وإذا كان حديثنا لا يخرج عن نطاق المحرر الإداري، فإن هذه الخصائص تنسحب بدورها على كل متعامل مع الإدارة، إذا كان ضمن أهدافه تحقيق مقاصده من مكاتبة الإدارة، ومعرفة المركز القانوني للمخاطب تجعلنا نحسن احترام التدرج الإداري فمن مقتضيات احترام السلم الإداري مراعاة مبدأ الأولويات الرئاسية، إذ لا يحق مثلا للمرؤوس أن يكتب إلى رئيس أعلى في الهرم الإداري دون إشعار للرئيس الإداري المباشر، حيث أن السلم الإداري وضع لغاية تنظيمية لا تستطيع الإدارة الاستغناء عنها، فمن دون هذا التدرج لا يتحقق الانسجام والانضباط في العمل، فهو محافظ على كيان الإدارة.
ومن ثم فإذا كان الخطاب موجها من جهة عليا إلى أخرى دنيا، أو من إدارة إلى مواطن، فالخطاب المحقق لكيان الإدارة مبني على الأمر، فنستعمل عبارات تفيد الإلزام أما إذا كان المحرر موجها من المرؤوس إلى الرئيس فنستعمل عبارات تفيد الطاعة والامتثال ، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال، وفي الاتجاهين استعمال عبارات تفيد الإذلال أو التذلل الإهانة أو الاستهانة الفوقية أو الدونية، كل من مركزه، فالرئيس وإن كان مركزه أعلى ودوره ينصب على فرض الانضباط، فهذا لا يعفيه من حسن اختيار عباراته لم هم دونه فالرئيس الناجح هو الذي يحقق التفاف موظفيه ومواطني دائرة اختصاصه به فيكون لهم بمثابة الأب الصارم المتلطف برعيته هذا من جهة، وفي الجهة المقابلة يجل على المواطن والمرؤوس كل من مركزه أن لا يستعمل عبارات ماسة بمركز رئيسه تفيد عجزه وعدم مقدرته أو سوء تسييره، وفي ذات الوقت يجب أن لا كون المحررات الإدارية رسائل تملق أو استعطاف مذل. كما يدخل في هذه النقطة دائما أن معرفة المركز القانوني للمخاطب بالمحرر تفرض على الرئيس والمرؤوس عدم تجاوز الموظف المختص وكثير ما يؤدي عدم احترام التسلسل الهرمي إلى انسداد في العمل الإداري بسبب تمرد حلقة الوصل، أي الموظف المختص، الذي يرى بأن رئيسه او مرؤوسيه قد تجاوزوا اختصاصاته، فيلجأ إلى السلبية في التعامل مع الطرفين هذه السلبية التي لا تخدم بالضرورة ممارسة الإدارة لنشاطها على أكمل وجه.
والحديث عن التسلسل الإداري يقودنا حتما إلى الخوض في حسن استعمال العبارات والألفاظ، هذه الأخيرة التي تعبر عن خاصية أخرى مهمة متعلقة بقواعد المجاملات الإدارية
2 - استعمال صيغ المجاملة في التحرير الإداري : وقفنا في العنصر السابق على أن احترام التدرج والسلم الإداري يكون من الجهتين، العليا والدنيا باستعمال عبارات وصيغ تحقق احترام ومراعاة مشاعر المخاطبين، وهو ما يعبر عنه بقواعد المجاملة في التعامل الإداري عموما، والتحرير الإداري على وجه الخصوص، فالمجاملة عنصر جوهري في التحرير الإداري، وتقتضي استعمال صيغ خاصة عند التعامل مع المواطن أو المستخدم أو المستخدم، فلا مجال لاستعمال العبارات الماسة بالكرامة أو المستفزة للمشاعر ناهيك عن استخدام عبارات مهينة أو يمكن توصيفها بأنه قذف في حق من وجهت إليه، مما لا يليق بوصف وثيقة صادرة عن إدارة رسمية.
وتتفق المراجع البحثية والواقع العملي على أن المحرر الذي يحظى بالقبول هو ذلك المحرر الذي ينتقي صاحبه العبارات الإيجابية التي تترك باب الأمل مفتوحاً، ولا تترك أثر لليأس والشك، والإيجابية لا تعني القبول أو الرفض، فالمقصود بها اللباقة والدبلوماسية في الرد على وجه الخصوص والخطاب عموما، وهذا حتى في الرد الذي لا يحقق مراد المخاطب، ومعناها أن المخاطب يجب أن يشعر بالاطمئنان والرضا بأن له قيمة ووزن لدى مخاطبيه، وسوف نورد فيما يلي قضية افتراضية تتضمن بعض الأمثلة توضيحية على استعمال عبارات المجاملة والتلطف وما يقابلها من عبارات لا تحقق الخاصية محل النقاش الوقائع انطلقت أشغال امداد حي سكني بالغاز الطبيعي، أدت إلى الإضرار بشبكة المياه والصرف الصحي والطرقات.
فهذا المثال التوضيحي هو عينة من صيغ المراسلات الإدارية، فنجد أن المراسلات التي توظف قواعد المجاملة تؤدي إلى احتقان الغضب، وسعي الجميع إلى تحقيق الأهداف المسطرة في المراسلات أما المراسلات المقابلة فهي حتما سوف تؤدي إلى تأزم أكبر للموضوع، كما تسفر عن حالة انسداد على مختلف المستويات. والخطاب سواء كان موجها إلى جهة عليا أو دنيا يجب أن يتضمن عبارات التلطف والمجاملة، ذلك أن هذه العبارات سوف توثق وتعزز الثقة بين المخاطبين وقد درج العمل الإداري خصوصا في الإدارات العمومية على استعمال عبارات تجسد هذه المجاملات نذكر منها من دواعي السرور أن أعلمكم، سجلنا باهتمام بالغ يشرفنا مراسلتكم تقبلوا فائق التقدير والاحترام، تفضلوا سيدي بقبول أسمى عبارات الود.... وغيرها من العبارات التي تعتبر مرآة عاكسة الصورة الإدارة الصادرة عنها، سواء كانت هذه المراسلات خارجية أو حتى داخلية فحسن إخراج الوثيقة الإدارية يؤدي إلى زيادة الاحترام للجهة المصدرة، الأمر الذي من شأنه تعزيز الثقة وهي إحدى الغايات الأساسية المنشودة في العمل الإداري، سواء بين الإدارة والمواطن، أو داخل الإدارة نفسها بين موظفيها.
ثالثا - البيانات الإلزامية في المحرر الإداري : هناك جملة من البيانات التي تعتبر الزامية عند إنشاء أي محرر إداري منها ما نص عليها القانون، ومنها ما يتطلبه المحرر في حد ذاته لاعتباره محررا إداريا، سواء تشكلت الزامية البيانات من بمقتضى الممارسة العملية، وما يكشف عنه الواقع العملي من نقص في هذه الوثائق فيسد الفراغ حتى تكتمل بنية المحرر، أو أنها الزامية نابعة من عرف إداري ساري.
ونذكر في هذا الصدد ما نصت عليه المادة 02 من المرسوم رقم 66 – 145 المتعلق بتحرير ونشر بعض القرارات ذات الطابع التنظيمي أو الفردي التي تهم وضعية الموظفين، فنصت على مجموعة من البيانات الواجب توافرها في القرارات المشتركة بين الوزير المكلف بالوظيفة العمومية والوزير المعني بفتح مناصب على أساس مسابقة أو امتحان حيث يجب أن يتضمن القرار البيانات التالية:
- تعيين الوظيفة
- تاريخ اجراء المسابقة أو الامتحان.
- شروط خاصة بالممتحنين (السن / الشهادة).
- عدد المناصب وعند اللزوم توزيعها.
- تكوين ملف الترشح.
- تاريخ بدء وانتهاء التسجيل (العنوان) الذي توجه إليه الملفات).
- نوع الاختبارات المواد العدد المعامل النقاط المعتبرة في الرسوب).
- التشكيل النظامي للجنة الاختبارات.
- كل الأحكام المتعلقة بتعيين المترشحين والمقبولين وتخصيصهم.
وعلى العموم هناك جملة من البيانات المشتركة التي لا تخلو منها أي وثيقة إدارية، خصوصا المحررات الرسمية نوجزها فيما يلي:
- الجهة المصدرة للمحرر: فيتم ذكر الجهة الوصية إن وجدت، ثم الجهة المصدرة للمحرر، وهو ما يطلق عليه تسمية الدمغة.
-عنوان الوثيقة لابد لكل وثيقة من عنوان يحدد طبيعتها، فنجد مثلا محضر جلسة إعلان مقررة تقرير استدعاء دعوة
- تاريخ صدور المحرر.
- تصديق الوثيقة، سواء تم هذا التصديق بالتوقيع أو بالختم.
وما ذكر هذه البيانات إلا على سبيل المثال لا الحصر، فالبيانات قد تختلف من وثيقة إلى أخرى، فهناك وثائق تضيف تاريخ للنفاذ، وأخرى ترفق بملحقات ومنها ما يحدد جهة للتظلم وآجاله، كما أن هناك وثائق تحدد جزاءات عند مخالفتها، وهكذا.
- البرنامج المفصل للامتحان والمسابقة ( ملحق بالقرار المشار إليه). ففي هذا المثال نجد أن البيانات المنصوص عليها إلزامية للقول بقانونية هذا المحرر، وأن النقص في هذه الحالة قد يؤدي إلى إلغاء المسابقة أو ما أسفرت عليه من نتائج. وعلى العموم هناك جملة من البيانات المشتركة التي لا تخلو منها أي وثيقة إدارية خصوصا المحررات الرسمية نوجزها فيما يلي: - الجهة المصدرة للمحرر فيتم ذكر الجهة الوصية إن وجدت، ثم الجهة المصدرة للمحرر، وهو ما يطلق عليه تسمية الدمغة.
عنوان الوثيقة لابد لكل وثيقة من عنوان يحدد طبيعتها، فنجد مثلا :
محضر جلسة إعلان مقررة ،تقرير استدعاء دعوة ...
أنظر أمثلة أخرى عن البيانات الإلزامية التي يتطلبها القانون في المادة 16 من المرسوم 88 - 131، المؤرخ في 04 جويلية 1988 المنظم للعلاقة بين الإدارة والمواطن الجريدة الرسمية العدد 27 الصادرة بتاريخ 06 جويلية 1988، التي تبين البيانات الواجب توافرها في الاستدعاء الموجه من الإدارة إلى المواطن، حيث جاء فيها أنه يجب أن يذكر في الوثيقة التي تتضمن الاستدعاء والتي يوقعها الشخص المخول قانونا ما يأتي:
اسم المصلحة المعنية
- اسم الموقع ولقبه ووظيفته
-دواعي الاستدعاء والهدف منه بوضوح
- عنوان المصلحة المعنية ورقمها الهاتفي
-أيام الاستقبال وساعته".
أنظر كذلك المنشور رقم 37 الصادر عن المديرية العامة للأرشيف الوطني، المؤرخ في 17 أكتوبر 2010 حول توحيد إجراءات إعداد جداول تسيير وثائق الأرشيف.
- تاريخ صدور المحرر.
- تصديق الوثيقة، سواء تم هذا التصديق بالتوقيع أو بالختم.
وما ذكر هذه البيانات إلا على سبيل المثال لا الحصر، فالبيانات قد تختلف من وثيقة إلى أخرى، فهناك وثائق تضيف تاريخ للنفاذ، وأخرى ترفق بملحقات ومنها ما يحدد جهة للتظلم واجاله، كما أن هناك وثائق تحدد جزاءات عند مخالفتها، وهكذا.
فإذا أخذنا محضر الجلسة على سبيل المثال، نجده يجب أن يتضمن أسماء المشاركين في الاجتماع، تاريخ ومكان انعقاده، ساعته جدول أعماله النقاط التي تمت مناقشتها النقاط المتفق عليها، فيكون محضر الاجتماع متكون في العادة من مجموعة من الصفحات. في حين نجد أن الاستدعاء الذي يكون في العادة ورقة واحدة، نجد فيها بعد الدمغة عنوان الوثيقة اسم ولقب / صفة المرسل إليه. موضوع الاستدعاء مكانه وتاريخه وساعته، ثم نجد توقيع وختم الجهة المستدعية.
فتختلف البيانات الإلزامية من وثيقة إلى أخرى بحسب طبيعة وهدف كل وثيقة، فالغاية من إدراج البيانات هي إعطاء فكرة للمخاطب بها عن الجهة المصدرة للمحرر، والجهة الوصية عليها، موضوع المحرر، تاريخ صدوره، رسمية المحرر، وبالتالي معرفة جملة المقاصد الناجمة عن هذا المحرر، ومختلف آثاره القانونية، وكيفية التعامل معها ، سواء عن طريق التظلم أو الطعن فيها، ومواعيد ذلك والجهات المعنية.
الفرع الثاني : خصائص التحرير الإداري من حيث المضمون
يمكننا أن نقف على جملة من الخصائص من حيث المضمون في التحرير الإداري، التي تدور بين الموضوعية الحياد، وتحمل روح المسؤولية توخي الحذر، والسعي نحو تحقيق الفعالية، وهذا ما سنحاول تفصيله من خلال العناصر التالية :
أولا - التحلى بالموضوعية والحياد عند التحرير الإداري:
لابد للمحرر الإداري أن يضع نصب عينيه أنه لا يكتب باسمه الشخصي وإنما باسم الإدارة التي يعمل لصالحها، وبالتالي فإنه يتعين عليه تجنب كل الانفعالات الشخصية والرغبات الذاتية لكي يستطيع نقل الوقائع كما هي فلا يضلل إدارته من جهة، ولا يستفز المخاطبين بالمحررات الإدارية من جهة أخرى وبهذا تتحقق المحافظة على مصداقية الإدارة وحماية المصلحة العامة، فالمحرر الإداري يجب عليه التجرد من الأحكام المسبقة وكذا الانحياز لجهة ما ، سواء كانت الإدارة أو المواطن أو موظف ما، وفي المقابل يجب عليه عدم الانحياز ضد جهة ما، ويتجنب كل الانفعالات الداخلية والمؤثرات الخارجية فأسلوب الصياغة الإدارية أسلوب متفرد عن غيره من أساليب الكتابة الأخرى العلمية والفلسفية، الإخوانية الصحفية الأدبية. حيث لا يجب أن ننسى الطابع الرسمي الذي تتميز به، وما يترتب على ذلك من مسؤولية عن كل ما يكتب كون المحرر يمثل الإدارة التي ينتسب إليها ونشير في هذا الصدد إلى أن الأسلوب الإداري يعتمد بشكل أساسي على ثلاثة عناصر هي: المصلحة العامة، مسؤولية الدولة التنظيم الهرمي .
بناء على ما سبق نجد أن المحررين الإداريين ملزمون بتحري الموضوعية والحياد عند التحرير كونهم يكتبون باسم إدارتهم ويمثلونها من خلال ذلك، كما أن كتاباتهم تتسم بالرسمية، الأمر الذي يحمل معه نصيبا من المسؤولية سواء للمحررين أو إداراتهم، كما أن هذه الوثائق هي مرجعية الإدارة في معرفة الحقائق، ومن ثم يجب أن تكون الموضوعية والحياد هما الأساس المضاميني في 5 نقل الوقائع وتوصيف المراكز القانونية والخلاصة كما عبر عنها البعض يجب أن تبرز الوثيقة الإدارية الصفة الوظيفية للمحرر لا الصفة الشخصية، فالحياد بتعبير آخر معناه رفض الصيغ ذات الطابع الشخصي والعاطفي.
ثانيا توخى الحذر والحرص عند التحرير :
سبق وأن بينا بأن الرسمية في المراسلات الإدارية يترتب عليها مسؤولية للإدارة والمحرر على حد سواء، كما سبق وأن عرضنا الكثير من الخصائص الشكلية للمحرر الإداري التي تؤدي إلى نفس النتيجة على غرار الدقة ووضوح العبارات واستعمال صيغ المجاملة وغيرها من الخصائص التي تؤدي عند احترامها إلى صياغة سليمة لا تحمّل الإدارة أي مسؤولية ولا تحمل أي استفزاز للمخاطبين بها، ومن ثم فإنه يقع على عاتق المحرر الإداري الحرص والحذر عند صياغة محرره، وذلك بانتقاء العبارات المناسبة المبنية على معلومات يقينية لا يعتريها الشك، أو انعدام الحجج المؤكدة لصحتها فاستعمال العبارات غير الدقيقة قد يحمّل الإدارة التزامات غير مؤسسة إلا من خلال هذا المقرر الذي يتمسك به المخاطب بالمحرر، كون الخطاب الموجه له هو خطاب رسمي. كما أن الاعتماد على معلومات غير موثوقة يؤدي إلى التمسك ببطلان هذا المحرر، وزعزعة الثقة في محررات الإدارة بشكل عام، كما قد يجعل المخاطب يتمسك بهذه المحررات إذا كانت تصب في مصلحته حتى وإن كانت هذه الوقائع والمعلومات غير صحيحة، ويضاف إلى ما سبق أن الوثائق الإدارية عند افتقار محررها إلى الحيطة والحذر قد تكون محررات استفزازية للمخاطبين بها ، أو مطية للمطالبة بحقوق غير مؤسسة تضمنتها هذه المحررات.
ثالثا - تمتع المحرر الإداري بروح المسؤولية :
إن الموظف عندما يصدر أي محرر فإنه لا يلزم نفسه فقط بما جاء فيما أصدره، وإنما يلزم إدارته كذلك، ولأن الكتابة الإدارية تلزم الإدارة أمام كل ذي مصلحة، حيث تتحمل مسؤولية ما تضمنته المحررات الصادرة عنها، فيقع على المحرر أن يتحلى بروح المسؤولية عند الكتابة، فيتعين عليه أن يعبر بتحفظ كلما تعلق الأمر باتخاذ قرار لا يدخل في نطاق اختصاصه، كما يجب عليه التدقيق والتحقيق الجدي قبل إصدار أي محرر، ويجب أن يضع في حسبانه أن الكتابة الإدارية ذات طابع ودي، غرضها إيصال المعلومة أو حل إشكال أو تحقيق مصلحة، دون استعمال أي عبارات تحمل إيحاءات قد تؤدي إلى سوء الفهم أو الالتباس أو المجادلة العظيمة.
رابعا - فعالية المحرر الإداري
إن هذه الخاصية من خصائص التحرير هي نتاج التطبيق الحسن للخصائص السابقة، فيجب أن تتسم المحررات الإدارية بالفعالية، حيث يجب حسن اخراجها واستعمالها حتى تحقق الغرض من إصدارها في أقرب الآجال وفي أحسن الأحوال وبأقل تكلفة ممكنة، فيجب أن تكون الكتابة وسيلة لمكافحة الآثار السلبية للبيروقراطية، ذلك أن البيانات الناقصة والعبارات الغامضة أو المشيئة والتكرار والإطناب، والابتعاد عن الموضوع وعدم استعمال الأسلوب الإداري، والذاتية في الكتابة وغيرها من العيوب في الشكل والموضوع من شأنها أن تحد من فعالية المحرر، وبالتالي عدم تحقق الغرض من إنشائه.
خامسا - وحدة موضوع المحرر الإداري :
يقصد بوحدة الموضوع في المحرر الإداري؛ أن الأصل في كل مراسلة إدارية أنها تتناول موضوعا واحدا، وهذا الأمر يضمن عدم التباس الأمر على المخاطبين بالمراسلة، وتركيز فكرهم وضمان فهمهم لمضمونها بشكل جيد، فقد نجد أن المحرر الإداري قد يخاطب مصالح ذات اختصاصات ومهام مختلفة، مما يجعل كل إدارة لا تبحث إلا على الجزئية التي تعنيها في المحرر، ومن ثم فقد يصعب الأمر عندما يتضمن المحرر عدة مواضيع متمايزة .
وان كان يعاب على هذه الخاصية أنها قد تؤدي إلى زيادة معتبرة في المحررات الإدارية ومثال ذلك عندما يرقى موظف إلى منصب أعلى، فإن هذا الأمر يقتضي بالضرورة تخليه عن المنصب السابق، وهو ما يسفر عن تحرير مقررة لإنهاء المهام بالمنصب القديم، ومقررة تعيين في المنصب الجديد، فلا نجد في الإدارة مقررة إنهاء مهام وتعيين في نفس الوقت، وإنما نجد مقررتين لكل واحدة موضوع واحد فقط، وهذا الأمر وإن كان يؤدي إلى زيادة في التوريق، إلا أنه يسهل عمل مصالح عديدة، كمصلحة المحاسبة الموارد البشرية، الأمانة العامة.... ويبين بوضوح تاريخ انتهاء المهام، وبالتالي انعدام الصفة في توقيع أي وثيقة بعد ذلك التاريخ وفي المقابل نجد مقررة التعيين التي تبين تاريخ التمتع بالصلاحيات الجديدة، والعلاوات الحقوق والالتزامات التي تقابل المنصب الجديد