أهمية التحرير الإداري

سوف نبين في هذا المبحث أهمية التحرير الإداري، التي تدفع الباحث والموظف والمواطن على السواء إلى البحث في هذا الموضوع، ثم ننتقل بعد ذلك

إلى الخصائص الجوهرية في عملية التحرير الإداري

المطلب الأول: أهمية التحرير الإداري

لا نستطيع إدراك أهمية التحرير الإداري إلا إذا وقفنا على الوظائف التي تؤديها المحررات الإدارية التي نستشف أهمها من خلال التعريف التالي الذي يذهب صاحبه إلى أن "المراسلات الإدارية هي مجموع الوثائق التي ينتجها ويحررها ويتداولها موظفوا الإدارة فيما بينهم، أو بينهم وبين المصالح الإدارية المختلفة، أو المؤسسات الأخرى حيث تكون - أي المراسلة الإدارية - وسيلة اتصال وإعلام وإثبات".

فمن خلال هذا التعريف نستطيع أن نستخلص جملة من الوظائف التي يؤديها التحرير الإداري، وهي: الاتصال، الإعلام، الإثبات، وسوف نشرح فيما يلي كل هذه الأدوار الوظيفية التي تشكل في ذات الوقت الأهمية التي يكتسيها التحرير الإداري

الفرع الأول: التحرير الإداري وسيلة اتصال

لما كانت الإدارة تكتب" ولا تتكلم، فإن التحرير الإداري هو وسيلة الإدارة في التواصل، سواء فيما بين هيئاتها أو مع هيئات خارجية، أو في تعاملها مع الأفراد من مواطنين وغيرهم، وهو الأمر الذي يكشف عن أهمية خاصة للمحررة الإدارية في النشاط الإداري، وبدون التحرير الإداري سوف يشل هذا النشاط لا محال وإن كان الواقع يثبت أن أسلوب المخاطبة الشفهية منتشر كذلك في تسيير النشاط الإداري، إلا أنه أسلوب محفوف بالريبة، خاصة إذا تعلق الأمر بالمساس بالحقوق والمراكز القانونية، وهو ما يؤدي في غالب الأحيان إلى العزوف عن التنفيذ، والمطالبة بالكتابة من قبل الموظفين (المرؤوسين) حماية لأنفسهم من أي متابعة أو مسؤولية والحديث عن أهمية الاتصال يقودنا إلى أهمية أخرى للتحرير الإداري، وهي الإثبات.

 

 

الفرع الثاني التحرير الإداري وسيلة إثبات

   مما لا شك فيه أن الوثائق الإدارية عموما هي أوراق رسمية، وهو ما يجعل التعويل عليها في إثبات الوقائع والحقوق أمر منتشر في المنازعات مع الإدارة وبالنظر إلى هذه الأهمية، نجد أن المحرر الإداري يتضمن وجوبا مجموعة من البيانات الإلزامية والخصائص - التي سوف نتعرض لها لاحقا حتى يتسنى للإدارة وخصومها استعمال هذه المحررات كوسائل إثبات في حل النزاعات الإدارية والقضائية، حيث يمكن الاعتماد على هذه الوثائق في مجالات غير محصورة في النزاعات، نذكر منها: سريان المواعيد والآجال، التبليغ الاختصاص، الصفة، الإقرار القيام بعمل أو الامتناع عنه، إنشاء المراكز القانونية أو إنهائها التنفيذ أو الاحجام عنه، والأمثلة تزيد بزيادة حجم النشاط الإداري.

 

الفرع الثالث: التحرير الإداري وسيلة إعلام

    تحتاج الإدارة في الكثير من الأحيان بهدف تحقيق غاياتها إلى وسيلة للإعلام، سواء كان الأمر متعلقا بإعلام موظفيها، أو إدارات أخرى، وخصوصا إذا تعلق الأمر بإعلام المواطنين والمتعاملين معها، وتعتبر الكتابة (النموذجية) النمطية وفقا لمعايير التحرير الإداري هي الوسيلة الأقل تكلفة والأبسط في الاستعمال من أجل تحقيق غاية الإعلام، فتتصل الإدارة بموظفيها مثلا عن طريق نظام التعليمات والمذكرات الاعلامية وتتصل بالمواطنين عن طريق الاستدعاء أو التبليغ أو الإعلان وهكذا. ونشير إلى أن كلا من الإعلام والاتصال يحققان غاية أخرى لا تقل أهمية عما سبق، حيث أن التواصل يؤدي إلى تيسير الحركة الإدارية، خصوصا بين الموظفين، الرؤساء والمرؤوسين، في المستويين الأفقي والعمودي الداخلي والخارجي، أي داخل الإدارة نفسها أو خارجها مع إدارات أخرى أو مع المواطنين.

 

الفرع الرابع: التحرير الإداري وسيلة تظلم

    استقر العمل اليومي أن هناك العديد من الطرق التي حددها القانون ويلزم فيها الموظفين في الإدارات العامة باتباعها عند مطالبتهم بحقوقهم، لعل أهم هذه الطرق هي التظلم، وسواء كان التظلم رئاسيا أو ولائيا، فإن الموظف يحتاج لا محال إلى الكتابة للتعبير عن انشغالاته وكذا حماية حقوقه، وفي سبيل رفع هذا التظلم لابد أن يعلم الموظف بأساسيات لا تخلو منها كتابته كا لجهة التي يرفع إليها تظلمه والمواعيد والآجال والقوانين المقررة لحقوقه هذا كله في أسلوب لا تحامل فيه ولا غموض، بعبارات لائقة ودقيقة وناجعة.

ونشير إلى أن الكتابة المتعلقة برفع المظالم إلى الجهات المعنية، غير مقتصرة على الموظفين، فنجد أن هذا الأسلوب قد يستعمله كذلك المواطن لذات الأغراض السابقة وبنفس التقنيات المطلوبة من الموظف إذا أراد أن تحقق كتابته هدفها المنشود.

وهذا الأمر غير مقتصر على التظلم فقط، فمثلما وقفنا على الأهمية البالغة للمحرر الإداري من جهة الإدارة، فإننا نشير إلى أن للتحرير الإداري أهمية خاصة بالنسبة للمتعاملين مع الإدارة، فبالإضافة إلى أنه وسيلة تظلم ضد تصرفات الإدارة وقراراتها، فيمكن أن يستعمل التحرير كوسيلة للإعلام أو الاتصال أو الاثبات إذا استدعى الأمر ذلك من طرف الأشخاص الطبيعية (الأفراد) أو المعنوية فيجب مخاطبة الإدارة بلغتها، وبأسلوب تفهمه، وهذا عند مخاطبة المسؤولين المباشرين أو مسؤولين أعلى منهم عن قرارات أو تصرفات

صادرة عن موظفين تابعين لهم أضرت بمصالحهم.

    فالتحرير الإداري وسيلة مهمة لإدانة التقصير والمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحق المواطن من تصرفات الإدارة وأعمالها، حيث يجد المواطن نفسه مجبرا على عرض مشاكله وانشغالاته بطريقة واضحة ومحددة لتمكين المسؤول المخاطب من فهم الانشغال والرد عليه وللوثائق الإدارية وظائف أخرى تتجلى من خلالها كذلك أهمية التحرير الإداري، نوجزها فيما يلي:

- تحديد المركز القانوني للشخص في إدارة ما، على غرار مقررات التعيين التثبيت الانتداب الاحالة على الاستيداع قبول استقالة أو قرار اقالة، كما تبين هذه الوثائق كذلك صفة المخاطب والمخاطب فنعرف من خلالها مدى اختصاص كل منهما.

- تعتبر المحررة وسيلة لتحويل واحالة الوثائق بين المصالح والإدارات على غرار جدول الإرسال الذي نستطيع من خلاله إثبات استلام محررة ما حيث أن الختم بالاستلام يعتبر بمثابة اعتراف من جهة داخلية أو خارجية باستلام الملف المرسل.

- يضاف إلى ما سبق أن بعض المحررات تعتبر وسيلة لتوجيه المستخدمين أو العمال، على غرار المذكرات المصلحية والتعليمات الداخلية والخارجية، حيث أن المسؤول لا يكون ملزما بالاتصال بكل فرد أو إدارة على حده فيكفيه المحرر المعلن التوجيه مستخدميه أو غيرهم إلى ما تريد الإدارة تحقيقه. كما تستعمل المحررات الإدارية كوسيلة لاتخاذ قرار ما من خلال التشاور الجماعي في مسألة معينة، كما هو الحال في محاضر الجلسات والاجتماعات

- من بين أهم الوظائف التي يؤديها المحرر الإداري أنه وسيلة للتنفيذ. فالنشاط الإداري يعوزه في آخر مرحلة تحقيق النتائج المرجوة والمسطرة، فلا فائدة من مخطط عمل غير منتج، وكثيرة هي المحررات التي تمهرها الإدارة بصيغة للتنفيذ.

آخر تعديل: السبت، 21 ديسمبر 2024، 5:14 PM