المحاضرة الثالثة:هجومات 20 أوت 1955
هجومات 20 أوت 1955
جل الدراسات التاريخية تؤكد أن الفكرة الأولي لانتفاضة عشرين أوت1955 في الجزائر ولدت في ذهن زيغود يوسف وهو الذي نقلها إلى مساعديه. المقربين للإعداد و للتنفيذ في مقدمتهم لخضر بن طوبال. إيمانا منه وقادة جبهة التحرير الوطني بالمنطقة الثانية. بحتمية العمل المسلح وضرورة مشاركة الشعب الجزائري بكل شرائحه في الثورة التحريرية. وقد شملت معارك عشرين أوت 1955تسعة وثلاثون عملية هجوم عبر كامل مناطق الشمال القسنطيني وكانت انطلاقتها على الساعة الثانية عشرة منتصف النهار. مستهدفة ألفين وخمسمائة وتسعة وثلاثون 2539 هدفا كمسرح للعمليات وكون هذه الأهداف تحتوي على معسكرات الجيش الفرنسي كما أن عدد سكانها من الأوربيين بلغ مائة وعشرون 120 ألف نسمة. وبهذا شملت كل أنواع العمليات الثورية بما فيها هجومات على معسكرات العدو وعلى ثكنات للدرك ومراكز الشرطة وحراس السجون والغابات وعلى مزارع المحتلين وضد أعوان العدو، يضاف إلى ذلك كل أنواع التخريب لأعمدة الكهرباء والهاتف وخزانات المياه والمنشآة الاقتصادية. كما شارك في هذا الهجوم مائة وخمسة وثمانون 185مجاهدا واثنتي عشر ألف 12.000 مواطن مدنيا متطوعا. مشكلين فرقا هاجمت المراكز الاستعمارية عبر الشرق الجزائري، وكانت الفرق مشكلة من الجنود بأسلحتهم المتواضعة، ومن العمال والفلاحين الذين نزلوا إلى المدن قاصدين تجمعات العدو شاهرين أسلحتهم في وجوههم ليبرهنوا للعالم بان مايجري في الجزائر وبأن الثورة الجزائرية هي ثورة شعبية ضد الاحتلال الفرنسي، ويفندوا مزاعم المستعمر وتظليلهم للحقائق.
وتعليقا حول هذه الأحداث قال المفكر الجزائري مالك بن نبي:'' إن أول نوفمبر 1954 هو اليوم الذي فجرنا فيه ثورتنا بالنسبة إلينا لكن 20أوت 1955 هو اليوم الذي أعلنا فيه الحرب بالنسبة إلى فرنسا''. وقال الصحفي المؤرخ إيف كوريار مايلي: '' يعد هجوم 20أوت 1955 بالشمال القسنطيني المفصل الحقيقي بين الشعبيين الفرنسي والجزائري.''وقالت الكاتبة الشهيرة الاجتماعية الفرنسية جيرمين تيبو: '' بعد هجوم 20 أوت 1955 أيقنت فرنسا بأن بقائها في الجزائر أصبح في خبر كان''.
أما الأسباب والدوافع المحلية التي دفعت زيغود يوسف لشن هجومات عشرين أوت1955نذكر البعض منها كمايلي:
- إعلان السلطات الفرنسية لحالة الطوارئ بموجب قانون صوت عليه المجلس الفرنسي بالإجماع يوم 30-03-1955، وبمقتضى هذا القانون أصبح للسلطات الإدارية الفرنسية الحق في نفي وفرض الإقامة الإجبارية على الجزائريين، وأصبح المواطنين يحاكمون من قبل المحاكم العسكرية.
- تركيز الثقل في الأوراس وهو ما تطلب ضرورة التفكير في تنظيم هجوم خارج هذه المنطقة يعمل على نطاق الثورة وشموليتها ويضمن استمراريتها وانتظامها تحت قيادة موحدة هي جبهة التحرير الوطني.
- نقص الأسلحة وارتفاع طلبات التجنيد في جيش التحرير الوطني في نفس الوقت.
- إشاعات العدو بما لديه من إمكانيات حربية وإعلامية في كل الأوساط الجزائرية والفرنسية والدولية بعدم وجود ثورة في الجزائر وما هي إلا محاولات من قطاع الطرق ومن الخارجين عن القانون.
- شهدت الجزائر عهدا جديد من الإرهاب والفظائع الاستعمارية بعد تعيين جاك سوستال في 15 فيفري 1955 حاكما عاما للجزائر.
أما أهداف هذه الهجومات كانت أربعة وهي:
- تخفيف الضغط الذي ضربه الجيش الفرنسي على منطقة الأوراس، مركز الثورة الحساس.
- تهديم سياسة الوالي العام الفرنسي جاك سوستال.
- توسيع الفكرة الثورية في الوسط الشعبي.
- الحصول على أسلحة العدو للنهوض قليلا بالحالة السيئة التي كان يعاني منها تسليح المجاهدين.
و إن من بين الأسباب والأهداف العديدة التي ذكرناها سابقا هناك أسباب أخرى دفعت بمهندس انتفاضة 20 أوت1955 زيغود يوسف لشن هجومات في هذا اليوم هو مساندته ودعمه لإخوانه في المغرب الأقصى في انتفاضتهم التي تزامنت مع الذكرى الثانية لخلع ونفي السلطان محمد بن يوسف، إلى مدغشقر وهذا يؤكد أن مبدأ الكفاح المغاربي المشترك وقضية توحيد بلدان المغرب العربي لم يغيب عن ذهن القائد زيغود يوسف، فهو لم يفكر وجماعته على تحرير الجزائر وحدها خاصة وأن الجرائد والإذاعات الأجنبية كانت تطلعهم باستمرار عما كان يتعرض له الشعب المغربي من عمليات القمع في وادي زم، وفي نفس الوقت المعارك التي كان يخوضها جيش التحرير المغربي ضد قوات الاستعمار الفرنسي. فكانوا يخشون أن يشتد الحصار على المقاومة المغربية، وتفشل في استمرارية المقاومة ويحقق الاستعمار الفرنسي حلمه الكبير.
تذكر بعض الدراسات التاريخية أن زيغود يوسف هو من أراد شن هذه الهجومات تزامنا مع انتفاضة الشعب المغربي دون أن يتصل أو ينسق مباشرة مع قيادة الوفد الخارجي للثورة التي كانت وقتها مهتمة بمسألة التنسيق ووحدة الكفاح مع المغرب الشقيق. وذلك إيمانا منه بمبادئ وأهداف الثورة التحريرية التي صاغتها في مواثيقها وأدبياتها وقراراتها السياسية والعسكرية.
خلفت هذه الهجومات صدمة كبيرة للسلطات الفرنسية وكانت لها أثار إيجابية وأخرى سلبية على البلدين وفيما يتعلق بالآثار التي خلفتها في الجزائر فقد أظهرت الثورة في شعبيتها وشموليتها وتلاحمها الوثيق لمختلف الطبقات الجزائرية، كما أنها خففت من شدة الضغط العسكري على ولايتي القبائل والأوراس اللتين حشدت لها القوة الاستعمارية في ذلك الوقت، كل ما تملك من عتاد وجيش ظنا منها بان القضاء على الثوار بهذين المنطقتين هو القضاء على الثورة.
من نتائجها أنها أزالت الرعب من الشعب الجزائري وأصبح الشعب متحررا من عقد الخوف والهيبة من الاستعمار. وفي جانب أخر كان رد فعل الاستعمار الفرنسي عنيف جدا حيث قام بارتكاب مجازر إنسانية. راح ضحيتها 12000 قتيل، مارس المرتزقة من الأوربيين طرقا بربرية ضد شعب اعزل، حتى أنهم استعملوا الرافعات الميكانيكية لجمع وردم جثث في ملعب سكيكدة. وحسب شهادة عمار بن عودة أن من أبشع ما قام به الاستعمار الفرنسي انتقاما لهجومات عشرين أوت هو ''حمل مواطنين في طائرات هيليكوبتير وقامت برميهم من السماء، وقالوا لهم : اذهبوا واستنجدوا بمحمدكم وبمسؤولكم ليحميكم''. وحسب شهادة أخرى لأحد شاهدي الحدث من الصحفيين الأوربيين أكد في تصريح له عن أحداث يوم 23 أوت 1955 قائلا: ''لقد صعدت بضعة كيلومترات عن المدينة -قصد سكيكدة إلى الجبال المتاخمة لها حيث قرى الجزائريين. وبمجرد أن بدأنا الصعود حتى فاجأتنا رائحة تدفع غلى التقيؤ. لقد كانت الرياح تحمل معها من جميع الجهات رائحة الجثث التي بدأت في التحلل''.
على الرغم من هذه السياسة الإجرامية الفرنسية في حق شعب أعزل والتي لم نذكر منها إلا أمثلة موجزة كانت هجومات نصرا وتتويجا رائعا للثورة التحريرية ولجيش التحرير والشعب الجزائري وللمغرب العربي. وما يؤكد ذلك شهادة روبيرت بارت Robert Barrat '' الذي عاش الأحداث في المغرب الأقصى وعندما أراد العودة إلى باريس مر بالجزائر العامة وذكر نتائج هذا اليوم في حديث مع كولونيل فرنسي الذي أكد له بان كل شيء انتهى وأن الأوروبيين سيرحلون في ظرف خمس سنوات...''.
تعتبر هذه الهجومات خير دليل على احترام قادة الثورة الجزائرية لمبادئ الثورة التحريرية التي صاغتها في أدبيات الحركة الوطنية الجزائرية ومواثيق الثورة التحريرية التي كانت دائما تنادي وتؤكد أن تحرير الجزائر لا يكتمل إلا بتحرير بلدان المغرب العربي. ويظهر ذلك جليا في تطبيق زيغود يوسف لهذا المبدأ من خلال اختيار يوم انتفاضة عشرين أوت يصادف انتفاضة الشعب المغربي، بدون تنسيق مع قادة المقاومة المغربية، فقد حاول تجسيد تضامنه في أرض الواقع لإسماع العالم صوت الشعب المغربي والجزائري في أن واحد، وضرب مزاعم فرنسا وعملائها التي كانت تهدف لإفشال المخطط المغاربي في تجسيد ثورة مغاربية مشتركة من جهة، كما ساعد زيغود يوسف الوفد الخارجي الجزائري الذي كان يسعى دائما وراء تحقيق هذا الهدف من خلال لقاءاته بزعماء المغرب العربي، و إقناعهم بإمكانية تفجير ثورة مشتركة تجمع بلدان المغرب العربي من جهة أخرى.