المحاضرة الثانية: اندلاع الثورة التجريرية الجزائلرية
تفجير الثورة التحريرية وردود الفعل الداخلية والخارجية حولها
بعد اللقاء التاريخي لمجموعة الستة في 23-24 أكتوبر عاد كل قائد إلى منطقة نشاطه ليستكمل الترتيبات الضرورية لاستقبال اليوم الموعود 1نوفمبر1954 وقد اتفق قادة الثورة على تنظيم لقاء بعد اندلاع الثورة والذي حدد بين 10و12 من شهر جانفي 1955 لتقويم الأوضاع السياسية والعسكرية ضد الأهداف الاستعمارية.[1]
وفي ليلة أول نوفمبر1954، وعلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل انطلقت أحداث الثورة المسلحة على مستوى كل المناطق الخمسة.[2] وانطلق حوالي ثلاثة ألاف 3000مجاهد وقيل حوالي ألف وثمانمائة 1800 مجاهد.[3] في الكفاح المسلح وهم يرتدون الزى العسكري وسجلت العشرات العمليات في مختلف مناطق البلاد من الشرق إلى الغرب وذلك بالهجوم على المراكز العسكرية والمراكز الشرقية والدرك و حرق المخازن وانفجار القنابل.[4]
1- ردود الفعل الأولية الداخلية والخارجية
أ- ردود الفعل الداخلية
- رد فعل الشعب الجزائري: كان رد فعل الجماهير الجزائرية مزيجا من الفرح والتساؤل وكان التخوف من المستقبل غالبا، واليأس يدب إلى نفوس الكثيرين، لأن الشعب الجزائري كان يجهل بالإعداد والاستعداد المطبق للثورة، كما لم يكن أكثر الشعب واعيا.[5] ولم يكن يعرف نوايا القيادة، إلا أن التأييد الشعبي في الشهور الأولى بدأ في صفوف المجاهدين والمناضلين التي كانت الممون الطبيعي للثورة.[6]
- الأحزاب والهيئات السياسية: فوجئت الأحزاب السياسية الجزائرية بعمليات أول نوفمبر، فلم تكن لديها قناعة بإمكانية تحقيق الكفاح المسلح، حيث كان ينحصر نضالها في كيفية تحسين الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي للجزائر في إطار الشرعية الفرنسية أي في نطاق المؤسسات الفرنسية الموجودة في الجزائر.[7]
- موقف حزب الشيوعي الجزائري: في اليوم الثاني من اندلاع الثورة أصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي الجزائري بيانا سياسيا يدين فيه جبهة التحرير الوطنين ورد فيه أن الشيوعيين يفضلون الحل الديمقراطي الذي يحترم مصالح كل السكان الجزائريين بدون تمييز في الجنس والدين، ويأخذ بعين الاعتبار مصالح فرنسا.[8] وقد ظل لفترة مترددا حتى سبتمبر1955 عندما حله وزير الداخلية الفرنسي وأوقف جرائده الثلاث"الجزائر الجديدة" و"الحرية "و"الجزائر الجمهورية". عندها الكثير من أعضائه انضم بصفة فردية لجبهة التحرير الوطني.[9]
- موقف المصالين: كان لمصالي الحاج موقفا واضحا وصريحا اتجاه الثورة التحريرية وحاول احتواءها لصالحه وذلك عن طريق منافسة جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني عن طريق إنشاء هيئات سياسية وعسكرية ونقابية، فقد حاول إنشاء الحركة الوطنية الجزائرية* لمنافسة جبهة التحرير الوطني، وإنشاء جيشا سماه جيش الشعبي الجزائري كمنافس لجيش التحرير الوطني وفي الميدان النقابي كون مصالي الحاج منظمة سماها اتحاد نقابات العمال الجزائريين لمناهضة الاتحاد العام للعمال الجزائريين.[10] لكن بعد اندلاع الثورة بدأ كثيرا منهم ينظم تدريجيا.[11]
- موقف حزب الديمقراطي الجزائري: واصلوا نشاطهم السياسي وشاركوا في انتخابات وظلوا مدة يقترحون حلولا سياسية ويتخذون مواقف علنية، وقد نشر فرحات عباس في جريدته افتتاحية يذكر فيها مشروعه القديم وهو الاستقلال الذاتي وأنه لا يزال حلا ناجعا حيث قال:"نرفض استعمال العنف ونطلب بتطبيق الإصلاحات والدستور" وصرح أيضا "أن موقفنا معروف لا يقبل أي غموض ونحن ما نزال مقتنعين بأن العنف لا يسوي شيئا".[12] كما ذكر في افتتاحية العدد 46 أن الثورة الجزائرية هي مجرد أحداث عابرة ناتجة عن رد فعل عناصر جزائرية، لا تشكل حركة ثورية منظمة، سرعان ما يقضي عليها الاستعمار في فترة قصيرة جدا كما في السالف.[13]
وحسب مذكراته التي صدرت في كتاب ليل الاستعمار ذكر فرحات عباس قائلا:'' فقد حاول أحد المسؤولين الستة الاتصال بي. لكن ذلك لم يتحقق. إلا أن الإطارات المحلية لحزبنا التحقوا في الفاتح من نوفمبر 1954. وقد تم إخطار بن بلة وخيضر وآيت احمد. بذلك في القاهرة وهم بدورهم بلغوا ذلك للحكومة المصرية والشعوب الشقيقة والصديقة''.[14]
- موقف جمعية العلماء المسلمين: لم تكن الجمعية على علم بالأحداث خاصة أعضاءها الموجودين بالخارج بالرغم من أنهم كانوا متيقنين باندلاعها في الأيام القليلة القادمة. ويظهر ذلك من خلال تصريحات الجمعية في لسان حالها جريدة البصائر عدد 22 الصادر بتاريخ 5 نوفمبر1954 من خلال مقالة بعنوانه:''حوادث الليلة الليلاء" والذي جاء فيها: ''فوجئت الجزائر بعدد عظيم من الحوادث المزعجة...إننا لحد الساعة لا نملك التفاصيل عن هذه الحوادث وأسبابها وليس بين أيدينا إلا ما تناقلته الصحف وشركات الأخبار، ولا نستطيع أن نعلق عليها فليس من شأن البصائر أن تتسرع في مثل هذه المواقف''.[15] أما موقف رئيسها محمد البشير الإبراهيمي فقد كان موقف مدعم ومشجع للثورة التحريرية حيث وجه بيانا مطولا إلى الشعب الجزائري يوم28 نوفمبر1954 حيا فيه طلائع الأولى من المجاهدين، وحث الشعب وحرضه على الجهاد المقدس، فهو السبيل الوحيد إلى إحدى الحسينيين: إما الموت وراءه الجنة وإما حياة وراءها العزة والكرامة.[16]
- ردود الفعل الفرنسية: أما عن الموقف الفرنسي من إعلان الثورة، فان العمليات الموزعة في كامل التراب الوطني أدت إلى حدوث موجة من الهلع والرعب في أوساط الفرنسيين فأصبح الفرنسيون في حيرة.[17] مما أدى إلى سقوط حكومة منداس فرانس* في 25 فيفري1955.[18] وإزاء هذا الوضع صرح العديد من القادة والصحفيين الفرنسيين باستنكار طالبين من الحكومة الفرنسية الإسراع في إيجاد حل.
فقد صرح عضو الأكاديمية الفرنسية جول رومان من خلال مقال نشره في جريدة le Mond لوموند الفرنيسة قائلا: ''إن الوضع خطير وإنه لمن الواجب العمل على أقصى الاستعجال لإنقاذ سمعة فرنسا في العالم، بتحطيم المتمردين، والمتآمرين عليها في الجزائر وستصبح فرنسا مهزلة، وعرضة للسخرية في العالم إذا ما فقدت الجزائر وسيجرها ذلك إلى الانحطاط''.[19] لما تأكدت السلطات الاستعمارية الفرنسية بأن ما وقع في ليلة نوفمبر أقوى من مجرد حوادث معزولة سارعت إلى توجيه الاتهامات، والى تحويل الأنظار خارج البلاد، لإيهام الرأي العام بأن: '' هذه الحوادث إنما هي أحداث أوحت بها جهات أجنبية'' و ''بأنها عدوى انتقلت من الحدود التونسية''.[20]
ب- ردود الفعل الخارجية
- الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا: لم تصدر عن الولايات المتحدة** وانجلترا إلا بضعة ردود فعل قليلة اضطرتهما إلحاح منداس فرانس والذي وعد هذا الأخير الولايات وبريطانيا بتأييد فرنسا في مسألتين الأولى: التدخل في مصر لوقف حملات إذاعية صوت العرب أو بالتخفيف من حدة لهجتها على الأقل والتدخل الثاني تمثل في إمداد فرنسا بالأسلحة وعتاد الحلف الأطلسي.[21]
- الاتحاد السوفيتي: كان موقفه غير مساند للثورة بل مدعما لفرنسا ولسياستها في الجزائر وأكدت أن الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا، ولا يحق لأي دولة التدخل في شؤونها وقد صرح خرتشوف في 1956م: "أنه لا يمكن التدخل في شؤون شعوب الاتحاد الفرنسي".[22]
- المغرب العربي: لقد كانت ليبيا السباقة في دعم القضية الجزائرية حيث بدأ صداها بعد عام يعم ربوع ليبيا قاطبة وهذا ما جعل الشعب الليبي يتجاوب معا تلقائيا من خلال تنظيم المظاهرات الكبيرة التي ملئت شوارع طرابلس والمدن الليبية الكبرى.[23]
أما تونس فرغم وجودها تحت وطأة الاستعمار إلا أن مفكريها أدوا دورا بارزا في دعم الشعب الجزائري وقضيته العادلة. كما كانت البوابة الشرقية للجزائر في دخول الأسلحة إليها.
أما موقف المغرب، والذي لا يقل أهمية عن موقف ليبيا وتونس فقد فشلت فرنسا في إغراء المغرب الأقصى من خلال عرض صفقات تجارية مربحة بالنفط الجزائري.[24]
- المشرق العربي: دعمت مصر الثورة الجزائرية وتعاطف معها كذلك ظهور تيار قومي عربي بزعامة جمال عبد الناصر الذي زاد من قوة الجزائريين وحماسهم في تفجير الثورة، فقد أذيع بيان أول نوفمبر من إذاعة صوت العرب بالقاهرة مساء أول نوفمبر 1954.[25] بقولها: '' لقد بدأت الجزائر في الساعة الواحدة من صباح اليوم تحيا حياة الكرامة والشرف.'' وسرعان ما ستقبل جمال عبد الناصر ممثلي الكشافة ثم ممثلي جمعية العلماء.[26]