Enrolment options

في مشروعية قيام علم اجتماع عربي

 

 لو نظرنا إلى خريطة علماء الاجتماع العرب لوجدنا قائمة طويلة جدا ومن مختلف التيارات الإيديولوجية ،سعد الدين ابراهيم والسيد الحسيني  عبد الباسط عبد المعطي وعلي الطراح وخلدون حسن النقيب وشفيق الغبرة والطاهر لبيب وعبد الوهاب بوحديبة وعبد الباقي الهرماسي وسهيل الكاش و محمد شقرون  ومختار الهراس وعلي الكنز وعبد الناصر جابي وعدي الهواري وعبد القادر جغلول واحمد سالم الاحمر و هشام شرابي وعلي الوردي و حيدر ابراهيم علي.كل هاته الطاقات العلمية التي يزخر بها الوطن العربي لم تستطع لحد الآن أن تنشا مدرسة عربية في علم الاجتماع لها نظرياتها ومناهجها الخاصة بها .وهذا يدعونا إلى القول أننا فعلا نجحنا في إنتاج علماء اجتماع عرب ولكن فشلنا في إنتاج علم اجتماع عربي. فلا الرجوع إلى ابن خلدون نجح ولا  إلى الخصوصية الثقافية التاريخية نجحت  ولا الرجوع إلى النظريات الغربية بمختلف أطيافها نجح .

    أين الخلل؟ هل البداية خطأ،أم أننا لم نستطع أن نرقى إلى هذا المطلب ؟أم أن الدعوة في الأصل وفي البدء خاطئة بما أن المعرفة إنسانية لا دخل للدين أو القومية فيها وهي تتعدى الحدود والإيديولوجيات وخاصة في الوقت الراهن الذي يسيطر عليه خطاب العولمة.

    لقد حاول بعض علماء الاجتماع العرب المعاصرين  تشخيص هذا الواقع مثل ما فعل سعد الدين إبراهيم وهشام شرابي وحليم بركات وخلدون النقيب.وكما يقول "حليم بركات" "أن المجتمع العربي يعيش في الوقت الحاضر في نهاية القرن العشرين في مرحلة ما قبل المرحلة الصناعية والتكنولوجية وبالتالي في مرحلة ما قبل الحداثة وما بعد الحداثة التي تعيشها أوربا وأمريكا واليابان."(حليم بركات،2000 :19).وعلى المستوى الاقتصادي فانه نظاما إقطاعيا أو رأسماليا أو اشتراكيا ، انه نظام مركب يجمع بين الملكية العامة والملكية الخاصة وما تزال العائلة لا الشركات الكبرى والمؤسسات  هي التي تشكل مركز وعصب الإنتاج الاقتصادي (نفس المرجع :19-20).

وقد اعتبر هشام شرابي أن التبعية أدت  لا إلى الحداثة بل إلى قيام مجتمع نيوبطرياركي ملقح بالحداثة ،بحيث اصبحث عملية التحديث نوعا من الحداثة المعكوسة والتغير تغييرا مشوها(هشام شرابي،1987 :20)

    إن الأغلبية العظمى من مشتغلي علم الاجتماع في الوطن العربي يعتقدون أن البحث السوسيولوجي في العالم العربي في أزمة ويشيرون إلى جوانب هذه الأزمة و أسبابها  (Slaibi.2009.222.) ومن ابرز علماء الاجتماع العرب الذين أوضحوا ذلك "سعد الدين إبراهيم .( سعد الدين ابراهيم،1989 :346-350) وفقا له،فان زيادة عدد المؤسسات والباحثين والبحث في علم الاجتماع في العالم العربي شيء  ونوعيته مختلفة تمامًا ويضيف"من النادر أن نجد إنتاجًا اجتماعيًا عربيًا يمكن أن يروي العطش لمن يسعون إلى فهم الواقع العربي المعاصر ، بشكل موضوعي ،شامل أو حتى جزئي ووفق سعد الدين إبراهيم فان أكثر من 80٪ من  إنتاج مدرسي علم الاجتماع عبارة  كتب أكاديمية تهدف إلى التدريس الطلاب مبادئ علم الاجتماع وفروعه وتاريخه ونظرياته،وتتميز معظم هذه الكتب :

-أن هؤلاء ينسبون إلى علم الاجتماع قدرات مبالغ فيها من حيث فهم الواقع الاجتماعي وعلاج المشاكل الاجتماعية. 
-نجد في هذه الكتب القليل عن الواقع العربي سواء على مستوى الدول ، أو على مستوى الأمة العربية.و الأشياء القليلة التي نجدها في هذه الكتب عن الواقع العربي تبقى سطحية وجزئية ولا تستند إلى بيانات ميدانية معقولة.
-أن الأعمال السوسيولوجية في الفترة(1960-1985) أصيبت بما اسماه مرض" البدونة السوسيولوجية "فالمشتغلين في حقل علم الاجتماع منقسمون إلى قبائل كل منهم منح لنفسه اسم: المنظرون ،الامبيريقيون، الماركسيون الوظيفيون ،أنصار المدرسة الفرنسية،والمدرسة الانجليزية،أو الأمريكية آو السوفيتية.وأكثر من هذا فان هذه القبائل منقسمة بدورها إلى قبائل أو عشائر فرعية:الوظيفيون والوظيفيون الجدد، الماركسيون والماركسيون الجدد....الخ،وفوق هذا فان البدونة أصبحت "أفيون" علماء اجتماع العرب.
    ويختتم سعد الدين هذا التشخيص العلمي الدقيق لأوضاع علم الاجتماع وعلماء الاجتماع العرب أن هذا الفائض من الطاقة والتفكير والخيال الاجتماعي ،كان من المفترض أن يستثمر في دراسة وفهم الواقع العربي ولكن للأسف الشديد تلاشت ومن هنا كان الضعف الشديد في إنتاج المعرفة السوسيولوجية بخصوص هذا الواقع.
    لقد فشل علماء الاجتماع العرب في دراسة وفهم صيرورة تطور البنية الاجتماعية العربية،ولم يستطيعوا التنبؤ بمستقبل المجتمع العربي والغوص في عمق العلاقات الاجتماعية التي تحكم أفراده.وهذا ما دعا عالم الاجتماع سعد الدين أن يطرح التساؤل التالي: ماذا يحدث للمجتمع العربي إذ اختفى علماء الاجتماع فجأة من العالم العربي؟،"ثم يجيب هو بنفسه بالطبع لا يحدث شيئا للمجتمع العربي لا بالسلب ولا بالإيجاب، إذا اختفى علماء الاجتماع فجأة من العالم العربي. 

    ويؤكد هذا الطرح عالم الاجتماع احمد سالم الأحمر(الأحمر،1988 :8) أن تكوين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا العربية تفترض أساسًا وجود دراسات ميدانية مكثف وأسئلة ومشاكل الوطن العربي . وهذا ما هو غائب ،فعلم الاجتماع في العالم العربي كانت بدايته خاطئة ولم ينطلق من إشكاليات حقيقية نابعة من واقع العالم العربي ولم يكن الهدف منذ البداية إقامة دراسات علمية عميقة وأبحاث ميدانية واسعة النطاق  وتخصص لها موارد مالية معتبرة لإنجاحها

    إن المسألية التي انطلقت منها العلوم الاجتماعية في الغرب واضحة ،ففي فرنسا تمحورت حول مصداقية لعلوم الاجتماعية الأكاديمية ،أما في ألمانيا فقد تمحورت حول مصداقية هذه العلوم في المجال الاقتصادي ،وفي انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية تمحورت حول المصداقية الاقتصادية والسياسية ،أما في الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية فان الفرضية انحصرت في المصداقية السياسية،أن جميع البلدان أدركت ما الذي تريده من العلوم الاجتماعية وطورت هذه العلوم مع ما ينسجم مع متطلباتها لذلك نراها متبلورة حاليا فيها.( فريديريك معتوق،1985: 263 ) .

     كثير من علماء الاجتماع العرب يلقون باللوم على الغرب والاستعمار ونظرية المؤامرة ويلصقون بالغرب كل أخطائنا ومشاكلنا التي نحن فيها رغم أننا دخلنا مرحلة التخلف قبل أن يصل الغرب إلى ما وصل إليه من تقدم وتطور منذ أن أغلقنا باب الاجتهاد والتجديد وأصبحنا مجتمعات تعيش على ماض ولى ولم يعد مجتمعات تراثية تقليدية  عادت العقل والنقد .

     وهذا ما يذهب إليه عالم الاجتماع المغربي محمد شقرون الذي يلوم الدول الغربية في أنها سعت لإبقاء العالم العربي في حالة تخلف(محمد شقرون،1986) ويذهب بهذا الطرح بعيدا عالم الاجتماع التونسي عبد الوهاب حفيظ(1884) في أن أزمة علم الاجتماع العربي تكمن في اعتمادها على علم الاجتماع الغربي والأوروبي بالتحديد،ويذكر الباحث في دراسته هذه مشروع "كاملوت "وكيف سعت الولايات المتحدة الأمريكية استخدام المخابرات وكيفية توجيه هذه البلدان مواردها المالية  في مجال البحث في علم الاجتماع لخدمة مصالحها في هذه البلدان المتخلفة. 

رغم كثرت علماء الاجتماع العرب الذين دعوا صراحة إلى إنشاء علم اجتماع عربي له خصوصيته ومواضيعه الخاصة ، فقد سعى آخرون إلى رفض هذه الفكرة  مقدمين تبريرات موضوعية من بينها أن ما يكتب في هذا المجال عبارة عن نقل من الغرب وسرقات علمية من هنا وهناك وان ما يكتب أيضا هو عبارة عن كتب مدرسية موجهة إلى الطلاب وليس بحوث علمية رصينة تسعى إلى طرح إشكاليات حقيقية وتقديم إجابات لتساؤلات المثارة وحلول لمشاكلنا الاجتماعية ويمكن ذكر الباحث الكويتي ناجي مصطفى(ناجي مصطفى،1987)،والباحث الجزائري جمال الدين غريد(جمال الدين غريد، 2002)،احمد سالم الأحمر(الأحمر،1988) علي الكنز(الكنز،1986

Guests cannot access this course. Please log in.