الخطوط العريضة للقسم

  • أوضاع الجزائر عشية الثورة التحريرية

    1.  الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية

    تطبيقا لمقولة فاريني '' علينا أخذ ما نحن بحاجة إليه من أجل توطين البلاد بالمستوطنين''.[1] استولى الاستعمار الفرنسي على ممتلكات الشعب الجزائري وجرده من كل أراضيه الفلاحية الخصبة عنوة عن طريق القوة والقتل، وكان ذلك على مدى تسعين عاما من1830-1920*[2] ومنذ مطلع القرن العشرين أصبحت الفلاحة الجزائرية في وضع متأزم بفعل العمليات التعسفية التي قامت بها السياسة الفرنسية اتجاه الفلاحين الجزائريين.[3]

    وما أن حلت سنة 1954 كان المستوطنون الأوربيون يملكون حوالي 2.726.000 هكتار موزعة على 22037 مزرعة منها 7432 مساحة كل منها أقل من 10 هكتارات، وينتج منها 87% من هذه الأراضي و70%  من الدخل الجزائري القومي وزادت المساحات المخصصة لزراعة الإنتاج الأوروبي مثل الكروم الذي خصصت له مساحات كبيرة وصلت عام 1953 إلى 400000 هكتارا، حيث وصل إنتاجه مابين 1953-1954 إلى 19.3 مليون هيكتوليتر، كما ارتفع إنتاج الحمضيات من مائة ألف طن قبل حرب العالمية الثانية إلى 340 ألف طن عام 1954 قدرت قيمتها بستة مليارات من الفرنكات.[4] وللتوضيح أكثر حول احتكار الأراضي الجزائرية من طرف المستعمر الفرنسي أدرجنا جدول يوضح توزيع الأراضي الجزائرية المستغلة عام 1950 كالأتي:

    جدول يوضح توزيع الأراضي الجزائرية المستغلة عام 1950.[5]

     

    الأنواع

    المستغلون

    الاستغلالات

    العدد

    النسبة المئوية

    المساحة

    النسبة المئوية

    أقل من 1 هكتار

    105954

    16%

    37.207هكتار

    0.5%

    1- 10 هكتار

    332529

    52.17%

    1.341.257هكتار

    18.2%

    المجموع

    438483

    69.5%

    1.3178.46هكتار

    18.7%

    10-50 هكتار

    167170

    26.5%

    3.185.810هكتار

    43.3%

    50-100هكتار

    16580

    2.6%

    1.096.136هكتار

    15%

    المجموع

    183750

    29.1%

    4.281.946هكتار

    58.3%

    أكثر من 100هكتار

    8499

    1.4%

    1.668.756هكتار

    23%

    المجموع العام

    630732

    7.349.166هكتار

     

     

    توضح الإحصائيات التالية نسبة استغلالات المزارعين الجزائريين التي قدر متوسط استغلالهم بـ: 11.6 هكتارا  مقارنة باستغلالات المستعمرين الفرنسيين التي قدر متوســــــــطها بـ: 119 هكتـــــــــــارا وهو أكثر عشر مرات من محاصيل الفلاحين الجزائريين الذين يملكون أقل من 10 هكتارات وهم يمثلون نسبة 69.5%  أي أكثر من نصف المزارعين وهم لا يزرعون سوى 18.7% من المساحة الكلية أي 1.378.464 هكتار وفي هذه الفئة هناك من يستغل أقل من 1 هكتار، وهؤلاء عددهم 105954 أي بنسبة 16.6% من مجموع المستغلون ونظر للمساحة الصغير التي يستغلها المزارعين الجزائريين فهي لا توفر سبل العيش للأسر الجزائرية الفقيرة.[6]

    أما المجال الصناعي فقد نجح المستعمر الفرنسي في القضاء على الصناعات الجزائرية التي كانت مزدهرة قبل الاحتلال حيث اشتهرت الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي بالصناعات اليدوية التي شهدت ازدهارا كبير، فكانت أسواقها معمورة بأصناف من مصنوعات الصوف والحرير والجلد والنحاس، وصناعة الأسلحة التي كانت مزدهرة كثيرا في تلك الفترة حيث كان واجبا على كل جزائري أن يملك على الأقل بندقية وسيفا، إضافة إلى وجود بعض المصانع المخصصة لتحويل المنتجات الفلاحية كمعامل الزيت والصابون والبرامل والعطور والنسيج. *

    وما إن حلت سنة1954 حتى اختفت الصناعات التقليدية وصارت الجزائر تستورد كل شيء تقريبا واختفت مصانع الأسلحة والبارود، و ورشات البحرية الخاصة بصناعة السفن وبالمقابل وبدأت تظهر حرف صناعية عصرية  لتحل محلها مثل السباكة، النجارة، المكانيك والكهرباء.[7]

    كما تضاعفت كميات المعادن المنجمية المستخرجة، والتي أصبحت سنة1954 حوالي ستمائة 600ألف طن من الفوسفات وثلاثة ملايين ونصف مليون طن من الحديد وأربعمائة طن من الفحم.[8] وهذا ما أدى إلى إفلاس الحرفين وإغلاق محلاتهم ووحداتهم الصناعية.[9] كما قامت السلطات الفرنسية باحتكار الصناعات فمن الصعب إقامة صناعة تنافس الصناعة الفرنسية، وأي جزائري يشتغل في هذا المجال يتعرض إلى تكاليف جمركية باهظة وذلك بسبب احتكار فرنسا للملاحة الذي يسمح لشركات بحرية فرنسية بأن تتحكم في جزء كبير من النقل بين الجزائر وفرنسا، ومن أسباب تدهور الصناعة في هذه الفترة هو رغبة المستوطنون الفرنسيون على الحفاظ على مصالحهم المالية وذلك عن طريق جمع ثرواتهم في الجزائر من المساحات الواسعة المتمثلة في الكروم، الحشائش الرقيقة، القطن، معادن الخام واستثمارها في صناعات متعددة في فرنسا.[10]  أو بنقل أموالها إلى فرنسا تخوفا من المستقبل أو توظيفها محليا في قطاعات غير القطاع الصناعي، مثل القطاع التجاري ، وعليه فإن غياب أصحاب الرأسمالي الصناعي في الجزائر كان سببا في ضعف النشاط الأوربي في القطاع الصناعي الذي لا يمثل سوى 28 % من مجموع الأنشطة في مختلف القطاعات الاقتصادية في الجزائر.[11]

    كما احتكرت فرنسا التجارة الجزائرية، فهي تبتاع محصول القطر الجزائري وتبيعه حيث كان الميزان التجاري الجزائري في عجز مستمر. جراء الصفقات الخاسرة فقد كانت الواردات سنة 1954 يقدر بـ: 218ـ مليار والصادرات 140 مليار فقط، وفي العشرية التي سبقت 1954، لم يعد في استطاعة أي عاقل الحديث عن تجارة الخارجية، بل ما كان هناك إلا عمليات احتكارية تقوم بها مجموعة من المستعمرين، يجمعون الأرباح لصالحهم على حساب فرنسا والجزائر في أن واحد.[12]

    أما شبكة المواصلات فقد احتكرها المستعمر الفرنسي برا وبحرا* فأهمل مد الطرق البرية ماعدا تلك التي تخدمه.[13] حيث أنشأ شبكة من السكك الحديدية في شمال، وغرب وشرق، وجنوب الجزائر تربط المناطق من أجل استخراج المعادن، والمنتجات الفلاحية بموانئ التصدير فقد كان الهدف الأساسي للمستعمر من احتكار قطاع المواصلات هو استعماري بحت.[14]

    خلفت السياسة الاستعمارية في الجزائر بطالة متفشية في جميع أوساط الشعب الجزائري، تأثر بها حامل الشهادة المتعلم والغير متعلم، و قد تطرق المؤرخ العربي الزبيري إلى الأرقام المتعلقة بالبطالة في الجزائر قبل سنة 1954 حيث قال:" أن المذكرات والدراسات الوثائقية رقم1963(24-12-1954) تشير إلى أن الجزائريين البالغين سن الشغل كان عددهم 3,500,000 سنة 1948 ومن بين هذا العدد هناك2,800,000 يشتغلون في الزراعة والغابات والصيد البحري والباقي موزع على الصناعة والتجارة معنى هذا أن الجزائر لم تكن فيها بطالة...لكن هذا غير صحيح، وإلا فقدت الهجرة إلى فرنسا أحد مبررتها الأساسية ".[15]

    ومما يتضح من الإحصائيات التي قدمها العربي الزبيري هو أن هذه الأرقام مزيفة استخدمتها فرنسا من أجل تمويه الرأي العام العالمي. وفي سنة 1954 بلغت البطالة في القطاع الزراعي إلى ثمانون الف80.000 عاطل عن العمل، في جميع القطاعات الأخرى حوالي تسعمائة ألف 900.000 عاطل من المجموع الكلي للسكان العاملين وهو 3.500.000 أو ربع مجموع القوة العاملة للمسلمين.[16] وذلك من أصل ثمانية ملايين شخص من السكان الجزائريين فالأفق المهني كان منغلقا بالنسبة للشبان المسلمين مع أنه كانت كتلة هائلة من اليد العاملة جاهزة للعمل.[17]

    وإزاء الوضع المتأزم والمعاناة من البطالة تشكلت لجان خاصة بالبطالين سنة 1952 أشرف عليها نخبة من الجزائريين بهدف إيجاد حلول تحسن أوضاع الشباب البطال، وبفضل كفاح النقابات العمالية اتجاه احتكار المستوطنين الأوربيين، انخفضت نسبة  البطالة و تحسنت أوضاع العامل الجزائري، الذي أصبح يتمتع براتب شهري مضمون إضافة إلى التامين الاجتماعي والمنح العائلية.[18]

    وفيما يتعلق بالحالة المعيشية للمواطنين الجزائريين قبل اندلاع الثورة الجزائرية يمكن أن نوضحه من خلال التقرير الرسمي المؤرخ يوم 30 جانفي 1925 الذي حرره مفتش العام للصحة حول وضعية المواطنين الجزائريين قائلا فيه: '' إن الأهلي مصاب بمعايب عديدة، فهو يعاني نقص الغذاء..'' كما كتب ثلاثة أطباء فرنسيين سنة 1932 حول نفس الموضوع مايلي: '' العربي وخاصة عربي الحقول... لا يأكل ما يشبعه''، '' تظهر إحصاءات مكتب الوقاية أن الناس يموتون مرتين أكثر في القصبة، وأن الأهلي مصاب ست مرات أكثر بالسل من أوربي الجزائر. ونسبة الوفيات بالسل مرتفعة ثلاث مرات أكثر لدى الأهالي منها لدى الأوربيين في مجمل المدينة''.[19]

     



     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    [19] أولفييه لوكور غرانميزون، نظام الأهالي، منشورات السائحي، الجزائر،2011، ص ص 249-250.