الخطوط العريضة للقسم

  • تتناول هذه المحاضرة العلاقة العميقة والمتداخلة بين التقويم التربوي والتنشئة الاجتماعية، باعتبار أن العملية التربوية لا تقتصر فقط على نقل المعارف والمهارات، بل تتعداها لتشمل بناء الشخصية وإكساب الفرد القيم والمعايير الاجتماعية. ويُعد التقويم التربوي أداة مركزية في هذا السياق، حيث لا يُستخدم فقط لقياس التحصيل الدراسي، بل يتجاوز ذلك ليؤدي دورًا في عملية الضبط الاجتماعي والتأثير في اتجاهات وسلوكيات المتعلمين. فكل قرار تقويمي – سواء كان امتحانًا، ملاحظة مستمرة، أو تقييمًا شاملًا – يحمل في طياته رسالة اجتماعية تُوجّه المتعلم نحو ما يُعتبر مقبولًا أو مرفوضًا في البيئة المدرسية والمجتمع ككل. كما أن أساليب التقويم، إذا كانت عادلة وشاملة وتراعي الفروق الفردية، فإنها تُعزز الإحساس بالمساواة والانتماء، وتُسهم في بناء الثقة والمسؤولية لدى التلميذ، أما إذا كانت تقليدية أو إقصائية، فقد تؤدي إلى تعزيز الإحباط والتهميش وتكريس الفوارق الاجتماعية والثقافية. من هنا، فإن التنشئة الاجتماعية لا تتم فقط عبر المنهج والمحتوى، بل أيضًا عبر ما يسمى بـ"المنهج الخفي" الذي يظهر من خلال طرق التقويم، والتفاعلات الصفية، وآليات المكافأة والعقاب. فالتقويم في بعده السوسيولوجي يُسهم في نقل الثقافة الاجتماعية وإعادة إنتاجها، ويساعد في ترسيخ الأدوار الاجتماعية المستقبلية للأفراد. وتُعد المدرسة، بهذا المعنى، فضاءً اجتماعيًا يعيد تشكيل الأفراد وفقًا لمتطلبات النظام الاجتماعي، حيث يكون التقويم أحد أدوات هذه العملية. وتؤكد النظريات السوسيولوجية الحديثة – كنظرية بورديو في "العنف الرمزي" – أن التقويم قد يحمل معايير طبقية وثقافية مضمَنة يتم تمريرها تحت غطاء الحيادية والموضوعية. ولذلك، تطرح هذه المحاضرة تساؤلات حول ضرورة تطوير أدوات تقويمية تراعي البُعد الاجتماعي والثقافي، وتُسهم في دمج كافة المتعلمين، وتحقيق أهداف التنشئة الاجتماعية العادلة، ما يجعل من التقويم التربوي وسيلة إصلاحية تربط بين التعليم والتنمية الاجتماعية المستدامة.