Résumé de section

  • النقد الأيديولوجي:

    الأيديولوجيا: المفهوم والمصطلح: 

    تتكون كلمة "الأيديولوجيا" لغويًا من الكلمتين اللاتينيتين Idea بمعنى "فكرة"، وLogia بمعنى "علم"، وبالتالي تعني وفق الترجمة العربية "علم الأفكار". وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة على يد المفكر الفرنسي أنطوان ديستوت دي تراسي في أواخر القرن الثامن عشر، ليشير إلى العلم الذي يدرس الأفكار، سواء تلك التي تتعلق بتصور العالم أو تلك التي تسعى إلى تفسيره في مختلف المجالات، مثل السياسة، والدين، والفلسفة، والجماليات، والأخلاق. وتعد الأيديولوجيا منظومة فكرية تعكس رؤى مجموعة من الأفراد الذين يتشاركون قيمًا وعادات وتقاليد مشتركة.

    في الأدب، تشكل الأيديولوجيا جزءًا من المعنى الكامن في كل نوع من أنواع الخطاب، حيث إنها ليست مجرد تصوير للعالم، بل تصور له، إذ تتجسد في مجموعة من الآراء التي تعبّر عن التاريخ وتفسر سلوكيات الأفراد واتجاهاتهم. ومن هذا المنطلق، يرتبط الأدب بالأيديولوجيا عبر العلاقة الوثيقة بين الأيديولوجيا واللغة. فاللغة تمثل الأداة الأساسية لنقل الأفكار وتفسيرها وتعليل مقاصدها وأهدافها. وكما يقول ميشيل فوكو: "الخطاب يحمل أيديولوجيا ما ويفرضها، وكل أيديولوجيا تجد خطابها". وهذا يعني أن الأنظمة الدلالية، والبُنى البلاغية، والأساليب التعبيرية تتضمن في جوهرها أيديولوجيات تعكس تصورًا معينًا للعالم وموقفًا اجتماعيًا محددًا. لكل محتوى أيديولوجي لغته وبلاغته الخاصة، حيث يرتبط كل تحول اجتماعي بتحول في خطابه البلاغي، حتى يكاد يصبح ذلك قانونًا موضوعيًا.

    أما فيما يتعلق بالنقد الأيديولوجي، فهو نهج تحليلي يهدف إلى دراسة النصوص الأدبية للكشف عن الأيديولوجيات المتضمنة فيها، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو دينية، وتحليل مدى تأثيرها على المعاني المطروحة في النصوص. يعتمد هذا النوع من النقد على الفهم العميق بأن الأدب ليس كيانًا منعزلًا عن السياق الاجتماعي والسياسي الذي ينشأ فيه، بل يعكس أفكارًا ومعتقدات وقضايا تدعم أو تتحدى الوضع القائم.

    وبالتالي يعدّ النقد الأيديولوجي في الأدب منهجًا تحليليًا يعتمد عليه الكاتب استنادًا إلى مجموعة من العناصر المتعددة التي تسهم في تشكيل العملية الإبداعية. فهو ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل يعدّ أداة فكرية تتيح للإنسان فهم الظروف المحيطة به من خلال استنادها إلى خلفياته المعرفية والمعلومات التي يكتسبها. وبهذا المعنى، يتأسس الإبداع على مجموعة من الثوابت المنهجية التي تهدف إلى الكشف عن المضمر، واستجلاء الغامض، وتحليل الظواهر داخل التجربة الإبداعية.

    في السياق الأكاديمي الحديث، تُعرَّف الأيديولوجيا بأنها منظومة من الأفكار المتداخلة التي تشمل المعتقدات والتقاليد والمبادئ والأساطير التي تتبناها جماعة أو مجتمع معين، حيث تعكس مصالحه واهتماماته الاجتماعية والأخلاقية والدينية والاقتصادية، وتعمل في الوقت ذاته على تبريرها. وفي هذا الإطار، يعتمد العديد من النقاد الأيديولوجيين على هذا المفهوم كأساس لتقديم تفسيرات وتبريرات فلسفية ومنطقية لأنماط السلوك والاتجاهات الفكرية السائدة في المجتمع.

    يرى هذا الاتجاه النقدي أن البنية الفكرية أو الأيديولوجية للعمل الأدبي هي العامل الحاسم في تحديد طبيعة النص وهويته، إذ لا يقتصر التحليل على تناول الموضوع بشكل عام، بل يمتد إلى دراسة المضمون، أي الأفكار والمشاعر والرؤى التي يعبر عنها الأديب من خلال عمله. وتُعَدّ الأيديولوجيا بذلك إطارًا مرجعيًا يتضمن القيم والمعتقدات والتصورات الثقافية التي تؤثر في تشكيل النتاج الأدبي وصياغة مضامينه.

    وبناءً على ذلك، فإن النقد الأدبي يتأثر إلى حدٍّ كبير بالسياقات البيئية والثقافية التي ينشأ فيها، مما يثير إشكالية العلاقة بين الالتزام الأيديولوجي، الذي تفرضه البيئة الثقافية والظروف الاجتماعية على الناقد، والالتزام العلمي، الذي يستوجب البحث الموضوعي عن الحقيقة بعيدًا عن الانتماءات الفكرية والمعتقدات الشخصية. أما بالنسبة للأديب، فإن العوامل الأيديولوجية والتاريخية تشكل مصدر إلهام رئيسي له، حيث تلعب طبيعة الأدب ذاته دورًا محوريًا في إثارة القضايا وطرح الموضوعات التي تعكس هذه الخلفيات الفكرية.

    كما يركّز النقد الأيديولوجي على عدة محاور، من بينها:

    1-   تحليل السلطة والعلاقات الطبقية: يهتم النقد الأيديولوجي بكشف تمثيلات الطبقات الاجتماعية والعلاقات السلطوية داخل النصوص الأدبية، من خلال تسليط الضوء على التباينات الطبقية وتحليل كيفية تصوير الشخصيات الرئيسية والثانوية، ومدى تعبيرها عن الأيديولوجيات السائدة.

    2-   الكشف عن الانحيازات الأيديولوجية: يسعى هذا النقد إلى تفكيك الخطابات النصية للوقوف على الأطر الأيديولوجية التي تحكمها، وبيان كيفية انعكاس الأفكار المهيمنة أو المعارضة داخل النصوص الأدبية.

    وبهذا، فإن العلاقة بين الأدب والأيديولوجيا تتجلى في الفعل اللغوي الذي يربط بينهما، كما أشار ميشيل فوكو وكمال أبو ديب، حيث لا يمكن فصل الأدب عن بنيته الأيديولوجية التي تحدد معناه وسياقه وتأثيره داخل المجتمع.