المحور الثاني : المنهج التاريخي
Section outline
-
يعد المنهج التاريخي أول المناهج السياقية ظهورا، يهتم بالسياق التاريخي الذي أفرز ذلك النص ويرتكز في الأصل على " مبدأ الشرح والتفسير، متعقبا تطور الظواهر الأدبية من عصر إلى آخر، رابطا الأحداث بالزمن مقسما الأدب إلى عصور، واصفا كل أدب في إطار علاقته بالصفة الغالبة للعصر، وهو يكتفي بالنظر في مؤلف من مؤلفات الأديب، كما أنه يعنى بشخصية هذا الأخير، وتكوينه الثقافي وبيئته السياسية والاجتماعية"(4)[. 4] بحسب ما ذكره عمار بن زايد في كتابه النقد الأدبي الجزائري الحديث وهو كتاب يستحق الاقتناء إضافة إلى كتابين آخرين أحدهما بعنوان تاريخ النقد الأدبي الحديث "لرينيه ويليك" الجزء الرابع، والآخر النقد الأدبي الحديث "لمحمد غنيمي هلال" ، وفي الأسفل صورة لواجهة الكتابين
آ. عوامل ظهور المنهج التاريخي:
ظهر المنهج التاريخي مع ظهور المدرسة الرومانسية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهو يعكس في ظهوره ذلك التطور والتحول الطبيعي للفكر البشري خصوصا فيما يتعلق بالانتقال من العصور الوسطى إلى العصر الحديث ولعل لهذا السياق الزمني يد في تشكل مناهج نقدية جديدة تمكن الناقد من رصد الظواهر الأدبية التي أفرزها هذا التحول ما يعني أن وضع منهج تاريخي أمر لابد منه .
-إن قيام الثورة الفرنسية سنة 1789م والتي نادت بالحرية وضرورة الانعتاق عن الأفكار القديمة، ساهمت بشكل كبير في ظهور المنهج التاريخي، ذلك لأن المجتمعات آنذاك بدأت تنح نحو التطور وتعلن قطيعتها بكل ما هو قديم، وهذا الرفض انتقل بدوره إلى حقل النقد الأدبي وبدأت بوادر التمرد تظهر على النظريات القديمة والتقاليد الجامدة التي وقع النقد في أسرها قرونا عديدة.
- كذلك ظهور بعض الأفكار والنظريات مثل نظرية النشوء والارتقاء لدارويين والتي تناولت تطور الجنس البشري وقد كانت بمثابة دعوى في العموم للبحث عن الجديد وضرورة تتبع مسار الأشياء عبر تطورها الزمني من حقبة إلى أخرى، وهذا الأمر انتقل إلى الحقل الأدبي متمثلا في المنهج التاريخي.
- من العوامل التي ساهمت أيضا في نشوء وازدهار المنهج التاريخي ظهور الطباعة، ذلك لأن النقد التاريخي له مستويين:
1. المستوى الأول :
يعنى بدراسة أثر المكان والظروف التاريخية والعصر على عملية الإبداع
2. المستوى الثاني :
اهتم بتوثيق الأعمال الأدبية وترتيبها زمنيا والتأكد من نسبة الإبداع لصاحبه ودراسة المصادر الأدبية وعلاقتها بالآداب المحلية والآداب العالمية ومن هنا كان للطباعة دور كبير ومهم في النقد التاريخي.
ب. رواد المنهج التاريخي :
ظهر المنهج التاريخي في أوربا من القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين وكغيره من العلوم له رواده وأعلامه الذين برزوا فيه وقد كان السبق إليه من نصيب النقاد الفرنسيين،" فكان من آثار نهضة العلوم الطبيعية في القرن الماضي أن سيطرت مناهجها وقوانينها على البحوث الفلسفية والأدبية سيطرة أدّت إلى ظهور الفلسفة الوضعية عند أوجست كومت كما أدّت إلى ظهور ما يمكن تسميته بالتاريخ الطبيعي للأدب عند طائفة من النقاد ومؤرخي الأدب، في مقدمتهم (سانت بيف) و (تين) و(برونتير) فقد مضوا ينكرون التذوق الشخصي وكل ما يتصل بالذوق وأحكامه، وأخذوا يحاولون في قوة وضع قوانين ثابتة للأدب ثبات قوانين العلوم الطبيعة، قوانين تطبق على كل الأدباء كما تطبّق قوانين الطبيعة على كل العناصر وكل الجزئيات وكل الكائنات"(5)[. 5] ، إذن فنقاد هذا المنهج هم سانت بيف،تلميذه هيبوليت تين – فيرديناند برونتيار- غوستاف لانسون. وسنتطرق إلى كل واحد منهم.
1. سانت بيف : 1804م-1869م :
من النقاد الفرنسيين المشهورين بالاشتغال على المنهج التاريخي في عملية دراسته للنصوص الأدبية، وقد تأثرا نوعا ما بتوجهه العلمي التجريبي لا سيما وأنه درس الطب في البداية لينتقل بعدها إلى النقد.
اعتمد في دراسته النقدية بشكل كبير على المؤلف وكل ما يخصه كحياته وأسرته، مجتمعه، حالاته النفسية، ثقافته...وغيرها بمعنى محور العملية الإبداعية عنده هو الكاتب أو المؤلف وبدونه لا يمكن تحقيق وظيفة النقد، يقول شوقي ضيف:" وكان سانت بيف أول من دفع في هذا الاتجاه، إذ دعا في أحاديثه المعروفة باسم (أحاديث الاثنين) و(أحاديث الاثنين الجديدة) إلى دراسة الأدباء دراسة علمية تقوم على بحوث تفصيلية لعلاقاتهم بأوطانهم، وأممهم، وعصورهم وآباءهم وأمهاتهم، وأسرهم وتربياتهم، وأمزجتهم، وثقافتهم، وتكويناتهم المادية والجسدية، وخواصهم النفسية والعقلية، وعلاقاتهم بأصدقائهم، والتعرف على كل ما يتصل بهم من عادات وأفكار ومبادئ مع محاولات تبين فترات نجاحهم وإخفاقهم وكل جوانب ضعفهم، وكل ما اضطربوا فيه طوال حياتهم"(6)[. 6]
2. هيبوليت تين: 1828م-1893م
يعد هيبوليت تين هو الآخر من النقاد الفرنسيين الذين أبدوا اهتماما بالمنهج التاريخي خاصة وأن تأثره بأستاذه سانت بيف ظهر بشكل مباشر في الكثير من آرائه ودراساته النقدية غير أنه حاول ضبط بطريقة محكمة آليات المنهج التاريخي ومدى تأثير العوامل المحيطة في إنتاج الأدب فرأى أن " ليس هناك أي خصائص فردية يتميز بها أديب، وإنما الذي هناك خصائص جماعية تجمع بينه وبين أدباء أمته، بل هي ليست خصائص إنما هي قوانين حتمية كقوانين الطبيعة، قوانين تتحكم في أدباء كل أمة دون تفريق"(7)[. 7] وأضاف على هذا ثلاثيته الشهيرة المتعلقة بـ:
الجنس أو العرق: ويقصد به الصفات المتوارثة لكل أمة معينة يشترك فيها أفرادها سلفهم وخلفهم.
البيئة أو المكان: ويقصد به الوسط البيئي والجغرافي الذي يعيش عليه أفراد هذه الأمة ،يقول عبد الله المسدي في هذا الصدد: " يقوم المنهج التاريخي، على ما يشبه سلسلة من المعادلات السببية، فالنص ثمرة صاحبه، والأديب صورة لثقافته، والثقافة إفراز للبيئة، والبيئة جزء من التاريخ، فإذن النقد تأريخ للأدب من خلال بيئته"(8)[. 8]
العصر أو الزمان: هو اللحظة التاريخية والفترة الزمنية التي يعيش فيها هؤلاء الكتاب والمبدعين وتشمل كل ما يحدث فيها من وقائع سياسية واجتماعية ومختلف العوامل المتعلقة بالدين والثقافة والتي يعيش تحت ظلها الأديب ويتأثر بها تأثرا يظهر في كتاباته.
3. فرديناند برونتيير: 1849م-1906م
أبدى فرديناند إعجابه بنظرية النشوء والارتقاء لداروين وحاول الاستناد عليها في عملية دراسته للنصوص الأدبية من خلال البحث في تطورها ونموها عبر الأزمنة شأنها شأن الكائنات البشرية العضوية وعلى هذا الأساس وضع "كتابه ( تطور الأنواع الأدبية) محاولا أن يثبت أنها،
شعرا ونثرا، تنقسم إلى فصائل وأن كل فصيلة في الأدب مثلها مثل الفصائل في الكائنات الحية عند دارون، فهي تنمو وتتوالد وتتكاثر متطورة من البساطة إلى التركيب في أزمنة متعاقبة، حتى تصل إلى مرتبة من النضج قد تنتهي عندها و تتلاشى كما تلاشت بعض فصائل الحيوان، واختار لتطبيقاتها ثلاثة أنواع أدبية، هي المسرح والنقد الأدبي والشعر الغنائي، مصورا فيها كيف أن كل نوع لم يتطور إلا باجتماع دوافع تاريخية، تستمد من العصر ومن البيئة ومن كل الظروف الاجتماعية "(9)[. 9]
4. غوستاف لانسون: 1857م-1934م
من النقاد الفرنسيين الذين تعمقوا في المنهج التاريخي واهتموا بدراسته ووضع أساسه فنسب إلي فضل بلورته و اكتماله وعد بذلك مرجعا رئيسيا للمنهج التاريخي برغم أنه قد أفاد من دراسة سابقيه كسانت بيف وهيبوليت تين وبرونتيير يقول في هذا:" ليس المنهج الذي أحاول أن أعطي فكرة عنه من ابتكاري، وما هو إلا نتيجة لتفكيري في الخطة التي جرى عليها عدد من سابقي ومعاصري بل واللاحقين من الناشئين" (10)[10]، غير أن لانسون استطاع أن يخالفهم في مسألة جعل المنهج التاريخي أوضح بدقة في معالمه مع مراعاة طبيعة الأدب التي تختلف عن صرامة وجدية العلوم الطبيعية، فقد حاول في مقالته (منهج تاريخ الأدب) التنبيه على أن الغلو والإعجاب الزائد بحتمية العلوم وجبريتها، لا يعني نسيان وإهمال جوهر الأدب، وهو يقصد بهذا كل من تين وبرونتيير إذ ذكر أن " قصدهما إلى محاكاة عمليات العلوم الطبيعية والعضوية و استخدام معادلاتها قد انتهى بهما إلى مسخ التاريخ الأدبي وتشويهه، فلا يمكن أن ينبني أي علم على أنموذج غيره، وإنما تتقدم العلوم المختلفة بفضل استقلال كل واحد منها عن الآخر استقلالا يمكنه من الخضوع لموضوعه " (11)[11].
لقد سعى لانسون في دراسته للمنهج التاريخي إلى بث الروح العلمية لدى الباحث وجعلها شرطا لذلك، والروح العلمية عنده تقتضي أن تتماشي المعرفة والذوق معا فلا يكون هناك انحياز لجانب العلم المادي بتطبيقه عنوة على العلم المعنوي الذي هو الأدب لأن هذا سيهدمه ويسيء إليه بدل أن يخدمه كما أنه لن يحقق الغاية من النقد إن كان بهذه الطريقة لأن" استخدام المعادلات العلمية في أعمالنا بعيد عن أن يزيد من قيمتها العلمية، هو على العكس ينقص منها إذ أن تلك المعادلات ليست في الحقيقة إلا سرابا باطلا عندما تعبر عن في دقة حاسمة عن معارف غير دقيقة بطبيعتها، ومن ثم تفسدها" (12)[12]
ج. عيوب ومآخذ المنهج التاريخي
المنهج التاريخي كغيره من المناهج يشوبه النقص ويعتريه التقصير وقد سجلت له بعض العيوب والمآخذ نجملها في شكل نقاط:
-
المبالغة والغلو في توظيف الطرق والنظريات العلمية: فبعد قيام الثورة العلمية وانبهار أوروبا بمختلف العلوم التجريبية على حساب البحث الأدبي أصبح يزج بالأدب بالقوة لتصيريه مادة علمية لها من الحتمية ما يجعلها تنسلخ عن طبيعتها المتحركة والنسبية الغير ثابتة لاسيما بعد ظهور نظرية داروين التي جعلت من الأدب كائنا عضويا يتطور وينمو عبر الزمن ثم يضمحل ويموت ليخلفه أدب أخر.
-
اعتبار الأدب مجرد وثيقة تاريخية: وإهمال القيمة الجمالية والفنية والإبداعية التي تعتبر كيان الأدب وجوهره.
-
الاستقراء الناقص الذي يقود إلى استنتاجات وأحكام ناقصة: وذلك بسبب الاعتماد على وقائع وظروف لا تعبر بالشكل الكافي الذي يمكن من الإحاطة التامة بالظروف السائدة في ذلك الزمن الأمر الذي يقود إلى الوقوع في الخطأ لهذا الأخذ بحتمية الأحكام هنا غير ممكن في ظل الافتقار للوثائق ما يتنافى ومبدأ العلوم الجبرية.
-
إقصاء للروح المبدعة ولشخصية الأديب: ذلك لأن المنهج التاريخي يبحث فقط في العوامل والسياقات الخارجية والتاريخية التي ساهمت في إفراز ذلك الأدب دون الالتفات إلى عبقرية الأديب ودوافعه الشخصية.
فماذا يقصد بالمنهج النفسي؟ وما هي خصائصه ظروف نشأته؟
من هم رواده؟
ما هي الانتقادات التي وجهت له؟
-