Section outline

  • النقد النفسي هو نقد يتناول حياة الكاتب، أي أنه يتناول تجاربه الذاتية وإخفاقاته وأمراضه النفسية إن وجدت وكيف انعكست على نصه الأدبي، ما يعني أن النقد النفسي يندرج ضمن مناهج النقد السياقية فهو يهتم بالسياق النفسي للأديب، ويوصف أيضا على أنه من المناهج الخارجية، لأنه يبدأ من خارج النص الأدبي أي من حياة المبدع.

    آ. نظرية سيغموند فرويد

       ظهر المنهج النفسي في أوروبا تحديدا في القرن التاسع عشر مع ظهور مدرسة سيغموند فرويد النفسية، وقد قسم فيها فرويد النفس البشرية إلى ثلاثة أقسام : الأنا، الهو، الأنا العليا.

    - فالأنا :جعلها بمثابة العقل أي الجانب الأكثر اعتدالا وإدراكا.

    - بينما الهو اعتبرها مصدر الأهواء والرغبات والشهوات . صورة سيغموند فرويد

    - الأنا العليا: هي الضمير.

    المخطط التالي يوظف نظرية سيغموند فرويد النفسية وعلاقتها بالأدب


     

    في المخطط وبعد تقسيم فرويد للنفس البشرية رأى أن ثمة صراع داخلي مستمر يعيشه الإنسان بين الهوا وبين الأنا العليا، أي بين الأهواء والشهوات وبين الضمير.

    في خضم هذا الصراع القائم يتدخل العقل أو الأنا كما عبر عنها فرويد ليحسم الصراع القائم بينهما، فإن كان الأنا على درجة كبيرة من الوعي يُحسم الصراع لصالح الأنا العليا فينتج لنا فردا سويا، وإن كان العقل الذي هو الأنا عكس ذلك فسيحسم الصراع لصالح الهوا أي الأهواء والشهوات وينتج لنا بالضرورة فردا غير سوي.

    نهاية هذا الصراع لها خلفيات فصّل فيها سيغموند فرويد في نظريته ذلك لأن حسم الصراع لصالح الأنا العليا تترتب عنه سلسلة أخرى بعكس حسم الصراع لصالح الهوا والذي ينتج عنه فرد غير سوي وبالتالي تصرفات وأفعال غير سويه.

    بينما حسم الصراع لصالح الأنا العليا يعني أن هذه الأخيرة هي التي غلبت الهوا، في هذه الحالة يقول فرويد أن تلك الشهوات والرغبات تنتقل وتخزن في منطقة اللاوعي أو ما يسمى بالعقل الباطن للإنسان، هذا العقل الباطن لا يخزن فقط الشهوات والأهواء بل يخزن أيضا ذكريات الطفولة وذكريات الإنسان كلها التي نسيها، لتخرج بعد ذلك في شكل صورتين:

    - الصورة الأولى إما تخرج في شكل أحلام لأن الإنسان لا يستطيع تحقيقها على أرض الواقع .

    - وإما تخرج في صورة إنتاج إبداعي وهي الصورة أو المنطقة التي تهمنا من كل هذا.

    النقاد أخذوا هذه المنطقة و رأوا أن الإنسان في اللاوعي يخزن مشاعره وأحزانه وآلامه وإخفاقاته فتخرج في صورة إبداع ، وعلى هذا الأساس تم إيجاد نقد يتناول هذا الجانب أي جانب الإحاطة بحياة الأديب ومعرفة تجاربه الذاتية والنفسية وكيف أثرت في أدبه وانعكست عليه وهو ما يطلق عليه بالمنهج النفسي.

    بناءا على ما تم ذكره يمكننا القول أن المنهج النفسي منهج يستمد مبادئه وقواعده النقدية من نظريات التحليل النفسي التي أسسها سيغموند فرويد وقد فسر على ضوئها السلوك البشري برده إلى منطقة اللاوعي (اللاشعور) .

    إذن فالمنهج النفسي منهج يخضع النص الأدبي للبحوث النفسية ويحاول الانتفاع من نظرياتها في تفسير الظواهر الأدبية والكشف عن عللها وأسبابها ومنابعها الخفية ومالها من أبعاد وآثار ممتدة، كما يعتبر تحليلا لشخصيات الأدباء اعتمادا على كتاباتهم وأحداث حياتهم عن طريق تطبيق نتائج علم النفس الحديث عليهم وعلى نتاجهم الأدبي

    ب رواد المنهج النفسي

    1. سيغموند فرويد: 1856م-1939م

    يعد سيغموند فرويد من الزعماء والمنظرين الأوائل لمدرسة التحليل النفسي، مستعينا في ذلك على أفكار وتصورات الفلاسفة والشعراء، ليخرج لنا نظريته النفسية المشهورة، إذ توصل فيها إلى تقسيم الجهاز النفسي الباطني إلى ثلاثة مستويات، أحد هذه المستويات والذي يعد أصل قيام فرضية التحليل النفسي وهو اللاشعور الذي ينقسم بدوره إلى الهوا، الأنا، الأنا الأعلى " وفي ضوء نظرية التحليل النفسي، وما يتصل بها من لاشعور وغرائز جنسية وأحلام مكبوتات، ولج فرويد عالم الفن والفنانين ليعرض عليه بضاعته السيكولوجية فكان من الأوائل الذين رسخوا بالنظرية والتطبيق علاقة علم النفس بالأدب والفن والنقد، إذ يتناول بالتحليل النفسي شخصيات الفنانين وأعمالهم الفنية وعملية الخلق الفني والمتلقي "(13)[13]

    2. أدلر: 1870م-1937م:

       يعد من المعجبين كثيرا بنظرية أستاذه سيغموند فرويد إلى درجة مخالفتها والخروج عنها مضيفا تصورات جديدة لها من اجتهاداته الخاصة وقد حاول جاهرا في هذه التصورات إثبات أن الغريزة الجنسية ليست دائما السبب الرئيسي دائما في ظهور الأمراض العصبية، ولا يمكن اعتبارها دافعا أوليا لعملية الإبداع والفن، " وركز بدلا منها في العوامل الاجتماعية والعناصر الأنيوية أي تأكيد الذات "(14)[14] وغريزة حب التملك والسيطرة وحب الظهور في مجتمعه .

    هنا يظهر لنا أدلر اهتمامه وعنايته بالجانب الاجتماعي ويستند في ذلك على أن مستوى اللاشعور عند الفرد غير كافي لتحقيق وتقديم صورة مكتملة للطبيعة البشرية" ذلك لأن الفرد في نظره ليس كائنا معزولا عن وسطه الاجتماعي، يتصرف بما يمليه عليه نزوعه الفردي، ودوافعه اللاشعورية "(15)[15] ولعل أدلر محق في طرحه هذا إذ هناك دوافع ونوازع وبواعث تتخطى الحيز اللاشعوري لدى الفرد لوحده، غير أن ما يعاب عليه أنه ومع اهتمامه بالجانب الاجتماعي إلا أنه لم يعطه حقه اللازم إذ بقي محصورا ضمن قوسي غريزة حب السيطرة واثبات الذات.

    3. كارل غوستاف يونغ 1875م-1961م:

       أعجب هو الآخر بنظريات أستاذه سيغموند فريد النفسية غير انه رفض مغالاته في حصر الإبداع الفني ضمن إطار العقد النفسية ورأى أن " النفس البشرية معقدة غاية التعقيد، وتتكون من عدد من النظم أو الأنساق، وتتكون الشخصية من الأنا، واللاشعور الشخصي، والجماعي ومن عدد من الأنماط الأولية والاتجاهات " (16)[16]

    يوافق يونغ هنا أستاذه فرويد على أن اللاشعور الفردي أو الشخصي كما يسميه يعد باعث ومظهر من مظاهر الإبداع والفن غير أنه لا يراه كافيا ليغطي جميع حالات الفن الموجودة وعلى هذا أضاف إلى جانبه اللاشعور الجمعي أو اللاشعور اللاشخصي وأكد عليه إذ يرى أنه الباعث الأساسي لعملية الإبداع الأدبي الفني" لأنه مخزن الذكريات والأفكار الجماعية، من الخبرات والانطباعات التي تراكمت بتكرار حدوثها عبر الأجيال، وهذا اللاشعور الجمعي بمثابة استعداد نتهيأ بها للتجاوب مع العالم ومواقفه، فمثلا كل الناس لديهم الاستعداد للخوف من الظلام وهذا الاستعداد الكامن قد يظهر و يتدعم نتيجة لخبرات حالية، غير أننا ورثنا هذا الاستعداد من الأسلاف لأن الإنسان عبر العصور الأولى كان يخاف الظلام، والشعور الجمعي بوصفه الأساس العنصري الموروث يقوم على البناء النفسي كله، وهو خبرات الأجيال والعصور، ويستقي منه الأنا ويصدر عنه" (17)[17]

    إذن الشعور الجمعي عند يونغ هو تلك الخبرات والمكتسبات والرواسب التي تجدرت في المجتمع عبر حقبه الماضية وتعاقب عليها جيلا بعد جيل من السلف إلى الخلف مشكلة تجارب موروثة وأفكار بدائية تراكمت عبر مرور الزمن وهي" منطلق يونغ في تحليل عملية الإبداع بصورة عامة، فهذه العملية تتم في تصوره باستشارة النماذج الرئيسية المتراكمة في اللاشعور الجمعي بواسطة "الليبيدو" المنسحب من العالم الخارجي ، والمرتد إلى داخل الذات، وبوساطة الأزمات الخارجية أو الاجتماعية، وهذا ما يسبب اضطرابا نفسيا لدى الفنّان فيحاول إيجاد اتزّان جديد لنفسه"(18)[18]

    الجدول التالي يوضح لنا كل منهج وأعلامه بحسب تواريخهم الزمنية.

    مناهج النقد السياقي

    المنهج التاريخي ( أعلامه)

    المنهج النفسي (أعلامه )

    -سانت بيف : 1804م-1869م

    - هيبوليت تين: 1828م-1893م

    -فرديناند برونتيير: 1849م-1906م

    - غوستاف لانسون: 1857م-1934م

    - سيغموند فرويد: 1856م-1939م

    - أدلر: 1870م-1937م

    -كارل غوستاف يونغ 1875م-1961م

    ت. عيوب المنهج النفسي

      

    1. يتعامل المنهج النفسي مع الإبداع الأدبي من زاوية نفسية فقط دون الأخذ بالاعتبارات الأخرى ويراه مجرد إفراز لرغبات الشاعر أو الأديب المكبوتة

    2. ينبني المنهج النفسي على فرضيات وكشوفات توصل إليها علم النفس دون الأخذ بعين الاعتبار أن هذه النظريات والتحاليل النفسية قد لا تكون صائبة أو يستحيل إسقاطها على الأدب.

    3. الأدب في نظر المنهج النفسي وكأنه تعبير أو تنفيس للكاتب أو الشاعر عن حالاته الشاذة ورغباته المكبوتة وحتى عقده النفسية وهذا ما يتنافى وغاية الإبداع الأدبي.

    4. صعوبة الوصول إلى تفاصيل حياة الكاتب الشخصية والنفسية إذ في الغالب لا تكون متاحة الأمر الذي يجعل محاولة دراسة العمل الأدبي باتخاذ المنهج النفسي فاشلة .