المحاضرة الخامسة+السادسة

الفلاح البولندي :   وليام توماس وفلوريان زنانيكي

مناهج البحث عند مدرسة شيكاغو

تميزت اعمال هذه المدرسة بمقاربتها المنهجية الميدانية العميقة، حيث ركز روادها على الابحاث الاجتماعية والاحصائيات وكذا على المناهج التجريبية كالملاحظة الموضوعية للواقع الاجتماعي والوثائق الشخصية والرسمية وقد اعتبرت الدراسة التي انجزها توماس وزنانيكي حول الفلاح البولندي اول دراسة سوسيولوجية تعتمد هذا المنهج (السيرة الذاتية).

كان هدفهم من ذلك هو انتاج معرفة مفيدة يستعين بها اصحاب القرار في بناء سياسات للمراقبة الاجتماعية والاصلاح.اذ ركزوا على وصف وتحليل وفهم التحولات الاجتماعية الكبيرة التي رافقت النمو الكبير الذي عرفته المدن الامريكية خاصة مدينة شيكاغو .وبهذا درسوا عدة مؤسسات اجتماعية كاسر المهاجرين ووصفوا مونوغرافية احيائهم .كما قدموا تحليلات حول الجرائم المنتشرة بهذا الوسط الحضري.

قضايا سوسيولوجيا مدرسة شيكاغو

1-وليام توماس ودراسة الاصول القروية لسكان المدينة

2-روبرت بارك والاهتمام بقضايا الاقليات داخل المدينة

3-بيرجس وماكينزي وميلاد الايكواوجيا الحضرية

4-لويس ورث والثقافة الحضرية للمدينة

 

 

 

"تعود بداية اهتمامي بالوثائق الشخصية الى رسالة طويلة التقطها في يوم ماطر في ممر خلف منزلنا، هي رسالة كتبتها شابة كانت تتابع دراستها بالمشفى.موجهة الى والدها يخص محتواها العلاقات والمناقشات ضمن العائلة.

ان مصادفة اكتشاف باقة رسائل هي نعمة بالنسبة لتوماس .فهذه الرسائل التي كتبتها شابة مهاجرة الى اهلها تحكي عن ظروف حياتها وعملها والحوادث اليومية ومشاكلها وامالها ... انها في نظر عالم الاجتماع مادة لا غنى عنها.

في عام1908 حصل وليام توماس الاستاذ بجامعة شيكاغو على منحة ضخمة من مؤسسة خاصة لدراسة المشكلات المرتبطة بالهجرة  الاوروبية الى الملايات المتحدة. وبعد ذلك بقليل قرر ان يركز على الفلاحين البولنديين الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان الاجانب في شيكاغو. ويمثلون مشكلة بارزة.وفي احدى رحلاته الى بولندا تعرف توماس علة زنانيكي ونظم اجراءات سفره الى الولايات المتحدة ليعمل معه في هذا المشروع البحثي.وقد نشر تقريرهما المشترك بعد الحرب العالمية الاولى مباشرة.

وتتكون البيانات الخام من مجموعة ضخمة من الوثائق: خطابات شخصية وقصص صحفية واستمارات التقدم لجمعية الهجرة وسجلات القضايا من المحاكم والمؤسسات الاجتماعية ولم تعرف كمية الوثائق التي فرزت ولكن اكثر من الف منها ظهرت في الفلاح البولندي في اوربا وامريكا. بما فيها السيرة الطويلة والمشوقة لمهاجر يدعى فلاديك وقد اعتبر المؤلفان السير الذاتية نمطا مكتملا للمادة الاجتماعية ان منهجهما الرئيسي كا نوعا من تحليل المحتوى وكان على الوثائق المدروسة ان تكشف الاتجاهات والقيم الخاصة بالاشخاص الذين تعود اليهم.

وتشكل الاتجتهات والقيم العبارات –المفاتيح لهذه الدراسة فالنسبة لتوماس وزنانيكي كان للقيم الاجتماعية المعنى ذاته الذي كان للافعال الاجتماعية بالنسبة لدوركايم. فاليمة الاجتماعية هي عنصر من الثقافة ملموس او مجرد  وهو بالنسبة لهم معنى يتقبلونه بدون ان يفكروا فيه.وبالمقابل فان الاتجاه هو سيرورة واعية  وشخصية تحدد النشاطات الاجتماعية للفرد.وهو الراي الشخصي والذاتي المعاكس للقيمةالاجتماعية.

"ان سبب قيمة ما او اتجاه ما ليس ابدا ولا بصورة وحيدة قيمة او اتجاه ،بل هو دائما مزيج من قيمة واتجاه.

يؤكد توماس وزينانيكي عل تفاعل العوامل في هذا التفاعل المتواصل بين الفرد ومحيطه."لا يمكننا القول ان الفرد نتاج بيئته ولا انه يقوم بانتاج بيئته يمكن بالاحى ان نقول الامرين معا.الفرد هم نتاج مصيره وهو منتجه.ان الافراد  الموجودين في نفس الوضع سيرتكسون بشكل متباين تبعا لتمثلاتهم لهذا الوضع. وهذا ما يسميه توماس " تحديد الوضع" وسيصوغه روبرت ميرتون فيما بعد تحت شكل نظرية توماس .ان التمثل الذي يكونه المرء عن وضعه يساهم في تشييد هذا الوضع.

وكما يبدو واضحا من عنوان الكتاب الفلاح البولندي في اوروبا وامركا فانه يحلل وضع الفلاحين البولنديين في هاتين القارتين ومع ان التركيز انصب على اوربا فان التغير الاجتماع كان محور الاهتمام في هاتين القارتين.وتعد الجماعة الاسرية في القرية البولندية التقليدية هي الفاعل الاجتماعي الرئيسي.ويخضع الافراد لها الى ابعد حد وتعد واجبات اعضاء الاسرة تجاه بعضهم البعض مسالة التزام لا مسالة عاطفية.ومن الناحية العملية تعد الاسرة الجماعة الاجتماعية المنظمةالوحيدة التي التي ينتمي اليها الفلاح.وليست علاقات الاسررة بجيرانها من الاسر علاقة وثيقة ،غير ان هناك تضامنا قويا في كل قرية ،لان جميع الفلاحين يعتنقون نفس الاراء حول ادوارهم وعلاقاتهم.

وقد اوضح توماس وزنانيكي كيفية تحطم هذا النمط بفعل التغيرات الاقتصادية والمؤثرات الاخرى الخارجيةالتي اضعفت تضامن الاسر والقرية مما ساعد الافراد على تكوين اتجاهات جديدة تتعارض مع القيم الاسرية،كما ادت الى ظهولا التباين في الاراء والمعتقدات والتوجهات الاقتصادية في القرية.

ففي الاسرة حلت القيم والاتجاهات المرتبطة بالمتعة  محل التضامن الاسري وفي القرية حل السعي نحو النجاح والتفوق الاقتصادي محل الروح الجمعية المحافظة القديمة.وقد ظهرت صورة اكثر تطرفا للتفكك عندما هاجر الفلاحون الى الولايات المتحدة تاركين ةراءهم قراهم البولندية كما استقلوا عن اسرهم ايضا.

ويشيع بين الفلاحين البولنديين ف الولايات المتحدة التفكك الفردي.وتتمثل الصورة المميزة للتفكك الفردي بين الفلاحين البولنديين في الولايات المتحدة في : الاعالة الاقتصادية،وتقوض العلاقات الزوجية، القتل ،انحراف الاحداث.

المراجع

-محمد الجوهري .علم الاجتماع التطبيقي

-فليب كابان وجان فرانسوا دورتيه

تيودور كابلوف. البحث السوسيولوجي

 

بحث "الفلاح البولندي في أوروبا وأمريكا" (The Polish Peasant in Europe and America)، الذي نُشر في خمسة مجلدات بين عامي 1918 و1920، هو عمل كلاسيكي في علم الاجتماع قام به ويليام توماس وفلوريان زانانيكي. يركز هذا البحث على دراسة الهجرة البولندية إلى الولايات المتحدة، مع تحليل عميق للثقافة، والقيم، والتغيرات الاجتماعية التي تنتج عن الانتقال من مجتمع زراعي تقليدي إلى بيئة حضرية صناعية. فيما يلي أهم النتائج التي توصل إليها البحث:

1. التحول من الجماعة التقليدية إلى الفردية الحديثة

  • الفلاح البولندي الذي هاجر من أوروبا واجه تحولات جوهرية في نمط حياته وقيمه. في المجتمع الريفي التقليدي، كان الانتماء الجماعي والعادات الجماعية تهيمن على سلوكه.
  • أما في المجتمع الأمريكي، فواجه هؤلاء الأفراد ضغوطًا للاندماج في سياق حضري أكثر فردانية، مما أدى إلى تفكك الروابط الاجتماعية التقليدية.

2. أثر الهجرة على الهوية الاجتماعية

  • لاحظ الباحثان أن المهاجرين البولنديين مروا بعملية "تأقلم انتقائي"، حيث حافظوا على بعض القيم التقليدية (مثل الدين)، بينما تبنوا جوانب معينة من الثقافة الأمريكية (مثل التعليم).
  • أدى هذا إلى خلق توتر داخلي بين الأجيال: الجيل الأول من المهاجرين حاول الحفاظ على القيم الأصلية، في حين تكيف الجيل الثاني بشكل أسرع مع الثقافة الجديدة.
  •  

3. التحولات في دور العائلة

  • في البيئة الريفية البولندية، كانت الأسرة وحدة اقتصادية واجتماعية متماسكة. مع الانتقال إلى أمريكا، تراجعت الأدوار التقليدية للعائلة، وأصبحت العلاقات الزوجية أقل خضوعًا للضوابط الجماعية.
  • نتج عن هذا تحولات في دور المرأة، حيث اكتسبت بعض الاستقلالية نتيجة الفرص الاقتصادية والتعليمية الجديدة.

 

 

4. أهمية السيرة الذاتية في تحليل الظواهر الاجتماعية

  • اعتمد البحث على منهج السيرة الذاتية، حيث تم تحليل رسائل وتجارب المهاجرين لفهم كيف عاشوا التغيرات الاجتماعية. هذا الأسلوب كان جديدًا آنذاك وساهم في تطوير المنهج الكيفي في علم الاجتماع.

5. الانحراف الاجتماعي كنتيجة للاضطراب القيمي

  • لاحظ الباحثان أن الانتقال من مجتمع تقليدي إلى آخر حديث قد يؤدي إلى "حالة انومي" (فقدان المعايير)، وهي حالة من الاضطراب الاجتماعي ينجم عنها زيادة في السلوكيات المنحرفة مثل الجريمة أو التفكك الأسري.

6. دور المؤسسات في إعادة تشكيل الهوية

  • أظهر البحث أهمية المؤسسات (كالكنيسة والمدارس) في تسهيل اندماج المهاجرين، حيث لعبت دورًا مزدوجًا: ساعدت في الحفاظ على الثقافة الأصلية وأيضًا في تسهيل التكيف مع المجتمع الجديد.

الخلاصة

كان بحث "الفلاح البولندي" مؤثرًا في علم الاجتماع لأنه قدّم نموذجًا لفهم التغير الاجتماعي الناتج عن الهجرة، وكشف عن ديناميكيات التوتر بين الثقافة التقليدية والحديثة. كما ساهم البحث في تطوير منهج السيرة الذاتية كأداة تحليلية، وسلّط الضوء على دور الهجرة في إعادة تشكيل الهويات الفردية والجماعية.