السوسيولوجية الكلونيالية:

السوسيولوجية الكلونيالية هي تلك الدراسات و الاعمال التي اجريت خلال المرحلة الاستعمارية في الجزائر و التي عملت على دراسة المجتمع الجزائري و التنقيب في بناياته الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و ذلك محاولة منها منها لفهم الميكانيزمات التي تتحكم في البنى الاجتماعية و الثقافية سواء لخدمة الايدولوجيا الكلونيالية او لخدمة البحث العلمي، اذ عملت السلطات الفرنسية على دراسة البناء الاجتماعي للشعب الجزائري و التنقيب عن مواطن القوة و مواطن الضعف في هذا البناء عن طريق جيش من العملاء و الباحثين السوسيولوجيين و الانتروبولوجيين و الضباط و الاكادميين و ذلك بغية تفكيكه و محو مقوماته الروحية و الوطنية وزرع الافكار الهدامة بان الجيش الفرنسي لا يقهر وزرع البدع و الخرافات و انتهاج سياسة التجهيل لان الاستعمار الفرنسي كان يدرك ان الشعب الجزائري لا يمكن هزمه إلا من خلال بنائه الاجتماعي و هذا ما حصل حيث قامت السلطات الفرنسية بدراسة كل المقومات الروحية و الدينية و الوطنية و الثقافية غير انه في الحقيقة لم تكون كل الدراسات السوسيولوجية في الحقبة الكولونيالية موجهة لخدمة مصالح الاستعمار فقط بل منها من كانت دراسات سوسيولوجية اكاديمية بحتة قام بها مجموعة من الباحثين الاكاديين الذين قاموا بدراسات جادة في هذا المجال، و من بين الدراسات السوسيولوجية اكاديمية بحتة قام بها مجموعة من الباحثين الاكادميين الذين قاموا بدراسات جادة في هذا المجال و بين الدراسات السوسيولوجية ما قام به عالم الاجتماع جاك بيرك و ترك ما يزيد عن 43 مؤلف و ما يقارب 200 مقال و رغم قيامه بمهام في الادارة الكولونيالية إلا انه استطاع ان يقوم بالقطيعة مع الايديولوجية الكولونيالية.

 و من العلماء الذين اصلوا لعلم الاجتماع في الجزائر نجد ماسكراي  و لقد قام ماسكراي بدراسة مختلف القبائل و العروش الجزائرية من عرب و قبائل و ميزاب و ذلك بالتقرب منها و الاقامة مع سكانها كمنطقة ميزاب التي مكث فيها لأكثر من شهرين باستعمال اسلوب المخادعة بلبس لباسنهم و تكلم لغتهم و هذا ما سمح له بفهم طبيعة هذا المجتمع المتميز بالانغلاق.

 و من بين الباحثين الذي اهتموا بالأولياء و الكرامات و كذلك الدراسات المونوغرافية للمدن الجزائرية نجد العقيد كورنيل تريملي و الذي يعد بمثابة مؤرخ السوسيولوجية الكلونيالية بالجزائر و افريقيا عامة  و قد قامت بدراسة حول مديتي البليدة و بوفاريك من خلال الطابع العمراني للمدينتين و طبيعة سكان المنطقة و القبائل التي ينتمون اليها و هذا خدمة للمصالح الاستيطانية.

 و بهذا دخلت السوسيولوجيا الى الجزائر عن طريق الكلونيالية الفرنسية بغض النظر عما اذا كانت هذه الدراسات موجهة لخدمة الاستعمار الفرنسي او لخدمة الدراسات الاكاديمية البحتة، كما تتلمذ على يد هؤلاء الباحثين الكلونيانيليين عدد كبير من الطلبة الجزائريين و المغاربة الذين كانوا يدرسون علم الاجتماع ضمن الفلسفة في المعهد الذي تم احداثه في جامعة الجزائر سنة 1952 و هم الذين تابعو المسيرة السوسيولوجية في الجزائر و شمال افريقيا خاصة بعد الاستقلال .

 

-وضعية علم الاجتماع في الجزائر:

-ان الحديث عن وضعية علم الاجتماع نشير من خلالها الى نشأة علم الاجتماع بجامعة الجزائر و التي يدرس فيها علم الاجتماع كتخصص أكاديمي، و من اهم المراحل التي عرفتها مسيرة علم الاجتماع  في الجزائر منذ الاستقلال الى يوما هذا:

-الفترة الممتدة كمن 1958-1963 :

تمثل مرحلة السوسيولوجيا الاستعمارية الرسمية، حيث تم تأسيس قسم علم الاجتماع بجامعة الجزائر سنة1958  ، و قد كان التدريس خلال هذه الفترة موجها فقط  لأبناء المعمرين الفرنسيين، و من حيث البرامج فقد كانت تابعة للجامعات الفرنسية في فرنسا، و مسطرة على مقاسها كما هو الشأن بالنسبة لكل البرامج في مختلف الفروع العلمية.

-الفترة الممتدة من 1963-1971 :

ان الميزة الاساسية التي كانت تميز علم الاجتماع في هذه الفترة انه علم مازال يمارسه الفرنسيون انفسهم و ذلك لندرة المتخصصين في هذا المجال كما ان الدروس كانت تعطى باللغة الفرنسية و النظام التعليمي خلال هذه المرحلى كان كمن حيث البرامج و الغايات مرتبطة بالجامعة الفرنسية.

-الفترة الممتدة من 1971-1984 :

خلال هذه الفترة كان تسير امور المجتمع تحت سيطرة الحزب الواحد و المركزية، ما جعل المسؤولون يستعملون وظائفهم في تكريس ايديولوجية النظام، و في هذا الصدد يقول جمال معتوق: كذلك ان علم الاجتماع و المنشغلين به جندوا للدفاع عن الايديولوجية الاشتراكية اي ايديولوجية الحزب الحاكم، و عليه نجد  ان علم الاجتماع تحول من علم اكاديمي علمي الى علم ايديولوجي و نفس الشيء ينطبق على الطلبة حيث كان الخطاب الرسمي ينظر اليهم بمثابة حماة الايديولوجية الاشتراكية .

-الفترة الممتدة من 1984 الى يوما هذا:

في هذه الفترة نال علم الاجتماع التهميش و التقزيم كما افرغت البرامج من الشعارات و المفاهيم ذات الصبغة ألاشتراكية و ثم الاستغناء عن المنشغلين بعلم الاجتماع،ن بحيث اصبح المسؤولون ينظرون لهذا العلم نظرة عدائية.

و لا يمكن اهمال احداث اكتوبر 1988 التي ميزت الحياة الاجتماعية و السياسية و الثقافية للبلاد، و كانت له انعكاسات على توجهات البلاد عامة و الممارسة السوسيولوجية خاصة، و ظهر التيار الايديولوجي الإسلامي و تجسدت هيمنته على مستوى البرامج في مقياس المنهجية الذي اصبح تدرس في اطاره المنهجية الاسلامية كبديل عن المنهجية الغربية و مقياس علم الاجتماع الإسلامي معرف تراجع هذا التيار مع نهاية التسعينات بعد المصالحة الوطنية.

     و تقبل الجزائر منذ 2004 على تبني الاصلاح الجديد و المتمثل في نظام ل.م.د. فهل سيسمح هذا الاصلاح بإدماج الجامعة الجزائرية ضمن المستوى التعليمي العالي و تدخل في مرتبة الجامعات العالمية و تتمكن من التنافس العلمي و التكنولوجي ام ان هذه التغييرات ستبقى شكلية؟

-نماذج من الدراسات الكولونيالية:

من الدراسات التي انجزت في الميدان الديني نذكر:

-اعمال النقيب دونفو. و هذا العمل هو دراسة اثنوغرافية قام بها صاحبها بهدف جمع اكبر قسط ممكن من المعلومات حول الفرق الدينية من حيث: عدد رجالها، عدد الخيول التي تكسبها، ميزانيتها، مساحة أراضيها عدد و نوع الاسلحة التي تملكها،الطابع التنظيمي السائد بداخلها.

- وممن الدراسات التي اهتمت بالأولياء الصالحين و الكرامات و الزوايا و الاساطير نذكر اعمال العقيد تريملي .

 و يعد ريمون شارل النموذج الذي اساء كثيرا الى الاسلام و المسلمين و من المناصرين للايديولوجية الكولونيالية و يعد كتابه الروح الاسلامية من اخطر الاعمال التي استهدفت الاسلام و المسلمين و قد عمل صاحب هذا الكتاب على نشر الاكاذيب وإلصاق كل انواع التهم للإسلام و الشريعة المحمدية.

    و من العلماء الذين اصلوا لعلم الاجتماع في الجزائر نجد ماسكراي، و لقد قام ماسكراي بدراسة مختلف القبائل و العروش الجزائرية من عرب و قبائل و ميزاب و ذلك بالتقرب منها و الاقامة مع سكانها كمنطقة ميزاب التي مكث فيها اكثر من شهرين.

و كذلك السوسيولوجيا التي مورست خلال هذه الفترة ليست كلها كولونيالية ، اي سوسيولوجية رسمية تعمل على خدمة المشروع الاستعماري بل فيها ماهو عملي و يمكن ان يساهم في وضع اسس علمية لمدرسة سوسيولوجية جزائرية.

    و يستحيل التفكير في مدرسة سوسيولوجية مغاربية عامة و جزائرية خاصة اذا ما اهملنا بهذا المنتوج و ذلك لعدة اسباب:

-غزارة هذه الدراسات و تنوع المواضيع المتناولة و هذا مقارنة مع ماهو موجود اليوم عندنا من دراسات فبرغم من خروج المستعمر من الجزائر و اصلاح التعليم العالي إلا ان الدراسات السوسيولوجية التي انجزت خلال هذه المرحلة ضئيلة مقارنة مع ما انجز خلال الفترة الاستعمارية.

-كذلك نوعية الدراسات مقارنة مع تبلك التي انجزت خلال التواجد الفرنسي.

-هذا بالإضافة الى الفقر  السوسيولوجي اليوم عندنا حيث بالرغم من تنوع وتفاقم المشكلات إلا ان البحث السوسيولوجي مازال يرواح مكانه، لا يتعدى الدراسات المنجزة من طرف الطلبة في اطار اعداد رسائل التخرج في التدرج و ما بعد التدرج.

تكشف التطورات الحديثة في مجال سوسيولوجيا المدرسة و خاصة الدراسات التي تهتم بدراسة المدرس كتنظيم.