دراسة ثقافة الفقر لاوسكار لويس

دراسة "ثقافة الفقر" لعالم الأنثروبولوجيا أوسكار لويس هي من أكثر الدراسات شهرة وإثارة للجدل في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا. قدم لويس مفهوم "ثقافة الفقر" في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وكان يهدف إلى تفسير الفقر المزمن الذي يعاني منه بعض الأفراد والمجتمعات، خاصة في المناطق الحضرية والريفية.

في هذه الدراسة يصف اوسكار لويس خمس عائلات من مكسيكو تنتمي الى الطبقة السفلى. والتاريخ الاكثر تطورا لاحدى هذه العائلات مقدم في "اولاد سانشيز" .اولاد سانشيز دراسة منشورة سنة 1963 ومهي نتيجة اربع سنوات من الملاحظة والمقابلات العديدة مع عائلة مكسيكية فقيرة. لقد تم الحصول على السير الذاتية لاعضاء عائلة سانشيز بواسطة مقابلات متكررة مسجلة على الة تسجيل اعيد نقلها حرفيا ونشرت مثلما هي . وبحيث تقدم الاحداث المهمة من مختلف وجهات النظر وهذا ما كان يسمى احيانا "تقنية راشمون" وهم الفيلم الياباني الذي قدم اربع روايات مختلفة عن مهاجمة زوج من المسافرين من قبل قطاع الطرق هذه التقنية المستعملة من قبل لويس تجعل القارئء يتوهم معرفة عائلة سانشيز ومحيطها.

ان المعطيات الاكثر تمييزا لثقافة الفقراء هي الصراع من اجل الحياة، نقص الاستخدام، البطالة ، الاجور المنخفضة، تنوع الوظائف غير المتخصصة، عمل الاولاد، غياب الادخار، نقص مزمن في المال السائل، غياب احتياط الغذاء في البيوت، عادة شراء كميات صغيرة من الغذاء عدة مرات في اليوم وتدريجيا حسب الحاجات، وضع الممتلكات الشخصية تحت الرهن، الاستلاف من المقرضين المحليين الذين يمارسون الربا الفاحش. استعمال الثياب الرثة والاثاث البالي.

ومن بين المميزات الاخرى الاجتماعية والنفسية ، ثمة العيش في الاحياء المكتضة بالسكان، نقص الصداقة الحميمة، روح التجمع، تعاطي المسكرات، اللجوء المتكرر للعنف لتسوية الخلافات، العقوبات الجسدية للاولاد، ضرب الزوجة، المبادرة المبكرة بالحياة الجنسية، الزواج الحر او الزواج بين الاقرباء، ترك الزوجة والاولاد المتكرر، الميل نحو نظام الامومة واتحاد اكثر التحاما مع اعضاء العائلة من جهة الام، سيطرة العائلة الاصلية، الاستعداد القوي للسيطرة والتشديد على التضامن العائلي.

الهدف من الدراسة:

  • فهم كيف يتأقلم الفقراء مع ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية الصعبة.
  • تقديم تفسير اجتماعي وثقافي لاستمرار الفقر عبر الأجيال، مع التركيز على العادات والسلوكيات والقيم المرتبطة بالفقر.

منهجية الدراسة:

  • استخدم لويس منهجية الإثنوغرافيا، حيث أجرى دراساته في مجتمعات فقيرة في دول مختلفة مثل المكسيك، بورتوريكو، والهند.
  • اعتمد على الملاحظة المباشرة والمقابلات لجمع بيانات عن الحياة اليومية للفقراء.
  • قدم روايات شخصية وقصصًا من حياة أفراد يعيشون في الفقر.

مفهوم ثقافة الفقر:

  • أشار لويس إلى أن الفقر ليس مجرد غياب الموارد الاقتصادية، بل يتضمن نمط حياة مميزًا وقيمًا وسلوكيات تنشأ نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية.
  • اقترح أن الفقراء يطورون ثقافة فرعية تتسم بالخصائص التالية:

1.   الشعور باليأس وعدم الثقة بالمؤسسات الرسمية.

2.   الاعتماد على الدعم غير الرسمي من الأسرة أو الأصدقاء.

3.   العيش في الحاضر بسبب انعدام الأمان المستقبلي.

4.   ضعف التنظيم الاجتماعي وغياب المشاركة السياسية.

5.   انتشار قيم مثل الإهمال التعليمي، والاعتماد على المساعدات، وعدم السعي لتغيير الوضع القائم.


أهم النتائج:

1.   استمرار الفقر عبر الأجيال:

o        أشار لويس إلى أن "ثقافة الفقر" تنتقل من جيل إلى جيل من خلال التنشئة الاجتماعية، حيث يتبنى الأطفال أنماط الحياة والقيم نفسها التي عاشها آباؤهم.

2.   التكيف مع الفقر:

o        المجتمعات الفقيرة تطور طرقًا للتكيف مع ظروفها، ولكن هذه الطرق تعزز الفقر وتعيق الحراك الاجتماعي.

3.   عدم الثقة بالمؤسسات:

o        الفقراء غالبًا لا يثقون بالمؤسسات الرسمية مثل الحكومة أو النظام التعليمي، مما يؤدي إلى ضعف مشاركتهم في المجتمع الأوسع.

4.   الفقر كظاهرة اجتماعية وثقافية:

o        ركز لويس على أن الفقر لا يمكن تفسيره فقط من خلال العوامل الاقتصادية، بل يتأثر أيضًا بعوامل ثقافية واجتماعية تتعمق بمرور الوقت.


الانتقادات:

  • تعرض مفهوم "ثقافة الفقر" لانتقادات واسعة:

1.   اللوم على الضحية: اعتبر البعض أن النظرية تلوم الفقراء على وضعهم بدلًا من التركيز على العوامل البنيوية مثل التمييز والاقتصاد والسياسات العامة.

2.   التعميم المفرط: اتُهم لويس بتعميم خصائص "ثقافة الفقر" على جميع الفقراء، متجاهلًا التنوع داخل هذه الفئة.

3.   إغفال التغيير: انتقده البعض لتجاهله قدرة الأفراد على التغيير والخروج من دائرة الفقر.


أهمية الدراسة:

  • رغم الجدل، ساهمت نظرية لويس في لفت الانتباه إلى العلاقة بين الفقر والثقافة.
  • دفعت إلى مزيد من النقاش حول كيفية مكافحة الفقر ومعالجة الأسباب الهيكلية التي تؤدي إليه.

الخلاصة:

دراسة "ثقافة الفقر" سلطت الضوء على الأبعاد الثقافية والاجتماعية للفقر المزمن، لكنها أثارت جدلًا كبيرًا حول تفسيرها للظاهرة. بينما قدمت فهمًا عميقًا لكيفية تأقلم المجتمعات الفقيرة مع ظروفها، فإنها تعرضت لانتقادات لتجاهلها العوامل البنيوية والاقتصادية التي تسهم في استمرار الفقر.

إن إلغاء  الفقر أسهل من إلغاء ثقافة الفقر( اوسكار لويس)