دراسة "يانكي سيتي" (Yankee City)
هي واحدة من أشهر الدراسات السوسيولوجية التي قام بها عالم الاجتماع الأمريكي ويليام لويد وارنر (William Lloyd Warner) في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين. تُعَدُّ هذه الدراسة من بين الدراسات الرائدة التي ساهمت في فهم الهيكل الاجتماعي والطبقي للمجتمع الأمريكي.
كانت دراسة يانكي سيتي نتاجا مباشرا لتجارب هاوثورن التي كان لويد ولرنر قد شارك فيها لفترة قصيرة،ووارنر عالم انتروبولوجيا حول اهتمامه من المجتمعات البدائية الى المجتمعات الحديثة،كان قد خطط الباحثون في وسترن الكتريك لدراسة علاقة مصانع هاوثورن بالمجتمع المحلي المحيط بها.ولقد ابان البحث الدقيق وجود بعض المعوقات امام دراسة مدينة كبيرة كمدينة شيكاغو، وبدا البحث عن مجتمع محلي صناعي يمكن فيه دراسة مشكلات عمال المصنع في اطار السياق الاجتماعي الكلي الذي يعيشون فيه، وقد رغب وارن ران يدرس مجتمعا محليا اقل تفككا من الاحياء الصناعية بمدينة شيكاغو، أي مجتمع تتميز فيه الانماط الاجتماعية بالاستقرار النسبي ومقاومة التغير، وهذا ما جعل اختياره ينحصر في نيو انجلند وقد وقع الاختيار في النهاية على نيو بري بورتNew Bury Port في ماساشوسيتس. وخفي اسمها وابدلت باسم مستعار "يانكي سيتي مثل ميدل تاون.وهي مدينة ساحلية صغيرة لها تاريخ طويل ومتواصل وكانت تضم حوالي 17 الف نسمة وقت اجراء الدراسة.
وقد بدا العمل سنة 1931 واكتمل سنة 1935 وخرجت النتائج المشروع في خمسة مجلدات ضخمة ظهرا في الفترة 1941-1959 وفقا لخطة البحث الاصلية.وتغطي هذه المجلدات النمط العام للحياة الاجتماعية في يانكي سيتي، وتحليلا دقيقا لنسق المكانة واوضاع ثماني جماعات عرقية في المجتمع المحلي ( الايرلنديون،الكنديون، الفرنسيون، اليهود، الايطاليون، الارمن، اليونانيون، البولنديون،الروس).
كانت هذه الدراسة تهدف إلى استكشاف كيفية توزيع الناس في طبقات اجتماعية وكيفية تأثير ذلك على حياتهم اليومية.
أهداف الدراسة:
1. تحليل التركيبة الطبقية: فهم كيف يتم تقسيم المجتمع الأمريكي إلى طبقات مختلفة وكيف يؤثر ذلك على العلاقات الاجتماعية.
2. التفاعل الاجتماعي: دراسة كيفية تفاعل الناس داخل وخارج طبقاتهم الاجتماعية.
3. التنقل الاجتماعي: فحص مدى إمكانية انتقال الأفراد من طبقة اجتماعية إلى أخرى.
المنهجية:
- اعتمدت الدراسة على الملاحظة الميدانية والمقابلات والاستبيانات.
- تم تقسيم المجتمع إلى ست طبقات اجتماعية بناءً على عوامل مثل الثروة، التعليم، والمكانة الاجتماعية.
الطبقات الاجتماعية الست وفقًا لورانر:
1. الطبقة العليا العليا (Upper-Upper Class): العائلات العريقة التي تمتلك ثروة كبيرة وتاريخ اجتماعي طويل.
2. الطبقة العليا الدنيا (Lower-Upper Class): أفراد أصبحوا أثرياء حديثًا، غالبًا من خلال الأعمال التجارية.
3. الطبقة الوسطى العليا (Upper-Middle Class): مهنيون ذوو تعليم عالٍ مثل الأطباء والمحامين.
4. الطبقة الوسطى الدنيا (Lower-Middle Class): موظفون وعمال ذو دخل ثابت ووظائف مكتبية.
5. الطبقة العاملة العليا (Upper-Lower Class): العمال المهرة الذين يكسبون دخلًا جيدًا نسبيًا.
6. الطبقة العاملة الدنيا (Lower-Lower Class): الأفراد الذين يعانون من ظروف اقتصادية صعبة ويعتمدون على الأعمال البسيطة.
أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة:
1. تأثير الطبقة الاجتماعية على الحياة اليومية:
o وجدت الدراسة أن الطبقة الاجتماعية لها تأثير كبير على حياة الأفراد بما في ذلك فرص التعليم، الزواج، والعمل.
o الأفراد يميلون إلى الزواج داخل طبقتهم الاجتماعية، ويُفضِّلون التفاعل مع أشخاص من نفس الطبقة.
2. الثبات الطبقي:
o على الرغم من وجود حالات انتقال بين الطبقات، إلا أن المجتمع كان يتميز بقدر كبير من الثبات الطبقي.
o فرص التنقل بين الطبقات كانت محدودة، خاصةً بين الطبقات العليا والدنيا.
3. التمييز الطبقي:
o لوحظ وجود تمييز اجتماعي بين الطبقات، حيث يميل أفراد الطبقات العليا إلى الابتعاد عن الطبقات الدنيا.
o كما كانت هناك نظرة سلبية تجاه "الأثرياء الجدد" (الطبقة العليا الدنيا).
4. التكافؤ الثقافي:
o كل طبقة طورت نوعًا من الثقافة الفرعية الخاصة بها، بما في ذلك الأذواق والعادات والقيم.
o هذه الاختلافات في الثقافات الفرعية كانت تعزز من التقسيم الطبقي وتُصعِّب من عملية الاندماج بين الطبقات المختلفة.
أهمية الدراسة:
- ساعدت دراسة "يانكي سيتي" في تقديم فهم أعمق للتركيبة الطبقية في المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت.
- تُعدُّ من الدراسات الرائدة التي استخدمت منهجية الأنثروبولوجيا الاجتماعية لدراسة المجتمعات الصناعية الحديثة.
- لا تزال تُستخدم كمرجع في الدراسات السوسيولوجية لفهم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين الطبقات.
هذه الدراسة تعتبر نقطة تحول في فهم كيفية تأثير الهيكل الطبقي على سلوكيات الأفراد وعلاقاتهم داخل المجتمع.
- Créateur de cours: Abdellali Debla