المحاضرة السابعة والثامنة

ميدل تاون

 

    دراسة "ميدل تاون" هي واحدة من أهم الدراسات الاجتماعية الميدانية التي أُجريت في الولايات المتحدة. قام بها الباحثان روبرت وليندا لويدز في عشرينيات القرن العشرين (1924) في مدينة مونسي بولاية إنديانا، والتي أطلقا عليها اسم "ميدل تاون" لدلالتها الرمزية على مدينة أميركية متوسطة الحجم تُعبر عن الحياة الاجتماعية الأميركية.

    تعد دراسة ميدل تاون من الدراسات المؤثرة التي أرست معايير البحث الميداني في علم الاجتماع.

     تهدف الدراسة إلى فحص التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الأميركي وتحليل الحياة اليومية للأفراد. اعتمدت الدراسة على ملاحظات مكثفة ومقابلات مع السكان، وركزت على ستة مجالات رئيسية من الحياة:

1.   الحياة الأسرية: تتبع الباحثان ديناميكيات الأسرة في ميدل تاون، ووجدوا تغييرات ملحوظة في دور الأفراد داخل الأسرة، وخاصة مع التحول إلى الأسرة النووية وارتفاع معدل التوظيف بين النساء.

2.   التعليم: لاحظ الباحثان زيادة في الاهتمام بالتعليم باعتباره وسيلة لتحقيق الحراك الاجتماعي، وكيف أثر التعليم على تطلعات الأفراد نحو العمل ومستقبلهم الاجتماعي.

3.   العمل: أظهرت الدراسة تغيرات كبيرة في المجال المهني بسبب التصنيع، إذ أدى الاعتماد المتزايد على العمل الصناعي إلى تغيرات في القيم المرتبطة بالعمل، مثل قلة التركيز على الزراعة وانتقال الناس نحو الوظائف الصناعية.

4.   الدين: وجدت الدراسة أن الممارسات الدينية ما زالت تلعب دوراً كبيراً في حياة السكان، لكنها لاحظت تحولاً في بعض القيم الدينية التقليدية وتأثيرها على سلوك الأفراد.

5.   الترفيه: أشارت الدراسة إلى تغيرات في وسائل الترفيه، مع ازدياد شعبية السينما والتجمعات الاجتماعية، مما يعكس التحولات في أسلوب الحياة.

6.   السياسة: لاحظت الدراسة انخفاضًا في مشاركة الأفراد في الأنشطة السياسية مقارنةً بالماضي، وتراجع الاهتمام بالقضايا الوطنية.

لقد قام روبرت ليند بدراسات ليصبح كاهنا في الكنيسة الكالفنية.وقد اشتغل في بداية العشرينات مع زوجته في مؤسسة الابحاث الاجتماعية والدينية ،وباشر معها تحقيقا حول الناطات والمعتقدات الدينية لمجموعة امريكية. وقد وقع اختيارهما على "مونسي" وهي مدينة صغيرة صناعية عدد سكانها 40 الف تقريبا، قريب من مكان ولادة ليند في ولاية انديانا وقد خبات هوية هذه المدينة رسميا تحت الاسم المستعار "ميدل تاون". وسرعان ما تخطت الابحاث هدفها وامتدت الى مجمل الحياة الاجتماعية والمؤسسية للمدينة.وقد كان هناك ستة ابواب: اكتساب العيش، بناء المنزل، تربية الاولاد، استعمال اوقات الفراغ، الممارسة الدينية والمساهمة في النشاطات الجماعية المدينة.

ولقد فتحت عائلة ليند ومساعدوها مكتبا في احدى بنايات المدينة .وجمعوا خلال ثمانية عشر شهرا المعطيات الاحصائية وشاركوا بقدر المستطاع في حياة المدينة بكل اشكالها .وقد بني التقرير النهائي على دمج المعطيات الرسمسة والانطباعات الشخصية. وكان الاتجاه الاساسي للبحث مقارنة موسعة بين ميدل تاون المعاصرة(1924-1925) وميدل تاون الجيل السابق(1890).

وقد تفحصوا كذلك مواد وثائقية كاملة وجمعوا معطيات احصائية واجروا مقابلات ووضعوا استمارات وطبقت كل واحدة من هذه التقنيات المختلفة من مادة البحث ونجد من بين الوثائق المكتوبة والمراجعة مسوحات عن العلاقات البلدية المحلية ملفات العدالة مستندات مدرسية ادلة دوريات  تقارير عن اجتماعات صحف خاصة منشورات غرف التجارة والتقارير السنوية للمؤسسات المدرسية الثانوية.

كانت ميدل تاون الانتاج السوسيولوجي الاكثر تداولا .فقد اعيد طبعها ست مرات في السنة الي صدرت فيها وتعرضت لمجادلات حادة في الولايات المتحدة هذا اذا لم نتحدث عن منسي نفسها. واشتهر مؤلفاها بين ليلة وضحاها. فبعض القراء كان يعتبر هذا المؤلف عرضا لضيق الافق وتفاهة الحياة الريفية سماها مينكن الناقد المؤثر "دراسة مملكة السطحية" بينما كان يرى فيها اخرون وخاصة اشخاص مانسي النافذين الدلالة على قوة تكيف نمط الحياة الامريكي .وقد عين ليند بعد هذا المؤلف استاذا في جامعة كولومبيا وحصل على كرسي علم الاجتماع سنة 1931.

في هذه الاثناء كانت الولايات المتحدة والميدل تاونات جميعها تتلقى صدمات الازمة الكبرى وفي عام 1935 رجعت عائلة ليند الى مانسي محاطة بفريق هام يهدف دراسة تاثيرات الازمة الكبرى. وقد استعمل البحث الثاني تقنيات اكثر ايجازا وكانت مدة سنتين كافية من اجل نشر " ميدل تاون في طريق الانتقال".لقد تطور المؤلفان مثل المدينة ان لم يكن اكثر. فقد اكتسبا التصور الماركسي للبنية الاجتماعية واعتبرا ان العلاقات المتضمنة في الباب الاول "اكتساب العيش" تحدد البنية في الابواب الخمسة الاخرى اضافة الى القيم والمعتقدات السائدة.

" ان الحياة في ميدل تاون تظهر على كل المستويات تقريبا اما تغييرا ، واما بعض التوتر المتاتي من عدم القدرة على التكيف . ان سكانها لديهم موطئ قدم في المؤسسات القائمة الصلبة نسبيا  وموطئ قدم اخر على سلم متحرك لم يحدد اتجاهه بدقة وتتغير بسرعة باستمرار. وفي ظروف كهذه يكمن العيش قبل كل شيء في حفظ التوازن".

كانت عائلة ليند من جهتها تشعر باستياء مماثل .اذ اظهرت لها من خلال الحياة في ميدل تاون علامات سلبية اسقطتها من الملاحظة او اساءت تقديرها عام 1925. فادراسة السابقة كانت تعتقد انها تسجل افول الدعارة وكانت قد قررت امكانية بقاء منزلين او ثلاثة منازل سرية.وبعد عشر سنوات اكتشف المؤلفان انم يدل تاول كانت مركزا مهما للدعارة وبانهمل لم يلاحظا حيا واسعا من البيوت السرية في الجهة الثانية تماما ما الشارع الرئيسي. وتبين لهما بان قسما واسعا من السكان كان يعيش في شروط سكن تعيسة، بدون تجهيزات صحية وبدون تدفئة وبان الاكثار من المشروي كان قاعدة عامة، و الواقف المسبقة من النزوج كانت متجذرة، والصحافة المحلية كانت خاضعة للرشوة ، كما ان النهر كان شديد التلوث.

ان الجملة الاخيرة من ميدل تاون على طريق الانتقال تشمل علة مقطع لتاوني يصف انعكاسات الثورة الفرنسية:"كانوا يتقدمون بالرغم منهم والانظار موجهة نحو الماضي ،مخافة ان يحصل لهم الاسوأ."

النتائج الرئيسية

أظهرت دراسة ميدل تاون:

  • زيادة التمايز الطبقي: لاحظ الباحثان أن التصنيع أدى إلى خلق فجوات اقتصادية بين الطبقات الاجتماعية.
  • التغير في الأدوار الأسرية: ازدادت أهمية المرأة في الاقتصاد الأسري نتيجة لدخولها سوق العمل.
  • التحول الثقافي: تأثير وسائل الإعلام مثل السينما على الثقافة المحلية وقيم السكان.

الحداثة والتغيرات الاجتماعية: أظهرت الدراسة كيف أثر التقدم التكنولوجي والصناعي على العادات الاجتماعية، وأنماط الحياة التقليدية