المحاضرة الثانية 

الاستاذ : بريش محمد عبد المنعم 

(  محاضر ا)

في محاضرة اليوم ابنائي الطلبة سوف نتطرق لطبيعة القانون المقارن وفي الشق الثاني سنتناول اهمية القانون المقارن 
طبيعة القانون المقارن:
يشكل موضوع طبيعة القانون المقارن مصدر خلاف بين الفقهاء، فمنهم من اعتبره علم مستقل بذاته غايته الوصول إلى استخلاص قواعد عامة مشتركة تكون الأساس لقواعد العالم المتحضر. ومنهم من ذهب إلى اعتباره طريقة من طرق البحث تستخدم لإصلاح التشريع الوطني وتوحيد القوانين في الدولة الواحدة أو بين دول متعددة تربط بينها عوامل مشتركة ومصالح متبادلة.

فقد ظهر الاتجاه الأول مع بداية انعقاد أول مؤتمر دولي للقانون المقارن عام 1900م، فكانت الأفكار آنذاك تتطلع إلى إيجاد قانون عالمي لجميع الدول المتحضرة. وساد الاتجاه الثاني على أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذلك بزعامة الفقيه"IHRING" ، حيث شرح هذا الفقيه في كتابه حول القانون المقارن هذه النظرية سنة 1945 .

 ويرى الفقيه "لامبير"، عندما كشف عن أفكاره في كتابه بعنوان وظيفة القانون المدني المقارن بأن القانون المقارن علم قائم بذاته، غايته استخلاص القواعد المشتركة التي تكون صالحة لتحديد العلاقات بين الدول المتمدنة التي تجمع بين شعوبها عوامل مشتركة تاريخية واقتصادية كتلك التي تنتمي إلى العائلة اللاتينية الجرمانية.

 ويقول الفقيه "قهريدج" "Guheridj" في هذا الصدد أن القانون المقارن يعتبر طريقة تساعد الباحث على الوصول إلى الكشف عن أوجه الخلاف وأوجه التشابه بين قانونين أجنبيين أو أكثر بهدف الحصول على معلومات من القوانين موضوع المقارنة.

ويذهب في هذا الاتجاه الفقيه "روني دفيد " في كتابه الصادر سنة 1960 بأن القانون المقارن ليس علما ولا فرعا من فروع القانون، وإنما هو طريقة للمقارنة تستخدم في مجال العلوم القانونية، والقانون المقارن هنا بالنسبة للفقيه لا يمثل مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم العلاقات في المجتمع، و إنما يمثل طريقة للدراسة هدفها المقارنة بين قوانين دول مختلفة، للوصول إلى الموازنة بين القواعد و ذلك للاقتباس من هذه الأخيرة ما يعد إيجابي الإصلاح ما هو ناقص في القوانين الأخرى، ويحقق القانون المقارن بهذه الطريقة حسب الفقيه "دفيد " توحيد بعض القواعد القانونية في دول الاتحاد، وفي الدول المنضمة إلى مجموعات سياسية واقتصادية.

ونلاحظ أن الفقيه " روني دفيد " قد تراجع عن رأيه هذا واعترف بأن القانون المقارن يعد علما قائما بذاته الهدف منه تيسير المقارنة بين القانون الوطني والقوانين الأجنبية.

يتضح إذن أن القانون المقارن هو علم وليس طريقة، يبحث بالمقارنة والقياس والمواجهة والاستنباط عن أنجع الحلول التي يتضمنها كل من القانون الوطني والقوانين الأجنبية. وبذلك، يمكن التوصل إلى معرفة أوجه الانسجام و أوجه الفروق بين هذه القوانين، ويكون ذلك أمرا ممكنا خاصة بين الدول التي تجمع بين شعوبها عوامل التقارب المشتركة، مثل العامل الاقتصادي، التاريخي، الديني أوالمصلحة المشتركة. 

أهمية القانون المقارن :

فوائد القانون المقارن في مجال العلوم القانونية النظرية :

يقصد بالعلوم القانونية النظرية تاريخ القانون، فلسفة القانون النظرية العامة للقانون وعلم اجتماع القانون، وهي مجالات تتجلى من خلالها فكرة القانون من حيث نشأته، تطوره وتأثير مختلف الظروف فيه، إضافة إلى معرفة غاياته، مصادره وتقسيماته.
في مجالي تاريخ القانون ونظريته العامة

سنتناول هذا الفرع في عنصرين، بحيث تتناول فائدة القانون المقارن في مجال تاريخ القانون، ثم فائدته في مجال النظرية العامة للقانون.

 أولا: تاريخ القانون: تؤدي الدراسة في مجال تاريخ القانون إلى معرفة مفاهيم القانون من حيث أصولها ومدى ارتباطها بالمعتقدات المحلية، مما يساعد على التعمق في فهم بعض النظم والقواعد القانونية العتيقة .
ثانيا: النظرية العامة للقانون
تهدينا الدراسة المقارنة في مجال النظرية العامة للقانون إلى معرفة أصل تقسيمات القانون وسبب التمييز بين أقسامه وفروعه، وبيان خصائصه ومفاهيمه التي يتميز بها عن خصائص ومفاهيم القوانين المقارنة.
في مجالي فلسفة القانون وعلم الاجتماع القانوني

 سنتناول في هذا الفرع في عنصرين، بحيث تتناول فائدة القانون المقارن في مجال فلسفة القانون، ثم فائدته في مجال علم الاجتماع القانوني.
أولا: فلسفة القانون : تحقق الدراسة في مجال فلسفة القانون فوائد من جانب تفسير العلاقة بين القانون والمذاهب الفلسفية والاعتقادات الدينية، وكذا مدى تأثير القواعد الأخلاقية فيه، والكشف عن كل ما يباعد أو يقارب بين الأنظمة القانونية بحسب التوجهات الفلسفية التي تغذيها.
ثانيا: علم الاجتماع القانوني 

تيين الدراسة المقارنة في هذا المجال أثر الظروف الاجتماعية الخاصة بكل نظام قانوني، ومدى ارتباط حركة القانون بالظواهر الاجتماعية، وتكشف مدى إمكانية إحاطة القاعدة القانونية بالظاهرة الاجتماعية أو إفلاتها منها بسبب قصور تلك القاعدة وعدم مراعاتها للجوانب المتطورة لتلك الظاهرة .
فوائد القانون المقارن في مجال القوانين العملية:
يقصد بالقوانين العملية فروع القانون وما تتضمنه من قواعد لتنظيم حياة الأشخاص على المستويين الوطني والدولي.
على المستوى الوطني:
تساهم الدراسات المقارنة في مجال القوانين الوضعية على المستوى الوطني في فهم أفضل للقانون الوطني، واكتشاف بعض ما قد يعتريه من عيوب وثغرات، وإدراك أفكاره الكامنة، خاصة حينما يكون القانون الوطني مقتبسا من قوانين أخرى أكثر تطورا.
وانطلاقا من هذا السياق، يمكن للمشرع أن يستفيد من تجارب الدول الأخرى من خلال الدراسة المقارنة لأنظمتها القانونية، فيتمكن من إصلاح عيوب مختلف فروع القانون الوطني وسد ما بها من ثغرات وإكمال ما بها من نقص.
ويمكن للفقه من خلال الدراسات المقارنة التي يجريها أن يكون رائدا للمشرع في مجال إصلاح القانون الوطني، يمهد له سبل صنع القواعد القانونية الأصلح للمجتمع .
على المستوى الدولي:
يحقق القانون المقارن على المستوى الدولي فوائد مهمة، تتجلى أساسا في مساهمته في التقريب بين الشعوب وحسن التفاهم والتعاون بينها، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف دعا الفقيه الفرنسي لامبير (Lambert) في المحاضرة الافتتاحية للموسم الجامعي إلى جعل القانون المقارن وسيلة اتصال بين القوانين الوطنية التكوين ضمير قانوني، عالمي تؤدي إلى جعل القانون أداة تفاهم بين الشعوب لتتمكن من الاتفاق فيما بيها .

كما يقوم بتوثيق العلاقات بين الدول من خلال دوره الهام في إعداد المعاهدات، إبرامها وتفسيرها، فضلا عن أهميته المتميزة في المفاوضات بين الدول، لأن معرفة القانون الأجنبي تساهم في معرفة وإدراك وجهة نظر الطرف الآخر وإعداد الحجج التي تكفل نجاح التفاوض .

ملاحظة :

للاطلاع اكثر عن الموضوع  يمكنك عزيزي الطالب الاطلاع عن المراجع المقتبس منها ،

جديدي معراج ، محاضرات في القانون المقارن وفي طرق البحث ،دار هومة ، الجزائر ، 2004.

حميد شاوش ، مطبوعة بيداغوجية بعنوان : الأنظمة القانونية المقارنة ، محاضرات القيت على طلبة السنة ثالثة قانةنن عام التخصص : مؤسسات سياسية ودستورية ، قسم العلوم القانونية والإدارية ، كلية الحقوق والسياسية ، جامعة 8 ماي ماي 1945 قالمة السنة الجامعية 2017-2018.