أولا- تحديد المفاهيم:

1- البيئة المدرسية:

أ – تعريف البيئة:

لغويا: البيئة لفظة شاع استخدامها، و خاصة في السنوات الأخيرة و رغم هذا ما يزال هذا المفهوم الدقيق لها غامضا عند الكثيرين، و لاسيما و أنه ليس هناك تعريف واحد محدد يبين ماهيتها.

و يعد أصلها اللغوي من اللغة العربية إلى الجذر ( بوأ) الذي أخذ الفعل الماضي ( باء ) و قد جاء معناها في لسان العرب باء إلى الشيء أي رجع إليه، و ذكر المعجم نفسه معنيين قريبين من بعضهم البعض لكلمة ( تبوأ ) الأولى بمعنى إصلاح المكان و تهيئته للمبيت فيه، و الثاني بمعنى النزول والإقامة[1] و هناك من يعرفها بالحالة، الهيئة، المنزل[1].

- اصطلاحا :

كما سبق ذكره يتعذر أحيانا إعطاء تعريف بسهولة للفظة شائعة الاستخدام يفهمها كل في حدود استخدامه المباشر لها وحسب اختصاصه ومجال بحثه، فهي ترتبط بكل المجالات التي لها علاقة بحياة الإنسان بأوجهها المختلفة، لذا فهي تستعمل في عدة معاني و مفاهيم و لها الكثير من المدلولات، فيقال البيئة الطبيعية، البيئة المناخية، البيئة البشرية، البيئة الثقافية، البيئة الاجتماعية ...إلخ.

فتعرف بــــأنها "البيئة التي يتفاعل فيها المولود مع الوسط الذي ينشأ فيه ، والذي يكتسب من خلاله مقومات شخصيته، ومعايير السلوك،واتجاهاته الخلقية،والقيم التي يؤمن بها من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة، وبعض الوسائط الاجتماعية الأخرى، والتي من خلالها يكتسب الفرد ثقافة مجتمعه الذي ينشأ فيه، والتي لها أكبر الأثر في تحديد شخصيته. "[1]

و مما يمكن ملاحظته من خلال هذا التعريف هو تركيزه على الجانب الاجتماعي والدور الذي تقوم به البيئة الاجتماعية .

و هناك من يعرفها بأنها " كل العوامل الخارجية التي تضغط على الفرد و تؤثر في تحديد أنماط سلوكه [1]"  و يتصف هذا التعريف عن سابقيه بالشمولية لعدم إقصائه لأي عامل يؤثر في الإنسان غير أنه هو الآخر اقتصر على تعريف البيئة بالنسبة للفرد دون الجماعة.

وتعرف كذلك بأنها "كل ما يثير سلوك الفرد أو الجماعة ويؤثر فيه، وقد أدخل علماء النفس في تعريفهم للبيئة المصادر الداخلية للمثيرات، أما علماء الاجتماع بوجه عام فيؤكدون دراسة الظروف أو الحوادث الخارجة عن الكائن العضوي سواء كانت فيزيقية أو اجتماعية أو ثقافية[1].  كما عرفت البيئة بأنها "العوامل الخارجية التي يستجيب لها الفرد أو المجتمع بأسره استجابة فعلية أو استجابة احتمالية، و ذلك كالعوامل الجغرافية و المناخية من سطح و نباتات و موجودات و حرارة و رطوبة و العوامل الثقافية التي تسود المجتمع و التي تؤثر في حياة الفرد و المجتمع و تشكلها و تطبعها بطابع معين[1]"

و يعتبر التعريفين السابقين أكثر تعبرا و شمولا ووضوحا عن التعاريف السابقة، و ذلك لإشارتها لمختلف عناصرها و مجالاتها و مدى تأثيرها على الفرد و الجماعة و المجتمع و يمكننا تقديم تعريف للبيئة : بأنها الوسط الذي يعيش فيه الفرد و يؤثر فيه و يتأثر به بطريقة مباشرة أو غير مباشرة و هي ذلك الإطار الذي يستمد منه مقومات حياته بأوجهها المختلفة كما تشمل علاقة الإنسان بالإنسان التي تنظمها المؤسسات الاجتماعية الرسمية و غير الرسمية و ما تسودها من عادات و أخلاق و معايير و قيم.

ب- البيئة الاجتماعية:

وهي "جانب من البيئة الكلية يتألف من أشخاص وجماعات متفاعلة و ينطوي على التوقعات الاجتماعية ونموذج التنظيم الاجتماعي، و جميع المظاهر الأخرى للمجتمع، كما يشتمل على التوقعات الاجتماعية ذات الطبيعة الفردية الذاتية الأمر الذي يجعل لكل عضو في المجتمع بيئته الاجتماعية الخاصة "[1] وعلاقات مع غيره من الأفراد و الجماعات و يتفاعل معها عن طريق النظم الاجتماعية المختلفة التي تحكم سلوك هذه الجماعات و تنظم طريقة حياته، و يستمد منها الفرد قيمه و يكتسب مختلف أنماط السلوك .

وهذا يعني أن البيئة الاجتماعية  هي الوسط الذي يتعلم منه الفرد قيمه واتجاهاته، وأنماط سلوكه.

-البيئة المدرسة :

البيئة المدرسية مفهوم شامل وواسع يحتوي على عدة أبعاد وعناصر منها ماهو مادي ( فزيقي) ومنها ماهو اجتماعي ، وأخر معنوي، إلا جانب أن هناك بيئة داخلية للمدرسة وبيئة خارجية لها، وبطبيعة الحال، كل هذه العناصر لها علاقة كبيرة بالفعل التعليمي التعلمي، بمكتساباته ونتائجه، وفي نفس الوقت بإخفاقاته ومنها التسرب المدرسي.

و نقصد بالبيئة الاجتماعية للمدرسة، ذلك المناخ و الجو الاجتماعي الذي يسود المدرسة و يطبع الحياة المدرسية بها كنظام متكامل من التفاعلات السلوكية، و بذلك تعبر عن مجموعة الخصائص الداخلية التي تميزها عن غيرها و الذي تتمثل في شبكة العلاقات التي تربط بين مختلف عناصرها من إدارة و مدرسين وتلاميذ كلا حسب دوره و موقعه في العملية التعليمية و التي تؤدي فعلا تربويا .

وبناء غير اجتماعي ويتمثل في العناصر الاخرى غير البشرية المكونة للمدرسة، وهي تتمثل في في المباني والتجهيزات المدرسية، وكذا الوسائل التعليمية وإضافة الى المطاعم والملاعب المدرسية[1]

و البيئة المدرسية  كما أشرنا سابق، مفهوم عام و شامل يشير إلى كل أبعاد و مكونات العملية التعليمية في إطارها الجغرافي و بيئتها الاجتماعية ، و ما يحكمها من الداخل و الخارج و تتضمن :

- البيئة الخارجية: و هي تقع خارج حدودها و هي نوعان:

- البيئة الخارجية البعيدة : و هي تلك القوى ، و العوامل المجتمعة التي تؤثر على المدرسة  و على عناصر البيئة القريبة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، و لكن وعي المدرسة قد لا يكون واضحا

- البيئة الخارجية القريبة : و هي تلك القوى البشرية كالعملاء ، و الجمهور و أولياء الأمور ، و مؤسسات المجتمع المدني[1]

- البيئة الداخلية : و هي تشمل كل ما يقع داخل المدرسة ، سواء في بنائها الاجتماعي ، و التي تنشأ فيها العلاقات و التفاعلات داخل الأنشطة المدرسية المختلفة سواء داخل الفصول أو قاعات الدراسة ، أو في المعامل أو في الملاعب [1]. وهي ما ستناقشه الورقة البحثية في العناصر الاتية مبينة علاقتها بالانقطاع عن الدراسة.

2- التسرب المدرسي (الانقطاع عن الدراسة):

كلمة  التسرب لغويا جاءت بمعان متعددة " تسرب ، يتسرب، تسرب الماء ، سال– القوم في الطريق : تتابعوا الجاسوس في البلد، دخله خفية[1]"

أما في المعنى الاصطلاحي فقد أعطيت له عدة تعريفات تحمل في معناها الفشل أو الانقطاع أو الهجر، ورغم الاستخدامات المختلفة فهي تحمل نفس الدلالة . فهناك من يعرفه على "أنه ظاهرة ترك المراهقين والأطفال للمدرسة، أو انقطاعهم عنها لفترات طويلة أو بصورة نهائية قبل وصولهم إلى نهاية المرحلة التعليمية التي يتواجدون فيها[1]" وهذا يعني أن التسرب يمس مختلف المراحل العمرية، أي مختلف المراحل التعليمية .

 كما يعرف على انه "ترك التعليم قبل إتمام مرحلته، أو ترك الدارس للبرنامج لسبب من الأسباب قبل نهاية السنة الأخيرة من المرحلة التعليمية التي سجل فيها، أو إحدى سنواته[1]ا. ونستشف من هذه التعريفات أن التسرب المدرسي يمس فئة التلاميذ الذين لايستطعون مواصلة دراستهم في المراحل التعليمية اللاحقة مع زملائهم في نفس المستوى من التلاميذ، لانقطاعهم عن الدراسة سواء بسبب تكرار (الإعادة)، وطردهم من المدرسة  نتيجة لضعف تحصيلهم، وهذا يكون  في المراحل التعليمية ما بعد الإلزامي،  كما هو الحال في التعليم الثانوي.

أو أولئك الذين تخلوا عن الدراسة بمحض إرادتهم قبل بلوغ السن الإلزامي 16 سنة لظروف قاهرة سواء كانت مادية او صحية أو اجتماعية...الخ.

ثانيا- الانقطاع عن الدراسة في المنظومة التربوية الجزائرية:

  وعن حجم  الظاهرة و مدى اتساعها في منظومتنا التربوية ، فنجدها بعدما كانت " تذكر في السبعينيات كنموذج في كل نشريات اليونسكو لنجاحها في تطوير نسبة التمدرس بسرعة، وخاصة في الوسط الريفي، وأكثر من ذلك برفع نسبة تمدرس البنات في الريف، فإن كل المجهودات التي بذلت تبقى رهينة ظاهرة التسرب المدرسي  التي تزيد وضع المدرسة تفاقما، وترهن بذلك استقرار المجتمع حيث تسبب في تسرب ورسوب آلاف المتمدرسين على المستوى الوطني[1]. وهذا ما تؤكده الإحصائيات  الصادرة عن مصالح وزارة التربية المتخصصة في هذا المجال، وكما هو مبين في الجدول التالي:

 

 

 

جدول رقم(11) يبين نسب التسرب في التعليم الثانوي ( العام والتقني) على المستوى الوطني حسب سنوات الدراسة والجنس للسنوات الدراسية للفترة الممتدة مابين (1971الى غاية2006).

نسبة التسرب

السنة الدراسية

نسبة التسرب

السنة الدراسية

سنة ثالثة ثانوي

سنة ثانية ثانوي

سنة أولى ثانوي

سنة ثالثة ثانوي

سنة ثانية ثانوي

سنة أولى ثانوي

المجموع

بنات

المجموع

بنات

المجموع

المجموع

بنات

المجموع

بنات

المجموع

52,27

5,31

7,00

10,89

12,05

1989-1990

 

10.55

10.31

15.78

8.23

1971-1972

47,41

7,63

9,92

12,81

15,70

1990-1991

 

4.70

5.33

7.91

4.51

1972-1973

45,70

6,43

8,47

10,84

12,82

1991-1992

48.60

13,94

11,13

11,04

9,84

1973-1974

41,36

8,70

11,54

8,75

10,36

1992-1993

37.68

6,86

13,19

9,64

14,76

1974-1975

42,64

11,22

16,25

4,11

4,45

1993-1994

......

11,60

1,55

10,64

5,89

1975-1976

39,89

8,89

11,80

8,06

11,28

1994-1995

22.18

2,28

5,32

11,29

9,79

1976-1977

34,98

7,43

9,16

10,12

11,40

1995-1996

23.89

-3,78

5,96

7,93

7,09

1977-1978

35,06

6,97

11,15

7,31

11,23

1996-1997

24.29

5,99

7,82

9,52

11,16

1978-1979

30,01

6,17

9,79

8,00

11,38

1997-1998

22.64

9,38

4,17

16,15

12,23

1979-1980

31,98

6,01

8,93

7,62

11,45

1998-1999

24.99

8,38

7,38

9,65

13,17

1980-1981

30,36

7,55

11,20

8,77

13,18

1999-2000

37.72

...

...

...

...

1981-1982

24,29

6,09

8,26

8,74

12,19

2000-2001

21.13

10,75

8,65

10,97

10,81

1982-1983

26,72

5,30

6,52

6,71

9,92

2001-2002

19.99

5,91

6,09

7,58

8,58

1983-1984

21,58

5,23

7,21

8,12

11,53

2002-2003

25.31

3.97

3.81

7.66

9.12

1984-1985

24,86

6,09

8,71

9,57

13,40

2003-2004

29.73

6,33

6,41

6,92

7,76

1985-1986

19,13

5,86

8,37

8,94

12,70

2004-2005

25.91

3,50

3,92

5,89

6,63

1986-1987

25,16

6,36

8,39

10,38

14,78

2005-2006

19.20

4,14

4,32

6,84

7,44

1987-1988

 

24.43

4,09

4,91

7,86

8,47

1988-1989

المصدر: الجدول من تصميم الباحث اعتمادا على إحصائيات مديرية التخطيط، المديرية الفرعية للإحصائيات، 2006، مرجع سابق.

فالمتصفح لهذه المعطيات يلاحظ مدى اتساع حجم هذه الظاهرة التي باتت تقلق القائمين على هذا القطاع الحساس، وحتى على مستوى السياسة العامة للدولة. لذا كانت من عوامل ودوافع الإصلاح التربوي من فترة إلى أخرى ، كما كان الحد منها من الأولويات التي وضعها المشرع الجزائري من خلال الإصلاحات الأخيرة للمنظومة التربوية.حيث يلاحظ وكما تبينه المعطيات  أن نسب التسرب في التعليم الثانوي أكثر حجما في الفترة التي سبقت هذه الإصلاحات وخاصة في السنة الثالثة ثانوي كما هو الحال في السنة الدراسية (1989-1990). إلا أن نسب التسرب شهدت بعد ذلك وفي بداية الألفية انخفاض طفيف، وخاصة مع بداية سنوات الإصلاح التربوي ، وخاصة لدى تلاميذ الثالثة ثانوي لارتفاع نسب النجاح في البكالوريا بعد ذلك . وهذا الارتفاع "لايعود الى تأثير عمليات الإصلاح على هذا النوع من المخرجات، وإنما يعود إلى الاهتمامات التي بدأت السلطات المركزية توليها لأقسام الامتحانات الرسمية في السنوات الأخيرة، حيث لاحظنا تشجيعات وتهديدات ومساعدات غير مسبوقة للمسئولين على المؤسسات التربوية من اجل بذل كل المجهودات وخلق الشروط المناسبة لرفع نسب النجاح في الشهادات الوطنية"[1].

 وهذا ما تؤكده التعليمات والمناشير الوزارية، التي جاءت وفي هذا الإطار لتطبيق  مجموعة من الآليات، وتفعيل وخلق بعض الممارسات المهنية في الوسط التربوي، ومن أهمهما المنشور الوزاري رقم 526 المؤرخ في 2006. وكذا المنشور الوزاري رقم 89/07 المؤرخ في 27/01/2007، إضافة إلى المنشور الوزاري رقم 10/07 بتاريخ 15/15/2007، والخاص بتنظيم دروس الدعم  والتقوية،

وقد حدد في هذه المناشير وغيرها الإجراءات العملية و التنظيمية و البيداغوجية، الموجهة للتلاميذ المقبلين على الامتحانات الرسمية وأهمها شهادة البكالوريا.

الانقطاع عن الدراسة في ظل عوامل البيئة المدرسية:-ثالثا

تشكل المدرسة بيئة اجتماعية منظمة تحكمها قوانين و تفرض نمطا سلوكيا معينة على التلميذ فهي تلعب دورا هاما و فعالا في نجاحه و تكيفه و توافقه مع جوها الدراسي و قد تكون في بعض الأحيان سببا في فشله و تركه لها و الانقطاع عن الدراسة و هذا يرجع للعوامل الآتية :

        1- العلاقات مع الأساتذة : لشخصية المعلم و تكوينه تأثير على التلميذ و على مدى اهتمامه بالمادة التي يدرسها فغالبا ما يرسب التلاميذ في مادة معينة إذا كان المشرف عليها متسلطا و متطلبا و لا يتفهم طبيعة تلاميذه فيكون هذا سببا من الأسباب التي تجعلهم يكرهون هذه المادة و تتكون لديهم صورة سيئة اتجاه مدرسيهم و هذا ما دلت عليه عدة دراسات و من بينها الدراسة التي أجريت بواشنطن 1998 " هذه الدراسة التي هدفت إلى معرفة مدى إدراك التلاميذ لتصرفات المعلم خاصة ما يتعلق منها ، بالتوقعات العالية أو المنخفضة في نجاح التلاميذ في الصف ، حيث أن التركيز في هذه الدراسة ينصب على ما يدركه التلاميذ من تصرفات خاصة بالمعلم بعد اتصاله بهم في مواقف بارزة "[1] و قد توصلت الدراسة أن لصورة التلميذ التي يكونها عن المعلم و عن سلوكاته و تصرفاته و علاقته بالتلميذ تأثير واضح على تحصيلهم العالي أو المتدني، وقد تكون سببا رئيسيا في ترك التلميذ للدراسة والانقطاع على التعليم.

        - العلاقات مع الزملاء :2

إن للحياة المدرسية التي يعيشها التلميذ و الجو الاجتماعي يتيح له فرصة الاحتكاك بالغير و تعلم الخبرات و تبادل الأفكار معهم من خلال العلاقات التي تربطه بهم و من أهمها علاقات الزمالة التي يكونها التلميذ و خاصة في مرحلة المراهقة و التي تسمح بالتعاون و المشاركة الجماعية في العمل المدرسي و بالتالي تساعد على نجاحه و إذا حدث العكس و كانت متوترة و مضطربة و أحيانا تكون رفقة السوء سبب من الأسباب التي تؤدي إلى إهمال الدراسة و القيام بأعمال الشغب و ظهور السلوكات العدوانية مما يؤثر على الجو الدراسي و النظام المدرسي سواء في القسم أو المدرسة، وقد يدفعه ذلك الى الانقطاع عن الدراسة .

-العلاقات مع الإدارة المدرسية :3

و هذا عامل من العوامل التي تؤثر على التحصيل الدراسي بالسلب أو الإيجاب، فالحياة المدرسية المشحونة بالخلافات بين التلاميذ و الإدارة المدرسية و خاصة الأكثر احتكاكا بالتلميذ كالمساعدين التربويين و مستشار التربية تجعل التمدرس عملية صعبة و تخلق مشاكل للطرفين و تؤثر على السير الحسن للمؤسسة " فقد تؤدي الإحباطات في جو المدرسة إلى تخلف دراسي و نفور كامل من عملية التحصيل بأكملها و خاصة عندما يحرم التلميذ من إمكانية التعبير عن ذاته بسبب التسلط و الفوضى و الإهمال ، فالتسلط يجعل عملية التحصيل الدراسي لا تستهدف شيئا سوى التخلص من العقاب و الإهانة فيعيش التلميذ في جو دراسي إرهاقي و للتخلص من هذا الجو الرهيب يلجأ إلى التحايل بطرق مختلفة تبدأ بالتبلد و اللامبالاة و تنتهي بالشغب و الهروب الفعلي من المدرسة[1]

        4- المنهج و حاجات التلميذ :

" المنهج المدرسي المتبع في معظم المدارس العربية يعاني من الجمود و عدم تناسبه  مع اهتمام  و قدرات الطالب و عدم ارتباطه بحاجات المجتمع الأساسية و الضرورية و عدم تلبيته لميول و رغبات و حاجات الأطفال و الطلاب و هواياتهم الأساسية و الخاصة و توجيهاتهم الشخصية، بالإضافة إلى عدم اهتمام هذه المناهج بالظروف الاقتصادية و الاجتماعية السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه الطالب و الأسرة مما يؤدي إلى حفظ رغبة الأطفال و الطلاب و دوافعهم في متابعة الدراسة و التعلم و الإقبال على المدرسة و الاستمرار في التعلم "[1] وقد يكون عامل أساسي في نفورهم من الدراسة وبالتالي الانقطاع عنها.

        5-أستراتجية التدريس :

إن طرق التدريس التي تعتمد على الحفظ و الاسترجاع تلقى عبئا ثقيلا على بعض التلاميذ و خاصة المتفوقين منهم تجعلهم يكرهون الدراسة، و في المقابل إن الطرق المشوقة و التي تسمح بالتفاعل بين التلميذ و الأستاذ تستنير قدراتهم و طاقاتهم ، و تحفزهم على العمل و الاجتهاد و بالتالي النجاح و إن عدم قدرة المعلم على إيصال المعلومات قد يخلق الملل و من ثم الإهمال ، كما أن اكتشاف التلاميذ لعدم تمكنه من مادته يفقدهم الثقة فيه ، و يكون كذلك سريع الإثارة ، و بالتالي مصدر سخرية و متعة ، مما يفقد الحصة الدراسية جديتها و نجاعتها .و يتسبب ذلك في عدم الفهم والاستيعاب لدى التلميذ، مايدفعه الى عدم الاهتمام بالدراسة وقد يجره ذلك الى ترك المدرسة.

        6- كفاءة الإدارة المدرسية :

تحتل الإدارة المدرسية موقعا هاما من مواقع المسؤولية سواء اتجاه الفريق التربوي أو التلاميذ أو المجتمع ، و في كثير من الأحيان تكون هذه الإدارة سببا في ترك التلميذ للدراسة والانقطاع عن المدرسة، و قد يرجع ذلك إلى عدة عوامل من أهمها :

   * ضعف التأطير الإداري و عدم كفاءته.

   * عدم التنسيق في العمل بين أعضاء الفريق الإداري و كذا بينهم و بين الأطراف الأخرى.

   * نقص في الإشراف و المتابعة للتلاميذ و الاهتمام بمشاكلهم و الصعوبات التي يواجهونها في تمدرسهم.

   * تدهور العلاقات في بعض الأحيان بين أطراف العملية التربوية ( الاداريين- الاساتذة- التلاميذ- المشرفيين- الاولياء- المساعدين التربويين...الخ).

   * التسيب و اللامبالاة في العمل .

        7- التوجيه المدرسي و التقويم :

يهدف التوجيه المدرسي إلى تكيف التلميذ مع الوسط المدرسي و الوصول بالتلميذ إلى الاختيار الأنسب للمسار الدراسي الذي يتبعه و بذلك فهو عملية مصيرية يتحدد وفقها المشروع المستقبلي الدراسي أو المهني للتلميذ و أي خطأ في هذه العملية يؤدي إلى صعوبات يواجهها التلميذ في دراسته بعد توجيهه وهذا ما أكده الكثير من الباحثين  في هذا المجال. بأن الصعوبات الدراسية الناتجة عن التوجيه غير السليم- توجيه تلميذ إلى تخصص او شعبة لا تتماشى مع قدراته و ميوله و رغباته، ومتطلبات هذه الشعبة أو التخصص تفوق- بكثير تلك التي يكون سببها عوامل جسمية و نفسية .

و ما نلاحظه من خلال الممارسات الحالية في هذا المجال أن معظم التلاميذ و لأسباب بيداغوجية و تربوية و التي أهمها الخريطة التربوية " التنظيم التربوي " يوجهون إلى شعب و تخصصات لا يرغبون في مزاولة الدراسة و هذا بدوره سببا من الأسباب التي تجعلهم ينفرون من الدراسة و بالتالي يكون عامل من عوامل رسوبهم و تركهم للمدرسة .

إضافة إلى أن التوجيه في مدارسنا يعتمد بالدرجة الأولى على النتائج المدرسية و التي تكون في الغالب لا تعبر عن المستوى الحقيقي لتلميذ باعتبار أن التقويم ما يزال تقليديا و يعتمد على الحفظ و الاسترجاع و لا يقيس الجوانب الأخرى في التلميذ و لا يكشف عن القدرات و الإمكانات الحقيقية للتلميذ و تتدخل فيه كذلك الأحكام الذاتية و الشخصية للمعلم في تقديره لعمل التلاميذ .

        8- الجو الاجتماعي للمدرسة :

إن للمناخ الاجتماعي للمدرسة تأثير على عمل التلميذ و مردوديتها سواء تعلق الأمر بالتلميذ أو الأستاذ فالمدارس التي يسودها أسلوب المنع و العقاب لكل شيء و لا تسمح للتلميذ بالتنفيس عن رغباته بحجة حفظ النظام و هيبة المدرسة ، قد تتحول إلى مجرد مجمع لا روح له و لا معنى له بالنسبة للتلميذ مما يجعله ينفر منها ، و تؤدي به إلى اعتماد سلوكات عدوانية اتجاهها و اتجاه العاملين بها و تدفعه إلى التمرد على قوانينها و تخريبها ، و تكوين اتجاهات سلبية نحوها و نحو الدراسة و التعلم . و بالإضافة إلى ما تم ذكره سابقا من العوامل المدرسية فهناك عوامل أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها و التي لها تأثير في كبير نجاح التلميذ أو فشله  وتركه للدراسة، و من أهمها :

        - اكتظاظ الأقسام الذي يؤثر سلبا على أداء الأستاذ و على متابعة و تقييم أعمال التلاميذ الذي أصبح في غالب الأحيان لا يحاسب إلا على الفروض المحروسة و الاختبارات الفصلية .

        - عزوف الأساتذة عن القيام بواجباتهم إزاء التلاميذ و دفعهم لمزاولة الدروس الخاصة .

        - نقص التجهيزات و الوسائل التعليمية الضرورية و خاصة على مستوى المخابر و الورشات لإنجاز الدروس التطبيقية العلمية منها و التقنية .

        - نقص تكوين الأساتذة خاصة في الميدان البيداغوجي

        - نقص الوسائل التربوية المكملة للبرامج التعليمية كالمكتبات .

        - ضعف التأطير الإداري للقيام بعملية المراقبة و المتابعة البيداغوجية و محاربة ظاهرة الغيابات المنتشرة لدى التلاميذ و الأساتذة.

        - قلة الأنشطة الثقافية خاصة لغياب الإمكانيات و التأطير و المتابعة[1]  .

        - عدم تماشي التكوين القاعدي للأساتذة مع البرامج المقررة و خاصة الجديدة .

        - غياب التعاون بين المدرسة و الأولياء في متابعة تمدرس أبنائهم.

        - ضعف النظام المدرسي و عدم مسايرته للمراحل العمرية للتلاميذ و خاصة مرحلة المراهقة.

        - ضعف التشريع المدرسي و خاصة في جانب العلاقات التي تحكم أطراف العملية التربوية .

        - تصور الدراسة في المجتمع و قيمتها و انعكاساتها على التحصيل الدراسي للتلميذ حيث أن تقدير الدراسة والاهتمام بها من طرف المجتمع له دور كبير في تكوين اتجاه واهتمام التلميذ بها، وهذه المكانة تراجعت في الاونة الاخيرة، بسبب انتشار الفكر المادي الاستهلاكي، والبحث عن النفع السريع، دون المثابرة والاهتمام بتحصيل بالشهادة العلمية كما كان في السابق.

خلاصة

وفي الاخير يمكن القول أن الانقطاع عن الدراسة  من المشكلات التربوية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية التي أخذت اهتمام كبير من طرف الباحثين والمختصين في هذا المجال، نظرا لانعكاساتها السلبية سواء على الفرد أو المجتمع، وفيها هدر كبير للطاقات المادية والمعنوية، ورغم هذا الاهتمام إلا أن هذه الظاهرة في تزايد مستمر، ما يحتم على الباحثين بمختلف تخصصاتهم وخاصة في العلوم الاجتماعية  وعلى القائمين على هذا الميدان البحث باستمرار،  وتسليط الضوء وتقديم دراسات موضوعية للظاهرة، لحصر الأسباب وتحديدها بدقة، وإيجاد الحلول الناجعة لها.

فبالرغم من الانجازات التي حققتها المنظومات التربوية وخاصة من ناحية الكم، في العالم العربي، إلا أن هذه الظاهرة في تزايد مستمر مع اختلاف حدتها وطبيعتها من مجتمع إلى أخر

وبهذا فهي تشكل تهديدا أكيدا للنمو الاجتماعي والاقتصادي لأي بلد وخاصة تلك التي تطمح الى تحقيق جودة التعليم، باعتباره الدعامة الاساسية للتطور وتحقيق التنمية المستدامة، وكذا تحسين الظروف المعيشية للفرد، نهيك عن الحد من الافات الاجتماعية التي أصبحت تهدد استقرار المجتمعات، والتي تعتبر ظاهرة الانقطاع المدرسي لها دخل في ذلك، وهذا من خلال الفئات التي تنقطع عن الدراسة مبكرا، وقد تجد طريقها الى ذلك ، إن لم تجد المتابعة والتكفل الحقيقي من طرف العائلة والمجتمع.

فالتسرب المدرسي، يشكل هدر كبير للطاقات البشرية، وكذا للموارد المادية. وهو مؤشر هام على مدى فعالية النظام التربوي. وليست هناك حلول جذرية لهذه الظاهرة، وإنما هي تتطلب للحد من حدتها، ومن حجمها تظافر كل جهود المشاركين والقائمين على العمل التعليمي التربوي، كما يتطلب الامر إعادة النظر و تقويم النظام التربوي باستمرار ككل  وو فق رؤية شمولية تتماشى مع هوية المجتمع وخصوصيته وفي ظل التحديات التي يواجهها. من خلال إعادة النظر في فلسفته وفي اهدافه وإمكانية تحقيقها وطبيعة المناهج ومدى مناسبتها، ودور المدرس والتلميذ وطرق وأساليب التدريس وأساليب التقويم المتبعة،  إضافة الى دراسة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ذات التأثير المباشر على النظام التربوي والتلميذ، بالإضافة إلى تفعيل المشاركة الاسرية في العملية التعليمية، وكذا المشاركة المجتمعية. تقديم  حوافز للمتعلمين والمعلمين لتغيير نظرة المجتمع للمدرسة والمدرس، واعطائهما المكانة والتقدير اللذان يستحقانهما. لتجاوز هذا الاخفاق المدرسي، والنهوض بالمنظومات التربوية وخاصة في عالمنا العربي، الذي هو بحاجة ماسة للتعليم كأحد ركائز التنمية المستدامة وتطوره.

Modifié le: mardi 16 février 2021, 22:27