1.تعريف علم النفس الصحة :

     يعرف علم النفس الصحة  بأنه العلم الذي يهتم بفهم و تفسير التأثيرات النفسية التي تساهم في مساعدة الأفراد على الحفاظ على صحتهم، و في توضيح أسباب تعرضهم للمرض . كما يدرس علم النفس الصحة المظاهر النفسية المصاحبة للوقاية من الأمراض و معالجتها، و قد يوجه المختص في علم النفس الصحة الأشخاص الذين يعملون في مهن تعرضهم لضغوط شديدة الى كيفية التعامل مع هذه الضغوط بفعالية حتى لا تسبب لهم تأثيرات سلبية على صحتهم .

      و يركز علم النفس الصحة اهتمامه على جمع مظاهر الصحة و المرض خلال مراحل العمر المختلفة ، كما يوجه انتباها خاصا للحفاظ على الصحة و الارتقاء بها، و هذا يتضمن مراعات العديد من المراحل النمائية و الكثير من الأمور التي تتعلق بتوجيه الأطفال لتطوير عادات صحية جيدة .

      و يعتبر تعريف الصحة مسألة جوهرية بالنسبة للباحثين و المختصين في مجال علم النفس الصحة، ففي عام 1948 عرفت منظمة الصحة العالمية الصحة بأنها " حالة متكاملة من الرفاه الجسمي و العقلي و الاجتماعي، و هي ليست غياب المرض أو وجود العجز" ( 1948 WHO) .

 

2. العلاقة بين العقل و الجسم : لمحة تاريخية :

  1.2. العقل و الجسم في العصور القديمة ( المبكرة ) :                                             لقد ساد الاعتقاد في العصور القديمة بأن الجسم و العقل وحدة واحدة، كما ساد     الاعتقاد في الثقافات القديمة بأن المرض العقلي و الجسمي ينشأ عندما تدخل قوى        غيبية مثل الأرواح الشريرة الى الجسم، و أن هذه الأرواح الشريرة يمكن طردها من      خلال عملية علاجية " تقليدية " كانت يعرف آنذاك بالتربنة (Trephination) أو      نشر و ثقب الجمجمة و ذلك للسماح للأرواح الشريرة بترك الجسم. و لسوء الحظ  لم     يتم الحصول على وثائق مكتوبة عن تلك المرحة. لذلك تبقى عمليات التربنة في عداد الظن و الافتراض، وفقا لما تم اكتشافه . 

2.2. العقل و الجسم في الحضارات اليونانية و الرومانية :                                       كانت الحضارة اليونانية من بين الحضارات القديمة التي حاولت تحديد دور الوظائف الجسمية في الصحة و المرض. و كان الفلاسفة اليونان أول المفكرين الذين وفروا لنا    وثائق مكتوبة تعبر عن فلسفتهم و آرائهم حول علاقة الجسم بالعقل : فبدلا من أن ينسبوا المرض للأروح الشريرة قاموا بتطوير نظرية الأخلاط وفقا ﻹفتراض" النظرية الإنسانية" التي أعدها "أب الطب" اليوناني هيبوقراط (Hipocrates)(460 – 377 ق.م) .     و قام جالين ( Galen )(130-210 ق.م) لاحقا بتطوير نظرية هيبوقراط وفقا لوجهة  النظر أن الأمراض تظهر عندما يختل التوازن بين الأخلاط الأربعة  أي سوائل الجسم الأربعة و هي الدم، و السوداء، و الصفراء، و البلغم . و كان العلاج يركز على ﺇرجاع التواون بين هذه الأخلاط. ﺇذ كان من المعتقد أن سيطرة أحد هذه الأخلاط يرتبط بظهور نمط معين من الشخصية .    

3.2. العقل و الجسم في العصور الوسطى :                                                         لقد عاد التفكير في العصور الوسطى و مرة أخرى ﺇلى التفسيرات الخارقة ( فوق الطبيعة)( Supernatural) للأمراض، ﺇذ انتشرت المعتقدات المتعلقة بالتفسيرات الدينية الغامضة في تحديد أسباب الأمراض، و كانت تعتبر الأمراض ليس ﺇلا عقابا من الله لأن هذا الانسان المريض قد قام بأشياء و أفعال شيطانية لا يرضى عنها الله.                   و خلال تلك الفترة كانت الكنيسة هي المسئولة عن تقديم المعرفة الطبية. و نتيجة لذلك سيطر التوجه الديني على المعرفة الطبية ؛ التي استندت ﺇلى أساس ديني وتعميمات غير علمية حول الجسم و علاقة الجسم بالعقل. و لم يبدأ الحديث عن معضلة " الجسم   و العقل" ﺇلا بعد القرن الرابع عاشر، حيث بدأ الفلاسفة و المفكرون الايطاليون ﺑﺇعادة طرح المعضلة من جديد. فقد رفض توماس اﻹكويني (Thomas Aquinas) الفكرة التي كانت سائدة و التي تقول: أن العقل و الجسم كيانان منفصلان أو وحدتان مستقلان عن بعضهما البعض، و شدد على أنهما مترابطان و متبادلان التأثير لدى الشخص. و مع ذلك ﻓﺇن أفكاره لم يكن لها تأثير كبير في ذلك الوقت، ﺇلا مع مجيء عصر النهضة الأوروبية.

4.2. العقل و الجسم في عصر النهضة الأوروبية :                                                ابتداء من عصر النهضة الأوروبية تحققت انجازات كثيرة و واسعة في مجال الممارسة الطبية، معتمدة على ما تم تحقيقه من تقدم تكنولوجي ساعد على اجراء الأبحاث الميكروسكوبية مع أنطون لوفينهوك (Leeuwenhoek)( 1632-1723)   و القيام بعمليات تشريح الجثث مع جيوفاني مورجاجني (Morgagni) (1682-1771) حيث مهدت أعمال كل من لوفينهوك و مورجاجني الطريق لرفض نظرية الأخلاط في تفسير الأمراض. « وبذلك تم التخلي كلية عن التفسيرات التي تعتمد على نظرية الأخلاط بفضل تنامي المعرفة في ميدان علم الأمراض الخلوي( Cellular Pathology) الذي يؤكد على بأن جميع الأمراض تنجم عن مرض الخلية و ليس نتيجة عدم التوازن بين سوائل الجسم » ( شيلي تايلور، 2008، ص 38 ). و نتيجة لتقدم علم الأمراض الخلوي بدأ الطب، في القرن التاسع عاشر، يتجه أكثر فأكثر نحو المختبرات الطبية و العوامل الجسمية المسببة للأمراض بدلا من اتجاهه نحو دراسة الدماغ في محاولة للتخلص من المعتقدات الخرافية التي كانت سائدة في الماضي مما عزز مفهوم ثنائية العقل و الجسم حيث أصبح الأطباء مسئولين عن الجسم في حين أهتم الفلاسفة و رجال الدين بالعقل . و لمدة ثلاثة قرون استند الأطباء ، في تفسيراتهم للمرض، الى التغيرات العضوية و التغيرات التي تحدث في الخلية و الى علم الأمراض   و بذلك أصبحت العوامل البيولوجية و الأسباب العضوية هي الأساس الذي يستندون اليه في التشخيص و العلاج. و هذا ما عزز النموذج الحيوي الطبي ( البيولوجي الطبي ) للمرض ( Biomedical Model).

5.2. العقل و الجسم في القرن العشرين :

1.5.2. العقل و الجسم و مساهمات التحليل النفسي :                                              لقد ساهمت مدرسة التحليل النفسي مع سيجموند فرويد ( S Freud) و أعماله على الهستيريا التحويلية ( Conversion Hysteria) في تسليط الضوء على العلاقة بين العقل و الجسم و كيفية تحول الصراعات النفسية اللاشعورية الى أعراض جسمية معينة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

2.5.2. العقل و الجسم و مساهمات الطب السيكوسوماتي :                                      لقد ساعدت مساهمات كل من فلاندرز دونبار ( Flanders Dunbar) و فرانز اليكسندر ( Franz Alexander)، خلال الثلاثينات و الأربعينيات من القرن العشرين، في ظهور ميدان الطب السيكوسوماتي و ابراز الفكرة بأن أمراضا معينة قد تنتج بسبب صراعات داخلية يعاني منها الفرد و أن امكانية الاصابة بالأمراض ترتبط بنمط الشخصية أكثر من ارتباطها ( كما كان يعتقده فرويد ) بصراع لاشعوري محدد. و ابتعدت مساهمة دونبار و اليكسندر عن مساهمة فرويد في فهم العلاقة بين العقل و الجسم عندما افترضت « وجود تأثير للميكانيزمات الفسيولوجية في تقرير الرابطة بين الصراعات النفسية      و ﺇمكانية حدوث الاضطراب. فبينما اعتقد فرويد بأن ردود الفعل التحويلية تحدث عبر الجهاز العصبي اﻹرادي دون أن يتخلل ذلك تغيرات فسيولوجية، تجد أن دونبار            و اليكسندر، اعتبرا أن الصراعات تسبب حدوث القلق الذي يصبح بدوره لا شعوريا مما يؤدي ﺇلى تغيرات فسيولوجية في الجسم تحدث عبر تأثير الجهاز العصبي المستقل ، وأن اسمرار حدوث التغيرات الفسيولوجية يؤدي ﺇلى اضطرابات عضوية حقيقية. ففي حالة مريض القرحة، على سبيل المثال، يؤدي كبت الانفعالات التي تنشأ عن الاعتمادية المحبطة، وحجات الحب ...، ﺇلى زيادة افراز الأحماض في المعدة مما بؤدي ﺇلى تآكل غشاءها المخاطي مسببا الاصابة بالقرحة.» ( F. Alexander)( 1950) .               و لهذا ساهمت المدرسة السيكوسوماتية في دراسة العلاقة بين العقل و الجسم من خلال تقديمها صيغا اضطرابات محددة مثل التهاب المفاصل الرثوي ( Arthritis Rheumatoid) و التهاب الجلد العصبي ( Neurodermatitis ) و التهاب القولون و الربو الشعبي ( Bronchial Asthma ) و التي تعتبرها اضطرابات نفسية جسمية ( سيكوسوماتية ) تنشأ من الصراعات الانفعالية .                                     و مع ذلك فقد واجهت هذه الحركة السيكوسوماتية عدة انتقادات : أولا أن كثير من التوصيات و الأفكار استندت في الأغلب ﺇلى جهود لم تراع القواعد المعاصرة للطريقة العلمية ، و ثانيا أن الباحثين المعاصرين يعتقدون بأن صراعات محددة، أو نمط الشخصية، ليست وحدها السبب الكافي لأحداث المرض. بل أن تعرض الانسان للمرض يتطلب تفاعل مجموعة متنوعة من العوامل قد يكون أحدها الضعف الجيني الموروث مثلا، أو و جود العوامل البيئية المسببة للضغوط ، أو عامل الخبرات المتعلمة المبكرة،    أو الامكانات المعرفية و طريقة الفرد في التعامل مع ما يواجهه من مشكلات و صعوبات. أما الانتقاد الثالث الذي وجه لحركة الطب السكوسوماتية فيتمثل في قيامها بذكر مجموعة من الاضطرابات التي تنشأ عن عوامل نفسية، و بذلك تكون قد حصرت تأثير العوامل النفسية و الاجتماعية في مجال محدود من المشاكل الطبية، و هو المحال النفسجسدي بدل المجال النفسي الاجتماعي الجسدي ( كما في الطب الاجتماعي الجسدي مثلا ) أو المجال الحيوي النفسي الاجتماعي .