حزب نجم شمال إفريقيا

يعتبر هذا الحزب أول حركة سياسية نشطة ومنظمة في الجزائر بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، ففي سنة 1926م نشأ نجم شمال إفريقيا الذي أسندت رئاسته الشرفية للأمير خالد، في حين ترأس حاج علي عبد القادر رئاسته الفعلية لما كان يمثل بلدان شمال إفريقيا الثلاثة (تونس، الجزائر، المغرب)، ومنذ سنة 1927م أسندت رئاسته إلى مصالي الحاج ودخل الكفاح كحزب سياسي جزائري في عهده الجديد .

ونظرا ولأنه أول حزب اتضحت ملامحه الثورية بعد أن نادى بالاستقلال الكامل للجزائر، وجلاء القوات الفرنسية، وتكوين جيش وطني، فقد فرضت السلطات الفرنسية عليه القيود، فاعتمد بشكل خاص على الصحافة في الاتصال بالجزائريين سواء في الجزائر أو في فرنسا من خلال صحيفتي (الإقدام، والإقدام الباريسية)، وكانت هذه الصحيفة شهرية وتطبع باللغتين العربية والفرنسية .

تعرّض النجم للملاحقات والقمع البوليسي فتحتم عليه أن ينشط في السرّية، ومنذ سنة 1929م واصل نشاطه تحت اسم نجم شمال إفريقيا المجيد، وفي سنة 1930م أنشأ النجم جريدة (الأمة) التي أضفت الشعبية على شعارات الحركة الوطنية، وتكونت مجموعات من أصدقاء الأمة في الجزائر وفرنسا والذين صاروا أول المناضلين الوطنيين في الجزائر بعد عودتهم من فرنسا .

مع تزايد نشاط نجم شمال إفريقيا ومشاركته في المؤتمر الإسلامي تم حلّه فيما بعد، وأحست فرنسا بخطر هذا الحزب الذي أعاد بناء نفسه من جديد وتحت مسمى جديد هو حزب الشعب الجزائري (1937م)، حيث فكر سنة 1938م في التحضير لثورة مسلحة بعد اليأس من نيل مطالبه سلميا وسياسيا، لكن سرعان ما انتهى به المطاف يوم 29 سبتمبر 1939م إلى الحل الرسمي واعتقال زعمائه أو زعماء حزب الشعب أو الحركة الوطنية الثورية والتي لم يرضي نشاطها أي أحد من السياسيين أو الدينيين باستثناء المناضلين أو الجماهير الشعبية .

لم يمنع سجن ومتابعة أعضاء وقادة حزب الشعب من محاولات إعادة تنظيمه، حيث أشارت التقارير الفرنسية إلى عودته من خلال الدعاية الشفهية والكتابات على الجدران والإعلانات الموجودة هنا وهناك، وإنشاء الجمعيات الرياضية، وقد جعل احتلال الألمان لفرنسا في ظرف قصير جدا سنة 1939م بعض المسؤولين استغلال الظروف لتقوية الروابط بين النشطاء السياسيين والمناضلين للتحضير لإعادة بعث الحزب في ثوب جديد .

لم تكن مهمة حزب الشعب هي تكوين الإطارات فقط، بل استخدام حاملي الشهادات والطلبة الشباب وكذلك طلبة الثانويات في النضال السياسي، بيدا أن هؤلاء المثقفون رفعهم تفوقهم الثقافي إلى الصفوف الأمامية، فأعتلى بذلك أكثرهم مناصب قيادية على المستوى الجهوي والوطني ومنهم: الدكتور لمين دباغين، دردور وهو جراح أسنان، حاج سعيد شريف وهو محامي، محفوظي (أستاذ)، دماغ العتروس (مترجم)، معيزة (محامي)، وكذلك الطلبة ونذكر منهم: بن يوسف بن خدة، مصطفاوي، بن مهل، ومن طلبة الثانويات نذكر: آيت أحمد حسين، ولد حمودة، عمر أوصديق .

تغيرت أفكار وتوجهات النخب الجزائرية المثقفة تغيرا جذريا، فها هو فرحات عباس الذي كان بالأمس يُصرّح بأن "فرنسا هي أنا"، نجده مع سنوات الحرب العالمية الثانية يُطالب بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره في إطار حكم ذاتي يتبع مباشرة لفرنسا، فنجده يجتمع مع زعماء الجزائر من أجل وضع بيان شهر فبراير 1943م، يتكون من ثلاث نقاط أساسية وهي:

- إفلاس الاستعمار الفرنسي في سياسته.

- الاستعمار هو سبب ما آل إليه الجزائريون من وضعية مزرية من فقر وجهل وتشرد.

- الحل الوحيد هو إعلان الجمهورية الجزائرية المستقلة.

وقد انضم حزب الشعب الجزائري إلى مطالب فرحات عباس وتم تكوين حركة جديدة أُطلق عليها (أحباب البيان والحرية) .

اضطلع بعض المثقفين الذين لم يكون مهيكلين من قبل اجتماعيا ولا إيديولوجيا تحت راية الحركة الجديدة، ولعبوا دورا حاسما في عملية التأطير على الرغم من ميل بعضهم إلى تشكيلات سياسية أخرى، تميزت بضعف تأثيرها على اتخاذ القرارات المصيرية في تلك الفترة ومن أهمها استقلال الجزائر كما فعل نجم شمال إفريقيا، تنظيم حزب جماهيري، اعتماد مبدأ الكفاح المسلح كوسيلة للتحرر، تأسيس جيش سري...الخ .

توزعت النخب الثقافية الجزائرية إلى تيارات كبيرة، لم تكن تلتقي بالوطنية إلا في مناسبات معينة، وكانت تقودها حتميات اعتباراتها الإيديولوجية، وهو ما أكد عليه المختص في علم الاجتماع علي الكبير بقوله: "... إن الوطنية الجزائرية عكس ما قد توحي به المظاهر، كانت معاكسة تماما لإيديولوجية عقائدية، كما كان مثلا البعث بالنسبة للعلماء، أو الستالينية بالنسبة للشيوعيين... وهكذا استطاعت أن تكون في آن واحد داعية إلى العروبة والإسلام، والاشتراكية واللائكية والقدم من أوجه عديدة، ولكن داعية أيضا إلى الحداثة من أوجه أخرى، ذلك أن المبدأ الموحّد لجميع تلك العناصر ذات الأصول والمضامين المختلفة، لم يكن يكمن في طريقة عملية نظرية، ولكن في إرادة سياسية تتلخص بأكلمها في الثنائية: الاستقلال/ الشعب..." .

حزب نجم شمال إفريقيا