دور الوعي الثقافي والحضاري في التصدي للغزو الفرنسي للجزائر

وطأت أقدام المستعمر الفرنسي الغاشم أرض الجزائر يوم 05 جويلية 1830م بعد حصار دام ثلاث سنوات، وفي اليوم الموالي للاحتلال تم إنزال الأعلام ورايات الداي من كل الأماكن ليحل محلها العلم الفرنسي، فأقيمت صلاة للمسيحيين وخطب القساوسة في المنابر معلنين فتح أبواب المسيحية على شاطئ أفريقيا في وقت غادر فيه الداي حسين وحاشيته - بعد عزله من طرف الجيش الفرنسي وإجباره على الاستسلام- أرض الجزائر لينتهي بذلك الوجود العثماني فيها والذي دام قرابة 326 سنة .

قبل الحديث عن الوضعية التي آل إليها الجزائريون في كل المجالات بعد الاحتلال- وخاصة وضعية التعليم والتي يُعد الركيزة الأساسية لقيام أي مجتمع- وجب التذكير والإشارة إلى أن العثمانيين لم يهتموا به اهتماما كبيرا، ودليل ذلك أنه لم تكن لهم وزارة للتعليم ولا أي مؤسسة مكلفة بهذا القطاع الهام والحساس، حيث تم ترك الميدان مفتوحا للأفراد والجماعات والزوايا والمساجد لتعليم أبناء الجزائريين اللغة العربية وحفظ القرآن، بالإضافة إلى بعض العلوم الأخرى الشرعية وقواعد اللغة والنحو وغير ذلك، حيث تم تكليف معلمين مختصين من أجل التعليم وتوفير كل وسائل العيش الكريم، وبالتالي فإن الأتراك اهتموا بهذا الجانب ودليل ذلك اعتراف الجنرال "فاليري" عام 1834م بأن وضعية التعليم في الجزائر كانت جيدة قبل التواجد الفرنسي .

لعبت الزوايا دورا هاما في توعية وتعليم الجزائريين، حيث وفرت المدارس بالجزائر والمدن الداخلية و في أوساط القبائل وجهزتها تجهيزا جيدا، لكن الأمر اختلف تماما بعد الاحتلال، حيث اختفت تلك المظاهر وحطمت بعض المدارس والمساجد، وأتلفت الكثير من المرافق التعليمية نتيجة انعدام الصيانة وتحويل أغلبها إلى مصالح عمومية، وأسندت بذلك مصلحة التعليم العام وإلى غاية 1848م إلى وزارة الحربية والتي اختصت بهذا المجال الحيوي، حيث سيرها مفتشان أحدهما للتعليم العام والثاني للمدارس الابتدائية تحت إشراف الوالي العام إلى غاية 07 و08 سبتمبر 1848 أين تم ربطها بوزارة التعليم العام وإنشاء أكاديمية الجزائر .

اتخذت الإدارة الاستعمارية الفرنسية بتاريخ 08 سبتمبر 1830م قرارا تم بموجبه الاستيلاء ومصادرة كل أملاك الوقف تنفيذا لكل سياساتها الرامية إلى محاربة وضرب الحركة العلمية والثقافية في الجزائر، وذلك بمحاربة المدارس التعليمية وتجهيل الشعب، لأنها رأت بأن الثقافة والعلم بالنسبة إليها هو الحصن المنيع والصلب الذي سيقف أمامها وضد كل مظاهر السيطرة وسياسة الفرنسة والتنصير والتجهيل.

وفي هذا الإطار تم مراقبة التعليم الديني والزوايا وتحديد عدد المدارس القرآنية، كما راقبت رجال الدين والعلماء والفقهاء الأحرار وفرضت رقابة حتى على فريضة الحج، ولم تكتف بهذا فقط بل كونت طبقة رسمية من رجال الدين الإسلامي أوكلت إليهم مهمة إدارة المساجد ومراقبة عمل الزوايا الحرة، وإلزام رجالها بالتعاون مع الاستعمار ومع إدارة الشرطة الفرنسية، وكل ذلك من أجل الحد من أي حركة قد تسهم في تنامي التعليم الإسلامي ونشر اللغة العربية، فأدى ذلك إلى ضياع التعليم وضياع هيبة رجاله ونفوذهم وفقدان احترامهم، وهو نفس الشيء الذي حصل مع رجال الزوايا المتعاونين معها .

ومن أجل الضرب بيد من حديد ومنذ الوهلة الأولى وفي إطار سياسة الفرنسية، غيرت الإدارة الاستعمارية أسماء المدن والقرى الجزائرية وعوضتها بأسماء أوروبية مسيحية، وباشر بذلك الكاردينال لافيجري وغيره من القساوسة عملهم بمختلف الوسائل المتاحة لهم، وتم التركيز على الفئة الهشة والعناصر الفقيرة نظرا لكثرتها وسهولة السيطرة عليها، هذا إلى جانب بعض العناصر الأخرى ضحايا المجاعات والأوبئة المختلفة سواء العربية أو حتى القبائلية، فعمدت فرنسا إلى محاولة تنصير القبائل خاصة بدعوى أن أصلهم من بلاد الغال الأوروبيين، ولكن تلك السياسات فشلت وذلك باعتراف الإدارة الفرنسية نفسها .

اتجهت السياسة الفرنسية منذ البداية إلى محو كل ما له علاقة بتاريخ الجزائر وفي كل المجالات، وركزت على الجانب الثقافي وكل ما يرمز للجزائر في هذا الجانب على اعتبار أن الثقافة عامل مهم وركيزة أساسية في قيام وتقدم الأمم، فأدى بذلك قادة الحملة الفرنسية وجنودها إلى الاستهتار بالقيم الإسلامية والمؤسسات الدينية والأخلاق العامة والآثار التاريخية، ومن جملة ذلك عمدوا إلى سرقة ونقل مدفع (بابا مرزوق) من الجزائر إلى فرنسا، لأن هذا المدفع كان يرمز إلى أشياء عدة بالنسبة لهم، فهو رمز القوة والذكورة، وما عملية نقله إلا لصوصية عسكرية وثقافية وغباء فرنسي، لأن الجزائر لم تخلوا من رمزها الأقوى والأكثر فحولة، وهم الرجال والنساء الذين قاوموها فيما بعد بكل جرأة وقوة وشراسة ليس لها نظير .

بالنسبة للاستعمار الفرنسي فإنهم وبحسب ظنهم أتوا بحضارة راقية ليعلموها للجزائريين في مختلف المدن الجزائرية، وفي الفرق العسكرية، فكانت أولى دروسهم في قاعة التعليم هي تلقين مظاهر الحضارة الأوروبية الفرنسية، فكثيرة هي المؤسسات الدينية والتعليمية التي تحولت إلى المسيحية أو تم تهديمها أو إعطائها للجيش أو بيعت كأملاك للأوروبيين للتصرف فيها، فمساجد بقيت كما كانت وأخرى حولت إلى كنائس، و نذكر منها جامع كتشاوة، جامع القصبة، جامع بتشين، وهناك مسجد القائد علي الذي وُهب إلى جمعية أخوات القديس جوزيف .

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن أفضع ما قامت به فرنسا أيام الاحتلال الأولى هو تهريب عظام الموتى المسلمين من الجزائر إلى فرنسا ومرسيليا بالتحديد لاستخدامها في فحم العظام وتبييض السكر، وقد تم إثبات ذلك من خلال تقارير بعض الأطباء (الدكتور رسيقو)، وما كتبه بعض الكُتاب الفرنسين أمثال مارسيل ايمريت .

إن اعتراف الدوق دومال: "... استولينا على المعاهد العلمية وحولناها إلى ثكنات ومرابط خيل..."، ماهو الا دليل واضح وصريح على الاعتداء الشنيع والغاشم على المراكز الثقافية بالجزائر، والتي كانت تسهر على حركية العلم والمعرفة .

وزاده فضا عة وجرما جاء في أحد التقارير الفرنسية للجنة القروض الاستثنائية سنة 1847م، لقد تركنا المدارس تسقط وشتتناها، لقد أُطفأت الأنوار من حولنا، ومعنى ذلك لقد تم تحويل المجتمع المسلم العربي المتعلم إلى مجتمع أكثر جهلا وبربرية مما كان عليه قبل معرفتها .

والسؤال المطروح:

أين هم علماء ومثقفي الجزائر في تلك الفترة، وما هو دورهم الحضاري في التصدي للغزو الفرنسي ومحاربة الثقافة التي جاء بها الاستعمار الفرنسي؟

وجد الجزائريون أنفسهم أمام الوضع الجديد بعد الغزو الفرنسي في مواجهة أعتى وأشرس استعمار فوق سطح المعمورة، حيث لم يستثني أحدا في عملية التصفية والإبادة الجماعية وطمس هوية الشعب الجزائري الرافض للمسار الجديد التي أرادت من خلاله السلطة الفرنسية السيطرة على مقومات الأمة ووجدانها، لكنه ورغم ذلك جوبهت سياساتهم برفض تام لكل المراوغات والأساليب التي تم اللجوء لها لأنها وجدت أمامها شعبا متمسكا بهويته الوطنية ومُجبرا على مقاطعة الثقافة الجديدة في جميع مظاهرها، وخير دليل على ذلك ما صرّح به الأمير عبد القادر بعد أن قاد مقاومة ضد فرنسا في الغرب الجزائري منذ بداية الاحتلال وإلى غاية سنة 1847م، حيث يقول: "واجبي كحاكم مُسلم أن أؤيد وأبعث العلوم والدين، لذلك فتحت المدارس في المُدن وبين القبائل وفي هذه المدارس كان الأطفال يتعلمون الصلوات، ويحفظون تعاليم القرآن، وفروضه، ويعرفون جيدا القراءة والكتابة" .

لقد خاب أمل فرنسا ولم يتحقق ما توقعته من سياسات متواصلة من أجل تنصير الجزائريين وتحييدهم عن هويتهم، وقد عبر عن هذا الفشل الذريع الدكتور غوستاف لوبون (Gustave Lebon) عالم الاجتماع الفرنسي بقوله: "... فأما ما يخص العرب فقد استشهدت بأربعة آلاف يتيم الذين تولى أمرهم الكاردينال لافيجري، فعلى رغم تربيته لهؤلاء تربية مسيحية بعيدة عن كل تأثير عربي، رجع أكثرهم إلى الإسلام بعد أن بلغوا سن الرشد .

في مقاومته للاستعمار - ونظرا لأنه ابن الطريقة القادرية وتنوع تحصيله العلمي في مختلف العلوم مستفيدا من دراسة القرآن والسنة – اجتهد الأمير عبد القادر في حفظ الكتب وأمر جنوده بالمحافظة عليها بمكافأتهم ومكافأة كل من أحضر له كتاب مهما كان نوعه، كما اهتم شخصيا بتكوين الطلبة فقال: "كنت أشعر شعورا قويا بأهمية العلم، بدرجة أنني مرات عديدة عفوت عن بعض الطلبة الذين استحقوا الموت، لأن إعداد عالم حقيقي في بلادنا يتطلب وقتا طويلا، ولأن النخلة تسهل عملية قطعها وتعويضها بأخرى، ويستغرق وقتا طويلا للحصول على ثمرة النخلة الجديدة، وقد بذلت مجهودات ضخمة لتسهيل الدراسة على الطلبة وتمكينهم منها ولتكوين الإطارات .

دافع الجزائريون عن عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم من خلال التمسك بتعليم الأطفال وعن ذلك ذكر الرحالة الألماني "مالستان" في كتابه "صور من التقاليد" الذي نشره سنة 1869م فيقول: "بأن القاعدة العامة الجاري بها العمل في الأوساط الجزائرية التي تحترم نفسها هي أن جميع الأُسر الكريمة تصر كل الإصرار على أن يصل كل طفل إلى درجة طالب علم على الأقل" .

خلال شهر جانفي 1845م وقعت انتفاضة الطرق الصوفية ضد الاحتلال، شاركت فيها الطريقة القادرية والرحمانية و الدرقاوية والطيبية وفروعها، وكانت قبيلة أولاد رياح القاطنة جنوب مدينة تنس من القبائل التي شاركت في الانتفاضة، فغزاها بيليسيية وحطم أملاكها وأحرق ما وُجد فيها، حيث اتفقت كل الكتابات أن مصير السكان البالغ عدده قرابة الألف فرد كان مصيره الموت اختناقا بالدخان .

قاد علماء الجزائر ورجالاتها معارك عدة ضد الاستعمار في مجالات تخصصهم، فمنهم من تولى الفتوى والوظائف الدينية الأخرى من أمثال حميدة العمالي، وعلي بن الحفاف، ومحمد غرناوط، وعلي بن سماية، والذين تلقوا تعليمهم على يد محمد الصالح الرضوي القادم من المشرق باسم الجهاد، ومنهم من وقف في وجه بيجو عدو الدين واللغة والعربية والإسلام، فظلت بذلك المدارس القرآنية تمارس مهامها السري المتمثل في تعليم القرآن الكريم وبوسائل ضعيفة، كما عارض المفتي الكبابطي إدخال اللغة الفرنسية في المدارس القرآنية مُقترحا بذلك فتح مدارس أخرى خاصة باللغة الفرنسية يؤمها من يشاء من المسلمين، كما تصدّى هؤلاء لمغتصبي الأملاك المقدسة مثل أوقاف مكة والمدينة، بل ونقموا نقمة شديدة على تهديم المساجد وإهانة المقابر والانتقام من اللغة والدين الإسلامي في عملية صليبية ممنهجة قادتها فرنسا ضد الفرد والأرض .

لم يقف الجزائريون مكتوفي الأيدي أمام الهجمات الشرسة الفرنسية لإركاعهم و فرنستهم، بل تحدوا السلطات الاستعمارية وواصلوا تعلمهم العربي والإسلامي، حيث ذكرت أحد التقارير عن بجاية وما حولها سنة 1840م أن مداشرها كان لها طالبا يُحسن اللغة العربية، ويقوم بوظيفة إمام مسجد ويُعلّم الأطفال الكتابة والقراءة وحفظ القرآن، ويشترك أهل القرية في تسديد أجره، وكان بعض هؤلاء الطلبة والذين استفادوا من تلك الميزة أن حكموا بالصلح بين الناس، فاشتهر هؤلاء المرابطون بالورع والتقوى في أماكن تواجدهم متخذين من الزوايا أماكن لتلقين أهلهم، ومن أبرزها زاوية شلاطة ذات السمعة العلمية العالية والتي تجاوزت حدود الجزائر، إذ أن الهدايا كانت تأتيها من فاس وتونس وإسطنبول .

نشطت الكثير من الشخصيات الجزائرية البارزة في محاربة الغزو الثقافي الفرنسي، فاستخدمت كافة أسلحتها العلمية والثقافية إلى درجة أنها تعرّضت للتصفية في أغلب الأحيان، والنفي في أحيان أخرى.

من بين تلك الأسماء نشط الشيخ أبو إسحاق إبراهيم أطفيش كما يعرفه العلماء، حيث ورث عن جده حب العلم واكتسب بجهده وكفاحه علما واسعا وثقافة كبيرة وأدبا مرموقا ورفيعا، فبدأ معركته في الداخل ونفي إلى تونس، لكنه ورغم ذلك لم ييأس بل سخر نفسه للجهاد ومحاربة الجمود الفكري والعيش على أطلال الماضي، فكتب أبو إسحاق عن الجمعيات الصليبية وحاربها، وشدد على خطورة النشاط المسيحي ووقف أيضا أمام كل محاولات التغريب والغزو الثقافي في بداية النهضة عن طريق المستشرقين، وبأن ذلك هو الخراف و استنقاص من قيم الدين الإسلامي الحنيف .

نموذج من العلماء الذين تصدوا للغزو الثقافي الفرنسي (المفتي الكبابطي)

سلّط المؤرخ أبو القاسم سعد الله على دور المفتي الكبابطي في التصدي للغزو الثقافي الفرنسي في الجزائر، فبحسب ما ذكره فإن أول اصطدام ثقافي (لغوي وديني) قد أخذ شكلا رسميا منذ سنة 1843م، أين وقف الشيخ الكبابطي ضد قرارات ضم الأوقاف الإسلامية إلى أملاك الدولة الفرنسية، ومحاولة فرض إدخال اللغة الفرنسية في المدارس القرآنية .

وهو يرى بأن قرار الجنرال بيجو له هدفين، الأول اقتصادي ويتمثل في الزيادة في رصيد الميزانية الفرنسية، أما الثاني فهو السيطرة على العقول وأصحاب الآراء المضادة لكل التوجهات الفرنسية في الجزائر وللوجود الفرنسي في حد ذاته .

لم يقف الجزائريون موقفا سلبيا من قرار بيجو، بل قاوموه وكانت مقاومتهم أول اصطدام ثقافي (ديني، لغوي) بينهم وبين الفرنسيين، حيث اعتمدت مواجهتهم للموقف الفرنسي على ركيزتين أساسيتين، فالأولى كانت ضد مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، أما الثانية فبالنسبة إليهم خرق اتفاقية 1830م والتي وقعها الفرنسيون والتزموا بموجبها عدم التعدي على مقدسات الجزائريين وعلمائهم .

تصدى المفتي مصطفى بن الكبابطي (مفتي المالكية) للقرار الفرنسي، وكان هو الوسيط بين الفرنسيين والأهالي، فهو يرى بأن ضم الأوقاف هو مس بالمقدسات الدينية للشعب الجزائري، وبلغتهم العربية الرسمية الوحيدة لهم، كما فسّر تعليم أحد الفرنسيين لأولادهم علم الرياضيات هو وسيلة لتحريف شخصية الصّبية، وما ذلك إلا عملية توجيه لتعليم الأطفال نحو حضارة الغالب التي هم ضدّها، وهكذا وقع التصادم والتصدي حول قرار تعليم اللغة والرياضيات الفرنسية في المدارس القرآنية، مثلما وقع التصدي لعملية ضم الأوقاف للممتلكات الفرنسية .

ووجب التنويه هنا إلى نقطة هامة ركز عليها الفرنسيون، وهي توجيه الجزائريين إلى ثقافتهم دون سواها، وإلى مناهجهم التربوية فقط، فعدت بذلك المدارس التي تم إنشائها مدارس مرفوضة وسماها الأهالي بمدارس الشيطان، فازدادوا لهفة وتهافتا على ثقافتهم الأصلية ومعاداة الثقافة الفرنسية، وشرع الأعيان في رفع العرائض والاحتياجات لتعليم أبنائهم حتى تعليما فرنسيا، لأن السلطات الفرنسية سعت بكل ما أوتيت من قوة لتقويض عملية التعليم الجزائري، وفي هذا تم رفع بعض المطالب من طرف النواب الممثلين في المجالس، ومنهم محمد بن رحال، هذا الأخير الذي دافع عن التعليم الفرنسي وعن الثقافة العربية الإسلامية التي لا تتعارض مع الثقافة الفرنسية، وكانت لهم اتصالات مكثفة مع مسؤولين فرنسيين مقترحين مشروعا من ثماني نقاط، كان أهمها إعادة تنظيم المدارس الفرنسية، ورفع عدد التلاميذ، وزيادة عدد المدارس وتعيين مدرسين فرنسيين ذوي الخبرة والمؤهلين .

إن عملية الرضوخ التي آل إليها الجزائريون في ميدان التعليم سنة 1843م ليست حُباً في التعليم الفرنسي، ولكن حماية الأطفال من الجهل والأمية، بل وعملية تجهيل الجزائريين ككل، فالشيخ الكبابطي عارض المواقف الفرنسية على أسس دينية ووطنية، ورأى في ما فعله الفرنسيون تعديا على الدين الإسلامي بصفة عامة وعلى الأوقاف بصفة خاصة، وعلى لغة القرآن بصفة عامة .

دور الوعي الثقافي والحضاري في التصدي للغزو الفرنسي