مقدمة
على الرغم من الاحتلال المتواصل للجزائر من الإسبان إلى الفرنسي وقبلهم، إلا أن تاريخ الجزائر الثقافي لا يكاد يخلوا من مظاهر ثقافية متعددة كان لها تأثير إيجابي في حياة الساكنة، وخير دليل على ذلك تمسك الفرد الجزائري بهويته وعروبته وإسلامه، على الرغم من سياسة التنصير الممنهج والذي اعتمد عليه الاستعمار الفرنسي للقضاء على هوية الجزائريين لا تكاد تخلوا الجزائر في العهد العثماني من مؤسسات ثقافية ازدهرت في تلك الحقبة نتيجة ما لعبه المسجد والمدرسة ودور الزوايا والكتاتيب من دور في التعليم القرآني وغيره للجزائريين، بحيث اهتم العثمانيون بالجزائر كأفراد ببناء المساجد وتحبيس الأوقاف عليها، باعتبار أن هذا الوقف من أهم مظاهر الحضارة الإسلامية نظرا لما له من دور أساسي في تعليم الفرد.
ومنذ احتلال فرنسا للجزائر تصدى السكان لكل مظاهر محاربة الدين الإسلامية وهوية الجزائريين، فعلى الرغم من تحطيم المساجد والقضاء عليها وتحويل أغلبها إلى كنائس، إلا أن الجزائريين حافظوا على هويتهم وتمسكوا بمعتقدهم، وتم تلقين الأطفال المبادئ والمُثل العليا الإسلامية في القرى والأرياف خلسة عن الاستعمار الذي سعى جاهدا لمحاربتها مهما كلفه ذلك من ثمن.
ومع مطلع القرن العشرين وبداية النهضة العربية، ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى برزت إلى الوجود تيارات جزائرية مثقفة من أمثال الأمير خالد، وتأسس حزب نجم شمال إفريقيا والذي طالب بالاستقلال التام منذ تأسيسه مركزا على أحقية الجزائريين في الحرية وممارسة نشاطاتهم الثقافية دون ضغط أو تتبع أو مراقبة مستمرة من الاستعمار، هذا الأخير الذي مارس كل حريته في البطش والتنكيل وتصفية الوطنيين الجزائريين.
ومع الاحتفال بمرور مائة عام من احتلال فرنسا للجزائر تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بوصفها تياراً إصلاحياً ساهم من الإصلاح وتهيئة النشأ للتعليم القرآني، فأنشأت الجمعية مدارس عدة سهر عليها علماؤها من أمثال البشير الإبراهيمي وابن باديس والعربي التبسي وغيرهم، لتختتم مرحلة نهاية الحرب العالمية الثانية بظهور وعي آخر ساهمت فيه بعض التيارات الوطنية الأخرى في نشر الوعي الثقافي والحضاري الذي أسهم فيما بعد في الثورة ضد الاستعمار بإعلان يوم أول نوفمبر 1954م كتاريخ كان له أكثر من دلالة، بحيث أعلنت الثورة والتي انتهت بالاستقلال بعد مسيرة حافلة من البطولات والإنجازات.