مخطط الموضوع

  • تحضير ثورة أول نوفمبر 1954 واندلاعها

    تحضير ثورة أول نوفمبر 1954 واندلاعها

     أ ـ لقاء مجموعة الاثنين وعشرين:

    بعد فشل تجربة اللجنة الثورية للوحدة والعمل، عقد أعضاء من المنظمة الخاصة اجتماعا سمى نسبة للعدد المناضلين الذين حضروه ، وقد تبنى فكرة عقد هذا الاجتماع وحضّر له أربعة هم:("محمد بوضياف"، "مصطفى بن بولعيد"، "ديدوش مراد"، "محمد العربي بن مهيدي").

    عقد هذا الاجتماع في أواخر شهر جوان سنة 1954 وهناك من يذكر أنه يوم الخامس والعشرين منه وبالتحديد، في دار المناضل "الياس دريش" بـ (كلود صالمبي سابقا) (المدنية حاليا) بالجزائر العاصمة، واستغرق هذا اللقاء يوما كاملا، ترأس جلسته "مصطفى بن بولعيد" في الوقت الذي قدّم فيه "محمد بوضياف" تقريرا كان قد أعد أثناء الجلسات التحضيرية من قبل كل أعضاء الفريق، وأحيانا بمساعدة كل من " محمد العربي بن مهيدي"، و"ديدوش مراد" كما يخبر بذلك "محمد بوضياف"، ومن جملة ما تناوله التقرير ما يلي:

    1 ـ تاريخ المنظمة الخاصة منذ نشأتها إلى حين حلها.

    2 ـ حصيلة القمع الاستعماري والتنديد بالسلوك الانهزامي لقيادة الحزب.

    3 ـ العمل الذي أنجزه قدماء المنظمة الخاصة في الفترة الممتدة من (1950 إلى 1954).

    4 ـ أزمة الحزب وأسبابها العميقة.

    5 ـ موقف أعضاء المنظمة الخاصة في اللجنة الثورية للوحدة والعمل.

    6 ـ وجود الحرب التحريرية في تونس والمغرب.

    وانتهى التقرير بالعبارة التالية: ((نحن قدامى المنظمة الخاصة يرجع إلينا اليوم القرار في التشاور وتقرير المستقبل)).

    وكذلك في هذا الاجتماع طرحت نقطة الثورة هل حان وقتها أم لا؟. وقد أثارت نقاشا حادا، حيث عن هذا يتحد "محمد بوضياف" قائلا: ((وقد خصصت فترة الظهيرة لمناقشة التقرير، والتي تمت في جو من الصراحة والأخوة، واتضح موقفان: أولهما؛ تمثله العناصر الجاري عنها، وتفضل المرور الفوري نحو العمل كوسيلة وحيدة لتجاوز الوضعية الكارثية، ليس فقط بالنسبة للحزب، ولكن لمجموع الحركة الثورية. أما التوجه الثاني؛ ودون أن يرفض ضرورة العمل الثوري اعتبر أن وقت اندلاعه لم يحن بعد. وكان تبادل الحج شديدا جدا، وقد حسم الأمر بعد التدخل المؤثر لـ "سويداني بوجمعة"، والذي بعينيه الدامعتين أنب الصامتين قائلا: نعم أم لا؟. هل نحن ثوار؟. إذن ماذا ننتظر للقيام بهذه الثورة، إذا كنا صادقين مع أنفسنا)).

    كما حرّر "محمد العربي بن مهيدي" مذكرة تمت المصادقة عليها، وهي تدين صراحة الانشقاق داخل الحزب ومسببه، كما توضح إرادة مجموعة من الإطارات لوقف آثار الأزمة،  ولإنقاذ الحركة الوطنية الجزائرية من التصدع، قرّرت القيام بالثورة المسلحة. وانتهت بعبارة: ((إن الاثنين والعشرين يكلفون المسؤول الوطني الذي يتم انتخابه بوضع قيادة ستكون مهمتها تطبيق قرارات هذه المذكرة)).

    وبهذا تم انتخاب المسؤول الوطني فقط بأغلبية الثلثين، وهو يختار بقية أعضاء اللجنة، وفعلا أخبر "مصطفى بن بولعيد" "محمد بوضياف" أنه تمّ انتخابه كمسؤول وطني، والذي بدوره لم يترددّ بعد هذا اللقاء بيوم باستدعاء "بن بولعيد" و"ديدوش" و"بن مهيدي"، و"بيطاط" وتشكلت لجنة الخمسة التي قررّت  ما يأتي:

    ـ جمع قدامى المنظمة الخاصة وإدماجهم من جديد في الهيكل.

    ـ استئناف التدريبات العسكرية انطلاقا من كتيب المنظمة الخاصة الذي أعيد طبعه.

    ـ إقامة فترات تربصيه في مجال التفجيرات لصنع القنابل الضرورية عند الانطلاق.

    ـ ووزعت المسؤوليات على أعضاء اللجنة، وتم التركيز على مضاعفة الاتصالات مع مسؤولي القبائل الذين كانوا لا يزالون مترددين من أصحاب فكرة تفجير الثورة، وفي صف المؤيدين للزعيم "مصالي الحاج" في صراعه مع المركزيين.

    ب ـ التحضيرات لتفجير الثورة:

    في شهر جويلية 1954 اتصل "محمد بوضياف" بـ "أحمد بن بلة" في (بيرن) بسويسرا وأعلمه بما شرع فيه، وما ينتظرونه من المندوبية الخارجية، وبعد موافقته الفورية أخذ "أحمد بن بلة" السير في هذا الطرح وأبلغ "محمد خيضر" و"حسين آيت أحمد"، وكذا عمل على إقناع المصريين بهذا الأمر لإمداد يد العون، وبالفعل تمكن من ذلك. ومن جهتها استطاعت لجنة الخمسة من إقناع مسؤولي القبائل ممثلين في شخصي "كريم بلقاسم" و"عمر أوعمران"، للانضمام وكان ذلك في شهر أوت، وبذلك أدمج كريم بلقاسم في لجنة الخمس فأصبحت ستة.

    أما بخصوص الأسلحة الذي بقيت مشكلته مطروحة، ولم يتمكن قادة الثورة الأوائل من إدخال أي قطعة سلاح من الخارج، اللهم السلاح الذي كان مخبأ في الأوراس وكان قد جمع في عهد المنظمة الخاصة، وهو السلاح الذي كان سلحت منه غالبية المناطق، حين أنه منذ أوائل شهر أكتوبر شرع "مصطفى بن بولعيد" في إخراجه وتوزيعه على مراحل وسلّمه إلى المسؤولين في المناطق الآتية: (السمندو، الخروب، تيزي وزو، ذراع الميزان، بريكة، خنشلة، الولجة)، وكان ينقل هذه الحصص من السلاح والذخيرة بنفسه صحبة "شيهاني بشير" في سيارته تارة وفي سيارة "فرحات بن شايبة" تارة أخرى.

    وبعد اللقاءات التحضيرية المتكررة لأعضاء لجنة الستة في شهر أكتوبر 1954، تمّ تحديد يوم الفاتح نوفمبر من نقس السنة، الذي يصادف يوم الاثنين يوم عيد جميع القدسيين وكذلك لأنه يوم أول الشهر يستفيد أفراد الجيش الفرنسي من الإجازة.

    كما تقرّر أن تكون كلمة السر ("عقبة" "خالد")، وأن يكون اسم المولود الذي يقود الثورة (جبهة التحرير الوطني)، وورقة الازدياد (نداء موجها إلى كافة أفراد الشعب الجزائري).

    وهو النداء الذي تضمن بالإضافة إلى الأسباب الداعية إلى استعمال العنف الثوري كسبيل أوحد لتحقيق الاستقلال الوطني، وبرنامج عمل واضح أساسه الكفاح المسلح الذي لا يتوقف إلا بعد إقامة الدولة الجزائرية ولا يغلق الباب في وجه التفاوض على أساس الاعتراف للشعب الجزائري بحق تقرر مصيره، أما شروط الحل السلمي فقد حصرها النداء في:

    ـ الاعتراف بالجنسية الجزائرية بطريقة علنية ورسمية ملغية بذلك كل الأقاويل والقرارات والقوانين التي تجعل من الجزائر أرضا فرنسية التاريخ والجغرافية واللغة والدين.

    ـ فتح مفاوضات مع الممثلين المفوضين من طرف الشعب الجزائري على أساس الاعتراف بالسيدة الجزائرية واحدة لا تتجزأ.

    ـ خلق جو من الثقة وذلك بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ورفع كل الإجراءات الخاصة، وإيقاف كل مصادرة ضد القوات المكافحة.

      وغيرها من النقاط التي تتطرق إليها نص البيان.

    ومن جهة أخرى؛ فإن اللجنة التحضيرية قد قسمت البلاد جغرافيا إلى ست مناطق، عينت على كل واحدة منها مسؤولا، ماعدا منطقة الجنوب الذي تذكر المصادر والمراجع أنه يدعى "سي العربي" أو "لاجدوان سليمان" تحت مسؤولية قائد المنطقة الأولى "مصطفى بن بولعيد"، وهي المناطق التي جاءت على الشكل الآتي:

    1 ـ المنطقة الأولى (الأوراس النمامشة) " على رأس قيادتها "مصطفى بن بولعيد".

    2 ـ المنطقة الثانية (الشمال القسنطيني) على رأس قيادتها "ديدوش مراد".

    3 ـ المنطقة الثالثة (القبائل) على رأس قيادتها "كريم بلقاسم".

    4 ـ المنطقة الرابعة (الجزائر وضواحيها) على رأس قيادتها "رابح بطاط).

    5 ـ المنطقة الخامسة (الغرب الجزائري) على رأس قيادتها "محمد العربي بن مهيدي".

    6 ـ المنطقة السادسة (الجنوب) على رأس قيادتها "سي العربي" ("لاجدون سليمان") يوضع تحت تصرف "بن بولعيد" إلى حين هيكلتها.

    أما "محمد بوضياف" فيتوجه إلى الخارج ليسلم البيان إلى البعثة المستقرة في القاهرة ليعلن نبأ اندلاع الثورة من لإذاعة صوت العرب حسب التاريخ المحدّد، غير أنه لم يتمكن من الوصول في الوقت المحدّد وسلمه في اليوم الثاني من شهر نوفمبر 1954، وأعلن عن الثورة في إذاعة صوت العرب من القاهرة.

    ج ـ اندلاع الثورة:

    كان الغرض من العمليات الأولى لليلة الفاتح نوفمبر 1954 هو الإيذان باندلاع الثورة من جهة، وليس إحداث المزيد من الخسائر والضحايا من جهة ثانية، وإنما إحداث المفاجأة للإدارة الاستعمارية وزرع الرعب والخوف في قلوب المستوطنين الأوروبيين (الكولون)، ومن جهة ثالثة؛ كان حرص القائمين على العمليات هو تجنب إلحاق الضّرر بالأوروبيين المدنيين حتى لا يمكنوا الإدارة الاستعمارية أن تتهمهم بالقتل والإرهاب.

    وقد تميزت ليلة الفاتح من نوفمبر بتنظيم محكم يدل دلالة واضحة على وجود مخطط مدروس يتسم بالجدية والعزم: فعند منتصف الليل وبالضبط، وفي مناطق مختلفة من أنحاء الوطن، نفذت عمليات عسكرية ووزعت المنشورات باللغتين العربية والفرنسية. واستعمل الثوار، في كافة العمليات أسلحة تكاد تكون موحدة: فالقنابل التي تمّ تفجيرها مصنوعة محليا، والأسلحة أغلبها أسلحة صيد أو هي من بقايا الحرب العالمية الثانية التي حافظ عليها مناضلو مسؤولو المنظمة الخاصة، والتي لم تقع في قبضة سلطات الأمن الفرنسية.

    ومن جهتها الولاية العامة حدّدت عدد حوادث ليلة الصفر بثلاثين حادثا أخطرها في الأوراس، ثم القبائل ثم العاصمة والشمال القسنطيني وأخيرا وهران. وتناقلت نتائج هجومات الأفواج الأولى لهذه الليلة الصحف العالمية، وعنها قالت صحيفة (البصائر) في عددها (292) ليوم الخامس من شهر نوفمبر من نفس السنة، والتي عنونت موضوع المقال الذي يعنيها بـ (حوادث الليلة الليلاء...) حيث قالت ما يلي: ((رأينا أنه لا يمكن أن يخلو هذا العدد من جريدتنا من ذكر هذه الحوادث التي تناقلت صحف العالم بأسره تفاصيلها فقررّ الاكتفاء بذكر أهمها، تاركين الحقائق عن أسرارها، ولسوف نتتبع ذلك بغاية الدقة والاهتمام:

    ـ مدينة الجزائر: انفجرت قنبلة من الصنع المحلي أمام بوابة راديو الجزائر فأحدثت أضرارا، وقد وجدت قنبلتان لم تنفجرا.

    ـ في مدينة بوفاريك: انفجرت قنبلة في مستودع خزان الفواكه فاحترق المستودع الذي تبلغ قيمته خمسة ملايين فرنك، وأحرقت الصناديق الخشبية المعدة للتصدير وقيمتها خمسة وعشرون (25) مليونا.

    ـ في بابا علي (قرب العاصمة): وقع إحراق معمل الورق، وتمكنت فرق المطافئ بعد جهد جهيد من إخماده النيران.

    ـ في مدينة العزازقة : وقعت مهاجمة دار الجندرمة، ورميت بسبعة وأربعين رصاصة تبين أنها من رصاص البنادق الطليانية صنع سنة 1946، وفي الوقت نفسه وقع إشعال النار في مستودع البهش (قشر القرنان) الذي تملكه إدارة الغابات والمياه فكانت الخسائر به عظيمة جدا، والتهمته النيران، وبلغت قيمة الخسائر نحو الخمسين مليونا.

    ولقد حطمت في ذلك الوقت أعمدة الأسلاك التابعة لإدارة البريد، فأصبحت المدينة في عزلة تامة.

    ـ في بقية بلاد القبائل الكبرى: وحول مدن وقرى: ـ بوغني ـ دلس ـ بوبراك ـ برج منايل ـ آقبو ـ وغيرها وقع تحطيم وإتلاف أعمدة الأسلاك التلفونية.

    ـ في ذراع الميزان: وقع التحام قتل فيه أحد حراس الغابة...

    ـ في عمالة وهران: وقعت محاولة تحطيم المولد الكهربائي وفي ولِّيس، لكن العمليات لم تسفر عن خسائر...

    ـ في عمالة قسنطينة: كانت الحوادث كثيرة وخاصة في شرقها وجنوبها.

    ـ وفي خنشلة: وقعت مهاجمة إدارة الحوز الممتزج وكوميسارية البوليس، كما وقعت مهاجمة رجال العسكرية، ووقع تحطيم الخزان الكهربائي، وقتل ثلاثة رجال من الجيش.

    ـ في بسكرة: وقع تفجير قنبلة أمام المعمل الكهربائي، كما انفجرت قنابل أخرى أمام الثكنة العسكرية، وأمام (الكوميسارية) وفي محطة السكة الحديدية ولقد جرح أحد رجال البوليس كما جرح، كما جرح أحد الحراس...

    ـ في الأوراس وفي المنطقة الجبلية الوعرة الشاسعة، وقعت عدة حوادث في شتى الجهات وكان الرجال المسلحون يباشرون العمليات ثم ينسحبون إلى الجبال ويدمرون وراءهم الجسور ولقد قتل واحد منهم وجرح آخرون، وحاولوا الاستيلاء على منجم إيشمول، لكنهم انسحبوا بعد معركة عنيفة أطلقت خلالها ستمائة طلقة نارية.

    ـ وحوصرت مدينة(آريس) المركزية في الأوراس من طرف الرجال المسلحين.

    ـ في باتنة: وقع إطلاق الرصاص بقوة مدة ساعة من الزمن، كان يسمع على مسافة كيلومترين من المدينة، وهوجمت ثكنة فرقة (الشّاسور) فقتل بها جنديان، واكتشفت قنبلة مستودع الثكنات، لكنها لم تنفجر.

    ـ في الخروب: وقع إطلاق القذائف النارية على حارس مستودع للوقود العسكرية لكنه لم يصب بسوء.

    ـ في السمندو: وقعت مهاجمة دار الجندرمة كبيرة وكسر بابها الخارجي، وأطلق الرصاص على داخلها.

          وأسفرت كامل هذه الحوادث عن سبعة من القتلى وعدد من الجرحى لم يعرف بعد.

    هذه خلاصة وجيزة من الأعمال التي وقعت يوم الاثنين لخصناها بغاية الدقة عن الصحف الفرنسية...)).

     


    • ردود الفعل الأولية (الإدارة الاستعمارية والوطنية) لثورة أول نوفمبر 1954.

      ردود الفعل الأولية لثورة أول نوفمبر  1954

      (الإدارة الاستعمارية والهيئات والأحزاب الجزائرية)

      أ ـ الإدارة الاستعمارية:

      في يوم 02 نوفمبر نشر الحاكم العام "روجي ليونار" بلاغا هذا نصه: ((في الليلة الماضية أقترف نحو ثلاثين اعتداء في عدة جهات من القطر، وخاصة في عمالة قسنطينة وفي جهة أوراس، على خطورة متفاوتة، من طرف عصابات إرهابية صغيرة، فقتل ضابط وجنديان في خنشلة وباتنة، وكذلك حارسان ليليان في القبائل. وقد أطلقت عيارات نارية على الدرك، كما استعملت مفرقعات ومحرقات بدائية لم تنشأ عنها خسائر غالبا. واتخذت إجراءات الحماية والقمع التي يستلزمها الموقف، من طرف الولاية العامة، التي طلبت وسائل عمل إضافية وحصلت عليها حينا. إن السكان الذين يبرهنون حاليا، في جميع الأوساط، على هدوء كبير ورباطة جأش ليستطيعون أن يطمئنوا إلى أننا سنتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان أمنهم، وقمع التصرفات الإجرامية المرتكبة)).

      ومن جهته؛ فإن السيد "ميسكاتلي"، ممثل ولاية الجزائر العاصمة في مجلس الشيوخ الفرنسي، قد صرح بأن الأحداث التي تهز المستعمرة منذ ثلاثة أيام، ما هي إلا دلالة واضحة على التضامن الوطيد بين مختلف الحركات الوطنية التي تشوش شمال إفريقيا بأسره، بل أن ما يتم في واحدة من أقطار المغرب، إنما هو باتفاق الجميع ومن تخطيط كل القيادات المتمردة على السيدة الفرنسية.

      وفي المقابل من هذه التصريحات صدر مرسوم بتاريخ الخامس من شهر نوفمبر ونشر على أعمدة الجريدة الرسمية التي تحمل تاريخ السابع من نفس الشهر، يقضي بحل حركة انتصار الحريات الديمقراطية وكل المنظمات والهيئات التابعة لها وتحريم نشاطها في كافة أنحاء تراب الجمهورية الفرنسية بما في ذلك ما يسمى بعمالات الجزائر. وأعطيت الأوامر لمصالح الأمن في مختلف أنحاء البلاد فألقت القبض خلال الأسبوع الأول من نوفمبر وحده، على أكثر من 500 رجل من مناضلي ومسؤولي الحركة الوطنية وزجت بهم في السجون تستنطقهم بحثا عن الحقيقة ومن أجل التوصل إلى القيادة العاملة في كل منطقة.

      ب ـ الهيئات والأحزاب الجزائرية:

      1 ـ الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري:

      كان تعليق رئيسه "فرحات عباس" من عمليات ليلة الفاتح نوفمبر: ((إنها اليأس والفوضى والمغامرة))، كونه لم يكن يؤمن بالعنف الثوري، ويرفض أن يجد حل المشكل الجزائري في الانفصال عن الوطن الأم.

      وفي العدد السادس من (جريدة الجمهورية) اللسان المركزي للاتحاد قال "فرحات عباس" في مقال عن أحداث نوفمبر كان ملخصه ما يلي:

      ـ إن موت المعلم (ويقصد "مونرو" الذي أعدمه الثوار في طريق آريس) قد أثر فينا تأثيرا وبكيفية خاصة ... إنها خسارة أصابتنا في الصميم، بل إن الشعب الجزائري كله قد أصيب في أعماقه.

      ـ يجب أن يقتنع الفرنسيون والمسلمون أن تشتتهم أمر قاتل بالنسبة للبلاد بأكملها.

      ـ إن موقفنا معروف وهو لا يشكو أدنى غموض، إننا سنظل مقتنعين بأن العنف لا يسوي أي شيء.

      2 ـ الحزب الشيوعي الجزائري:

      في اليوم الثاني من شهر نوفمبر أصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي الجزائري بيانا سياسيا يدين فيه جبهة التحرير الوطني، ويعلن أنه أرسل وفدا برئاسة "نيكولا زانتا كسي" ((ليخبر الرفاق في منطقة الأوراس بأن الحركة لاحظ لها في النجاح، وليأمرهم بعدم الاشتراك فيها لا من قريب ولا من بعيد)).

      وجاء في البيان أيضا أن الشيوعيين يفضلون الحل الديمقراطي الذي يحترم مصالح كل السكان الجزائريين بدون تمييز في الجنس والدين، ويأخذ بعين الاعتبار مصالح فرنسا.

      3 ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:

      كان رد فعل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من اندلاع ليلة الفاتح نوفمبر 1954 يتضح من خلال بيان مكتبها بالقاهرة والممضى من طرف رئيسها الشيخ "محمد البشير الإبراهيمي والشيخ "الفضيل الورتلاني" الصادر في اليوم الثاني من شهر نوفمبر 1954، والذي وزع على الصحافة المصرية ووكالات الأنباء العالمية، والذي جاء فيه ما يلي: ((أذاعت عدة محطات عالمية في الليلة البارحة أن لهيب ثورة اندلع في عدة جهات من القطر الجزائري، سَمَّتْ عدة بلدان من وطننا العزيز بعضها صحيح اللفظ، وبعضها محرف، لكننا عرفناها ولو من لحن القول، لأنها أفلاذ من ذلك الوطن العزيز الذي لا نسلوه ولو سلا المجنون ليلاه، لأننا درجنا على ثراه من نوط التمائم، إلى لوث العمائم، وستختلط مع ثراه أعظمنا الرمائم.

      ثم قرأنا في جرائد اليوم بعض تفصيل لما أجملته الإذاعات، فخفقت القلوب لذكرى الجهاد الذي قسمت فرائضه لكان الجزائر منه حظان بالفرض والتعصيب، واهتزت النفوس طربًا لهذه البداية التي سيكون لها ما بعدها، ثم طرقنا طارق الأسى لأن تكون تلك الشجاعة التي هي مضرب المثل لا يظاهرها سلاح، تلك الجموع التي هي روق الأمل لا يقودها سلاح. إن اللحن الذي يشجي الجزائري هو قعقعة الحديد في معمعة الوغى، وإن الرائحة التي تعطر مشامه هي رائحة هذه المادة التي يسمونها البارود.

      أما نحن المغتربين عن الجزائر فو الله لكأنما حملت إلينا الرياح الغربية ـ حين سمعنا الخبر ـ روائح الدم زكية، فشارك الشم الذي نشق السمع الذي سمع والبصر الذي قرأ، فيتألق من ذلك إحساس مشبوب يصيّرنا ـ ونحن في القاهرة ـ وكأننا في موقع  النار من خنشلة وباتنة)). ثم تُبع هذا البيان ببيان آخر  في 15 نوفمبر من نفس الشهر ممضى أيضا من طرف الشيخين "محمد البشير الإبراهيمي" و"الفضيل الورتيلاني": ((... هذا هو الصوت الذي يُسمع الآذان الصم، وهذا هو الدواء الذي يفتح الأعين المغمضة، وهذه هي اللغة التي تنفذ معانيها إلى الأذهان البليدة، وهذا هو المنطلق الذي يقوم القلوب الغلف، وهذا هو الشعاع الذي يخترق الحجب والأوهام. كان العالم يسمع ببلايا الاستعمار الفرنسي لدياركم، فيعجب كيف لم تثورا، وكان يسمع أنينكم وتوجعكم منه، فبعجب كيف تؤثرون هذا الموت البطيء على الموت العاجل المريح، وكانت فرنسا تسوق شبابكم إلى المجازر البشرية، في الحروب الاستعمارية ممالكها، وحماية ديارها، ولو أن تلك العشرات من الآلاف من أبنائنا ماتوا في سبيل الجزائر، لماتوا شهداء وكنتم بهم سعداء.

      ... أيها الإخوة الجزائريون الأبطال: ... إنكم مع فرنسا في موقف لا خيار فيه، ونهايته الموت، فاختاروا ميتة الشرف على حياة العبودية التي هي شر من الموت. إنكم كتبتم البسملة بالدماء، في صفحة الجهاد الطويلة الجهاد الطويلة العريضة، فاملآها بآيات البطولة التي هي شعاركم في التاريخ، وهي ارث العروبة والإسلام فيكم)).

      4 ـ حركة انتصار الحريات الديمقراطية:

      في الخامس من شهر نوفمبر 1954 تمّ حل حركة انتصار الحريات الديمقراطية من طرف الإدارة الاستعمارية الفرنسية واعتقلت الكثير من المناضلين سواء من الطرفين المتخاصمين المصاليين أو المركزيين، رغم أن هؤلاء الآخرين ـ أي المركزيين ـ منذ الأسبوع الأول للثورة أرسلوا عدة برقيات إلى باريس يحتجون على الاعتقال والقمع ويقترحون ويؤكدون أن المشكل سياسي، وأن الأحداث نابعة من الجزائر فلم تكن وراءها روسيا ولا أمريكا ولا بريطانيا ولا مصر، كما شاركوا في مساع مشتركة مع غيرهم في الجزائر، وفي وفد مشترك مع جميع الأحزاب إلى باريس لشرح القضية إلى أن اعتقلوا، ثم بعد إطلاق سراحهم انضموا في أغلبهم إلى الجبهة ثم التحقوا بالقاهرة أو بتونس أو بالمغرب، وقاموا بأدوار في الثورة.

      المصاليون: بالنسبة لـ "الحاج مصالي" فقد أسس بعد اندلاع الثورة حركة جديدة مناهضة للجبهة التحرير الوطني سماها (الحركة الوطنية الجزائرية) وذلك في شهر ديسمبر 1954 وجعل لها جناح عسكري تابعا لها تزعمه "محمد بلونيس" الذي سيدخل في صراع مع جيش التحرير الوطني، مثلما ستدخل الحركة الوطنية الجزائرية في باريس مع جبهة التحرير الوطني في صراع مرير يستغله الاحتلال لمحاولة ضرب الثورة وجعلها واحدة من الأوراق في فترات منها.


      • هجومات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني.

        هجومات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني

        من أبرز أحداث سنة 1955 هجومات 20 أوت بالشمال القسنطيني أي في المنطقة الثانية التي كان رأس قيادتها في هذه الفترة القائد زيغود يوسف الذي كان خلف قائدها عند اندلاع الثورة ديدوش مراد كان قد استشهد يوم 18 جانفي 1955 على اثر معركة مع العدو في وادي بوكركر بسمندو (سكيكدة).

        وحول فكرة انتفاضة 20 أوت فتجمع روايات مسؤولو المنطقة الثانية الذين عاشوا تلك الفترة أن "زيغود يوسف" هو صاحب فكرتها، فعندما اختمرت في ذهنه نقلها إلى مساعديه الأقربين وفي مقدمتهم لخضر بن طوبال، ولقد كان زيغود من قدماء المنظمة الخاصة، والمناضلين البارزين في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، لأجل ذلك، وعلى عكس من يزعم بأنه لم يكن يعرف ما يمكن أن تنتهي إليه الانتفاضة من عواقب وخيمة، فإننا نستطيع التأكيد بأنه كان مقدرا لكل الاحتمالات.

        فالمشرفون على المنظمة الخاصة كانوا يركزون على نظرية حرب العصابات، وعلى كل المناهج التي من شأنها تعبئة الجماهير وجعلها تتحمل مسؤولياتها كاملة، وفي هذا الإطار كان "زيغود يوسف" يقول دائما: ((إن القمع الأعمى يولد القمع الأعمى، والعنف يدعو إلى العنف)).

        وعلى هذا الأساس فاذا تمكنت جبهة التحرير الوطني من إقناع السكان العزل بضرورة الانضمام إلى أفراد جيش التحرير الوطني في عملية هجومية ضد الاستعمار وقواته بجميع أنواعها، فإنها ستتسبب في رد فعل عنيف يقطع خط الرجعة على المترددين، ويوقظ الحسن الوطني لدى عامة المواطنين. ويمكن حصر أهداف انتفاضة العشرين أوت فيما يلي:

        1 ـ مضاعفة عدد مراكز التوتر في أماكن كثيرة من المنطقة الثانية ليرفع الحصار المضروب على منطقة الأوراس التي كانت تعاني من عمليات التمشيط المبكرة آنذاك.

        2 ـ نقل الحرب الساخنة من الجبال والأرياف إلى المدن والقرى، وبذلك يتم ضرب عصفورين بحجر واحد: فمن جهة يخفف الضغط المفروض على الريف من أجل محاولة خنق التنظيم الثوري في مهده، ومن جهة أخرى ليتأكد الاستعمار من أن الثورة في كل مكان، ولكي تتسع الهوة بين السلطات الاستعمارية والجزائريين الذين كانوا ما يزالون مترددين.

        3 ـ إقناع الرأي العام الفرنسي والرأي العام العالمي بأن الشعب الجزائري قد تبني جبهة التحرير الوطني، وهو مستعد لمجابهة الرشاشات والدبابات حتى بالحجارة والفؤوس والعصى من أجل تحرير البلاد.

        4 ـ تدويل القضية الجزائرية، وذلك بحمل الجمعية العامة للأم المتحدة على تسجيلها في جدول أعمال دورة 1955.

        5 ـ لتكون تلك الأحداث الدامية تعبيرا صادقا عن تضامن الجماهير مع الشعب المغرب الشقيق ممثلا في شخصية محمد الخامس.

        يذكر المؤرخون أن انتفاضة 20 أوت وقعت عند منتصف النهار، ولكن الدافع الحقيقي الذي يقف وراء اختيار زيغود يوسف تلك الساعة من النهار كما يبدو أنها هي وقت آذان صلاة الظهر، وأراد أن تمتزج الدعوة إلى الصلاة بدعوة الجهاد، وهو الذي حدث في أغلبية القرى والمدن.

        كما هناك أسباب أخرى من جملتها، مثلا كون منتصف النهار هو موعد وجبة الغذاء عند الأوروبيين المدنيين، لأن العسكريين يتغدون قبل ذلك بساعة كاملة أو بنصف ساعة، ثم أن الوقت صيف، وبعد الظهر تشتد الحرارة، ومعظم أفراد الجيش الفرنسي غير معتادين على ذلك.

        مهما يكن؛ فإن الهجوم قد بدأ في الوقت المضبوط ولكن ليس في كل الجهات المحددة بل يمكن الجزم أن الجهة التي كان يشرف عليها الشهيد زيغود يوسف مباشرة هي التي نفذت الخطة بكل دقة، لذا وقع كل الثقل تقريبا على الشريط الممتد من سكيكدة القل وقسنطينة شاملا على الخصوص مدينة سكيكدة وضواحيها مدينة رمضان حاليا، مدينة الحروش مدينة مزاج الدشيش، مدينة سيدي مزغيش، مدينة زيغود حاليا، مدينة وادي زناتي، ثم مدن القل والميلية وقسنطينة والخروب. فشن جيش التحرير الوطني بمساعدة السكان في الشمال القسنطيني هجوما على 36 مركزا استيطانيا.

        لقد كانت عمليات القمع وحشية، استهدفت كل المواطنين بدون تمييز وأن كان الاختبار يذهب، غالبا إلى الرجال والشباب، واختلفت الجهات في تقرير عدد القتلى، فالمصادر الفرنسية تحدثت عن حوالي ألف وخمسمائة شخص من بينهم حوالي مائة وعشرين أوروبيا. وذكر المؤرخ الفرنسي "شارل روبير أجرون" أن رقم عدد القتلى كان 1273 قتيل و 123 شخصا بينهم 71 أوروبيا.

        أما جبهة التحرير الوطني فنشرت يومها أسماء وعناوين اثنى عشر ألف قتيل وقتيلة، والأكيد أنههم يكونوا أكثر بكثير، حسب شهادة الجنود الفرنسيون الذي يتحدث عن مدينة سكيكدة الذي يقول: ((إننا شرعنا نطلق الرصاص على الجميع بدون تفريق ...وكان قادتنا يحددون الأوامر باستهداف كل العرب الذين نلقاهم ... وظللنا مدة ساعتين لا نسمع غير صوت الأسلحة الأوتوماتكية نقذف النار على الجمهور... بعد ذلك جاءت أوامر جديدة تقضي بجميع الأسرى، وفي الغد، على السادسة صباحا سطرت المدافع الرشاشة أمامهم ثم أطلق الرصاص وبعد عشر دقائق انتهى كل شيء، وكانت أعدادهم هائلة إلى درجة أن دفنهم استوجب استعمال الجرافة)).

        مهما كان عدد الضحايا، فإنه يبقى قليلا إذا ما قارناه بالنتيجة الإيجابية كون أهدافها قد تحققت، فيقظة الحس الوطني لدى منتخبي الدرجة الثانية من الجزائريين الذين سيصدرون لائحتهم المشهورة (مذكرة الواحد والستين) بعد حوالي شهر من قوع الانتفاضة الذين استقالوا تأثرا وخوفا، كما أن المجلس الوطني الفرنسي قد خصص، نتيجة لذلك ثلاثة أيام في منتصف شهر أكتوبر للتداول حول القضية الجزائرية، أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فإنها بفضل موقف بلدان العالم الثالث، قد سجلت المسألة الجزائرية، في جدول أعمال دورة سنة 1955، وكان ذلك بأغلبية صوت واحد، وأكتفى لدى الأمم المتحدة بالانسحاب بينما في الجزائر صرح الوالي العام "جاك سوستيل" قائلا: ((أن ما وقع في نيويورك أثمن من قافلة أسلحة توجه إلى جبهة التحرير الوطني)). كما قال بعد الأحداث بأسابيع: ((هناك تاريخان يفرضان نفسيهما على الذهن وهما : فاتح نوفمبر و20 أوت وهذا الأخير أكثر لأن سلسلة الحوادث بعده قد تكاثرت)).

        فنتائج هذه الهجومات كبيرة على مختلف الأصعدة على المستوى العسكري أكدت لسلطات الاحتلال عدم قدرتها على محاصرة الثورة وأن جيش التحرير يستطيع أن يضرب في أي مكان من أرض الوطن، على المستوى السياسي المحلي وضعت حدا للمناورات التي كانت تحاك لعزل الثورة عن محيطها الاجتماعي وشق وحدة الصف حول مطلب الاستقلال الدولي دعم الجهد الذي تبذله الدول العربية ودول مؤتمر باندونغ من أجل تسجيل القضية الجزائرية في الأمم المتحدة، كما رفعت معنويات الشعب عاليا وحطمت في المقابل معنويات المستوطنين الذين بدأ البعض منهم يفكر في الرحيل منذ هذا التاريخ. كما قضت على أحلام "جاك سوستيل" في تجسيد مشروعه الإصلاحي الذي كان يهدف من وراءه القضاء على الثورة وخنقها في المهد.


        • مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 النتائج والقرارات.

          مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 النتائج والقرارات

          أ ـ ظروف انعقاد المؤتمر:

          عندما اندلعت الثورة الجزائرية قرّر قادتها عقد مؤتمر تقيمي في شهر جانفي 1955 لكن الظروف الصعبة التي مرّ بها العمل المسلح بعد ذلك، وسياسة التطويق التي فرضتها قوات الاستعمار الفرنسي على الثورة حالت دون عقد هذ الاجتماع الذي تأجل إلى غاية أن تهيئت الظروف في 20 أوت 1956 بالمنظفة الثالثة (القبائل).

          جاء هذا المؤتمر وقد تمكنت الثورة من الانتشار في كامل أرجاء الوطن، وانضمام أقوى التشكيلات السياسية إليها منذ منتصف شهر جانفي 1956، وهجومات 20 أوت 1955 التي كانت لها تأثيرا كبيرا على مسار الثورة، مما زاد من الالتحام الجماهيري، ومن جهة أخرى عرفت الساحة ميلاد أغلب التنظيمات: كالاتحاد العام للعمال الجزائريين في 24 فيفري 1956، أما تاريخ 19 ماي 1956 كان موعدا لإضراب الطلبة المسلمين الجزائريين والتحاقهم بالثورة.

          على الصعيد الخارجي فكان لمظاهرة الطلبة الجزائريين في باريس يوم 23 فيفري 1956 أثرها البالغ والمتمثل في نقل الثورة إلى التراب الفرنسي، وكنتيجة لتأثير الثورة وما حققته من انتصارات، تمّ إعطاء الاستقلال للمغرب الأقصى يوم 02 مارس 1956 واستقلال تونس يوم 20 مارس 1956.

          وبفضل وسائل الإعلام والدعاية والدبلوماسية الجزائرية، تمّ طرح القضية الجزائرية لأول مرة على مجلس الأمن ووجدت دعمّا ومساندة من طرف دول عدم الانحياز في لقاء بريوني (يوغسلافيا) في شهر جويلية 1956.

          أما الإجراءات التي اتخذتها السلطات الاستعمارية للحد من العمل المسلح وقمع الثورة، فقد أعلنت حالة الطوارئ منذ سنة 1955، وعرفت تغييرات حكومية عديدة وتعزيز قواتها بالجزائر، ومدّد "لاكوست"  الخدة العسكرية إلى 25 شهرا واستدعى الاحتياطيين ودعمت بوحدات من الدفاع الذاتي من المدنيين والفرنسيين والمساعدات الأمريكية بالطائرات والخبراء.

          كل هذه الظروف حفزت قيادة الثورة للدعوة لعقد اجتماع لتقييم مسارها، ووضع استراتيجية لصمان نجاح العمل المسلح.

          ب ـ انعقاد المؤتمر:

          1 ـ اختيار مكان المؤتمر:

          اختلفت الآراء حول الكيفية التي تمّ بها اختيار المكان الملائم لعقد المؤتمر، ويمكن إجمال الآراء فيما يلي: توجه؛ يرى بأن المنطقة الثانية (الشمال القسنطيني) قد اقترحت عقد المؤتمر فوق ترابها وبالذات في جبال بني صالح بسوق أهراس أو في منطقة الزّعرورة قرب القل غرب مدينة سكيكدة.

          بينما يرى توجه ثان؛ أن أمر عقد المؤتمر قد عرض على مختلف مناطق البلاد لكي تدرس كل منطقة إمكانية عقده فوق ترابها غير أن جّل المناطق اعتذرت على تحمل مسؤولية عقده، بسبب عدم توفر الأمن اللازم لحماية المؤتمرين والسير الحسن لأشغال المؤتمر، ماعدا المنطقة الثانية التي أعرب مسؤولها "زيغود يوسف" عن مقدرتهم على تنظيم المؤتمر فوق ترابها وتوفير الأمن اللازم لذلك.

          التوجه الثالث؛ فيرى أن قادة الثورة قد اتفقوا على أن يكون مكان المؤتمر وسط البلاد حتى يتسنى للمسؤولين من مختلف المناطق التنقل إليه، وعلى هذا الأساس تمّ اختيار المنطقة الثالثة.

          بعد أن تمّ الاتفاق على تعيين مكان انعقاد المؤتمر، بدأت التحضيرات والمشاورات الضرورية بتحديد أنسب الأماكن في المنطقة الثالثة، وقد اقترحت عدة أماكن لعقده مثل: (تازغنة) دائرة عزازقة (حاليا) و(بني وقان) في ناحية البيبان، كما اقترحت أيضا (قلعة بني عباس) بدائرة أقبو (حاليا) بسبب موقعها الاستراتيجي، غير أنه صرف عنها النظر كون القلعة تقع في مكان مكشوف لطيران العدو، الذي يستطيع بسهولة كشف تحركات المجاهدين.

          وبعد أن توالت الاقتراحات والزيارات لعدة مناطق من الولاية الثالثة (فيما بعد) استقر الرأي على أن يكون مكان عقد المؤتمر في عدة قرى متقاربة من دوار (أزلاقن) الذي يقع في جبل (أزرو) من جهة وادي الصومام، ولذلك ولعدة اعتبارات مهمة منها:

          ـ استراتيجية المكان من حيث موقعه الحصين ومحاذاته لغابة (أكفادو) الكثيفة التي تتصل بدورها بغابة جرجرة وجبالها.

          ـ كان دوار (أزلاقن) في تلك الفترة منطقة هادئة لم تحدث فيها أي عملية حربية لمدة تسعة أشهر ممّا جعل القوات الاستعمارية تعتقد بأنها منطقة آمنة ومسالمة ولا علاقة لها بالثورة.

          ـ تغلغل نظام الثورة بين أفراد قرى الدّوار بحيث أن القيادة كانت مطمئنة إلى استعداد الجميع وحتى النساء في التعاون لإخفاء المجاهدين إذا هاجم العدو فجأة، بالإضافة إلى خلو الدّوار من الخونة والعملاء، وهذا بدوره عامل مهم لضمان أمن وسلامة المشاركين في المؤتمر.

          2 ـ المشاركون في المؤتمر:

          بعد أن أنهت قيادة المنطقة الثالثة جميع الترتيبات الأمنية والاستعدادات المطلوبة لعقد المؤتمر أرسلت وفودا إلى كافة المناطق لاطلاع مسؤوليها بتاريخ ومكان انعقاده، وبالفعل في مطلع شهر أوت 1956 بدأت وفود مسؤولي المناطق بالتوافد على المنطقة الثالثة، حيث وجدوا في استقبالهم دوريات مخصصة لمرافقتهم عبر دورب ومسالك المنطقة التي كان غالبية الوفود يجهلونها وبحلول اليوم العاشر من شهر أوت 1956 اكتمل وصول الوفود المشاركة في المؤتمر والتي تمثل المناطق التالية:

          ـ المنطقة الثانية: ("زيغود يوسف"، "علي كافي"، "الأخضر بن طوبال"، "ابراهيم مزهودي"، "حسين رويبح"، "مصطفى بن عودة").

          ـ المنطقة الثالثة: ("كريم بلقاسم"، "عميروش آيت حمودة"، "محمدي السعيد").

          ـ المنطقة الرابعة: ("محمد بوقرة"، "عمر أوعمران"، "سليمان دهليس" المدعو "سي الصادق").

          ـ المنطقة الخامسة: ("محمد العربي بن مهيدي").

          ـ المنطقة المستقلة (الجزائر): ("عبان رمضان"، "علي ملاح" المدعو "سي الشريف").

          وقد تغيب عن حضور المؤتمر ممثلو المنطقة الأولى (الأوراس النمامشة) بسبب استشهاد القائد "مصطفى بن بولعيد" في يوم 23 مارس 1956، لكن حسب شهادة مجاهدي هذه المنطقة أن هناك وفدين تنقلوا للمنطقة الثالثة بقصد المشاركة في أعمال المؤتمر لكنهم وصلوا بعد انتهاء أشغاله، والوفد الأول كان بقيادة "عمر بن بولعيد" وضم الوفد كل: ("مصطفى رعايلي"، أحمد قادة"، السعيد بورادي"، "علي مشيش"، وأخرون. بينما الوفد الثاني كان بقيادة "المكي حيحي"، و"أحمد نواورة" و"محمد العموري" و"الحاج لخضر" و"عمار بلعقون" و"ابراهيم كبويه" وأخرون.

          وتقابل أعضاء الوفد مع مجموعة من قيادات المنطقة الثالثة من بينهم "محمد السعيد" و"عمر أوعمران" وتناقشوا في كيفية تطبيق قرارات مؤتمر الصومام الذي فاتهم حضوره، وقد سجل الوفد الثاني تحفظه على قرارات تنصيب لجنة التنسيق والتنفيذ بالعاصمة، وسجل كذلك عدم حضور وفد الخارج والممثل لجبهة التحرير خارج البلاد.

          مهما يكن؛ فإن المؤتمر عقد بغابة أكفادو وانطلقت أشغاله ابتداء من 13 أوت 1956، وأسندت رئاسته للقائد "محمد العربي بن مهيدي" بينما أسندت الأمانة العامة للقائد "عبان رمضان"، وكان ذلك في قرية (تيمليود) ثم أخذ المؤتمرون ينتقلون بين القرى الخمس السابقة الذمر وأيضا قرى: (إيفياد، إيقاد، تيزي، ايفري) طيلة الأيام التي دامت عشرة أيام بكاملها.

          وتصمن جدول الأعمال دراسة معمقة للتقارير المعروضة من طرف ممثلي المناطق التي قدمت حصيلة الوضعية السياسية والعسكرية والمالية، وكذا دراسة المسائل التنظيمية.

          ج ـ نتائج وقرارات المؤتمر:

          كلّلت أشغال مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 بقرارات هامة لا سيما منها تحديد الأطر التنظيمية الجديدة التي من شأنها قيادة العمل السياسي والاجتماعي والإيديولوجي للثورة، وقد شملت هذه التقارير ما يلي:

          ـ تبني وثيقة سياسية شاملة لاستخدامها كقاعدة إيديولوجية لتحديد منهجية الثورة المسلحة، وكذا المبادئ والأسس التنظيمية للدولة الجزائرية بعد حصولها على الاستقلال.

          ـ تقسيم التراب الوطني إلى ست ولايات التي تتوزع بدورها إلى مناطق وكل منطقة على نواحي، وأيضا كل ناحية إلى قسمات، وجعل الجزائر منطقة مستقلة.

          ـ توحيد المنظومة العسكرية بتبني معايير عسكرية مشتركة بالنسبة لمختلف الوحدات القتالية المنتشرة عبر الإقليم في مجال الرتب والاختصاصات والترقيات والمهام والهيكلة.

          ـ تحديد مهام المحافظين السياسيين والجمعيات الشعبية وصلاحياتها، وكذا المتعلقة بهيئات أركان الثورة.

          ـ تشكيل قيادة موحدة للثورة ممثلة في المجلس الوطني للثورة الجزائرية.

          على كل؛ وثيقة الصومام جاءت فيها قرارات هامة في جميه الميادين السياسية والعسكرية والإدارية كالآتي:

          ـ الولايات السّت، هي:

          1 ـ الولاية الأولى (أوراس النمامشة).

          2 ـ الولاية الثانية (الشمال القسنطيني).

          3 ـ الولاية الثالثة (القبائل).

          4 ـ الولاية الرابعة ( العاصمة وصواحيها).

          5 ـ الولاية الخامسة (وهران).

          6 ـ الولاية السادسة (الصحراء).

          ـ تنظيم جيش التحرير الوطني، كما يلي:

          1 ـ الفوج يتكون من 11 جنديا.

          2 ـ نصف الفوج يتكون من 5 جنود من بينهم جندي أول.

          3 ـ الفرقة تتكون من 35 جنديا (ثلاث أفوج مع رئيس الفرقة ونائبه).

          4 ـ الكتيبة تتكون من 110 جندي (ثلاثة فرق مع 5 إطارات).

          5 ـ الفيلق يتكون من 350 جندي (ثلاث كتائب زائد 20 إطارا).

          كما حدّدت مرتبات لمختلف أفراد جيش التحرير الوطني واستحدثت رتب عسكرية هي:

          1 ـ جندي أول (كابران) على شكل (<) يوضع على الذراع الأيمن .

          2 ـ عريف (سرجان) على شكل (<<).

          3 ـ عريف أول (سرجان شاف) على شكل (<<<).

          4 ـ مساعد (أجودان) على شكل (>).

          5 ـ ملازم أول (أسبران) على شكل نجمة بيضاء (  ).

          6 ـ ملازم ثان (سوليوتنا) على شكل نجمتان حمراء (  ).

          7 ـ ضابط ثان (قبطان) على شكل نجمتان حمراوان (    ).

          8 ـ صاغ أول (كومندان) على شكل نجمتان حمراوان ونجمة بيضاء (     ).

          9 ـ صاغ ثان (كولونيل) على شكل ثلاث نجمات حمراء (     ).

          ـ المصطلحات:

          1 ـ المجاهد: جندي جيش التحرير الوطني.

          2 ـ المسبل: المشارك في العمل العسكري.

          3 ـ الفدائي: عضو الجماعة المكلفة بالهجومات على مراكز العدو.

          ـ المجلس الوطني للثورة: يعتبر الهيئة التشريعية العليا للثورة له وحده للحق في توجيه السياسة الداخلية والخارجية لجبهة التحرير الوطني بهدف اتخاذ مواقف ذات أبعاد وطنية كوقف اطلاق النار وفتح المفاوضات مع العدو، ويتكون من 34 عضوا منهم 17 دائمون و17 إضافيون، ويجتمع كل سنة بطلب من لجنة التنسيق والتنفيذ التي تقوم بتوجيه الدعوات.

          ـ لجنة التنسيق والتنفيذ: تعد الجهاز التنفيذي للمجلس الوطني للثورة، وتتمتع بامتيازات واسعة من حيث توجيه وإدارة فروع الثورة وأجهزتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية وتسهر على تطبيق كل القرارات التي تصدر عن المجلس الوطني للثورة الذي يعد الرقيب على كل الأعمال التي تقوم بتنفيذها وتطبيقها والتنسيق مع مختلف اللجان في الولايات.

          ـ المحافظون السياسيون: تتمثل مهامهم في شرح أهداف وأبعاد الثورة المسلحة وتوزيع أوامر جيش وجبهة التحرير الوطنيين وشرحها، وتوزيع مختلف المنشورات الخاصة بالثورة، وبذل جهود كثيفة لرفع معنويات الشعب الجزائري، والمجاهدين وذلك بعقد ندوات دورية إخبارية وتوضيحية، ومن مهامهم أيضا اطلاع اللجان الوطنية بكل ما يحدث في القسمة والناحية والمنطقة والولاية، وكذلك هم مسؤولون عن الحرب البسيكولوجيا بردهم على كل الادعاءات والأباطيل الاستعمارية.

          ـ إحلال الإدارة الثورية محل الإدارة الاستعمارية: أسفر المؤتمر على اتخاذ عدة قرارات تتعلق بتنظيم التعامل بين الناس في جميع أمور حياتهم، وذلك بإنشاء لجان مختصة على مستوى القسمة والناحية، لها الحق البت في الخلافات التي تحدث بين الناس، وينسب أفرادها أي أعضائها إلى نظام جبهة التحرير الوطني، ومن جهة أخرى تقوم هذه اللجان بفتح سجلات على مستوى الدواوير لتسجيل المواليد، وحلات الزواج والطلاق.

          في هذا الشأن يقول أحد مراسلي جريدة لموند (le monde) الفرنسية في ذلك الوقت ما يلي: ((إن الثورة الجزائرية أوجدت إداراتها الخاصة إدارة سرية، تأخذ الضرائب وتقضي بين الناس وتفضل بين المنازعات)). فحين يقول صحفي آخر زار ولاية وهران في شهر سبتمبر 1956 ما يلي: ((دلائل كثيرة برهنت على أن جبهة وجيش التحرير يسيطران على مناطق واسعة جدا من الأرض الجزائرية، من ذلك فالإدارة الفرنسية أصبحت منعدمة تماما إلى حد أن السكان المدنيين الجزائريين صاروا يسجلون مواليدهم عند الإدارة الجزائرية ويحتكمون لدى المحاكم الشعبية لفض جميع المنازعات المتعلقة بالأملاك والإرث والطلاق)).


          • تطور الثورة الجزائرية في الفترة ما بين (1956 ـ 1958).

            تطور الثورة الجزائرية في الفترة ما بين (1956 ـ 1958)

            بعد مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 الذي بدأت قراراته ترسخ على أرض الواقع، وعلى الرغم من تلقي الثورة ضربتين قاسيتين في شهر أكتوبر 1956؛ تظهر الأولى في تمكن السلطات من الاستيلاء على الباخرة (أتوس س)(1) التي أبحرت من الإسكندرية ليلة الرابع من شهر أكتوبر محملة بأنواع كثيرة من الأسلحة والذخيرة ومتوجهة إلى السواحل الجزائرية أين احتجزت من طرف البحرية الاستعمارية في يوم 16 نفس الشهر.

            أما الضربة الثانية فتظهر في إجبار طائرة الخطوط الملكية المغربية على النزول بمطار الجزائر وعلى متنها أربعة من أعضاء القيادة التسعة(2) التي تحملت مسؤولية تفجير الثورة.

            ومن جهة أخرى؛ فإن الاحتلال تزعزع في العمق نتيجة الكمّ والنوع الذي أدخل على طرق القتال في مدينة الجزائر وضواحيها، وفي سائر كبريات مدن البلاد وقراها. وهو ما عبرت عنه القيادة المدنية الفرنسية من خلال عجزها على مواجهة نشاط جبهة التحرير الوطني في الميدانين  السياسي والعسكري، عندما أقدم "روبير لاكوست" في اليوم السابع من شهر جانفي 1957 على استدعى الجنرال "صالان" والجنرال "ماسي" واسند لهما مهمة إعادة الأمن والاستقرار إلى العاصمة، وهو ما قابلته قيادة جبهة التحرير بعد دخول المضلين بقوة إلى المعركة وذلك بتنظيم الكثير من العمليات الفدائية وبأضراب شامل انطلق من نهاية الأسبوع الرابع من نفس الشهر.

            ـ إضراب الثامنة أيام ( 28 جانفي إلى 4 فيفري 1957):

             كان هدف جبهة التحرير الوطني من قيامها بإضراب شامل لمدة ثمانية  هو ما يلي:

            ـ توسيع الهوة بين جماهير الشعب الجزائري وقوات الاحتلال الفرنسي، وفي هز النفوس المتّرددة والمتشككة وجعلها تقتنع بأن التضامن الوطني هو السبيل الوحيد لتوفير الشروط اللازمة للقضاء على النظام الاستعماري واسترجاع السيادة الوطنية.

            ـ تنبيه الرأي العام العالمي أن شعار (الجزائر فرنسية) خرافة لم يعد لها وجود بفعل اجماع الجزائريين على طاعة أوامر جبهة التحرير الوطني.

            ورغم نجاح الإضراب إلا أنه لا يمنع من القول أنه أدى إلى استشهاد "محمد العربي بم مهيدي" وخروج لجنة التنسيق والتنفيذ من التراب الوطني، وبذلك وضعت نفسها في تناقض في ما يتعلق بمبدأ أولوية الداخل على الخارج خاصة.

            ـ الدور الثانية للمجلس الوطني للثورة أوت 1957:

            بعد أن اشتد الخناق على لجنة التنسيق والتنفيذ واستشهاد "محمد العربي بن مهيدي" انتشرت عبر الحدود في شهر مارس 1957 ووجدت في القاهرة صعوبة في ممارسة السلطة بصفة جماعية، وذلك بسبب وجود معارضة مسؤولين هم ممثلين لهذه الهيئة ولكنهم ليسوا أعضاء فيها، وهي المعارضة التي كانت قد بوركت من طرف "أحمد بن بلة" وزملائه المعتقلين بفرنسا منذ اختطاف الطائرة التي كانت تقلهم يوم 22 أكتوبر 1956.

            كانوا كثيرين أولئك الذين احتجوا على إنشاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية ولجنة التنسيق والتنفيذ وكذا المبادئ والتوجهات التي تمخضت عن الأرضية السياسية لمؤتمر الصومام، فتأخذ قرار عقد اجتماع جديد للمجلس الوطني للثورة الجزائرية بالقاهرة هذا الاجتماع ضم ثمانية أضاء دائمين من مجموع سبعة عشرة عضوا وهذا بسبب موجة التوقيفات التي مارستها السلطات الاستعمارية خصوصا ضد الزعماء الخمس، وكذلك وجود البعض الآخر بالجزائر، أي أن الاجتماع لم يصل إلى النصاب القانوني وهو مشاركة اثنى عشرة عضوا ممّا استدعى مشاركة الأعضاء الإضافيين المتواجدين بالقاهرة وخمس أعضاء أخرين تمّ إدماجهم بالمناسبة وهم: ("هواري بومدين"، "محمود الشريف"، "محمد العموري"، "عمار بوقلاز"، "عمار بن عودة").

            فحضر الاجتماع 23 عضوا كان منهم 10 مصنفين بأنهم عسكريين وهم: ("عمار بن عودة"، "هواري بومدين"، "عبد الحفيظ بوصوف"، "سليمان دهليس"، "عبد الله بن طوبال"، "كريم بلقاسم"، "محمد العموري"، "عمر أوعمران"، "محمود الشريف").

            ومن المصنفين مدنيين هم: ("عبان رمضان"، "فرحات عباس"، "بن يوسف بن خدة"، "محمد بن يحي"، "سعد دحلب"، "أحمد فرانسيس"، "إبراهيم مزهودي"، "الطيب الثعالبي"، "أحمد توفيق المدني"، "أحمد يزيد"، "الأمين دباغين"، "عبد الحميد مهري").

            عقد المجلس الوطني للثورة ما بين 20 و28 أوت 1957 أين قرّر ما يلي:

            ـ فيما يتعلق بأولوية الساسي على العسكري والداخل على الخارج، فإن المجلس ألغى قرار مؤتمر الصومام وأكد في لائحته النهائية أنّ الأولوية لا تكون إلا حيث كانت الفعالية وحيث مصلحة الثورة.

            ـ توسيع التمثيل في المجلس الوطني للثورة من 34 إلى 54 عضوا دائما، وهذا بمنح حق التمثيل لقادة الولايات ونوابهم الثلاث، وكذا مسؤولي فيدراليات جبهة التحرير الوطني بفرنسا والمغرب وتونس والقاعدة الشرقية.

            ـ توسيع لجنة التنسيق والتنفيذ من خمسة إلى تسعة أعضاء وهم: ("كريم بلقاسم"، "عبد الله بن طوبال"، "عبد الحفيظ بوصوف"، "محمود الشريف"، "عمر أوعمران"، "عبان رمضان"، "فرحات عباس"، "الأمين دباغين"، "عبد الحميد مهري"، بالإضافة إلى الزعماء الخمس المعتقلين بفرنسا كشرفيين)، وهذا بغرض مشاركتهم مباشرة في اتخاذ القرارات التي تهم مستقبل الثورة.

            أماّ هدف الثورة فأتى بالصيغة التالية: ((إنشاء جمهورية جزائرية ديمقراطية واشتراكية لا تتناقض مع مبادئ الإسلام)).

            على كلّ؛ فإن هذه اللجنة كانت تبدو على أنها متناسقة لأنها لا تضم خمسة عسكريين وأربعة مدنيين، ثمّ أنها استطاعت بعث النشاط السياسي والدبلوماسي. لكن الهيمنة البارزة للعقداء ضمن لجنة التنسيق والتنفيذ لم تعجب المحرك الأول للجنة "عبان رمضان"، الذي لم يرضى بالدور الثانوي، وهو الصراع الذي جعله في مواجهة خصومه حتى انتهى به الحال إلى تلك النهاية المؤسفة في شهر ديسمبر 1957.

            غير أن اللجنة لم تعاود نشاطها إلا بعد انفراج هذه الأزمة بعد عدة شهور، كان ذلك في شهر أفريل 1958 أين عقد اجتماعا في شكلها الجديد تمحور جدول أعماله في نقطتين هما:

            أ ـ المضايقات التي كان يتلقها جيش التحرير أثناء عبوره الأراضي المغاربية والتونسية التي كانت بها الحركة كثيرة.

            ب ـ توزيع المهام على أعضاء اللجنة، وهي كالآتي:

            1 ـ مديرية الحرب تحت إشراف "كريم بلقاسم".

            2 ـ مديرية التسليح والتموين تحت إشراف "عمر أوعمران".

            3 ـ مديرية الاتصال تحت إشراف "عيد الحفيظ بوصوف".

            4 ـ مديرية العلاقات الخارجية تحت إشراف "الأمين دباغين".

            5 ـ مديرية المالية تحت إشراف "محمود الشريف".

            6 ـ مديرية الداخلية والتنظيم تحت إشراف "عبد الله بن طوبال".

            7 ـ مديرية الشؤون الاجتماعية تحت اشراف "عبد الحميد مهري".

            8 ـ مديرية الصحافة والإعلام تحت إشراف "فرحات عباس".

            وفي نفس الشهر وبمبادرة من "كريم بلقاسم" بصفته مشرفا على مديرية الحرب أنشأ ما يسمى لجنة العمليات العسكرية (COM) بغرض توحيد قيادة جيش التحرير الوطني، وتنظيم وحداته الرابضة على الحدود، وكذلك تنسيق نشاطات الولايات بالداخل، وشكلت اللجنة من:

            1 ـ لجنة الشرق: بقيادة العقيد "محمدي السعيد" قائد الولاية الثالثة (القبائل) ويساعده العقيد "محمد العموري قائد الولاية الأولى (الأوراس) و"عمار بوقلاز" قائد القاعدة الشرقية و"عمار بن عودة" ممثلا عن الولاية الثانية (الشمال القسنطيني).

            2 ـ لجنة الغرب: بقيادة العقيد "هواري بومدين" قائد الولاية الخامسة (الغرب الجزائري) ويساعده "سليمان هليس" (سي الصادق) قائد الولاية الرابعة.

            وإذا كانت لجنة الشرق قد وجدت صعوبات مختلفة في عملها بسبب وجود خط موريس المكهرب على طول الحدود، والذي انتهت فرنسا من وضعه بالحدود في 15 سبتمبر 1957 مما جعل الاتصال بين الداخل والخارج صعبا، بالإضافة لعدم التوافق بين أعضاء اللجنة، حيث تمسك كل قائد ولاية بنفوذه وسلطته على جنوده في الولاية، ورفضوا التخلي عن جزء من هذا النفوذ لصالح سلطة مركزية قوية للجيش، بينما كان يحصل العكس في غرب الجزائر حيث تمكن العقيد "هواري بومدين" قائد اللجنة الغربية والعقيد "عبد الحفيظ بوصوف" من خلق الانضباط وتحقيق التعاون بين جميع المسؤولين في غرب الجزائر.

            أما فيما يخض المديريات التي أنشأت فكانت البادرة والنواة الأولى لتشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بعد خمسة أشهر من ذلك.

            على العموم فإنه بداية من سنة 1958 شهدت أحداثا كثيرة أوجبت على لجنة التنسيق اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة المشهد الوطني والجهوي والدولي لأنه على علاقة وطيدة بمصر الثور. فعلى الصعيد الوطني فإن نقص الأسلحة بفعل الحواجز الحدودية أصبح يؤثر على معنويات المقاتلين بالداخل. وعلى هذا الأساس بذلت القيادة العسكرية مجهودات جبارة من أجل إعادة بعث العمليات على المستوى الحواجز خصوصا الشرقية أين يتم الحصول على أسلحة بكميات معتبرة ومن مختلف كل الأنواع من الدول الصديقة.

            وقد خلفت هذه الهجمات المتكرّرة صدى وحشي لدى القوات الاستعمارية الفرنسية التي كان رد فعلها بقنبلة الولاية الحدودية التونسية الجزائرية ساقية سيدي يوسف في يوم 8 فيفري 1958 مما خلف عشرات القتلى والجرحى.

            ـ على الصعيد الخارجي:

            فقد شاركت جبهة التحرير الوطني في مؤتمر مونروفيا بليبيريا، وكذا أكرا بغانا أين تمّت مناقشة مستقبل القارة السّمراء التي كانت فريسة للاستعمار، وذلك بالدعوة إلى التخلص منه.

            فخلفت هذه الضربات الموجعة المتتالية لجيش التحرير الوطني، وكذا تجنيد الشعب الجزائري وراء جبهة التحرير الوطني نوعا من اللاإستقرار في الهرم السياسي لفرنسا، بحيث توال سقوط أربع حكومات في غضون شهور قليلة وكذلك الانقسام الذي مسّ الأحزاب والرأي العام الفرنسي ممّا أدى في النهاية إلى انهيار الجمهورية الرابعة.

            ـ مؤتمر طنجة 25 أفريل 1958:

            هذه الصعوبات من جهة، وتلك النجاحات من جهة أخرى كانت قد شجعت لجنة التنسيق والتنفيذ إلى بعث النشاطات السياسية والدبلوماسية المكثفة والتي تمخضت عنها تنظيم  مؤتمر طنجة يوم 25 أفريل 1958، الذي صمّ إلى جانب جبهة التحرير الوطني عن الجزائر وحزب الاستقلال المغربي عن المغرب الأقصى والحزب الدستوري الجديد عن تونس، فأرس قواعد متينة للتنسيق بين الدول المغاربية الثلاث في ميدان الكفاح السياسي الواحد كما أن هذا المؤتمر هو الذي دعم بقرار جبهة التحرير الوطني في تشكيل حكومة جزائرية.



            (1) كانت الباخرة لصاحبها البريطاني "سان بريلفز" وقد اشتراها "أحمد بن بلة" باسم "إبراهيم النيال" السوداني الجنسية يوم 21 جويلية 1956.

            (2) الأربعة القادة هم: "أحمد بن بلة"، "حسين آيت أحمد"، "محمد خيضر"، "محمد بوضياف" بالإضافة إلى الصحفي "مصطفى الأشرف".


            • سياسة ديغول تجاه الثورة الجزائرية 1958 ـ 1962.

                           سياسة ديغول تجاه الثورة الجزائرية 1958 ـ 1962

              يعد الجنرال شارل ديغول من أعظم الرؤساء الذين عرفتهم فرنسا، ما في ذلك شك، وهو الذي ولد في مدينة ليل بشمال فرنسا عام 1890 وتوفي سنة 1970، من عائلة متدينة ليبرالية ومثقفة، كان أبوه مدرسا للفلسفة، تأثر منذ صباه بقراءة ديكارت وبرغسون، تخرج من مدرسة سان سير العسكرية، وعمل في الجيش تحت سلطة الضابط بيتان، وقع أسيرا لدى الألمان في الحرب العالمية الأولى ثم أطلق سراحه وشارك في حرب بولندا ضد روسيا السوفيتية سنة 1920، درس التاريخ العسكري وعين عضوا في وزارة المارشال بيتان ثم عضوا بقيادة الأركان الفرنسية في بيروت (1929 ـ 1931). عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، عين قائدا لفرقة ثم كاتبا للدولة مكلفا بالدفاع الوطني في 6 جوان 1940، رفض وقرر مواصلة الحرب، فانسحب بعد تشكيل حكومة بيتان إلى لندن وهناك وجه نداء 18 جوان لمواصلة المقاومة.

              شكل لجنة الدفاع عن الإمبراطورية في الخارج وحاول تنسيق المقاومة في الداخل، دعمه ستالين عام 1942، وقبل بالحذر من روزفلت وتشرشل الذين فضلا عليه منافسه الجنرال جيرو فلم يشارك في عملية الإنزال بإفريقيا الشمالية، لكنه تمكن بعد إنشاء اللجنة الفرنسية للتحرير من إبعاد جيرو سنة 1943 عاد إلى باريس عقب تحريرها في شهر أوت 1944، فرض نفسه بعدها عندئذ قائدا سياسيا بلا منازع وأعاد تكوين الجيش لمواصلة الحرب إلى جانب أمريكا وبريطانيا. وفي نوفمبر 1945 عينه المجلس الاستشاري رئيسا للحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية، استقال في شهر جانفي 1946.

              ـ سياسة تجاه الثورة الجزائرية:

              قال في مذكراته ما يلي: ((رجالا تاريخيين أمثال دو برمون وبيجو وكلوزيل، وهم الذين بذلوا جهودا جبارة من أجل إلحاق الجزائر بفرنسا، وليس من المعقول أن نضيع هذه المستعمرة في عهد حكومتنا)).

              فبعد شهر من عودته إلى سدة الحكم قام ديغول بزيارة إلى الجزائر يوم 4 جوان 1958 وألقى فيه خطابا تناول فيه القضية الجزائرية في الوقت الذي تحاشى فيها الحديث عن (الجزائر الفرنسية) راح يعلن عن انتهاجه لسياسة جديدة تتمثل في العمل على إنشاء نظام موحد يتساوى فيه المسلمون الجزائريون بالمستوطنين الأوروبيين وبعبارة أدق فإن الجنرال ديغول قد بين في خطابه هذا أنه قرر التخلص نهائيا من فكرة تقسيم سكان الجزائر إلى مجموعتين: المجموعة التي تتكون من المستوطنين الأوروبيين الذين يعتبرون أنفسهم مواطنين من الدرجة الأولى والمجموعة التي تتكون من المسلمين الجزائريين الذين يعتبرهم الفرنسيون مواطنين من الدرجة الثانية. وعزم على إنشاء كيان جزائري موحد ومتعاون مع فرنسا. ويظهر أن الجنرال ديغول قد قرر اللجوء إلى هذه السياسة الجديدة بعد أن فشلت كل مخططات الحكومات السابقة في تطبيق برامجها الإصلاحية التي كانت تهدف كلها إلى دمج الجزائر في فرنسا والقضاء على الثورة التحريرية.

              وبعد أن اعترف بالتساوي  بين المستوطنين الأوروبيين والمسلمين الجزائريين في الحقوق في خطاب 4 جوان 1958 بالجزائر راح يدعو قادة جبهة التحرير الوطني ـ بعد أن أشاد بشجاعتهم في خوض الثورة ومواصلتها منذ أربع سنوات ـ إلى المصالحة، إذ أعلن وقتذاك عن فتح أبواب المصالحة أمامهم. وقد كان هذا الإعلان بمثابة دعوة منه إلى وقف الكفاح المسلح.

              ويظهر أيضا؛ أن الجنرال ديغول قرّر بأنه عد ثلاثة أسابيع من توليه السلطة واستحالة العودة إلى الحياة المدنية العادية، الاعتماد التام على الجيش في تسيير الشؤون السياسية ـ الإدارية.  وحتى يتمكن من أداء مهامه وتنفيذ سياسته في الجزائر، قرر تفويض جزء من صلاحياته الخاصة بتسيير ؤون للجنرال راؤول سالان (Raoul Salan) حيث عينه مندوبا عاما للحكومة (Délégué Général du Gouvernement ) إلى جانب قيامه بمنصب القائد العام للقوات الفرنسية المسلحة في الجزائر، وقد صار هذا الأخير يباشر سلطات وزير الجزائر (Ministre de l’Algérie) مكان الجنرال ديغول فيما بعد. وبذلك أصبح يتمتع بصلاحيات واسعة تساعده على أداء مهامه واتخاذ الإجراءات الضرورية لتطبيق الإصلاحات السياسية ـ الإدارية التي ينص عليها برنامج ديغول الإصلاحي.

              وفي 28 جوان 1958 قامت حكومة الجنرال ديغول ـ بعد أن منحت حق التشريع لمدة ستة أشهر بموجب مراسيم وبدون تدخل من البرلمان الفرنسي ـ بإصدار مجموعة من المراسيم تحدد الشروط التي ينبغي أن تمارس فيها السلطات العسكرية الصلاحيات المسندة إليها بصفة مؤقتة مكان السلطات المدنية. وهكذا أصبحت كل السلطات بيد العسكريين الذين لعبوا دورا في انقلاب 13 ماي 1958.

              وفي المقابل فإن ديغول سرعان ما فكر وقدر ووضع بنفسه خطة للقضاء على الثورة تظهر ملامحها منذ خريف 1958 ترتكز على ثلاث دعائم أساسية تتمثل في:

              أ ـ الدعامة الاقتصادية:

              وتتمثل في تنمية الاقتصادية قصد تشغيل المواطنين وعزلهم هن جبهة التحرير الوطني وقد وظف لذلك أرصدة مالية كبيرة في إطار ما يسمى بمشروع قسنطينة الذي أعلن عن ميلاده والشروع في تجسيده يوم الثالث من شهر أكتوبر سنة 1958 ، وقد جيء بالسيد دو لوفري لتجسيد هذا الأمر خلفا للجنرال سالان على رأس الشؤون المدنية الجزائرية؛ ولقد كان الغرض من ذلك التعيين هو طمأنة الرأسماليين الغربيين الذين يعرفون السيد دولوفري معرفة جيدة لكونه اشتغل سنوات عديدة في إطار مشروع الوحدة الأوروبية. وقد اشتهر في ذلك الوقت بمرونته في التعامل مع الشركات الكبرى وخاصة منها تلك التي تحتكر مناجم الفحم وتسيطر على الفولاذ في أوروبا.

              وإذا كانت هذه الدعامة تنقسم إلى ما يسمى بمشروع قسنطينة بالنسبة لشمال الجزائر، وإلى أحكام استغلال الثروات الجوفية التي تزخر بها أراضي الصحراء الشاسعة. وإذا كانت أيضا التعليمات المعطاة إلى دولوفري ترمي أساسا إلى إيجاد الظروف الملائمة لتمكين فرنسا من توظيف بترول الصحراء، وغازها لسد عجز الخزينة الفرنسية وتزويدها بالعملة الصعبة، فإنها تهدف، في ذات الوقت إلى الإكثار من مناصب الشغل التي من شأنها عزل جبهة التحرير الوطني عن الشعب الجزائري وإلى حرمان الجزائر لمدة خمس وعشرون سنة على الأقل من حق النظر في إنتاج المحروقات واستغلالها وذلك في حالة انفصالها عن فرنسا وحتى تسد في وجهها طرق التصنيع التي تمكن أن تجعل منها دولة متقدمة في وقت قريب.

              وفي إطار مشروع قسنطينة تم القيام بإصلاحات إدارية تمثلت في رفع عدد العمالات إلى 15 عمالة وذلك بمقتضى مرسوم 7 نوفمبر 1959 وقد تم هذا التقسيم على أساس ثلاث مناطق هي:

              ـ المنطقة الشمالية  وتضم العمالات التالية: (تلمسان، وهران، مستغانم، الشلف، الجزائر، تيزي وزو، سطيف، قسنطينة، عتابة).

              ـ منطقة الهضاب العليا: وتتشكل من العمالات التالية: (سعيدة، تيارت، المدية، وباتنة)

              ـ منطقة الصحراء وتحتوي على العمالتين التالتين: الساورة والواحات.

              والهدف من هذا التقسيم تطويق الثورة الجزائرية، وتصفية عناصر جبهة التحرير الوطني.

              ب ـ الدعامة العسكرية:

              وقد اعتمد في إرساء قواعدها وتثبيتها على الجنرال شال الذي تم تعيينه على رأس القوات الفرنسية المسلحة في الجزائر 2 ديسمبر 1958 والذي وضع تحت تصرفه إمكانيات ضخمة في المجالين المادي والبشري ولمساعدته تم تعيين وترقية مجموعة من الجنرالات العقداء الذين تخرجوا من المدارس العسكرية العليا  أو اكتسبوا في الميدان خبرة واسعة في حرب الفيتام وفي الجزائر نفسها. ومن جملة الضباط السامين هناك بالخصوص الجنرالات: (ألار، قراسيو، قامبياز، فور، ماسي، موست، وغيرهم)، ومن العقداء هناك: (بويس، بيجار، ترانكي، بروزا، ديكتس، جيرا، كوستو، قوداز، قادر، سيكالدي وغيرهم). وبالفعل، فإن العمليات العسكرية، في إطار ما يسمى بمخطط شال قد بدأت مكثفة في شكل عمليات تمشيط واسعة النطاق مع بداية سنة 1959 وبعد ثلاثة أشهر من المعارك الطاحنة التي دارت رحاها ضمن عمليات خلدها التاريخ تحت أسماء رنانة مثل: البرق (Eclair)، التوأمتان (Jumelles) وغيرها.

              وهكذا فإن كل المصادر تؤكد على أن كل العمليات العسكرية التي انطلقت مع بداية العام الجديد قد شكلت كبيرا على جبهة التحرير الوطني خاصة في الولايتين الثالثة والرابعة. إن هذه العمليات قد تواصلت إلى غاية عام 1960 ملحفة أضرارا بالمدنيين وخسائر في جيش التحرير الوطني لم يعرف لها مثيل من قبل ولا من بعد. وهو الأمر الذي جعل فرحات يقول في كتابه (تشريح حرب): ((إن الجزائر لم تعرف ثقل الحرب مثل ما عرفت ذلك في عهد الجنرال ديغول)). لكن رغم هذا المجهود، فإن الجنرال شال لم يحقق الانتصارات العسكرية التي طلبها منه رئيس الدولة الفرنسية الذي اضطره الواقع إلى الحل المبني على التفاوض، وهو الحل الذي شرع في تطبيقه منذ 16 ماي 1959 عندما صرح، باسم فرنسا، أنه يعترف للشعب الجزائري بحقه في تقرير مصيره.

              وقبل ذلك، كان الجنرال ديغول في اليوم 17 من شهر أفريل، أي بعد معركة جبل ثامر التي استشهدا فيها قائدا الولاية الثالثة والسادسة (عميروش) و(سي الحواس) بحوالي أسبوعين فقط، قد وجه رسالة تهنئة إلى الجنرال شال جدد له فيها تقته المطلقة في نجاح برنامجه الذي قال عنه يستحق التهنئة الكاملة في الجزائر وزادت هذه التهنئية من غرور الجنرال شال الذي أدل بعدها بأيام إلى مبعوث جريدة لموند (Le Monde) مؤكدا له بأنه: ((آخذ بزمام الأمور، والانتصار العسكري لا شك فيه وهو قريب)).

              ج ـ الدعامة السياسية:

              وستظل حكرا على الجنرال ديغول نفسه، يستعين في تثبيتها والإشراف عليها بمجموعة من الإطارات السامية التي لا شك في موالاتها له من أمثال: بومبيدو (Pompidou) ولويس جوكس (Louis Joxe) وقيشار (Guichar) وتريكو (Tricot) وغيرهم. وتمثلت في مناورة سلم الشجعان، القوة الثالثة، الطاولة المستديرة، فصل الصحراء، التي تتزامن مع الشروع بداية الاتصال والتفاوض مع ممثلي جبهة التحرير الوطني، والتي سنتناولها لاحقا.

               

              • الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية 18 سبتمبر 1958.

                              الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية 18 سبتمبر 1958

                أ ـ مبررات تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية:

                أن فكرة تشكيل حكومة مؤقتة للجزائر المكافحة ليست وليدة سنة 1958، لقد تبلورت بوضوح منذ 1956، إن لم تكن موجودة في الأذهان منذ انطلاق شرارة الثورة ليلة أول نوفمبر 1954، لقد أعتبر مؤتمر الصومام من جهته أن تشكيلها يندرج ضمن المهام المنوطة بدبلوماسية جبهة التحرير التي سوف تختار الظرف الملائم للإعلان عنها.

                عدد من الشروط كان يجب أن تتوفر ليصبح الإعلان عن تشكيل حكومة سياسية ناجحة وخطوة إلى الأمام. من هذه الشروط ما يجب أن يتحقق على المستوى الداخلي ومنها ما يجب أن يتوفر على الساحة الدولية، وإلا ستكون المبادرة مبادرة مجرد قفز في الفراغ قد تتحول إلى عبء يثقل كاهل الثورة أكثر مما يدعمها، هذه الاعتبارات هي التي أجلت في النهاية فكرة الإعلان عنها إلى هذا التاريخ.

                على المستوى المحلي ليس هناك أية عقبة تقف في طريق هذه المبادرة، فخلال سنة 1955 وقع فرز في القرى السياسية على الساحة الجزائرية، فالأسر السياسية الجزائرية الأصيلة، ونقصد بالأصلية تلك التي ثبتت على الأرض الجزائرية ونمت في تربتها ومناخها وليست مجرد فرع لتنظيم سياسي مركزه خارج البلاد، انضمت كلها إلى جبهة التحرير وبصفة فردية وتبنت برنامجها وأهدافها عند نهاية هذه السنة (1955) وبداية سنة 1956، بعض منها انضوى تحت لواء جبهة التحرير عن قناعة والأخرى لحسابات سياسية، لأن الساحة الوطنية بفضل الجهد التعبوي الذي قامت به جبهة التحرير وجيش التحرير لم تعد تحتمل وجود قوة وطنية خارج جبهة التحرير، ففشل (الحركة الوطنية الجزائرية) في إيجاد رقعة لها تحتضنها عن طيب خاطر على أرض الجزائر وخارجها، ماعدا فرنسا، هو أبلغ تعبير عن هذه الوضعية، وبالتالي فلا يوجد هناك على الساحة الجزائرية سوى قوتين تتصارعان .. جبهة التحرير التي يقف وراءها الشعب الجزائري كله من جهة، وفرنسا ومستوطنيها من جهة ثانية. لقد فشلت كل المحاولات التي بذلتها فرنسا لإيجاد قوة ثالثة مناوئة لجبهة التحرير، ذات مصداقية على الساحة الوطنية، ومن جهة أخرى لقد بينت جبهة التحرير للعالم كله وفي مناسبات عديدة أنها القوى الوطنية الوحيدة الفاعلة على الساحة الجزائرية، لقد أكتسب صفة الممثل الوحيد للشعب الجزائري أمام الرأي العام العالمي منذ 1956، وتأكدت هذه الصفة بشكل الجدل في الإضراب العام الذي نظمته لمدة ثمانية أيام بمناسبة مناقشة القضية الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر فبراير 1957.

                أما على المستوى الجهوي فليس هناك تواجد لقوة وطنية جزائرية في الأقطار المغربية وفي المشرق العربي غير جبهة التحرير، فالمحاولات المتعثرة التي قامت بها (الحركة الوطنية الجزائرية) لإنشاء تنظيم لها في تونس وربما في المغرب تمت تصفيتها في المهد قبل أن تتمكن من الوقوف على قدميها.

                كما أن قبول وفد جبهة التحرير في مؤتمر باندونغ ولو بصفة ملاحظ، كرس صفة الممثل الوحيد للشعب الجزائري لجبهة التحرير على منابر المجموعة الإفريقية الأسيوية ومجموعة الدول الاشتراكية وكذا دول أمريكا اللاتينية فيما بعد.

                ومن هنا تبين لنا أن الشروط المطلوبة توفرها ليكون للإعلان عن تشكيل حكومة مؤقتة، عملية سياسية ناجحة، قد تحققت يضاف إلى هذا أنه منذ سنة 1956 ما فتئ بعض مسؤولي الدول الشقيقة والصديقة يلحون على مسؤولي جبهة التحرير، على ضرورة تشكيل حكومة لقطع الطريق أمام فرنسا، وتفنيد ادعائها، لكونها لم تجد قوة وطنية منظمة للتفاوض معها.

                لقد نضجت الفكرة وأصبح إنجازها ضرورة لعدة أسباب، خاصة وأن هناك تحركات خفية تشترك فيها أطراف عديدة، غير معلنة تهدف إلى فرض نوع من الوصاية على الثورة الجزائرية، والضغط عليها، لإجبارها على الاعتدال في مطالبها)، وربما هذا الهاجس ومن أجل قطع الطريق أمام كل المناورات هو الذي كان وراء التوصية التي أصدرها مؤتمر طنجة عقب انتهاء أشغاله في 30 أفريل 1958 بتشكيل حكومة جزائرية بعد استشارة الحكومتين التونسية والمغربية.

                ب ـ تركيبة أعضاءها:

                في يوم 19 سبتمبر 1958 وعند منتصف النهار أعلن في القاهرة عن تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي تضم تسعة عشر عضوا، الرئيس ونائبين للرئيس، وأربعة وزراء دولة (القادة المسجونين)، وتسعة وزراء وثلاثة كتاب دولة.

                تجسد الحكومة المؤقتة من الناحية السياسية ما يمكن تسميته بحكومة الإجماع الوطني، حيث ضمت في كنفها ممثلين عن الأسر السياسية الجزائرية التقليدية، على أن القوة السياسية الجزائرية التي فجرت ثورة أول نوفمبر هي التي استحوذت على النصيب الأكبر بالنسبة للمناصب الوزارية، إلى جانب حركة انتصار الحريات الديمقراطية (الشق المركزي) وحزب البيان وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فهذا الإجماع لم يتحقق نتيجة لوفاق سياسي مسبق وإنما تجسد في خضم المعركة، وفق المنظور الذي رسمه له بيان أول نوفمبر ومن أجل الأهداف التي حددها.

                ـ آثار ونتائج الإعلان عن تأسيس الحكومة المؤقتة:

                يجب الوقوف قليلا عند هذا الحدث في محاولة تقييم للآثار النفسية والسياسية التي أحدثها على المستوى الداخلي، فاذا كان أول نوفمبر هو بمثابة ميلاد جديد للشعب الجزائري، فإن الإعلان عن تشكيل الحكومة المؤقتة هو بعث جديد للدولة الجزائرية. وللمواطن الجزائري في ذلك الوقت يعني من الناحية النفسية والمعنوية شيئا كثيرا، لا يمكن وزنه، لقد أصبح يشعر أن له أسما ومكانة وكيانا بين الدول، فانعكاس هذه الروح الجديدة على الساحة النضالية سوف يكون كبيرا جدا، وكل التضحيات تكون هينة من أجل أن يصبح الكيان حقيقة مجسدة على أرض الواقع.

                إذا كانت الفقرات الأولى من أول بيان للحكومة المؤقتة هو ((بعث للدولة الجزائرية التي محيت ظلما وعدوانا من الخريطة السياسية لشمال إفريقيا، كما يعني وضع حد لأكبر فضيحة في التاريخ، والتي اقترفت في القرن الماضي، واستهدفت سلخ شعب من وطنتيه وتحريف مساره التاريخي وتجريده من وسائل العيش وتحويله إلى مجرد فتات الأشخاص))، كما أن هذه المبادرة تضع حدا ((ليل طويل من الأساطير والخرافات ولعهد الاحتقار والإهانة والاستعباد)).

                وعلى المستوى السياسي؛ فإن جبهة التحرير التي ألتف حولها الشعب وتعبأ على كافة الأصعدة من أجل تحقيق الأهداف التي حددتها، كانت قد اكتسب الساحة كلية جانبها في مواجهة العدو ويبقى على الحكومة المؤقتة أن تأخذ على عاتقها مهمة تطوير وتحسين الأداء لهذه القوى الهائلة التي تمت تعبئتها. أما على الساحة الخارجية فقد كان عليها أن تعتني عناية خاصة لتثمين حركة التضامن مع الثورة الجزائرية التي تزداد اتساعا يوما بعد يوم في القارتين الإفريقية والأسيوية وفي بلدان الكتلة الاشتراكية وكذلك العمل من أجل تطوير التضامن مع الجزائر التي بدأت تظهر في أمريكا اللاتينية وخاصة بعد انتصار الثورة الكوبية سنة 1959.

                ويمكن أن نتبين نتائج الجهود التي بذلت على هذا المستوى من مضمون اللائحتين اللتين أصدرتهما الجمعية في دورتيهما الخامسة عشر والسادسة عشر (1960 فبراير 1962)، اللتين أكدتا حق الشعب الجزائري في تقرير المصير والاستقلال، ووحدة أراضيه، فهذه المبادرة الأخيرة تعني إدانة مسبقة لكل محاولة تقوم بها فرنسا لفصل الصحراء.

                وعلى مستوى المواجهة مع، فرنسا فقد تصدت الحكومة المؤقتة منذ الأسبوع الأول من تشكيلها لفضح الأهداف التي كانت وراء تنظيم الاستفتاء حول دستور الجمهورية الخامسة، كما واجهت محاولات هذه الأخيرة الرامية إلى إيجاد قوة ثالثة بديلة عن جبهة التحرير والحكومة المؤقتة، وأجهضت في نفس الوقت تلك المناورات التي استهدفت النيل من وحدة الثورة وتلاحمها أيضا.

                لقد أحست فرنسا بالاختناق من شدة الحصار الذي فرضته عليها جبهة التحرير، بفضل التعبئة الكاملة لحركة التحرر الوطني العالمية، إلى جانب الثورة الجزائرية وأصبحت تعيش عزلة تكاد تكون تامة على المستوى الدولي. كما فشلت كل جهودها العسكرية في القضاء على جيش التحرير، وقد عبأت لهذه الغاية أقصى ما تستطيع من الإمكانيات البشرية والموارد المالية، والمعدات التي تتوفر عليها أو التي زودها بها حلفاؤها، ولكن بدون جدوى، مما اضطرها إلى الاعتراف بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير، مسقطة بذلك رسميا وعلانية خرافة (الجزائر فرنسية) كما تحتم على الحكومة المؤقتة من ناحية أخرى فضح كل المخططات وكشف كل المؤامرات، التي حاولت فرنسا حبكها تحت شعار (الجزائر جزائرية).

                قدمت الحكومة المؤقتة في بيانها الأولى مقترحات محددة من أجل تسوية سياسية للأزمة مع فرنسا، وطالبت بفتح مفاوضات في الحين حول شروط وقف إطلاق النار، فهذه الشروط ليست سرا ولا هي موضوع مساومة، لقد تمّ عنها منذ البيان الأول لجبهة التحرير في أول نوفمبر 1954: الاعتراف باستقلال الجزائر وسيادتها الكاملة على أرضيها.

                ولقد أجبرت فرنسا، بعد أن مددت في عمر حرب الإبادة التي شنتها ضد الشعب الجزائري أربع سنوات أخرى، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات على أساس الشروط، في مواجهة التحرير وحدها وجها لوجه، وتوقيع الاتفاق معها، الذي اشتهر باسم اتفاقيات إيفيان في 18 مارس 1962.

                 


                • المفاوضات والاستقلال الوطني.

                  المفاوضات والاستقلال الوطني

                  أ ـ بداية الاتصالات:

                  كانت الاتصالات الأولى التي تمت بين ممثلين من الثورة الجزائرية وممثلين عن الحكومة الفرنسية، اتصالات غير مباشرة، أي عن طريق وسطاء وذلك لعدم اعتراف الحكومة الفرنسية بجبهة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الجزائري هذا من جهة. واعتبار الثوار خارجين عن القانون يجب معاقبتهم لا مفاوضتهم من جهة أخرى.

                  ويعود أول اتصال غير رسمي بين ممثلي جبهة التحرير الوطني والحكومة الفرنسية إلى تاريخ 20 فيفري 1955، وذلك بعد استشهاد "ديدوش مراد" وكان الغرض من هذا الاتصال المبكر هو محاولة الحكومة الفرنسية التعرف على هوية هؤلاء الثوار الذين تجروا على حمل السلاح ضد فرنسا، والتعرف على مطالبهم وأهدافهم من وراء حمل السلاح فقط، وقناعة الساسة الفرنسيين والعسكريين أيضا منهم بقدراتهم في القضاء عليهم في الشهور الأول من الثورة.

                  ثم بعد ذلك كانت هناك اتصالات مباشرة سرية بين مندوبين عن جبهة التحرير الوطني ومندبين عن مختلف الحكومات الفرنسية في فترات متعدّدة وفي مختلفة، وكان أول اتصال من هذا النوع جرى في الجزائر سنة 1956 بين مندوب عن "مندوس فرانس" رئيس الحكومة الفرنسية "عبان رمضان" و"بن يوسف بن خدة" ثم حصل لقاء آخر في القاهرة بين "محمد خيضر" و"قورس بيجار" مبعوث ""غي موللي". كما جرت لقاءات أخرى مع "أمحمد يزيد" و"أحمد فرانسيس وبين "بيير كوميني" الأمين العام بالنيابة للحزب الاشتراكي الفرنسي وذلك في بلغراد (يوغوسلافيا)، ثمّ بين "محمد خيضر" و"عبد الرحمن كيوان" وبين "هيربو و"قوزيل" في روما. كما تمّ لقاء آخر ضمّ "محمد خيضر" و"كوميني" في القاهرة وبريوني (يوغوسلافيا).

                  وهي الاتصالات التي لم يكن هدف الفرنسيين منها يبتعد عن هدفهم من الاتصالات التي سبقت، فكانوا يهدفون من ورائها إلى معرفة وضعية الثورة وتركيبتها ومكامن القوة والضغط بين صفوفها. بالإضافة لكسب الوقت بعد إدراكهم بتطور قوة الثورة وضغطها العسكري والاقتصادي على السلطات الفرنسية، حيث أصبحت تكاليف الحرب مرتفعة بشريا وماديا مما سبب نزيفا للخزينة الفرنسية قدر بحوالي ثلاث مليارات فرنك يوميا.

                  ب ـ الاتصالات في عهد ديغول:

                  عندما استلم "ديغول" الحكم بعد تمرد 13 ماي 1958 كلّف "عبد الرحمن فارس" و"جان عمروش" بالاتصال مع قادة الثورة وإبلاغهم باستعداده للتباحث معهم في شأن إيقاف القتال على أساس إجراء انتخابات إيقاف القتال والدخول في المفاوضات بعد ذلك، وقام الرجلان فيما بين 20 أوت وأكتوبر 1958 بعدة اتصالات مع جبهة التحرير الوطني، وكانت قد تشكلت في هذه الفترة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية واجتمعت في القاهرة لتعدّ جوابها على عروض "ديغول"، ولكنه أسرع وأعلن يوم 23 أكتوبر 1958 ورقة ومناورة (سلم الشجعان) وعن وجوب رفع العلم الأبيض والاتصال بالسفارة الفرنسية في تونس والرباط لتنظيم عملية الاستسلام، فكان هذا الإعلان بمثابة قطع لتلك الاتصالات السرية الجارية.    

                  1 ـ اتصالات تقرير المصير:

                  في تصريحه يوم 16 سبتمبر 1959 أعلن "ديغول" اعترافه بحق تقرير المصير للشعب الجزائر، وبهذا عمدت شخصيات فرنسية إلى الاتصال بالحكومة المؤقتة الجزائرية بغرض شرح وتوضيح أهداف هذا التّصريح، غير أن الحكومة المؤقتة لم تحاول أن تفتح النقاش معهم كونّهم لم يكونوا معتمدين من طرف الحكومة الفرنسية. غير أنها أعلنت في بيان لها يوم 28 سبتمبر من نفس السنة عن استعدادها للدخول في المفاوضات مع الحكومة الفرنسية حول الشروط السياسية والعسكرية لإيقاف القتال، وشروط ضمانات تطبيق المصير.

                  وفي 10 نوفمبر من نفس العام عرض تقرير "ديغول" بنفسه على قادة الثورة الدّخول معهم في مفاوضات لبحث شروط إيقاف القتال وإنهاء المعارك، وردت عليه الحكومة المؤقتة يوم 20 من نفس الشهر بقبولها العرض وتعينها للوزراء الجزائريين المعتقلين في فرنسا للتفاوض، ولكن "ديغول" رفض التفاوض معهم بحجة أنهم خارج المعركة حسب تعبيره وهو يريد التباحث كع من هم داخل المعركة.

                  وفي شهر فيفري عام 1960 اتصل المؤرخ الفرنسي "شارل أندري جوليان" بوزير التسليح والتموين في الحكومة المؤقتة الجزائرية وحدثه عن الشروط التي ترغب حكومة الثورة في توفرها حتى يتمكن شعب الجزائري من تقرير مصيره بنفسه وحريته، كما قام "جوليان" باطلاع السيد "بارودي" سفير فرنسا بتونس على فحوى هذه المحادثات، فنقلها هو بدوره إلى حكومة باريس، ورغبة الحكومة المؤقتة من حلّ مشرف ووضع حدّ لإراقة الدماء عرضت على الحكومة الفرنسية أن تبعث لها مبعوثا من قبلها إلى باريس ليضبط ويرتب الشروط الضرورية لاجتماع الممثلين الفرنسيين والجزائريين. ولكن "ديغول" سكت عن هذا العرض ولم يجب عليه، ثمّ صرّح بعد ذلك في أوائل شهر مارس أثناء جولته العسكرية بالجزائر بعدّة تصريحات أكد فيها القضاء على الثورة، وبذلك أصبحت عروض التفاوض لا مجال لها فأهملت حتى جاءت مرحلة مولان.

                  2 ـ محادثات مولان ما بين 25 و29 جوان 1960:

                  في يوم 14 جوان 1960 ألقى الجنرال "ديغول" خطابا دعا فيه قادة الثورة للقدوم إلى باريس للتفاوض من أجل إيجاد نهاية مشرفة للمعارك وقال بهذا الخصوص: ((إنني أتوجه باسم فرنسا إلى قادة الانتفاضة وأعلن لهم أننا ننتظرهم هنا لكي نجد معهم حلا مشرّفا للمعارك التي مازالت جارية، ونفصل في مصير الأسلحة ونضمن المحاربين، ثم بعد ذلك سيعمل كل شيء لكي يقول الشعب الجزائري كلمته في هدوء، ولن يكون هناك قرار إلاّ قراره)).

                  فأجابته الحكومة الجزائرية المؤقتة يوم 20 من نفس الشهر بقبولها العرض وأرسلت مبعوثين إلى باريس هما: "أحمد بومنجل" و"محمد الصديق بن يحي" وضم الوفد الفرنسي الذي كلّف بالتباحث معهما كلا من "روجي موريس" الكاتب العام للمندوبية ودامت المحادثات أربعة أيام من 25 إلى 29 جوان، واكتشف خلالها المبعوثان الجزائريان بأنهما أمام شروط وقيود حدودها الجانب الفرنسي بمفرده ولا يقبل في شأنها النقاش أو التفاوض، كما وجدا نفسيهما مثل الأسيرين منع عليها الاتصال بأن أحد أو مقابلته، ولذا إثر قطع المحادثات والعودة إلى تونس، وكانت فرنسا من ذلك تريد أن تظهر للوفد بأنه ليس وحده على الساحة، وليس  هو هنا من المقاتلين الحقيقين، ويقصدون بذلك الجماعة التي ذهبت من الولاية الرابعة لمفاوضة، بقيادة "صالح زعموم" أو ما عرفت بحادثة الإليزي، فرجع الوفد خائب بعد مدة أربع أيام قضاها في فرنسا.

                  وبعد ذلك توقفت كل الاتصالات، وركزت فرنسا على سياسة الحرف آمله في أن تقضي على الثورة إلا أنها قوبلت بصمود ومقاومة فأعادت الكرّة من جديد في شهر فيفري 1961.

                  3 ـ محادثات لوسيرن 20 فيفري 1961:

                  بدأت المفاوضات في بسويسرا يوم 20 فيفري 1961 رغم أن فرنسا لم تكلف أي شخص له مسؤولية رسمية في الحكومة، وكلّف الرئيس الفرنسي أحد أصدقائه الذي يلتمس فيه القدرة والكفاءة على التفاوض ولم يكن ذلك على التفاوض ولم يكن ذلك غير "جورج بومبيدو" والذي كان يرأس بنكا خاصا، فحين مثل الوفد الجزائري "الطيب بولحروف" و"أحمد بومنجل".

                  دامت المفاوضات سبعة ساعات كاملة، كان يريدها "جورج بومبيدو" لمناقشة الهدنة ورفض المفاوضات تحت تهديد العمليات العسكرية، وبقاء القاعدة العسكرية البحرية بمرسى الكبير تحت السيادة الفرنسية، أما الوفد الجزائري فكان يريدها لمناقشة تقرير المصير ووقف اطلاق النار بعد امتهاء المفاوضات.

                  4 ـ لقاء نيوشاتيل في 05 مارس 1961:

                  في هذا اللقاء أيضا ظهر عمق الخلاق وعدم تطابق وجهات النظر بين الوفد الجزائري والوفد الفرنسين حيث طرح "بومبيدو" دائما مقترحاته المعهودة: الهدنة، بقاء قاعدة المرسى الكبير تحت سيادة فرنسا، الصحراء تحت سيادة فرنسا كذلك. ومما قاله "بومبيدو" في هذا اللقاء: ((في مرحلة أولى نسوي مشكل شمال الجزائر حيث نجد عشر ملايين جزائري، ونترك جانبا الصحراء. وفي مرحلة ثانية فإن فرنسا والدولة الجزائرية إن وجدت سيتناقشان حول هذه المسألة، كما أن المحادثات ستتوسع بطبيعة الحال إلى بقية الدول المجاورة والمتاخمة)).

                  فرد الوفد بحزم: ((لا هدنة حتى وإن دامت المفاوضات شهورا أو سنوات)). وأكد السيد "أحمد بومنجل": ((أن الصحراء جزء من التراب الجزائري ولا يمكننا بأي حال من الأحوال التفريط في شبر واحدا منها)).

                  كان ذلك إيذانا بفشل المفاوضات وتوقفها لأن فرنسا قد أدخلت بمبدأ السيادة الوطنية ووحدت التراب الجزائري.

                  4 ـ مفاوضات ايفيان الأولى من 20 ماي إلى 13 جوان 1961:

                  كانت هذه الندوة مقررة بتاريخ 07 أفريل 1961 لكنها أجلت إلى يوم 20 ماي من نفس السنة كان الوفد الجزائري مكونا من السادة: "كريم بلقاسم"، الدكتور "أحمد فرانسيس"، "سعد دحلب"، "محمد الصديق بن يحي"، "الطيب بولحروف"، وغيرهم. أما الطرف الفرنسي فكان يمثله "لويس جوكس"، "برينو دو"، "كلود شايت"، "برونار تريكو"، وغيرهم الشخصيات الفرنسية السامية، وانطلقت بحضور الوسيط السويسري "لونغ"، وكان مصيرها مصير المفاوضات السابقة بسبب قضية الصحراء الجزائري، ثم جاءت بعدها.

                  5 ـ محادثات ليروس من 10 إلى 18 فيفري 1961:

                  بدأت يوم 20 جويلية 1961 ودامت أسبوع إلى غاية 28 جويلية 1961، وفشلت لنفس السبب، وهي قضية الصحراء. ثم جاءت محادثات بال في شهر أكتوبر ثم نوفمبر 1961، وفيها بدأ الوفد الفرنسي يسقط ورقة الصحراء والتمهيد لمفاوضات ليروس من 10 إلى 18 فيفري على التراب الفرنسي بمرتفعات الجورا (Jura) على الحدود السويسرية، وحضرها عن الجانب الجزائري إضافة إلى "كريم بلقاسم"، "أمحمد يزيد" وزير الإعلام، "رضا مالك"... الخ، أما من الجانب الفرنسي نجد "جوكس"، "برينو روبارت" ... الخ، والوسيط السويسري "لونغ". وفي هذا اللقاء نوقشت كل المواضيع التي بقيت محل خلاف من قبل لاسيما قضية الصحراء، إلا أن "جوكس" كان قويا في انتزاع بعض الأشياء مثل الاستغلال المشترك للثروات الطبيعة والمعدنية وفي مقدمتها البترول والغاز، وبقاء القاعدة العسكرية النووية بصحراء رقان مدة تحت سلطة فرنسا.

                  وفي النهاية تمّ الاتفاق على جميع النصوص المقترحات المطروحة للنقاش بما فيها وقف القتال والقضايا العسكرية والتعاون الاقتصادي والثقافي.

                  6 ـ مفاوضات إيفيان الثانية من 07 مارس إلى 18 مارس 1962:

                  بعد موافقة مجلس الثورة الجزائرية بالأغلبية على مسودة (ليروس) اتفقت الحكومتان عن كطريق الوسيط السويسري على تحديد تاريخ الندوة العلنية الرسمية يوم 07 مارس 1962 بمدينة إيفيان على حدود سويسرا. فحسب "رضا مالك" أن لقاء إيفيان كان عبارة عن تبيض ما تمّ التوصل إليه في ليروس.


                  • مصادر ومراجع المقياس

                    مصادر ومراجع المقياس

                    1 ـ الكتب

                    أ ـ كتب بالعربية:

                    ‏ـ جمال قنان،  قضايا ودراسات في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر،

                    ـ جمال قندل، خط شال وموريس،

                    ـ سعد دحلب، المهمة المنجزة من أجل استقلال الجزائر، 

                    ـ صالح بلحاج، أزمات جبهة التحرير الوطني وصراع السلطة 1956-1965،  

                    ـ عبد الحميد زوزو، محطات في تاريخ الجزائر،

                    ـ عبد الحميد زوزو، المرجعيات التاريخية للدولة الجزائرية الحديثة،

                    ـ عمار ملاح، محطات حاسمة في ثورة أول نوفمبر 1954،    

                    ـ فتحي الديب، عبد الناصر وثورة الجزائر،

                    ـ محمد لحسن أزغيدي، مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني الجزائري،

                    ـ محمد العربي الزبيري، الثورة الجزائرية في عامها الأول،

                    ـ محمد العربي الزبيري، تاريخ الجزائر المعاصر، (03 أجزاء)،

                    ـ مصطفى هشماوي، جذور نوفمبر 1954 في الجزائر،

                    ـ يحي بوعزيز، ثورات الجزائر في القرن 19 و 20، ج 2،

                    ـ يحي بوعزيز، الثورة في الولاية الثالثة (1954 ـ 1962

                    ب ـ الكتب المترجمة للعربية: 

                    ـ أتومي جودي، العقيد عميروش بين الأسطورة والتاريخ،  

                    ـ أحمد محساس، الحركة الثورية في الجزائر،

                    ـ بنيامين سطورا، مصالي الحاج، رائد الوطنية الجزائرية،  

                    ـ بن يوسف بن خدة، جذور أول نوفمبر 1954،

                    ـ بن يوسف بن خدة، اتفاقيات إيفيان،

                    ـ بن يوسف بن خدة، الجزائر العاصمة المقاومة 1956، 

                    ـ جورج غيرستر، الصحراء الكبرى،

                    ـ شارل روبير أجرون، تاريخ الجزائر المعاصرة (1871 ـ 1954)،  

                    ـ عباس فرحات، ليل الاستعمار،

                    ـ عباس فرحات، تشريح حرب،

                    ـ عمار أزقان، الجهاد الأفضل، 

                    ـ فرانز فانون، العام الخامس للثورة الجزائرية،

                    ـ محفوظ قداش، جزائر الجزائريين (1830 ـ 1954

                    ـ محفوظ قداش، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية (1919 ـ 1951)، جزآن،

                    ـ محمد بجاوي، الثورة الجزائرية والقانون (1960 ـ 1961

                    ـ محمد حربي، جبهة التحرير الوطني الأسطورة والواقع،

                    ـ محمد حربي، سنوات المخاض، 

                    ـ محمد يوسفي، الجزائر في ظل المسيرة النضالية (المنظمة الخاصة)، 

                     ج ـ المذكرات الشخصية:

                    ‏ـ آثار محمد البشير الإبراهيمي، جمع وتقديم نجله "أحمد طالب الإبراهيمي

                    ـ أحمد توفيق المدني، مذكرات حياة كفاح، ج 3،

                    ـ ‏توفيق محمد الشاوي، مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي 1945 ـ 1995،  

                    ـ شارل ديغول، مذكرات الأمل، (مترجمة)، 

                    ـ الطاهر زبيري، مذكرات آخر قادة الأوراس التاريخيين (1929 ـ 1962

                    ـ عبد الرحمان فارس، الحقيقة المرة، مذكرات سياسية (1945 ـ 1965

                    ـ عبد السلام حباشي، من الحركة الوطنية إلى الاستقلال (مسار مناضل)،

                    ـ علي كافي، مذكرات الرئيس (من المناضل السياسي إلى القائد العسكري)،

                    ـ عيسى كشيدة، مهندسو الثورة، (مترجمة)،

                    ـ لخضر بوريقة، مذكرات شاهد على اغتيال الثورة، 

                    ـ محمد صايكي، مذكرات النقيب (شهادة ثائر من قلب المعركة)،

                    ‏ـ محمد خير الدين، مذكرات، جزآن

                    ـ مصطفى بن عمر، الطريق الشاق إلى الحرية، 

                    ـ مصطفى مرارة بن النوي، مذكرات (شهادات ومواقف من مسيرة الثورة في الولاية الأول،(مترجمة)،

                    ـ هنري علاق، مذكرات جزائري، (مترجمة)، 

                    2 ـ الكتب بالفرنسية:                        ‏  ‏ 

                    -Benjamin Stora , Dictonnaire Biographique De Militant Nationalistes Algériens‏ ‏1926 -1954,  

                    - CLaude  Paillat , Dossier Secret de l’Algérie  1954- 1958 ,   ‏

                     -CLaude  Paillat , DOSSIER SECRET DE L'ALGERIE 13 mai 58/28 avril 61,

                    - Francis et Colette Jeanson, L'Algérie hors la loi,

                    - Guentari Mohammed , Organisation politico – administrative et militaire de la ‎révolution algérienne de ‎‎1954 à 1962,

                    - Harbi Mohammed, Une vie debout, Mémoires politiques 1945-1962,

                    - Harbi Mohammed et Gilbert Meynier , Le FLN documents et histoire 1954- 1962,

                    -Jacques  Valette , LA Guerre d'Algérie des messalistes 1954 -1962 , ‎ 

                    - Rédha Malek , L'Algérie à Evian Histoire des Négociations Secrètes,1956-1962,

                    - Rédha Malek, L'Algérie à évian

                    -Teguia  Mohamed  , L’Algérie En Guerre ,

                    - Yacef Saadi, La Bataille D'Alger,.

                    - Yves  Courrière , L'heure des Colonels,  

                    - Yves  Courrière  , Les Feux du désespoir,       

                    - Yves  Courrière  , Le Temps des leopards,

                    ـ تقارير المنظمة الوطنية للمجاهدين:

                    ‏ـ تقرير الملتقى الوطني الثاني لتاريخ ‏الثورة، قصر الأمم ‏من ‏‏8 إلى 10 ماي 1984، طبع ونشر قطاع الإعلام والثقافة والتكوين، الجزائر، المجلد ‏‏2، الجزء الأولى والثاني.

                    ـ تقرير الملتقى الجهوي الثاني لكتابة ‏تاريخ ثورة ‏‏1954 ـ الولاية السادسة، المنعقد بمدينة بسكرة يومي 5 ـ 6 فيفري 1983.‏ 

                    ـ تقرير الملتقى الجهوي الثاني لكتابة ‏تاريخ ثورة ‏‏1954 ـ الولاية الأولى الأوراس النمامشة ، من 1956 إلى 1962.

                    ‏ـ تقرير ملتقى دور الولاية ‏السادسة التاريخية في التصدي للحركات المناوئة، الجلفة في 17 إلى 19 جوان 1995.  

                    بعض المجلات والجرائد والدوريات والمنشورات:

                    ـ إنتاج جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة في الأوراس باتنة، مصطفى بن بولعيد ‏والثورة ‏الجزائرية 1374 ه ـ 1954 م، مطبعة دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، 1999.‏

                    ‏ـ إنتاج جمعية رواد مسيرة الثورة في منطقة الأوراس بباتنة، شهداء منطقة الأوراس، دار ‏الهدى ‏للطباعة ‏والنشر والتوزيع عين مليلة، الجزائر، أربعة الأول

                    ‏ـ أول نوفمبر، مجلة تصدرها المنظمة الوطنية للمجاهدين، الجزائر، 

                    ـ حولية المؤرخ، مجلة دورية يصدرها إتحاد المؤرخين الجزائريين،

                    ـ الذاكرة،  مجلة يصدرها دوريا المتحف الوطني للمجاهد، الجزائر،

                     ـ الرؤية، مجلة ‏يصدر المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة ‏الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، ‏ع:1 ، الجزائر، السنة ‏الأولى، جانفي ـ فيفري 1996، طبع بمطابع ‏الحراس، الجزائر، 1996

                    ـ سلسلة الملتقيات، ‏‏الأسلاك الشائكة المكهربة، دراسات وبحوث الملتقى الأول حول فصل الصحراء ‏عن الجزائر، إصدار المركز الوطني ‏للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر ‏‏1954، الجزائر، 1998

                    ـ سلسلة الملتقيات، ‏‏فصل الصحراء في ‏السياسة الاستعمارية، دراسات وبحوث الملتقى الأول حول فصل الصحراء ‏عن الجزائر، إصدار المركز الوطني ‏للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر ‏‏1954، الجزائر، 1998. ‏‏ 

                    ـ المجاهد، اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني الجزائري،

                    ‏ـ المصادر، مجلة دورية يصدرها ‏ المركز الوطني ‏للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر ‏‏1954‏‏، الجزائر،

                    ‏ـ المنار، الجزائر، نصف شهرية سياسية وثقافية ودينية حرة، الجزائر،‏السنة الثانية، 1372 هـ الموافق ‏لـ   1952م.‏  

                    ـ وزارة المجاهدين، أعمال الملتقى حول إستراتيجية الثورة في مواجهة الحركات المناوئة، المنعقد بولاية البليدة يومي 24 ـ 25 أفريل 2005، الجزائر، 2005.

                    ـ المنظمة الوطنية للمجاهدين، الطريق إلى نوفمبر كما ‏يرويها المجاهدون، ديوان المطبوعات الجامعية، ‏الجزائر، المجلد الأول، الجزء الثالث.‏ 

                    ـ ‏المنظمة الوطنية للمجاهدين، من شهداء ثورة التحرير، منشورات قسم الإعلام والثقافة، الجزائر.