المحور الخامس: الادوات المنهجية

-         الملاحظة: انواعها، خطواتها، حدود الاستخدام

-         المقابلة: انواعها، خطواتها، استخداماتها

-         الاستبيان: تعريفه، خطواته، المعاينة وتفريغ البيانات

المحور السادس: منهجية التعامل مع الهوامش

-         التوثيق: اهميته وانواعه

-         الاقتباس: انواعه وقواعده

-         اساليب وطرق التهميش

 

 

 

 

تُعرّف الأداة بأنها الوسيلة المستخدمة في جمع البيانات والمعلومات وتصنيفها وجدولتها، وقد تعددت الأدوات التي تستخدم للحصول على البيانات تبعا لتعدد واختلاف المواضيع والقضايا المدروسة ليس بين المجالات المعرفية المختلفة فحسب بل وفي نفس الحقل المعرفي الواحد، وذلك تجنبا لعيوب أو قصور إحداها وكذا لتمكين الباحث من دراسة الظاهرة بطريقة علمية ومن كافة الجوانب، على أن لكل وسيلة خصائصها ومميزاتها، وهو ما يستدعي ضرورة إلمام الباحث بالوسائل والأساليب المختلفة لجمع المعلومات بما يتيح له أن يقرر ويختار الأداة المناسبة لبحثه أو دراسته مسبقا.

ويعتمد اختيار الباحث لأداة جمع المعلومات على عدة عوامل، أهمها:

- طبيعة البحث ومدى ملائمة طريقة جمع المعلومات.

- ظروف الباحث وقدراته المادية، والوقت المتاح لإجراء البحث.

- مدى التحكم في الأداة.

وتنقسم الأداوات المنهجية التي تستعمل لجمع البيانات إلى قسمين أو نوعين:

- الأدوات الأساسية: وهي التي سيتم التركيز عليها في هذا الفصل نظرا لاقتصار أغلب الباحثين في استعمالاتهم لأدوات جمع البيانات على الملاحظة والمقابلة والإستمارة.

- الأدوات الثانوية: وتتمثل في الرسوم والأشكال البيانية، التسجيلات الصوتية بالإستعانة بالأجهزة الحديثة، الخرائط، الصور الفوتوغرافية.

أولا: الملاحظة:

تُعبّر الملاحظة على ذلك الإنتباه المُسّير باتجاه سلوك أو ظاهرة ما سعيا لمتابعة التغيرات ورصدها حتى يصل الباحث لإمكانية وصف السلوك وتحليله، وهي من أكثر الأدوات استخداما، كما لا تستعمل لوحدها بقدر ما تكون مساعدة أو مكملة لأدوات أخرى باعتبار أن دورها ينحصر على اللحظات الآنية.

1 - أنواع الملاحظة:

تصنف الملاحظات وتختلف حسب معايير عدة، حسب معيار التنظيم أو وفقا لدور الباحث أو من خلال معيار الهدف وغيرها من التصنيفات، وعليه سنتوقف هنا عند أهم الملاحظات المستخدمة في البحوث السياسية خاصة، وهي بإيجاز:

1 - 1 - الملاحظة البسيطة:

وهي التي لا يلجأ فيها الباحث لاستخدام أية وسائل أو أدوات دقيقة للقياس، وبالتالي فهي لا تخضع لأي نوع من الضبط العلمي، إذ تقتصر على الحواس في مشاهدة الجوانب المختلفة المتعلقة بظاهرة أو مشكلة معينة في ظروفها الطبيعية وتستخدم عادة في الدراسات الإستطلاعية والوصفية لجمع البيانات الأولية عن الظاهرة [1]، وإن أضحت محدودة الإستخدام بسبب التقدم العلمي[2]، كأن تستخدم في تتبع توجهات الرأي العام تجاه مشكلة أو قرار ما.

2.1 - الملاحظة المنظمة (الموجّهة):

يقوم فيها الباحث بوضع خطة معينة ومبرمجة لعملية الملاحظة، بحيث يجري تغييرات معينة تتم على مراحل، يقوم بعدها بجمع المعلومات من خلال مراقية السلوك أو التغير في الظاهرة مع كل مرحلة، لذا فهي ملاحظة دقيقة وهادفة وموجهة تخضع للضبط العلمي إذ تُستخدم فيها أدوات الرصد والقياس[3]، كأن تُستخدم مثلا في موضوع حول دور وسائل وأساليب التفاعل داخل المنظمة ومدى ملائمته لتحقيق الأهداف، فمن خلال الملاحظة يتم رصد أشكال السلوك غير الرسمي للموظفين ومواضعه مع تتبع انعكاساته على معدلات الأداء.

هذا بالإضافة لتقسيمات أخرى وفقا لمعاير مختلفة، كتصنيفها لملاحظة بالمشاركة (المعايشة) وملاحظة غير مشاركة وفقا لدور الملاحظ، أو إلى ملاحظة فردية وجماعية وفقا لعدد الملاحظين، وحسب معيار الهدف يمكن تقسيمها لملاحظة محددة وغير محددة[4].

2 - خطوات الملاحظة:

للملاحظة مجموعة خطوات على الباحث اتباعها قبل إجرائها بغض النظر عن نوع الملاحظة، وهي:

- تحديد الهدف من الملاحظة، فقد تكون لأجل وصف الظاهرة أو تحليلها أو حتى تقويمها.

- تحديد الظاهرة، سواء كان مجتمع دراسة أو سلوك أو حادثة، وتحديد ظروفها.

- إستخدام الوسائل والأدوات المناسبة لتسجيل الملاحظة، إذ أن بعض الملاحظات تتطلب خبرة فنية ومعرفة جيدة بأساليب وأدوات القياس.

- تحديد السمات أو الخصائص التي يجب ملاحظتها، ما يقتضي التتبع على فترات.

- التسجيل الفوري للملاحظات بدقة من خلال كتابتها أثناء الملاحظة، أو باستخدام أجهزة مناسبة لحفظ البيانات أو المعلومات خاصة منها تلك التي لا يمكن توفيرها بطريقة أخرى.

- تحليل البيانات التي جمعها الباحث بعد تصنيفها، وتقديم تفسيرات مناسبة في شأنها[5]

ثانيا: المقابلة:

تُعتبر المقابلة من الأدوات الرئيسية لجمع المعلومات والبيانات، وتُعرّف بأنها تفاعل لفظي يتم بين طرفين أو أكثر حول موضوع معين وفقا لأنماط ومعايير محددة.

وتُعرّف المقابلة أيضا بأنها: وسيلة لتقصي الحقائق والمعلومات باستخدام طريقة منظمة تقوم على حوار أو حديث لفظي أو شفوي مباشر بين الباحث والمستجيب.

فالمقابلة هي محادثة موجهة يقوم بها فرد مع آخر أو مع مجموعة أشخاص بهدف الحصول على المعلومات، وعليه فالمقابلة تعتبر مصدراً من مصادر الحصول على البيانات تقوم على أساس الحوار والتفاعل المباشر بين الباحث والمستجوب يهدف فيه أحدهما إلى التعرف على البيانات من الطرف الآخر في موضوع محدد[6].

والمقابلة أو ما يطلق عليه الإستبار: اتصال و مواجهة بين طرفين أحدهما الباحث أو القائم بإدارة المقابلة  والطرف الآخر هو المبحوث، وذلك بقصد حصول الأول على معلومات من الثاني في موضوع معين.

يمكن اعتبارها إذن استبيان شفوي يقوم من خلاله الباحث بجمع معلومات بطريقة شفوية مباشرة وآنية، كما هو الحال مع الملاحظة.

1 - أنواع المقابلة:

تأخذ المقابلة أشكال وأنواع متعددة حسب الهدف منها أو حسب نوع الدراسة أو نوع الأسئلة التي تُطرح، على أن أهم تصنيفاتها المعمول بها في الدراسات السياسية خاصة تتمثل في:

1.1 - المقابلة الموّجهة:

وهي التي تتم باستخدام قائمة استقصاء نمطية توجه إلى مفردات العينة المبحوثة، وهذا النوع هو الأكثر شيوعا في البحوث الميدانية، ويعرَف أيضا هذا النوع بالمقابلة النمطية أو المقننة، فهي موجهة من حيث الأهداف والزمان والمكان والأسئلة والأشخاص، بحيث يتحكم الباحث في نوعية الأسئلة المستخدمة، وتقتصر المناقشة فيها على أجزاء معينة من خبرات المستجيب وتحليل عناصر مواقفه، والتوصل من خلال تحليلاته إلى مجموعة فروض مرتبطة بهذه العناصر، يبني في ضوئها دليلا للمقابلة ويحدد هذا الدليل المجالات الأساسية للتقصي والتي تحدد البيانات المستهدف الحصول عليها، وبعد المقابلة يكون الباحث قادر على استخدام البيانات التي يستقيها من المقابلة في اختبار صحة الفروض الموضوعة وبالتالي قبولها أو رفضها، مع التركيز أيضا على بعض التعبيرات أو التلميحات اللفظية لدى المبحوث[7].

2.1 - المقابلة المتعمقة:

وهي التي تعتمد على مجموعة من الأسئلة الرئيسية التي يثيرها الباحث لمناقشتها مع المبحوث، وهي مقابلة مرنة بمقدور المبحوث معالجة أو التطرق لأي جزئية متعلقة بمشكلة البحث دون قيد، كما أن الباحث بمقدوره تعديل أسئلته على اعتبار أنها متنوعة وغير منظمة ولا يوجد إطار سابق التحديد، مع إمكانية إعادة صياغة إجابات المستجيب من الباحث، وعلى ذلك فهذا النوع من المقابلة يستوجب مقابلين على درجة من المهارة[8].

3.1 -  المقابلة الجماعية:

وتتم بين مقابل واحد وعدد من المبحوثين بحيث يدير الباحث المناقشة حول موضوع معين، وفيها يستعين الباحث بجهاز تسجيل مكشوف للباحثين، ويكون هذا النوع من المقابلة عند الحاجة إلى معرفة انطباعات الأفراد حول موضوع أو قضية معينة، أو تفضيل بديل معين، أو عند إجراء الدراسات الإستطلاعية، وتسمى أيضا بالمقابلة المتمركزة حول الموضوع أو البؤرة، على اعتبار أن الوظيفة الأساسية للباحث في هذا النوع من المقابلات هي تركيز الإهتمام حول خبرة معينة أو موقف معين أو تجارب تخص قضية أو موضوع ما[9].

2 - خطوات المقابلة:

إن حصول الباحث على معلومات من المبحوث تفيده في بحثه يتوقف على أسلوب الباحث في استخدام المقابلة ومدى تجاوب المستجيب، وعليه يتعين على الباحث مراعات مجموعة من الخطوات بهذا الصدد إذ أن استخدامها في البحوث كأداة لجمع البيانات يخضع لاعتبارات وشروط لها أهميتها إذ بدونها قد تفقد المقابلة مغزاها ومبررها، وهي:

- الإعداد المسبق للمقابلة، بحيث يكون إعدادها دقيقا من حيث تحديد المجالات الأساسية التي تدور حولها، أي إعداد الأسئلة المناسبة لهذا الغرض، والأداة التي ستستخدم في تسجيل البيانات، تحديد مكان المقابلة، وتحديد أفراد المقابلة.

- معرفة الباحث بموضوع الدراسة وبثقافة وخلفية المستجيبين، وأن يكون مستعدا للإجابة عن تساؤلاتهم.

- تكوين علاقة مع المستجيب لكسب ثقته، وذلك عن طريق تقديم الباحث لنفسه، شرح هدف المقابلة، سبب اختيار المبحوث، إقناعه بأن البيانات هي لغرض البحث ولا تتعداه مع التأكيد على ضرورة وأهمية مشاركته في البحث، والأخذ بعين الإعتبار أصول المقابلة من حيث التوقيت والجهد بعدم إجهاد المستجيب... .

- إستدعاء المعلومات من المستجيب بالأساليب المناسبة وحثه على الإستجابة.

- تسجيل الإجابات وكل الملاحظات الإضافية غير الواردة في الأسئلة والتي قد تهم في التحليل، باتباع أحد أساليب التدوين عبر الأداة المعدة مسبقا كالكتابة أو التسجيل الحرفي أو إعداد مقياس لتقدير الإجابات[10].

 كما تتطلب المقابلة مراعاة عدة اعتبارات لضمان نجاح المقابلة، أهمها:

- تخطيط المقابلة، وهذا يقتضي الإعداد لقائمة الأسئلة، التدريب على المقابلة بإجراء مقابلات صورية ومحاولة التعرف خلالها على أنواع الإستجابات المتوقع الحصول عليها، وهذا يقتضي نوعين من التدريب: تدريب الباحث على تخطيط وتنفيذ ودراسة العائد، وتدريب المساعدين على تنفيذ المقابلات وتسجيلها.

- الحرص على إشاعة جو من الإطمئنان بين الباحث والمبحوث، ومن ذلك أن يبدأ مثلا بسؤال عام، مع إظهار الإحترام لآراء المبحوث، والحرص على عدم إبداء أي تحيز تجاه الآراء.

- مراعاة قواعد وأسس طرح الأسئلة، ومنها:

• إستعمال لغة سهلة وبسيطة ومفهومة، وأن تكون الأسئلة محددة وقصيرة وغير مركبة.

• التدرج في توجيه الأسئلة بدءا بتلك التي تثير اهتمام المبحوث لتنتهي بالأسئلة المتخصصة، مع استخدام عبارات انتقالية بتعليقات «حيادية».

• تحاشي إقحام الأسئلة المفاجئة، وتجنب إعطاء تفسير لمعنى السؤال في حال عدم فهمه.

•  عدم طرح الأسئلة بصورة توحي بالإجابة المطلوبة.

التسلسل والترابط بين الأسئلة، فكل سؤال يُطرح تتفرع عنه أخرى فرعية ينبغي الإجابة عليها، وهكذا إلى أن يُلم الباحث بجميع جوانب الموضوع[11].

ثالثا: الإستبيان

يعتبر الإستبيان أهم وأكثر الأدوات استخداما في مجال البحوث السياسية والإجتماعية عموما، لذا يلاحظ الإعتماد المفرط عليها من قبل الباحثين المتمرسين والمبتدئين على حد سواء، ذلك أن استخدامها ممكن في غالبية أنواع البحوث الوصفية والإستكشافية والتقييمية ولو بدرجات متفاوتة، ويرجع ذلك إلى المزايا التي تمثلها هذه الأداة من حيث السهولة النسبية في إجراءاتها، خصوصاً إذا توافرت لدى الباحث الخبرة الملائمة والإمكانيات الفنية والمادية الضرورية، كما تتميز هذه الأداة بانخفاض التكاليف وسهولة معالجة بياناتها بالطرق الإحصائية، إذا ما استخدمت وفق القواعد العلمية والأسس المنهجية.

1 - تعريف الإستبيان:

الاستبيان لغة: بمعنى ظهر واتضح، واستبين الشيء استوضحه وعرفه.

أما اصطلاحًا: فهو مجموعة من الأسئلة التي يتم الإجابة عليها من قبل المفحوصين بدون مساعدة الباحث الشخصية أو من يقوم مقامه، تصاغ بشكل دقيق في ورقة تسمى الإستمارة.

وهناك تعريفات عديدة من الصعب حصرها لمفهوم الإستبيان، من بينها:

- أنها أداة علمية تبنى وفق مراحل تكتسب عبرها صدقها وثباتها، وتشمل بنودها إمكانية قياس فرضيات البحث، وتحديد العلاقة بين المتغيرات.

- هي مجموعة مؤشرات يمكن عن طريقها اكتشاف أبعاد موضوع الدراسة عن طريق الإستقصاء التجريبي، أي إجراء بحث ميداني على جماعة محددة من الناس.

- نموذج يضم مجموعة أسئلة تُوجّه إلى المبحوثين من أجل الحصول على معلومات حول موضوع أو مشكلة أو موقف ما.

- أداة مقننة للحصول على المعرفة بتوجيه أسئلة الباحث وفق نظام معين بما يضمن تكافؤا في ظروف الإجابة.

- أنه مجموعة أسئلة تسجل على صحيفة وتترجم أهداف البحث وعن طريقها يتمكن الباحث من جمع معلومات وبيانات تفيد في التعرف إلى اتجاهات الأشخاص ومشاعرهم ودوافعهم وسلوكهم، كما تفيد في الحصول على إحصائيات تصور الواقع الحالي وترشد إلى وضعه خطط للمستقبل[12].

ومن التعريفات المختلفة تظهر الميزات التي يحققها الإستبيان سواء من ناحية سهولة معالجة بياناتها إحصائيا لاحتوائها على مؤشرات، أو لاختصار الجهد والتكلفة لاقتصارها على جماعة محددة، كما تعتبر الإجراء الأكثر تجزئة في مراحل البحث العلمي الميداني أين يصل البحث إلى أقصى دقة لتبدأ بعد ذلك مرحلة التركيب.

ومهما كانت تسمية هذه الأداة استبيان أو استقصاء أو استيبار، فإن أسئلة الإستمارة تكون منصبة حول معرفة اتجاهات ودوافع مفردات مجتمع البحث أو الدراسة حول موضوع معين، ويؤدي الإعداد الجيد لقائمة الأسئلة التي تتضمنها الإستمارة إلى الحصول على البيانات التي تتفق مع هدف البحث، وهنا يجب التنبيه لملاحظة على قدر من الأهمية وهي أنه يتم وضع فرضيات البحث كمحاور يتم طرح أسئلة حولها بهدف اختبارها[13]، وهذا إجراء ضروري تابع لصياغة أو تحديد الإشكالية ومن ثم الفرضيات الموجّهة للبحث.

2 - سمات الإستمارة:

تحظى مسألة الإستمارة الجيدة وصياغة بنودها بعناية كبيرة على اعتبار أنها أداة لجمع البيانات من أجل قياس العلاقات الإرتباطية واختبار الفرضيات، وعليه وجب على الباحث الحرص على ضرورة التطابق بين مؤشرات الموضوع ومحاور الإستمارة[14]، هذا بالإضافة لمجموعة من الإعتبارات الواجب مراعاتها، ومنها:

- صياغة الأسئلة بشكل واضح وبلغة مفهومة، وتجنب المصطلحات التي تحمل أكثر من معنى أو تفسير.

- أن تتدرج الأسئلة من العام إلى الخاص، ومن السهل إلى المعقد.

- أن تتضمن الإستمارة أسئلة تستهدف التأكد من صحة إجابة المبحوثين.

- التتابع المنطقي لمحاور الإستمارة وأسئلة كل محور.

- الحرص على عدم التعارض بين بنود الإستبيان، أو إدراج كلمات تتعارض مع بعضها داخل نفس البند.

- المزج بين الصياغة المباشرة وغير المباشرة لبنود الإستبيان للتأكد من صحة إجابات المبحوثين.

- المزج بين البنود ذات الإجابة المغلقة وأخرى ذات الإجابة المفتوحة، على أن يشمل الإستبيان بناءا على ذلك النوعين بحسب طبيعة السؤال وطبيعة المعلومة المراد الحصول عليها. في الإجابات المغلقة يوجه السؤال بحيث يمكن للمبحوث أن يختار رقم معين أو إجابة من بين مجموعة إجابات، أما بالنسبة للإجابات المفتوحة فإن الباحث يعطي حرية الإجابة للمبحوث، وإن كانت هذه صعبة التفريغ، بالإضافة لإمكانية خروج الإجابة عن أهداف البحث[15].

- كما يجب اختيار أسلوب صياغة أسئلة الإستمارة بما يتماشى مع طبيعة وأهداف البحث، وعليه يجب أن يختار الباحث بين الأساليب المعروفة، وهي:

- الأسئلة الموجهة: وهي تلك الأسئلة التي توجه إجابات المبحوثين بنفس اتجاه السؤال، مثلا: هل تؤيد مشاركة المتعلمين في العملية الإنتخابية؟

- الأسئلة الإحتمالية: وتدور حول سلوك مرتقب في المستقبل ولها علاقة أساسية بفرضيات البحث والتي تربط بين المتغيرين المستقل والتابع. مثلا: هل تعتقد بأولوية نوع المدرس أم طبيعة النظام المدرسي كوسيلة التثقيف السياسي للناشئ؟

-الأسئلة الشخصية: أي صياغة أسئلة تدور حول ذاتية وصفات المبحوث الشخصية، وهي التي تتضمن محور البيانات الشخصية في الإستمارة.

-الأسئلة التذكيرية: وهي التي تعتمد كليا على ذاكرة المبحوث، مثلا: هل يتم الإحتفال بالمناسبات الوطنية في المدرسة؟

3 - خطوات تصميم الإستبيان:

هناك مجموعة من الخطوات التي تتطلبها عملية تصميم الإستبانة لإكسابها المصداقية العلمية وبحيث تكون نتائجها أكثر قابلية للتعميم، وهي:

- تحديد موضوع الدراسة بشكل عام والموضوعات الفرعية المنبثقة عنه، كأن يكون الموضوع مثلا دراسة أدوات التنشئة السياسية ودورها في تعزيز قيم المواطنة، حيث يتم تحديد هذه الوسائل أو الأدوات كالأسرة والمدرسة وغيرها ثم تقسيمها إلى مجموع الأنشطة الموجهة للناشئ السياسي كطبيعة النظام المدرسي ودور المدرس والتنظيمات المدرسية...، وبذلك تتحدد وحدات التحليل الرئيسية الموظَفة في معالجة موضوع الدراسة.

- صياغة مجموعة من الأسئلة حول كل موضوع فرعي بحيث تكون جميعها ضرورية وغير مكررة أو ما يمكن تسميته بفئات الإستبيان، وتتحدد محاور الإستمارة من خلال فرضيات البحث أو تساؤلاته كمعيار للتصنيف، كأن تكون في مثالنا السابق مجموعة المتغيرات الخاصة بدور المدرسة متمثلة في مجموع الأنشطة الموجهة للناشئ باعتبارها محاور أو عناوين لها.

- الإختبار التجريبي للإستبيان عن طريق عرض الإستمارة على عدد محدد من أفراد مجتمع الدراسة قبل اعتمادها بشكل نهائي، وذلك لتحديد الأسئلة الغامضة والتي  قد لا تتم الإجابة عنها، والنظر في مدى تغطية الإستمارة لموضوع الدراسة. وفي هذا يرى البعض أنه يمكن للباحث الإستعانة باستبيانات لدراسات سابقة أو الإعتماد على البحوث النظرية لاستنباط بنود الإستبيان[16].

- تعديل الإستمارة بناءا على التعديل للإقتراحات السابقة حتى يصل الباحث إلى الأسئلة المناسبة للإستبيان المطلوب، والسبيل لذلك هو عرض الإستمارة على خبراء للتحكيم لإبداء الرأي حول البنود القابلة للقياس والتحقق من الفرضيات، وبذلك يصل الباحث عن طريق قياس ثبات الإستبيان – بعد التحكيم والتجريب- لنفس النتيجة أو الإجابة عند تطبيقه على المبحوث نفسه.

- توزيع الإستبانة على عينة الدراسة بالطرق المناسبة، وسيلي تفصيل ذلك.

- جمع واسترجاع استمارات الإستبيان من أفراد العينة، وتصنيفها إن كانت بحاجة لتصنيف، مع استبعاد الإجابات التي لا تتوافق وطبيعة البحث، كأن يكون أحد محاور الإستمارة مثلا حول دور الأسرة في تحديد التوجهات الحزبية للأفراد وكانت فئة من المبحوثين تفتقد لأحد الأبوين أو كلاهما فتكون بعض الإستمارات بالتالي لا تعكس الهدف من الأسئلة.

- ليصل الباحث في النهاية إلى تحليل وتفسير النتائج الكمية تحليلا كيفيا بعد المعاينة وتفريغ البيانات.

4 - المعاينة وتفريغ البيانات:

بعد الإنتهاء من إعداد الإستمارة تأتي مرحلة تفريغ البيانات والتعليق عليها وهي من أهم مراحل البحث الميداني، فبعد أن ينتهي الباحث من تطبيق استمارة بحثه تبدأ مرحلة تفريغ البيانات، وقبل التطرق إلى قواعد وخطوات عملية التفريغ من الضروري الإشارة إلى نقطتين أساسيتين على علاقة بذلك، وهما:

- أن تفريغ البيانات قد يكون آليا بحيث يتم بواسطة الحاسوب من خلال نظام spss لا مجال للخوض فيه في هذا المقام، كما يمكن أن تتم يدويا.

- تأتي مرحلة تفريغ البيانات بعد نزول الباحث إلى الميدان وإتمام الدراسة الميدانية بتطبيق الإستمارة على عينة البحث، هذه الأخيرة يجب أن تكون ممثلة لمجتمع البحث، وبالتالي تكون البيانات والمعطيات التي تتضمنها مُعبّرة بصدق عن الواقع، وعليه تتوقف عليها باقي إجراءات البحث الأخرى وتصميمه وكفاءته ونتائجه، إذن هي تقتضي من الباحث عناية ودقة.

فإذا كان قيام الباحث بجمع بيانات بحثه من جميع المفردات التي تشكل مجتمع بحثه ومن كافة الحالات التي تنطبق عليها خصائص معينة دون ترك أي مفردة، فإن طريقة المعاينة تفرض نفسها كأسلوب لجمع البيانات عندما يكون الباحث غير قادر على إجراء دراسته على جميع مفردات مجتمع البحث، على أن تكون العينة ممثلة للمجتمع الأصلي من حيث خصائصها، وأن تتوفر لكل مفردات مجتمع البحث فرص متساوية للإختيار ضمن مفردات العينة.

1.4 - العينة:

العينة هي عبارة عن جزء من المجتمع، أي هي جزء من الكل على أن يكون هذا الجزء ممثلاً للكل، بمعنى أنه يجب أن تكون العينة ممثلة للمجتمع المسحوبة منه تمثيلاً صادقا بحيث تكون خصائص المجتمع بما فيها من فروق واختلافات ظاهرة في العينة بقدر الإمكان، فالعينة يتم اختيارها عادة بهدف تعميم النتائج التي يحصل عليها الباحث منها على المجتمع بأكمله، ولذا يجب أن تكون العينـة ممثلة للمجتمع المسحوبة منه تمثيل حقيقي حتى يتسنى للباحث استخدام بيانات ونتائج العينة في تقدير معالم المجتمع بشكل جيد.

ويتم اختيار العينة عبر تحديد المجتمع الأصلي للدراسة أولا، إذ يتعين على الباحث منذ البداية تحديد نوع الدراسة والهدف منها، وثانيا إعداد قائمة لأفراد أو وحدات – قد تكون مؤسسات – المجموعات المحددة، بعد ذلك يتم تحديد حجم العينة، وحتى وإن لم تكن هناك قواعد مضبوطة وجب اتباعها في هذا المجال إلّا أن هناك مجموعة من الإعتبارات الواجب مراعاتها في اختيار الحجم الأمثل للعينة كدرجة التجانس بين العينة والمجتمع الأصلي، إذ كلما كان هناك تقارب وتجانس بين مفردات موضوع الدراسة فإن عينة صغيرة تكون كافية، أما إذا كانت الوحدات محل الدراسة من النوع المتباين اقتضى ذلك عينة كبيرة، هذا بالإضافة للوقت المستغرق في البحث وزمن الدراسة، وكذا تكلفة البحث والإمكانيات المتاحة لجمع البيانات[17].

بعد الحصول على عينة كافية لتمثيل مجتمع البحث الأصلي، يمكن للباحث اختيار نوع العينة المناسبة لدراسته، فقد تكون: العينة عشوائية: بحيث يتم فيها اختيار المفردات دون التقيد بنظام خاص، بشرط تكافؤ فرص الإختيار بين كل الوحدات، كأن يتم سحب المفردات المطلوبة من القوائم. وقد تكون عشوائية منتظمة: ويكون فيها اختيار العدد المطلوب من قوائم أيضا، شرط أن يكون هذا الإختيار على أبعاد أو مسافات رقمية ثابتة تتحدد من خلال قسمة العينة الكلية على العينة المختارة[18]. مثلا: لو كان لدينا مجتمع بحث من 1000 مفردة، وتم تحديد الباحث لحجم العينة بحيث تتكون من 50 مفردة، تكون "المسافة الفاصلة" هي ناتج قسمة 1000 على 50 وهي 20، وهنا يختار –عشوائيا- رقم معين من الرقم 1 إلى 10، فإن قرر أن يبدأ بالرقم 5 فإنه يأخذ الأرقام المتسلسلة للعدد 5 من البداية وحتى النهاية، أي 5، 25، 45، 65، 85، 105 وهكذا، وآخر مفردة مختارة في العينة ينبغي أن تكون محصورة بين 980 و 1000 لأن الفرق بين 981 يساوي أقل من 20 وهو «طول المدى»، وتكون آخر مفردة في مثالنا هي الممثلة للعدد 985. إذن العينة المنتظمة لا تتطلب سوى كشف تسلسل أرقام وأسماء وحدات مجتمع البحث.

2.4 - التحليل الكمي:

تبدأ عملية تفريغ البيانات بتفريغ الإستمارة في جداول بسيطة تقتصر على متغير واحد، ومركبة تتضمن متغيرين، على أن يكون لكل سؤال من أسئلة الإستمارة جدول منفصل، مع إعطاء رقم تسلسلي لكل جدول وعنوان يتطابق مع محتوى السؤال.

-  الجدول البسيط:

يتضمن وضع عدد من الإجابات مقابل احتمالات السؤال، وفي العمود الأيسر يتم استخراج دلالة مجموع هذه الإجابات في نسب مئوية، على أن يكون الصف الأسفل للجدول مجموع التكرارات والذي يجب أن يساوي عدد أفراد العينة، وكذا مجموع النسب المئوية الجزئية والتي تساوي 100 %، وتتواصل عملية تفريغ إجابات المبحوثين تبعا لاحتمالات السؤال في العمود المناسب حتى الإنتهاء من كل الأسئلة.

ولتوضيح ذلك يمكن استخدام المثال السابق والخاص بالتنشئة السياسية، بحيث تتضمن الإستمارة عدة محاور: يتعلق الأول بالبيانات الشخصية كالنوع والسن والحالة العائلية والمستوى التعليمي... والتي تكون أساس عملية التحليل الكيفي، وفيما يخص المستوى التعليمي مثلا يمكن توضيحه في جدول بسيط:

الإحتمالات

 

التكرار

 

النسبة الـمئوية

 

أمي

 

20

 

10%

 

ابتدائي

 

30

 

15%

 

متوسط

 

50

 

25%

 

ثانوي

 

60

 

30%

 

جامعي

 

40

 

20%

 

المجموع

 

200

 

100%

 

 

وهكذا الأمر مع كل خصائص العينة، إلّا أن هذه البيانات لا يتم التعليق عليها لذاتها، وإنما تُفيد في تفسير بعض الجداول الخاصة بالمؤشرات الهامة حول الفرضيات والتي تحتاج إلى تعليق.

ذلك ما يظهره المحور الثاني والخاص بالمتغير الأول وهو في مثالنا دور المدرس في التنشئة السياسية باعتباره المتحدث السلطوي بالنسبة للطفل وبالتالي تأثير قيمه في توجهات الناشئ:

جدول رقم (؟) حول دور المدرس:

الإحتمالات

 

التكرار

 

النسبة المئوية

 

نعم

 

120

 

67%

 

لا

 

80

 

33%

 

المجموع

 

200

 

100%

 

 

بعد الإنتهاء من تفريغ كل أسئلة الإستمارة في جداول بسيطة والتعليق عليها وتحليلها كميا وكيفيا، يكون الباحث قد انتهى من مرحلة مهمة من بحثه، بحيث يكون قد ألمّ بكل البيانات والمعلومات الخاصة بالمعطيات الميدانية والتي على أساسها يسعى لتحقيق أهداف بحثه.

- الجدول المركب:

ويمثل خطوة مهمة في تقصي واختبار فرضيات البحث والتأكد من نتائج الدراسة الميدانية بخصوص كل الفرضيات، وذلك من خلال تشكيل جداول مركبة مهمتها اختبار الفرضيات، ولهذا توضع الجداول وفقا للفرضيات الفرعية، إذ أن كل متغير من الفرضية سبق وتجسد في سؤال تضمنته الإستمارة وكان قد أُفرغ في جدول بسيط، وبهذا يكون الجدول المركب عبارة عن دمج جدولين بسيطين معا، تحتوي الخانات العمودية فيه على المتغير الأول والأفقية على المتغير الثاني، ومن ثم تحليل الجدول والتعليق عليه كاختبار للفرضية، مع ملاحظة أن المتغيرين يمثلان طرفي الفرضية والتي تشير لعلاقة بينهما، وهي في المثال السابق وجود علاقة طردية بين المستوى التعليمي والتنشئة السياسية للناشئ، ولتوضيح ذلك:

الجدول المركب رقم(؟) حول العلاقة بين المستوى التعليمي والتنشئة السياسية:

                التنشئة          

   المستوى

نعم

 

لا

 

المجموع

 

أمي

 

15

 

5

 

20

 

ابتدائي

 

20

 

10

 

30

 

متوسط

 

35

 

15

 

50

 

ثانوي

 

30

 

30

 

60

 

جامعي

 

20

 

20

 

40

 

المجموع

 

120

 

80

 

200

 

 

وبذلك يكون مجموع الخانة الأفقية هو نفسه تكرار الجدول البسيط الخاص بالتنشئة السياسية، ومجموع الخانة العمودية يمثل تكرارات الجدول البسيط الخاص بالمستوى التعليمي،على أن التفاصيل بالنسبة للإحتمالات هي التي تتوزع بناءا على تقاطع احتمالات كل متغير، وبذلك يُظهر الجدول المركب الإرتباط القائم بين طرفي الفرضية وهما المستوى التعليمي والتنشئة السياسية، وبالتالي الحكم على الفرضية بعد الإختبار.

3.4 - التحليل الكيفي:

إن اقتصار البحث على جمع البيانات لا يمكنه أن يفيد المعرفة العلمية بشئ، إذ أن تفسير هذه البيانات هو ما يُظهر الجدوى من البحث بحيث يتم الكشف عن العوامل المؤثرة في الظاهرة المدروسة والعلاقات التي تربط بينها وبين غيرها من الظواهر، وذلك يكون فقط عبر تحويل الأرقام المتجسدة في الواقع إلى مضمون معرفي محدد انطلاقا من الفروض الموضوعة والإستمارة المصاغة، فمن الأهمية بمكان تدعيم العلاقة التي عبّرت عنها الجداول المركبة ببعض الطرق والأساليب الإحصائية من خلال التوزيعات التكرارية التي تفحص اتجاه الإستجابة لكل من المتغير المستقل والمتغير التابع محل الدراسة، ومن ثم تحويل التكرارات إلى قياسات يمكن تفسيرها بطريقة ذات معنى، فالتكرارات المطلقة بحد ذاتها يجب مقارنتها بتكرارات أخرى[19].

ولتسهيل المقارنة يُحوّل الباحث التكرارات إلى نسب مئوية، يتم الحصول عليها بقسمة تكرارات الفئة على عدد الإستاجابات في التوزيع عند ضرب هذه النسبة بـ 100 لتصبح نسب مئوية، والتي تسمح للباحث بمقارنة توزيعين تكراريين أو أكثر، كما يمكنه استعمال طريقة الدائرة بتقسيم الكل إلى أجزائه، فيمثل المجموع الكلي بدائرة كاملة ويمثل كل جزء بقطاع دائرة يكون قياس زاويته مساويا 360° مضروبا في نسبة أجزاء المجموع الكلي.

تتطلب إذن عملية تفريغ محتوى الاستمارة الاستعانة بأساليب إحصائية معينة تساعد في جمع المعلومات والبيانات وترتيبها وتبويبها في جداول إحصائية تكون ممثلة في شكل تكرارات يُعبّر عنها بنسب مئوية، هذه المعلومات والبيانات التي تم تفريغها في جداول إحصائية تسهل على الباحث عملية التحليل والتفسير والتقييم وبالتالي البحث عن حلول للمشكلات، وتحَكُم أكثر في الموضوع ليتوصل في الأخير إلى نتائج دقيقة وواقعية وأكثر مصداقية تعكس حقيقة الدراسة الميدانية، بحيث يستطيع عبر هذه النتائج القيام بعملية التعميم على مجتمع الدراسة ككل.

رابعا: تحليل المضمون:

يعتبر تحليل المضمون أداة هامة من أدوات البحث العلمي والتي يمكن أن يستخدمها الباحث ضمن أساليب وأدوات أخرى في إطار التناسب المنهجي، ذلك أن هناك جوانب كبيرة من سلوك الإنسان يمكن دراستها بطريقة مباشرة من خلال أدوات منهجية ملائمة، وبالمقابل هناك جوانب أخرى لا يمكن ملاحظتها مباشرة وبالتالي لا يمكن الحصول على بيانات بشأن تلك السلوكات، هذا ما يستهدفه تحليل المضمون من خلال تحليل الأشياء المكتوبة أو الرموز اللفظية سواء كان خطابا أو أعمال على مستوى المؤسسات السياسية أو الإدارية، أو تشريعات أو غيرها.

1 - تعريف تحليل المضمون:

لا يشهد تحليل المضمون تعريف محدد بدقة إلى حد الإتفاق التام في ظل مشكلات حدود تطبيقاته وإجراءاته، بالرغم من التطور والتوسع في استخدامات تقنياته حتى على مستوى السياسة الدولية. 

- يعرف مورتون كابلان تحليل المضمون على أنه المعنى الإحصائي للأحاديث والخطب السياسية.

- ويرى "بيرلسون" فيه أحد الأدوات البحثية التي تستخدم في وصف المحتوى الظاهر أو المضمون الصريح للمادة الإعلامية وصفا موضوعيا منتظما وكميا.

- أما "لازويل" فيرى أن تحليل المضمون يستهدف الوصف الدقيق والموضوعي لمجمل الرموز.

من خلال هذه التعريفات يمكننا ملاحظة أن اختلافها في تحديد المضمون يعود إلى اختلاف الأهداف التي يرجوها الباحث، إذ تقف بعض البحوث عند حد المادة الإعلامية وذلك  بتحليل مضمون وسائل الإعلام، في حين تهتم أخرى بالعلاقات الدولية ومظاهر الصراعات، بينما تهدف بحوث أخرى إلى دراسة بعض القضايا الحديثة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشكلات الإجتماعية، وبحوث إدارية تحلل الوثائق الإدارية وتعتمد مضمونها كبيانات أساسية في عملية البحث وهكذا.

كما أن المادة موضوع التحليل تمثل بالنسبة للباحث المادة الأولية التي تشكل البيانات التي يعتمد عليها في بحثه باعتبار تحليل المضمون أداة من أدوات جمع البيانات[20].

2 - الخصائص التحليلية للمضمون:

رغم تنوع استخدامات تحليل المضمون تبعا لاختلاف مواضيع الدراسة، إلّا أنه ينطوي على مجموعة خصائص وسمات مميزة، أهمها:

- يهتم التحليل بدراسة المضمون الظاهر للمادة قيد التحليل من خلال تصنيف البيانات وتبويبها.

- رصد تكرار الفئات المختلفة للجمل أو الكلمات أو المصطلحات أو الرموز أو أشكال المعاني المتضمنة في مادة التحليل بناءا على التحديد الموضوعي لفئات ووحدات التحليل.

- يستلزم التحليل ترجمة الفئات إلى أرقام ومن ثم التحليل الكيفي على أسس موضوعية.

- يراعي الموضوعية ويخضع للمتطلبات المنهجية، وذلك لضمان ثبات النتائج، ومن ثم الأخذ بأحكام نتائجه.

- ترتبط نتائج تحليل المضمون مع ما ورد من نتائج وصفية وتحليلية ونظرية بإطار عام وشامل، ليتم وفقها تفسير الظاهرة أو المشكلة، وبالتالي فهو مكمل لإجراءات منهجية أخرى تسبقه أو تليه في إطار الدراسة الشاملة.

3 - الخطوات العملية لتحليل المضمون:

ترتبط إجراءات تحليل المضمون بالإطار النظري الذي يتخده الباحث كموجه له وبطبيعة المادة قيد التحليل قصد تحديد خصائصها، بالإضافة للأهداف التي يسعى الباحث لتحقيقها، وعلى ذلك فإن عملية التحليل تخضع لمجموعة من الإجراءات الأساسية التي تحكمها، والتي يمكن اختصارها في الخطوات التالية:

 1.3 - إختيار موضوع البحث:

 وهو مجال أو إطار عملية التحليل، كأن تكون مجموعة من الخطابات السياسية أو البرامج السياسية...، وبذلك تمثّل هذه الخطابات مجتمع البحث بالنسبة لتحليل المضمون.

2.3 - إختيار عينة مجتمع البحث:

اعتبارا لصعوبة قيام الباحث بالتحليل الشامل لمجتمع البحث، يلجأ إلى تحديد مكاني أو زماني لاختيار عينة بحثه، فإن كان مجتمع البحث في الموضوع مثلا: موقف الصحافة من الإنتخابات، ومع صعوبة دراسة كل الصحف وتحليل كامل محتوياتها، تتحدد عينة البحث في إحداها.

3.3 - تحديد فئات التحليل:

 فبعد اختيار العينة يحرص الباحث على أن تكون الفئات محددة تحديدا واضحا ومعبّرة عن كل المادة محل التصنيف، بالإضافة لضرورة التفرقة بين مادة المضمون وشكله كفئتين أساسيتين لتحليل المضمون[21].

4.3 - وحدات التحليل:

   تُستخدم لتحليل محتوى المادة خمسة وحدات أساسية، وهي:

1.4.3 - وحدة الكلمة:

 تُعبر عن رمز أو مفهوم، وتستخدم عندما يراد الكشف عن بعض المفاهيم المستقرة في نظام سياسي ما، مثل الديمقراطية والإشتراكية والحرية...، وهي أصغر وحدة تستخدم من خلال قوائم يسجل فيها الباحث تكرار ورود تلك الكلمات.

2.4.3 - وحدة الموضوع:

هي من الوحدات الكبرى للتحليل، وهي عبارة عن جملة أو فكرة يدور حولها موضوع التحليل، وتُستخدم للكشف عن الإتجاهات الرئيسية في الموضوع أو المادة.

3.4.3 - وحدة الشخصية: وتشير إلى الشخص محور الإهتمام.

4.4.3 - الوحدة الطبيعية أو المفردة:

وهي أكثر الوحدات استخداما وتختلف باختلاف وسيلة الإتصال، فقد تكون خطاب أو منشور أو مقال أو كتاب أو برنامج...، إذ يستطيع الباحث تصنيف الأخيرة  مثلا إلى برامج سياسية، اقتصادية، ثقافية وغيرها.

5.4.3 - مقاييس المساحة والزمن:

هي مقاييس مادية تستخدم كوحدة للتحليل من خلال تقسيم المضمون محل الدراسة إلى مجموعة من التقسيمات المادية للتعرف على المساحة التي تشغلها المادة المنتشورة مثلا في الكتب، أو المدة الزمنية التي استغرقتها كخطابات سياسية من نوع معين.

5.3 - تصنيف وترميز البيانات:

حيث يتم تصنيف البيانات وفقا لوحدات، ومن ثم إعطاء وحدات التحليل رموز محددة للتعبير عنها.

6.3 - التفسير والمقارنة:

بعد القيام بإحصاء أعداد الوحدات في كل فئة من الفئات المختارة، تأتي مرحلة تفسير وتوضيح الدلالات النظرية للمضامين التي توصل إليها، ومقارنتها بمفاهيم الدراسة وتساؤلاتها وفروضها[22].

4 - مجالات تحليل المضمون:

لقد بدأ استخدام تحليل المضمون في الصحافة أولا بعد دراسة لازويل حول الدعاية والرأي العام والإعلام، ليتسع استخدامه بعدها في كثير من المجالات ومنها علم السياسة، إذ يفيد مثلا في دراسة القيم السياسية للنظام، ويعتمد التحليل السياسي بالأساس على تحليل المضمون من خلال وحدة التحليل الأولى، كما يُستخدم في تحليل الأوضاع السياسية والإقتصادية القائمة في أي مجتمع  في الماضي أو الحاضر، وهي دراسات تفيد في معرفة عوامل التغير وردود فعل الجماهير لقرارات القيادة السياسية من خلال دراسة تقاريرها بطريقة موضوعية، بالإضافة لدراسة التطور الفكري الخاص بفكرة محددة[23].

وقد انتشر مؤخرا وشاع استخدام تحليل المضمون في مجال السياسات العامة وتحليلها، كتحليل مضمون الخدمة الإجتماعية، وتحليل سياسات المؤسسات، وبرامج الخدمات بهدف تطويرها.

فتحليل المضمون يوفر للباحث بيانات عديدة يمكن تنظيمها وتنسيقها وتحليلها وفق محددات ومتغيرات للتوصل إلى نتائج تتعلق بمشكلة الدراسة وفروضها، ومن ثم كان تحليل المضمون وسيلة واقعية موضوعية للتعرف على الوضع القائم ومشكلاته عبر مصدر أو أكثر من مصادر التحليل، بما يتيح في النهاية التعرف على الخصائص والمؤشرات الكمية التي يحتويها المضمون.

إن الميل المتزايد إلى التعبير عن الوقائع بصورة كمية في مجال المعرفة العلمية للعلوم السياسية قد حقق لعلم السياسية قدرا من الإنجاز والنجاح من خلال تراكم كبير للدراسات والبحوث العلمية، كان ذلك بسبب التزام العلم بالمناهج والأطر التحليلية والطريقة العلمية المعتمد عليها، وكذا من خلال الأدوات التي تمكن بواسطتها الباحثين من التعبير عن الوقائع والمعلومات والبيانات بصورة عددية، حتى وإن كان لكل أداة مزاياها وأوجه قصور، إلّا أن مبدأ المرونة المنهجية الذي ينهض على إمكانية استخدام أكثر من أداة مكّن الباحثين بدوره من التعامل مع المواضيع المختلفة بالإستفادة من مزايا تلك الأدوات، كل ذلك رغم العقبات التي تبقى تواجه تطبيق المناهج العلمية في دراسة الظواهر السياسية كطبيعة السلوك السياسي وتعقيداته، أو كأن تؤثر الملاحظة كأحد أهم الأدوات المستعملة في رصد الوقائع في طبيعة الموقف الذي تجري ملاحظته وهكذا.

 



[1] تُعرَف البيانات على أنها: كلمات أو حروف أو صور أو إشارات تكوّن في النهاية حقائق ومعلومات خاصة بخصوص شيء معين، ويمكن الحصول على هذه البيانات بعدة أدوات.

 

[2] علي غربي، مرجع سابق، ص110.

[3] صلاح الدين شروخ، منهجية البحث العلمي، دار العلوم للنشر: عنابة، 2003، ص30.

[4] محمد عبد الجبار خندقجي ونواف عبد الجبار خندقجي، مناهج البحث العلمي، عالم الكتب الحديث: الأردن، 2012، ص160.

 

[5] ربحي مصطفى عليان وعثمان محمد غنيم، مرجع سابق، ص190.

 

[6] ربحي مصطفى عليان وعثمان محمد غنيم، مرجع سابق، ص70.

 

[7] ربحي مصطفى عليان وعثمان محمد غنيم، ص74.

[8] عبد الغفار رشاد القصبي، مناهج في علم السياسة: كيف تكتب بحثا أو رسالة، الكتاب الثاني، مكتبة الآداب: القاهرة، 2004، ص107.

 

[9] محمد عبد الجبار خندقجي ونواف عبد الجبار خندقجي، مرجع سابق، ص152.

 

[10] علي غربي، مرجع سابق، ص117.

 

[11] خالد حامد، مرجع سابق، ص142.

 

[12] زياد بن علي بن محمود الجرجاوي، القواعد المنهجية لبناء الإستبيان، ط2، مطبعة أبناء الجراح: غزة، 2010، ص15.

[13] فضيل دليو، مرجع سابق، ص217.

 

[14] علي غربي، مرجع سابق، ص118.

 

[15] عبد الغفار رشاد القصبي، مناهج في علم السياسة، مرجع سابق، ص125.

 

[16] عامر مصباح، منهجية البحث في العلوم السياسية والإعلام، ديوان المطبوعات الجامعية: الجزائر، 2008، ص148.

 

[17] كمال المنوفي، مقدمة في مناهج وطرق البحث في علم السياسة، منشورات الجامعة: القاهرة، 2006، ص85 وما بعدها.

 

[18] يتم تحديد هذه المسافة الفاصلة والتي تعرف باسم طول المدى من خلال حاصل قسمة العينة الكلية على العينة المختارة، ثم تتم إضافة الرقم المتحصل عليه إلى العدد العشوائي الأول على التوالي لكل مفردات العينة إلى غاية الوصول إلى آخر مفردة.

 

[19] شاغا فرانكفورت ناشمياز ودافيد ناشمياز، طرائق البحث في العلوم الإجتماعية، تر: ليلى الطويل، بترا للنشر والتوزيع: دمشق، 2004، ص336.

 

[20] خالد حامد، مرجع سابق، ص68.

 

[21] جمال شحاتة، مرجع سابق، ص139-148.

 

[22] علي غربي، مرجع سابق، ص95.

[23] عمار بوحوش ومحمد محمود الذنيبات، مرجع سابق، ص150.