تمهيد

كنا تناولنا في المحور الأول الإطار المفاهيمي للتنمية  بحدود 5 محاضرات، حيث تعرفنا على أصل النشأة وأهم التعاريف له والأهمية وكذا الخصائص والأنواع والأهداف المتعلقة بهذه العملية...الخ، وكذلك تطرقنا للعناصر المهمة والمرتبطة ارتباط وثيق بهذا الجانب.  أما في المحور الثاني، سنحاول الإحاطة بالجوانب النظرية للموضوع في إشارة لأهم النظريات والمداخل المفسرة لهذه العملية.

       هناك الكثير من المدارس الفكرية حاولت تقديم إطار نظري شامل للتنمية، تستطيع غالبية الدول إتباعه للوصول إلى مستويات مقبولة من التنمية والخروج من دائرة التخلف، نشير هنا أن حيث كل نقائص نظرية ما كانت بمثابة نقطة انطلاق لنظرية أخرى.

       إن التنظير في مجال التنمية في الفترة 1960-1950 كان يعتبر عملية التنمية كسلسلة من مراحل النمو الاقتصادي المتتابعة التي ينبغي أن تمر عليها كل الدول، وبذلك كانت النظرية الاقتصادية في التنمية ترى الأصل والأساس هو في الكمية والمزج من الادخار والاستثمار والمساعدات الأجنبية التي تمثل شرطا يمكن لدول العالم الثالث أن تعتمد عليه للسير نحو الطريق الطويل للنمو الاقتصادي الذي اتبعته الدول المتقدمة. ووفقا للأحداث التاريخية أصبحت التنمية الاقتصادية مرادفا للنمو الاقتصادي الكلي السريع. وانطلاقا من سنة 1970 تطور مدخل المراحل الخطية عن طريق مدرستين متنافستين وهما المدرسة التي ركزت على نماذج التغيير الهيكلي مستخدمة التحليل الإحصائي والنظرية الاقتصادية الحديثة، محاولة

       إن نظريات التنمية تحاول التأكيد على مجموع الضغوط المؤسسية والسياسية الداخلية والخارجية على التنمية الاقتصادية، فأهدافها المختلفة مثل استئصال الفقر وزيادة فرص التوظيف المختلفة، وتقليل عدم العدالة في توزيع الدخل وتحقيق المساواة على نطاق واسع تحتاج إلى توفير سياسات رئيسية جديدة لم تتحقق في إطار النمو الاقتصادي، لأنه هو الآخر لم يتحقق كما كان مخططا له باستخدام نماذج المراحل الخطية والتغيير الهيكلي. تتضمن نظرية التنمية أربع مداخل رئيسية وهي التي تعتبر التنظير الفعلي للتنمية، والتي غالبا ما كانت متنافسة فيما بينها، وهي نموذج المراحل الخطية للنمو، ونظريات وأنماط التغيير الهيكلي، ونماذج الثورة على التبعية الدولية، وأخيرا نماذج الثورة المضادة للنموذج النيوكلاسيكي وحرية الأسواق. غير أنه توجد بعض النظريات السباقة لشرح عملية التنمية، وإن كانت في محتواها تحمل معالم النمو الاقتصادي طويل الأجل، مثل نظرية الدفعة القوية التي انبثقت منها نظريات كثيرة على غرار نظرية النمو المتوازن وغير المتوازن وأقطاب النمو وغيرها.

المحاضرة السادسة

1/ النمو والتنمية عند الكلاسيك:

       يقوم التحليل الكلاسيكي على جملة من الفرضيات و المفاهيم الأساسية في الاقتصاد، فنجده يرتكز على الملكية الخاصة وحالة الاستخدام التام للموارد، مع وجود المنافسة التامة في الأسواق في ظل الحرية الاقتصادية مع توافق المصلحتين الخاصة والعامة، وبالرغم من اختلاف وتباين تصورات     و وجهات نظر الكلاسيكيين المتعلقة بالتنمية والنمو، إلا أن آراءهم تقاربت فيما يتعلق بالتنمية والنمو الاقتصادي وطريقة تحقيقهما، حيث أن نظرية التوزيع استحوذت على الجزء الأكبر من تحليلاتهم وعلاقتها بالنمو، مما جعلهم يبحثون عن أسباب النمو طويل الأجل في الدخل الوطني، معتمدين على التحليل الاقتصادي الجزئي، ومن أبرز رواده نجد:

1/1 ادم سميث: "Adam Smith"  عبر ادم سميث عن أفكاره الاقتصادية من خلال كتابه الشهير ثروة الأمم وشكلت هذه الأفكار بداية التفكير الاقتصادي المنظم فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي الذي يتحدد حسب ادم سميث بزيادة رأس المال ونمو السكان ورفع إنتاجية العمل وحرية التجارة الدولية ، وتمحورت أهم أراء ادم سميث فيما يلي :

- التراكم الرأسمالي شرطا ضروريا للنمو و يجب أن يسبق تقسيم العمل، فالرأسمالي أساس النمو لأنه يقوم بالادخار ما ينتج عنه ارتفاع معدل الاستثمار.

- تنفيذ الاستثمارات يرجع إلي توقع الرأسماليين بتحقيق الأرباح وأن التوقعات المستقبلية فيما يتعلق بالأرباح تعتمد على مناخ الاستثمار السائد في ظل الحرية الاقتصادية وعدم تدخل الدولة إلا في مجال الخدمات العامة.

- تقسيم العمل يشكل نقطة البداية في نظرية النمو الاقتصادي، حيث يؤدي إلي رفع كفاءة القوي المنتجة مما يساهم في رفع إنتاجية العمل من خلال رفع مهارة العاملين وتقليل الوقت اللازم لإنتاج وحدة واحدة.

- الطلب على السلع الاستهلاكية والمواد الإنتاجية يفعل النشاط الاقتصادي خصوصا مع تحسن وتطور طرق الإنتاج.

1/2 دافيد ريكاردو"David Ricardo"   :انطلق ريكاردو في تحليله الاقتصادي انطلاقا من كون الزراعة تعد أهم قطاع اقتصادي لكونها تساهم في توفير الغذاء للبشر الذين تتزايد اعددهم، في حين نجد بأن الزراعة ترتبط بالأرض وهي تخضع لقانون تناقص الغلة، ونتيجة لذلك فقد أشار لإمكانية اجتناب تناقص الغلة من خلال استخدام الأساليب و الطرق والمعدات الزراعية الحديثة، ولهذا تساهم الزراعة في عملية النمو، وارتبطت هذه الفكرة الأساسية بأفكار أخري عند ريكاردو جاءت كما يلي :

- يقسم المجتمع إلي ثلاث فئات رئيسية، الرأسماليون،العمال وملاك الأراضي، حيث ينشأ عن هذا التقسيم التوزيع النسبي للدخل على هذه الفئات.

- أكد ريكاردو على أهمية الرأسمالي في النشاط الاقتصادي باعتباره يستخدم أحسن الطرق الإنتاجية لتعظيم الربح، وبعد ذلك يعاد استثمار الأرباح في تدعيم المشاريع القائمة أو إنشاء مشاريع جديدة.

- اعتبر بأن الربح يشكل نسبة معتبرة من الدخل الوطني، وعليه فكلما زادت الأرباح زاد معدل تراكم رأس المال وبالتالي زيادة الاستثمارات مما يؤدي في الأخير إلي حدوث نمو وتقدم اقتصادي.

- أشار ريكاردو لأهمية تقسيم العمل و التخصص الدولي وفقا للمزايا النسبية على نمو الاقتصاد وزيادة معدل التبادل الدولي، كما تطرق لعدم ضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، أكد أيضا على أهمية تخفيض الضرائب خصوصا في القطاع الصناعي بهدف دعم وتشجيع الرأسمالي.

1/3 روبرت مالتوس "Robert Malthus"   : انطلق مالتوس في تحليليه الاقتصادي من نظرته التشاؤمية فيما يتعلق بمشكلة الندرة، حيث أن الحاجات الإنسانية متعددة والبشر يتزايدون بمعدلات مرتفعة وفق متوالية هندسية في مقابل الموارد الاقتصادية المحدودة في ظل تزايد الإنتاج وفق متوالية حسابية، ومن هنا تحدث الفجوة وتقع المشكلة، ولذلك يري ضرورة الحد من الزيادة السكانية وبالأخص عند الفقراء الذين ليس لديهم إمكانيات لتحفيز الإنتاج نتيجة زيادة الطلب، ويتوافق مالتوس مع باقي الكلاسيك في اعتبار الرأسمالي أساس التقدم والنمو الاقتصادي من حيث تخفيضه للتكاليف وتعظيمه للأرباح بما يمكنه من توسيع الاستثمارات وتحقيق مداخيل إضافية لاحقا.

       من خلال ما سبق يتضح جليا بأن هناك أفكار أساسية تضبط أراء المدرسة الكلاسيكية حول النمو والتقدم الاقتصادي، أهمها ما يلي :

- مبدأ الحرية الاقتصادية: إستنادا للمبدأ الطبيعي (دعه يعمل أتركه يمر)، فالحرية الفردية مهمة في ظل الأسواق الحرة التي تسودها المنافسة الكاملة وعدم تدخل الدولة.

- التراكم الرأسمالي أساس التقدم: يعتبر جميع الكلاسيك التكوين الرأسمالي مفتاح التقدم الاقتصادي، فلابد من تحقيق قدر كاف من المدخرات.

- الربح حافز على الاستثمار: الربح عند الكلاسيك يمثل الحافز الرئيسي الذي يدفع الرأسماليين لاتخاذ قرار الاستثمار، وكلما زاد معدل الأرباح زاد معدل التكوين الرأسمالي والاستثمار.

- ميل الأرباح للتراجع فمعدل الأرباح لا يتزايد بصورة مستمرة وإنما يميل للتراجع بسبب زيادة حدة التنافس بين الرأسماليين.

- العمل هو أساس الثروة: ومصدرها الرئيس وليست كمية الذهب والفضة أو النشاط الزراعي بل هو إنتاج السلع والخدمات، وعليه تتكون عناصر الإنتاج لديهم من: الطبيعة، العمل، رأس المال والتنظيم،

- تقسيم العمل: هو أهم هاته العناصر على الإطلاق، حيث من شأنه أن يؤدي إلى رفع كفاءة القوي المنتجة مما يساهم في رفع إنتاجية العمل من خلال رفع مهارة العاملين وتقليل الوقت اللازم لإنتاج.

- أكدوا على ضرورة عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وأكدوا على أهمية تخفيض الضرائب خصوصا في القطاع الصناعي.

- آمن الكلاسيك بقدرة السوق على إنشاء مختلف أنواع التوازنات من خلال تخصيص الموارد الاقتصادية وتنظيم توزيع الدخول.