محاضرة حول: منهجية التعامل مع الهوامش

 


   يفترض البحث العلمي باعتباره مجموعة من المعلومات المستقاة من مختلف المصادر استخدام قواعد الإسناد والتوثيق بأساليب منهجية حديثة لابد من مراعاتها، ذلك أن التعامل مع المراجع المختلفة يعتبر فنا ومنهجا قائما بذاته له أصوله وقواعده، يتوجب على كل باحث اتقانها.

   فالبحث العلمي جهد إنساني متصل يتطلب من الباحث القيام بمسح جهود الباحثين السابقين والتمهيد لباحثين آخرين مستقبلا، وهذا يعني ضرورة أن يشير الباحث إلى نتائج غيره في هذا المجال، فيعتمدها ويبني عليها أو ينتقدها ويُظهر نقائصها، يستفيد من أفكار غيره فيقتبسها تماما أو يتصرف فيها بلغته الخاصة، وتقتضي أخلاقيات البحث العلمي في جميع هذه الحالات الإشارة إلى مصادر المعلومات وتوثيقها، وفي ذلك إثبات حق الآخرين لا باعتباره موضوع أمانة وحسب، وإنما كوسيلة لتأكيد عمل الباحث والدلالة على أصالة البحث وجودته.

 

أولا: التوثيق:

    يُفيد التوثيق في إتاحة جميع المعلومات التي يحتاج إليها القارئ ليصل إلى مصادر المادة بأقل مجهود، ومن ذلك تظهر أهمية تثبيت مصادر جمع الإقتباسات التي ساعدت في إعداد البحث، وفقا للقواعد التي رصدت لتساعد في نقل هذه المعلومات.

    ويعتبر التوثيق وسيلة أساسية لحفظ المعلومات وتلبيةً لحاجة المجتمع والأمم القادمة لذلك المنهج حسب "بول أوتليت" و"هنري لافونتين" وهما مؤسسا طريقة التوثيق.

    يُقصد بالتوثيق إثبات المراجع التي استفاد منها الباحث بصورة مباشرة أو غير مباشرة عند إعداد البحث، وذلك بتسجيل المعلومات حسب طرق علمية متفق عليها، فالهدف منه هو توثيق المصادر التي تمت الإستفادة منها، ولا يقتصر على ما نقله الباحث من المطبوعات أو من المنشورات، ولكن قد يشمل المخطوطات والمسودات وأية معلومة جاهزة معلوم مصدرها عند أهل الإختصاص(1).

1-    أهية التوثيق:

 يفيد التوثيق في:

-           زيادة المعلومات وتراكمها وتبويبها وبالتالي المساعدة في تنمية القدرة على التعامل مع البحث العلمي.

-           هو وسيلة غير مباشرة لتبادل المعلومات والتفاعل بين الباحثين عبر العالم، وبالتالي توليد أفكار جديدة من خلال التحليل وتبادل الآراء، وبهذا كان من أهم العمليات اللازمة للقيام بأي بحث(2).

-           يعمل على التأصيل العلمي والموضوعي للأفكار.

-           تجميع مختلف الآراء حول موضوع الدراسة بقصد التمحيص والتعرف على الجوانب المختلفة، وبالتالي الوصول إلى معرفة أفضل حول الموضوع.

-           إتاحة جميع المعلومات التي يحتاج إليها القارئ ليصل إلى مصادر المادة بأقل مجهود.

2- أنواع التوثيق:

 هناك ثلاث طرق رئسية مستخدمة في البحوث والدراسات العلمية، وهي:

1.1-        الترقيم المتسلسل لكل صفحة مع ذكر المصادر في أسفل نفس الصفحة، أي إعطاء رقم 1 مدونا في المتن ولدى نهاية الفكرة أو النص يقابله نفس الرقم في الهامش،على أن تستقل كل صفحة بأرقامها ومراجعها وكل ما يتصل بها.

 ومن مزايا هذه الطريقة سهولة الإستعمال، بحيث يستطيع الباحث تضمين بحثه إضافات جديدة في أي وقت، ويستطيع القارئ التحقق من المعلومات دون جهد التعرف على نوع ومستوى ومصداقية المعلومات، إلّا أن صعوبتها تكمن في عدم القدرة أحيانا على الإحتفاظ بشكل موحد ومنسق للصفحات من حيث صعوبة تقدير المكان المناسب لكل هامش دون زيادة أو نقصان.

2.2-الترقيم المتسلسل المتصل لكل فصل على حدى، مع اختصاص كل صفحة بهوامشها وتعليقاتها، فتجمع لتدوينها أو توثيقها نهاية كل فصل، وهذا ما يتيح سهولة جمعها وتنظيمها في قائمة واحدة وإضافة أي جديد أو ما يراد إضافتة عند الإنتهاء من كتابة الفصل دون أن يُحدث ذلك أي تغيير في شكل الصفحة أو تنسيقها، إلّا أن مشكلة هذه الطريقة تكمن في صعوبة الرجوع إليها بالنسبة للقارئ.

3.2-الترقيم المتسلسل لكل المصادر في جميع صفحات البحث وتجميعها في نهايته حسب ترتيبها في المتن، ورغم أن هذه الطريقة تعتبر أيسرها بالنسبة للباحث إلّا أنه قد يجد صعوبة في إضافة بعض التعليقات أو المضامين خاصة في الصفحات الأولى من البحث، الأمر الذي يؤدي إلى تغيير رقمها التسلسلي(3).

 

ثانيا: الإقتباس:

   يقصد بالإقتباس شكل الإستعانة بالمصادر والمراجع التي يستفيد منها الباحث لتحقيق أغراض بحثه، فهو بمثابة استشهاد بأفكار وآراء الآخرين قصد تدعيم مواقف أو لإضهار وجهة نظر مغايرة، وفي كلا الحالتين يتوجب الإشارة إلى المصدر، وينسجم الإقتباس مع الطبيعة التراكمية للمعرفة، وعليه يجب الإهتمام بدقة الإقتباس من حيث ضرورته وأهميته.

   وتُنقل المعلومات من المراجع بطريقتين:

1-    الإقتباس المباشر:

   يكون الإقتباس المباشر في حال تعامل الباحث مع معلومات الكاتب بطريقة النقل الحرفي للفكرة، وذلك إما لأهميتها أو للإستشهاد بها لدعم رأي خاص أو فكرة شخصية، أو تقديم تعريفات أو مقولات باحثين، وعلى ذلك فنقل الباحث يكون تماما بنفس الشكل واللغة التي ورد فيها، ويكتب الكلام المقتبس بين مزدوجتين (شولتان) "..."، وتُحدد بعض المراجع في هذا الشأن عدد معين للأسطر المقتبسة لا يتجاوزها في العادة الإقتباس الحرفي، وعليه يكتب كسائر النصوص في البحث مع تمييزه بوضع أقواس صغيرة في بدايته أو نهايته، أما إذا كان الإقتباس يتجاوز ذلك الرقم فلا بد من تمييزه عن غيره من النصوص عن طريق كتابة النص المقتبس بخط أصغر أو بمسافة أقل بين الأسطر، ويتعلق الإقتباس الحرفي عموما بالمقولات والنظريات والتعريفات والقوانين وغيرها والتي يجب نقلها حرفيا، ويكون ترقيمها بين قوسين في المتن على أن يحمل الهامش نفس الرقم(4).

   وفي حال الحذف من الكلام المقتبس يشار إلى ذلك بوضع نقاط (...) مكان المادة المحذوفة، ومع أن ذلك جائز وجب الحرص على عدم تشويه المعنى.

   وإذا اضطر الباحث إلى زيادة حرف أو كلمة أو عبارة لإقامة معنى أو شرح كلمة أو لإتمام جملة أو إظهار ضمير، يوضع الكلام بين قوسين مركبين ] [  ومن المستحسن أن يشار إليه في الهامش.

2-     الإقتباس غير المباشر:

 ويعرف أيضا بالإقتباس بالمعنى، أي بإعادة صياغة بأسلوب جديد وبلغة جديدة، مع مراعاة عدم تشويه المعنى الذي يقصده صاحب الفكرة، وهذا النوع هو الغالب في البحث العلمي من حيث تظهر الطريقة العلمية للباحث وتتطلب منه كفاءة لغوية ومهارة وإتقان في التخصص، يظهر كل ذلك حين يحافظ الباحث أثناء اقتباسه على أهم أفكار النص وإلّا أصبح طمسا للمعلومات وانحرافا عن الغايات المراد تحقيقها في عملية نقل المعلومات(5).

3-      قواعد الإقتباس:

 تستدعي عملية الإقتباس التقيد بمجموعة قواعد أساسية، أهمها:

-           ضرورة الإشارة إلى مصادر الإقتباس.

-           الدقة وعدم تشويه المعنى من خلال الحذف أو الإضافة.

-           الموضوعية في الإقتباس بعدم اقتصاره على ما يؤيد رأي الباحث.

-           الإعتدال، بمعنى ألا يصبح البحث مجرد اقتباسات من الآخرين ودون مساهمة من الباحث.

-           ضرورة التمييز بين المادة المقتبسة بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال وضع ما يشير إلى ذلك.

-           أن تكون الأفكار المقتبسة ذات صلة بالبحث.

-           تجنب الإقتباس من المصادر غير الموثوقة علميا.

-           المشروعية في الإقتباس من خلال عدم الإفراط في كمية ونوعية المادة المقتبسة.

ثالثا: أساليب التهميش:

   يُعد استخدام الهامش عملية ضرورية لكل بحث علمي ويفيد في توجيه القارئ إلى المراجع المعتمدة في البحث، وقد يقدم معلومات إضافية كما قد يشرح بعض المصطلحات أو للتعريف بمكان ما وغيرها.

   والهامش هو كل ما يخرج عن النص من إحالات وتعليقات وشروح، ويعرف على أنه مدونات خارجة عن المتن ولكنها جزء لا يتجزأ منه، ويتكون من مجمل المراجع التي استخدمها الباحث في بحثه، يقدمها وكأنها أدلته على ما يسوقه من أفكار وما يقدمه من حقائق(6).

1-          أغراض وحالات إستعمال الهامش:

يستعمل الهامش عادة في الحالات التالية:

- ذكر المراجع التي تمت الإشارة إليها في المتن سواء كانت كتاب أو دورية أو غيرها والتي تم الإقتباس منها، ويتم وضع معلومات كافية عنها في هذه الحالة، وتسمى بالهوامش المرجعية.

- توضيح فكرة أو معنى أو مصطلح أو عبارة وردت في النص.

- إحالة القارئ إلى مصادر معينة تعطي معلومات أكثر حول موضوع ما، أو حتى إحالته على جزء آخر من البحث يغطي تلك الجزئية بأكثر تفصيل.

- التعريف بالأعلام والأماكن الواردة في المتن، وهذه تُعرف بالهوامش التعريفية.

- شرح أو تفصيل نقطة معينة أو مسألة فرعية تتصل بالموضوع وليس لها مكان في المتن.

ويُميّز المكان الذي يلزم فيه استخدام الحاشية بإحدى طريقتين:

- إعطاء رقم للحاشية يطابق ذلك الموجود في أعلى الكلمة في المتن، ولا ضرورة هنا لعلامة وقف بين الرقم والمرجع.

- وضع نجمة ( * ) في نهاية الجملة في متن البحث إذا كان النص يتكون من جداول أو مواد رياضية أو حتى أسماء أعلام(7).