تحية طيبة وبعد ،

طلبتي الأعزاء في مستوى السنة أولى جذع مشترك علوم إنسانية  يحتوي ممقررنا الدراسي في مقياس تاريخ الجزائر المعاصر2 1939 -1962 على ثمانية محاور  تم إطلاعكم عليها في أول حصة من  السداسي الثاني للموسم الجامعي 2019 - 2020 وهي :

1)      أوضاع الجزائر خلال الحرب العالمية الثانية.

2)      أحداث 8 ماي 1945.

3)      إعادة بناء الحركة الوطنية الجزائرية بعد الحرب العالمية الثانية ( 1945- ـ1954 ).

4)      الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري.

5)      حركة انتصار الحريات الديمقراطية.

6)      بوادر تصدع الحركة الوطنية إلى غاية اندلاع الثورة.

7)      ثورة التحرير 1954 – 1962.

8)      بناء الدولة الجزائرية المعاصرة.

أنجزنا مع بعض أربعة محاور وشرعنا في المحور الخامس حيث شرحنا وسجلنا بعض النقاط فيه وما تبقى منه ومن باقي المحاور الأخرى ستجدونه ملخصا في هذه المنصة الإلكترونية .

 

1- تأسيس حركة انتصار الحريات الديمقراطية : MTLD

        بعد إطلاق سراح مصالي الحاج في شهر أكتوبر سنة ،1946حيث استقر به الحال في بوزريعة بأعالي العاصمة، كان على قيادة الحزب أن تعقد اجتماعا أو ندوة، وفعلا انعقدت ندوة في شهر ديسمبر سنة 1946ببوزريعة وضمت حوالي 50عضوا من إطارات الحزب نذكرمنهم على وجه الخصوص: د. لمين دباغين، حسين لحول، أحمد بودا، حسين عسلة، محمد بلوزداد، محمد خيضر، أحمد مزغنة، السعيد عمراني، شوقي مصطفاي، محمد شرشالي، محمد طالب ، الطيب بول حرو ف ،عمر أوصد يق وقد كان على رأسهم الزعيم مصالي الحاج
وقد انحصر جدول أعمالها في نقطتين أساسيتين:
التسمية الجديدة لحزب الشعب ، وقد تم الاتفاق على تسمية جديدة، وهذه التسمية شارك بها مناضلو حزب الشعب الجزائري في انتخابات شهر نوفمبر 1946 أي أ نها ظهرت قبل انعقاد ندوة ديسمبر ،1946وهي " حركة الانتصارللحريات الديمقراطية تعتمد كواجهة شرعية وقانونية أمام السلطات الاستعمارية، مع إبقاء على نفس مطالب حزب الشعب ونفس المبادئ . فقد احتفظت  حركة الانتصار بنفس برنامج حزب الشعب الذي هونفسه برنامج نجم شمال إفريقيا، ويذهب كثير من المؤرخين والباحثين إلى أن حركة الانتصار قد حافظت على البرنامج المعتمد من قبل حزب الشعب مع بعض الإضافات البسيطة المرتبطة أساسا بالتطور الذي عرفته الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية، كما عرفته جميع حركات التحرر في العالم   أما بخصوص النقطة الثانية فهي مسألة المشاركة في الانتخابات التي طرحها مباشرة زعيم الحركة مصالي الحاج نفسه، عندما اقترح ضرورة المشاركة في الانتخابات .

 

2- مطالب وأهداف حركة انتصار الحريات الديمقراطية :

وتمحورت حول أهداف معينة تمثلت :

·      العمل على إلغاء النظام الاستعماري وإقامة نظام ذوسيادة وطنية

·   إجراء انتخابات عامة دون تمييز عرقي ولا ديني وإقامة جمهورية جزائرية مستقلة ديمقراطية واجتماعية تتمتع بكامل الصلاحيات.

·      ربط الجزائر بمدهاالطبيعي العربي والإسلامي والإفريقي.

·      اللغة العربية لغة رسمية .

·      عودة المساجد إلى الاشراف الديني المباشر .

·      إعادة الاراضي التي انتزعت من الجزائريين .

·      إجلاء القوات الفرنسية الاستعمارية .

 

3 - هيكل حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية :

اعتمدت على هيكل تنظيمي محكم وشامل لكامل القطر الجزائري ، ففيما يخص القيادة:
 المؤتمر: و هو أعلى هيئة في الحركة، و ينعقد حسب دورات تقررها اللجنة المركزية، بالإتفاق مع رئيس الحركة ويحضره جميع المناضلين.
 اللجنة المركزيـة: و هـي السـلطة الفعليـة التـي تقـرر مصـير الحركـة وشـؤونها، وكانـت تضـم أربعـون عضوا قياديا منتخبا.
 المكتب السياسي: ويضم إطارات الحركة العليا، و ينتخب من قبل أعضاء اللجنة المركزية و يطلق عليهأحيانا إسم اللجنة المركزية

. و قــد شــكل المكتــب السياســي للحركــة، لجــان مركزيــة متخصصــة و عــددها خمسـة و هــي : لجنــة التنظــيم، الدعاية و الإعلام، الشؤون الإسلامية و ، المنظمات الجماهيرية، و الشؤون النقابية و النواب.
وعلـى مسـتوى العمـلات: فقـد قسـمت الجزائـر إلـى عشـرولايـات و ، ثـلاث وثلاثـين

دائـرة، كمـا شكل المناضلون المهاجرون في فرنسا الولاية الحادية عشروسميت بفيدرالية فرنسا.و قسـمت إلى مئـة قسـمة واحتـوت القسـمة علـى: الفـرع ، الفـوج ، الخليـة.فمـثلا علـى مسـتوى الأحيـاء الشـعبية فـي المدن والبلديات، تواجدت الخلية من 5إلى 27عضوا ومن أجل نجاعة العمل أسس الحزب خلايا سـرية، مثـل:
خليـة الأمـن و المراقبـة علـى مسـتوى كـل مقاطعـة،  خليـة خاصـة بالتـأطير السياسـي لتكـوين النخبـة

. لقـد كرست الحركة بعض الوسائل الممكنة من أجل كشف و محاربة السياسة الاستعمارية و من أجل الوقوف إلى جانب الشـعب الجزائـري برمتـه فـي كفاحـه و نضـاله و مـن هـذه الوسـائل الصـحافية التـي كـان بعضـها يصـدر
بطريقة سرية نذكر: صحيفة الأمة الجزائرية، و صحيفة صوت الأحرار .
أمـا الصـحافة العلنيـة فهـي: صـحيفة المغـرب العربـي، صـحيفة المنـار، الجزائـر الحـرة، صـوت الجزائـر، صـوت الشعب، صحيفة الشعب الجزائري، صحيفة الوطن.
إن الهيكــل التنظيمــي الــذي تمتعــت بــه الحركــة و نشــاطها السياســي الــداخلي و الخــارجي، جعــل العديــد مــن الجزائـريين ينظمـون إليهــا، فـانخرط الحرفيـون، والعمــال و الطلبـة...الــخ، فكانـت الحركـة هيئــة للشـباب، فلــم يتجاوز %55من مناضليها 25سنة من العمر

 

 

3- نشاط حركة انتصار الحريات الديمقراطية :

أ- النشاط السياسي :

منذ الإعلان عن تأسيس حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1946 واتخاذه قرار مواصلة النضال السياسي ، التف الجزائريون حول الحزب فعرفت الحركة في غضون مدة قصيرة نشاطا سياسيا هاما خاصة بعد المشاركة الفورية لمناضليها في الانتخابا ت ، واستحواذهم على معظم المقاعد بالمقارنة مع الحركات الجزائرية الأخرى نتيجة المساندة الشعبية والجماهيرية الواسعة جدا، وهذا ما أهلها للحصول على مقاعد معتبرة في انتخابات نوفمبر1946 حين جاءت النتائج رغم عمليات التزوير إلاّ أن ّ النتائج كانت مشجعة للحركة بالمقارنة مع الظروف الاستعمارية القاسية وكانت على النحوالتالي:
   قائمة المعتدلين: ثمانية مقاعد.
قائمة حركة الانتصار: خمس مقاعد.
 قائمة الحزب الشيوعي: مقعدين.
وكانت حركة الانتصار قد قدمت أثناء انتخابات شهر نوفمبر 1946أحد عشر
مرشحا، بعد أن شطبت الإدارة الاستعمارية الفرنسية اسم مصالي الحاج من القائمة المقدمة
والتي كانت كالآتي:
مرشحوا عمالة الجزائر خمسة: أحمد مزغنة ومحمد خيضر ومحمد طالب
وأحمد خليل وعبد الرحمن حفيظ.
مرشحوا عمالة وهران ثلاثة: حسين لحول وهواري سويح ومحمد ممشاوي.
مرشحوا عمالة قسنطينة ثلاثة: د. محمد الأمين دباغين و مسعود بوقا دو موجمال دردور.
بعد النتائج فاز خمسة مرشحين كما سلف الذكر وهم السادة:
عمالة العاصمة: محمد خيضر وأحمد مزغنة.
عمالة قسنطينة: د. محمد الأمين دباغين ومسعود بوقا دوم وجمال دردور.
وقد أحدث هؤلاء النواب ثورة داخل المجلس الفرنسي بتصريحاتهم وخطاباتهم المؤثرة، حيث انتقدوا بشدة وجرأة خارقة للعادة السياسة الاستعمارية في المجال الزراعي والوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الجزائري، المتميزة بالفقر المذقع والبؤس والشقاء والحرمان، كما دافعوا عن مقومات الشعب الجزائري وضرورة احترامها ، ومنها الدين الإسلامي واللغة العربية، منتقدين تعسف الإدارة الاستعمارية في معاملتها للجزائري وحرمانه من أبسط حقوقه وحرياته ، كما طالبوا بتأسيس برلمانا جزائريا منتخبا بطريقة ديمقراطية تكون له السيادة الكاملة، لقد أحدث هؤلاء النواب تأثيرا كبيرا داخل المجلس الفرنسي بفعل تكوينهم السياسي، وقدرتهم الخطابية الفائقة ودرايتهم بعيوب السياسة الاستعمارية وأهدافها الخفية اتجاه الشعب الجزائري، وقد عملت هذه الإدارة على منعهم من الحديث داخل المجلس بالقوة، خشية تأثيرهم على النواب الفرنسيين وكذلك خشية خطاباتهم المثيرة للرأي العام الفرنسي والجزائري على حد سواء، لذلك اتبعت فيما بعد أسلوب التزوير المعروف حتى تمنع مرشحي الحركة من الوصول إلى مثل هذه المجالس لأن الخطابات التي رددها نوابها كانت جريئة وصريحة وواقعية وموضوعية في آن
واحد. اعتبرت الإدارة الاستعمارية هذه اللجنة خطرا حقيقيا داخل مؤسساتها من شأ نها إثارة الفوضى والمشاكل والمتاعب لها، لذلك عملت جاهدة على عرقلة مناضلي الحركة من الترشح تحت مبررات مختلفة في بعض الحالات. وفي حالات أخرى القيام بعملية التزوير لمنعهم من الفوزبمقاعد ، رغم  التزوير الممارس  في انتخابات 1946 إلاّ أن الحزب استطاع الفوز بـنسبة  % 95من المقاعد البلدية، وذلك حيث فازت برئاسة أول بلدية في الجزائر وهي بلدية تبسة، وكان أول رئيس لها هو المناضل  الحاج حمة العمري  وبسبب هذا الفوز الساحق بدأت لعبة التزوير التي اشتهرت بها الإدارة الاستعمارية وعينت لها حاكما جديدا هو السيد  مارسيل إدمون نيجلان" Marcel Edmond  Naigelon  التي أصبحت تعرف باسمه لشهرته وقدرته الفائقة على تغيير نتائج الفوز وقطع الطريق أمام مرشحي الحركة للوصول إلى المجالس المنتخبة لأنهم  فضحوا السياسة الاستعماريةعلى الملأ.وعندما أجريت انتخابات شهر أفريل سنة 1948حدثت فضائح كبيرة أثناء ظهور النتائج والتي كانت مزورة بشكل سافر ولم ينجح سوى تسعة من مرشحي الحركة، و ثمانية من مرشحي الاتحاد الديمقراطي، وواحد من الحزب الشيوعي. ففي سنة 1948جاء دور الترشيح للمجلس الجزائري الذي تقـرر تكوينـه فـي الجزائـر مـن 120نائبـا مناصـفة
بــين الجزائــريين والفرنســيين فــي الجزائــر، وفــي هــذه المــرة لــم تعــد الإدارة الفرنســية تنظــر بعــين الارتيــاح إلــى
الإنتخابــات، فمــن بــين 59مرشــحا ألقــي القــبض علــى ثلاثــة وثلاثــين قبــل يــوم التصــويت حيــث منعــوا مــن
الاتصال بالشعب، أما يوم التصويت فقد شهد تزويرا محكما بتـدبير الـوالي العـام نـيجلان الـذي عـين خصيصـا
لإجــراء هــذه الإنتخابــات، و حســب الإدارة الفرنســية: لــو كانــت هــذه الانتخابــات حــرة لنالــت حركــة انتصــار
الحريـات الديموقراطيـة 57 مقعـدا مـن جملـة السـتين الخاصـة بالأهـالي ( الجزائريون )و فـي يـوم افتتـاح المجلـس، لـم
يحضر الجلسة سوى خمسة نواب منتخبين من الحركة نفسها، أما الأربعة الآخرون فلم يحضروا الجلسة لأنهم
اعتقلوا عشية إفتتاحها  هذا كان حال الإدارة الاستعمارية مع مناضلي الحركة سواء في نشاطهم السري أوالعلني، لأنها كانت على دراية تامة واطلاع كاف على برنامجهم ونشاطهم ومواقفهم الوطنية  الرافضة للوجود الاستعماري في الجزائر، والمطالبة بدولة جزائرية مستقلة ذات سيادة .

 

ب- النشاط العسكري :

    جاء المؤتمر الأول للحركة في 15فيفري سنة 1947ليؤسس تنظيم الجناح العسكري السري   للحركة الذي  طالما انتظره الشباب الثوري المناضل داخل الحركة، والأمل الذي راودهم منذ دخولهم معترك النضال السياسي داخلها، وأطلق  اسم " المنظمة الخاصة على هذا التنظيم، وكان غرضها إعداد إطارات للكفاح المسلح ، وكان " محمد بلوزداد " الملقب بـ " سي مسعود "
قائدا لها وقد اقترحها أثناء المؤتمر الأول لحركة الانتصار باعتباره أحد أعضاء لجنتها المركزية، وكان رأيه " أن العمل السياسي لا يجدي نفعا، ولا بد من الإعداد للكفاح المسلح ، لذلك ينبغي إعداد التنظيم الذي يتكفل بذلك "، وقد حدد بذلك ثلاث محاور أساسية لعمل
المنظمة ونشاطها، وتتمثل في:
1-  التكوين العسكري التدريب على مختلف الأسلحة والمتفجرات والانضباط

2- التكوين العقائدي التربية الوطنية والدينية والروحية المرتبطة بالإسلام

- 3جمع السلاح والذخيرة

 

       اعتمدت المنظمة نظاما داخليا تميز بالصرامة والدقة والانضباط الشديد، وتمحورحول ثمانية فصول أو مواد حددت المسائل الأساسية التي حددت نشاطها وعملها وهي: النظام والانضباط ، التجنيد، الاجتماعات ،السلوك ،الرخص، التنقلات، المكافآت والجزاءات
    فقد تم إخضاع المجندين فيها إلى نظام عسكري قائم على تقسيمهم إلى مجموعات وأنصاف مجموعات حتى تسهل عملية تكوينهم، وفي نفس الوقت مراقبتهم ، بالإضافة إلى كل ذلك كان هناك تكوين عسكري نظري وتطبيقي لا يختلف كثيرا عن أي تكوين عسكري آخر، يرتكز على المحاور التالية:
- 1
تدريب المجندين على استعمال الأسلحة " فك وتركيب وكيفية الاستعمال ومعلومات مختلفة في الميدان العسكري النظري والتطبيقي "، وكانت عملية التدريب على هذه الأسلحة تتم في مناطق مختلفة خاصة داخل الغابات الكثيفة حتى تبدو عمليات صيد عادية، وذلك تمويها للسلطات الاستعمارية

- 2
التدريب على مختلف الأماكن والمواقع من جبال وهضاب وسهول وصحاري للتعود على طبيعة الأرض والقدرة على استغلال عامل المعرفة للطبيعة في العمليات العسكرية المنتظرة
وتشير بعض المصادر إلى أن مجموع جنود المنظمة الخاصة قد حدد ما بين ألف و ألف وخمسمائة مناضل
بينما يذهب مصدر آخر إلى القول بأن المنظمة استطاعت تكوين أكثر من ألفي
 مناضل قبل اكتشافها، يمتلكون تكوينا عسكريا وعقائديا، كان له الأثر الإيجابي على معنويات مناضلي الحركة.

·      أهم انجازات المنظمة الخاصة :

كانت المنظمة الخاصة في أمس الحاجة إلى إمكانيات مادية خاصة المال، لذا اضطرت إلى القيام بعدة عمليات للحصول على المال الضروري لاستمرارها، ولشراء ما تحتاجه من سلاح الذي كان شغلها الشاغل ، بعدما حصلت على دفعات من ليبيا قدرت في مجموعها بـ: 300  قطعة سلاح استطاعت شراء دفعات أخرى تمثلت في 20رشاشا و  30مسدسا
و 5بنادق حربية وصندوقين من القنابل الهجومية.
     وهكذا بدأت الحركة عملية التفكير العملي والجدي في القيام بعدة هجومات على بعض المراكز المالية الاستعمارية، وبعد دراسة دقيقة تم التوصل إلى مخطط هجوم على البريد المركزي لوهران تمت العملية بواسطة مجموعة من المناضلين مؤلفة من : سويداني بوجمعة وبلحاج بوشعيب ومحمد خيضر وعمر حداد ومحمد يوسفي ورابح رقيري وخثير بن زرقة وحمو بوتليليس وابن فريحي بإشراف كل من أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد وتم تنفيذ  عملية اقتحام البريد المركزي بوهران بتاريخ 06أفريل سنة 1949.


   وكان من نشاطها أيضا كتابة البيانات ونشرها وتوزيع المنشورات السرية، وتعليق الإعلانات والشعارات الجماهيرية.
هذا وقامت المنظمة بعملية أخرى تعبر عن النشاط السري العسكري ضد النظام العسكري وذلك في شهرأكتوبر سنة ،1949تمثلت في محاولة تخريب النصب التذكاري الذي دشنه مارسيل إدموند نايجلان   (Marcel Edmond naigelon )  فكانت النتيجة لهذه العمليات هي اكتشاف المنظمة الخاصة وشن
حملة اعتقالات واسعة لمناضلي الحزب القياديين ابتداء من ليلة 18إلى 19مارس 1950 ، ودامت حملة  الاعتقالات ثلاثة أشهر إلى بداية شهر ماي . 1950ويذكر أحمد مهساس أن الاعتقالات لم تتوقف عند حدود تبسة بل
امتدت إلى سوق أهراس وعنابة ، وشملت في النهاية كل أرجاء الجزائر

 

المحور السادس : بوادر تصدع الحركة الوطنية إلى غاية اندلاع الثورة.

 

1-  اكتشاف المنظمة الخاصة:
أمام هذا النشاط المتزايد للمنظمة، حدث ما لم يكن في الحسـبان و هـو اكتشـاف المنظمـة الخاصـة، حيـث تجمع جل المراجع أن السبب يعود لما أطلق عليه بحادثة تبسة و تتمثل مجريات هذه الحادثة، في أنها عملية نفذت بأمر من قيادة المنظمة على مستوى عمالـة قسـنطينة و الممثلـة فـي الثلاثـي : محمـد بوضـياف، ومحمـد العربـي بـن مهيـدي، وديـدوش مـراد، و قـد كانـت نتيجـة عمـل تـأديبي لأحـد المنضمين للمنظمة  والذي بحسب بعض المؤرخين ثبت عليه إفشائه لأسرار نشاطاته داخل المنظمة، لذلك كلفت المنظمـة السـرية أربعـة أشـخاص هـم بـن عـودة عمـار، بـن زعـيم، عجـومي ابـراهيم، وبكـوش عبـد القـادر، حيـث قـاموا باختطافـه لتأديبه، وبمـا أنـه كـان يعرف مصيره، تخبط داخل السيارة حتى فقد السائق سيطرته فتحطمت بعد اصطدامها بالشـجرة، و نجـح بـذلك في الهروب و حين استعاد رشـده مضـى إلـى مفوضـية الشـرطة الفرنسية  الاستعمارية  وبلغ عن شأن هذه المنظمة .
و بعد اكتشـاف المنظمـة الخاصـة، قامـت فرنسـا باسـتجوابات مكثفـة اسـتغرقت قرابـة الأسـبوعين، و عـن طريق التعذيب تمكنت الشرطة الفرنسية من القبض على المئات من المناضلين أو ما يقارب  400مناضـل مـنهم عـدد مـن المسـؤولين المهمـين الكبـار فـي مجلـس القيـادة: بـن بلـة، و رجيمـي جيلالـي، و ولـد حمـودة  و بالحـاج جيلالـي و أحمـد محسـاس، و محمـد يوسـفي، أعـراب محمـد،   و لقـد تمكـن بعـض المسـؤولين الأعضـاء من مجلس القيادة العامة من الإفلات من تحريات الشرطة و  هم بوضياف محمد، بن مهيدي، ديـدوش مـراد، مصطفى بن بولعيد و . قد تم إصدار حكم  في حق  حوالي 200 مناضل ، و صل إلى حد 10سـنوات سـجنا، و المنـع مـن الإقامـة، والحرمان من الحقوق المدنية، و غرامات بملايين الفرنكات.

 

·      نتائج اكتشاف المنظمة الخاصة على مسار الحزب :

ارتسـم فـي الحـزب موقفـان:

الموقف الأول: أنكـرت قيـادة حـزب الشـعب الجزائـري وجـود منظمـة خاصـة لتجنـب الحـزب الحـل، و اغتنـام الإسـتعمار الفرصـة للتنكيـل بـه،

الموقف الثاني : التـي أيـدها الحـزب هـي الإدعاء من طرف قيادة الحزب أنها مـؤامرة استعمارية تهدف إلى تدمير الحركة الوطنية و تتم هذه الخطـة بإرسـال أوامـر إلـى المناضـلين المسـجونين مـع عبـد الصـمد كيـوان، عضـو المكتـب السياسـي و اللجنـة المركزيـة بـأن يطلـب مـنهم رجـال وع عـن اعتـرافهم وعندما يواجهونهم بالقول لقد اعترفتم، وقلتم بأنكم كنتم منظمين في هذه المنظمة باسم الحركة يكون جوابكم
بأن عمليات التعذيب و القهـر، هـي التـي جعلتنـا نقـول مـا قلنـا لـيس إلا، و إذا لـم تصـدقونا سـلمونا أقـوى رجـل فـي الشـرطة، مـدة 48 سـاعة و سـوف نحضـر لكـم وثيقـة مكتوبـة بيـده يعتـرف فيهـا بحيـاة الجزائـر و سـقوط فرنسا .

 وبعد ذلك أعطت حركة انتصـار الحريـات الديموقراطيـة، أوامـرا بتخـزين الأسـلحة و حـرق الوثـائق، و محو كل أثر قد يساعد الإستعمار على التأكـد مـن وجـود المنظمـة الخاصة  بالفعـل، و كـذا علاقتهـا العضـوية بـالحزب. ومـن الغريـب أن الحـزب لـم يفكـر فـي تعـويض المنظمـة بعناصـر جديـدة مـن المناضـلين، الـذين ألقـي
عليهم القبض، و إنما اتخذت قرارا رسميا يقضي بحل المنظمة نهائيا و لم يكتف الحزب بذلك ، فمنذ 1951 سـلك اتجاهـات إصـلاحية تمثلـت فـي المشـاركة فـي الانتخابـات، و إعطـاء الأوامـر لمناضـلي الحـزب، لتوزيـع الجرائـد بطريقـة علنيـة ممـا يجعـل الشـرطة الاسـتعمارية تتعـرف علـيهم بسـهولة ولا تشك بأن المنظمة الخاصة تابعة للحزب ، و قـد أصـبح المناضـلون نتيجـة ذلـك يتسـاءلون كيـف يصـبحون باعـة جرائـد و هـم الـذين كـانوا يتطلعـون للمشـاركة فـي الكفـاح المسـلح، إلا أن صلابة من بقي من أعضاء المنظمة الخاصة قد تمردوا على هذا القرار و واصلوا العمل بسرية .

وكان حدث اكتشاف المنظمة الخاصة وما ترتب عنه من نتائج أحد بوادر تصدع حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية .

 

2- من المؤتمر الثاني للحركة أفريل 1953إلى مؤتمر هورنو :1954
لقـد بـدأت الإنقسـامات داخـل الحركـة أو الحـزب تطفـوا علـى السـطح بـالأخص بعـد شـهر مـارس ،1950 ففي اجتماع للجنة المركزية لهذا الحزب يـوم 18مـارس مـن نفـس السـنة، رفضـ أعضاء اللجنة المركزية صـيغة الرئاسـة مــدى الحيــاة، ومــنح حــق الفيتــو لمصــالي، واتفقــوا علــى تأجيــل مناقشــة التنظــيم داخــل الحــزب إلــى اجتمــاع قـادم إلا أن الموضـوع الـذي خلـق انشـقاقا واسـعا فـي صـفوفه هـو التحـالف مـع بقيـة الأحـزاب الجزائريـة بقصـد خلــق جبهــة موحــدة للمشــاركة فــي الانتخابــات التشــريعية التــي كان من المقرر إجراؤها يــوم 17جــوان 1951و قــد بــدأت الاتصالات بين كل من الاتحاد الديموقراطي للبيـان والحريـة وجمعية  العلمـاء، بمسـاع لـدى حركـة انتصـار الحريـات الديمقراطيـة و التـي امتـدت مـن جـانفي إلـى مـارس 1951فمثـل الأسـتاد بومنجـل و دكتـور فرانسـيس الاتحـاد الـديموقراطي للبيـان الجزائـري، و العربـي التبسـي و  الشـيخ خيـر الـدين جمعية  العلمـاء، و نقـل هـؤلاء اقتراحـا مكتوبا إلى مصالي يتضمن تكثيف النضال السياسي وفق برنامج موحد متفق عليه بينهم والالتزام به ،   إلا أن رئيس الحزب ميصالي الحاج لم يقبل بعض هذه الاقتراحات  وصرح برأيه لهم في  ماي 1951، و اعتبـر هـذه الإقتراحـات مخالفـة لبرنـامج حزبـه، إلا أن هـذا القـرار كلـف انهيـار اللجنة المركزية لحزبه التي كانت تريده أن يوافق على الاقتراحات  التي قدمتها إليه الأحـزاب.

·      و جـاءت انتخابـات 17جـوان ،1951التـي زورتهـا الإدارة الفرنسية و خسر الحزب المقاعد الخمسة في البرلمـان الفرنسـي، كمـا أن اللجنـة المركزيـة للحـزب قـررت خلال غياب رئيس الحزب و تواجده بفرنسا، أن تشترك مع جمعية العلماء و حـزب البيـان و الحـزب الشـيوعي في إنشاء جبهة مشتركة وطنية وذلك في إجتماعها يوم 05أوت  1951أطلق عليها إسم الجبهـة الجزائريـة للدفاع عن الحرية والديموقراطية، و عندما علم ميصالي أبدى تحفظاته على هذا الإتفاق. و اعتبره متضاربا مع برنامج حزبه الذي يـنص علـى إنشـاء برلمـان جزائـري مسـتقل. وفـي النصـف الثـاني مـن شـهر أوت 1951 قـام بتعيـين بـن يوسـف بـن خـدة كـأمين عـام للحـزب، خلفـا للسـيد حسـين لحـول الـذي كان قد اسـتقال فـي شـهر مـارس1951 و يرجع البعض سبب الخـلاف بـين حسـين لحـول و رئـيس الحـزب لأسـباب تخـص سـوء تفـاهم يتعلـق بـالموارد الماليـة . فخلفه كما ذكرنا سابقا بن يوسف بن خدة الذي وبعد ذلك قام مصالي الحاج بتأدية فريضة الحج وجولة حول الوطن العربي ومتابعة أشغال دورة الأمم المتحدة وقد كان في الحزب من عارض برنامج جولاته هذه ورأوا أن الظروف الداخلية للحزب لا تسمح بسفر رئيسه وتستوجب بقاءه قرب المناضلين والقيادة إلا ذأن مصالي قرر القيام بجولته  وبعدها عاد إلـى الجزائر  بوزريعـة  بالضبط فـي 11فيفـري 1952وقرر القيام بجولـة فـي الجزائـر، إذ انه  كان يرغب في الإتصال بالجماهير وقد نشب خلاف جديد بيتنه وبين أتباعه حول هذه الجولة ، ذلك أن اعضاء اللجنـة المركزيـة كانوا يخشون  الاسـتفزازات التي قد يتعرض لها ، إلا أن مصـالي الحاج انتقـل إلـى منطقـة قسـنطينة حيـث وجـد اسـتقبالا حـافلا فـي انتظـاره فـي كـل مـن الخـروب، سـوق أهـراس، ووادي زناتي، و قسنطينة و شلف و غيرها من المدن، إلا أن السلطات الفرنسية تضايقت من خطبـه الثوريـة و قامت بإلقاء القبض عليه و نفيه إلى فرنسا وذلك يوم 14ماي  1952 وبقيت القيادة بيد أعضاء اللجنة المركزية للحزب .
.
أ مؤتمر أفريل :1953
لقد وصل الحزب سنة 1953إلى الإنشقاق  بسبب الأزمـات الكثيـرة التـي توالـت عليـه منـذ ،1946ممـا جعـل قواعـد الحـزب بكاملهـا تطالـب بضـرورة عقـد مـؤتمر لحـل كـل المشـاكل العالقـة التـي يتخـبط فيهـا الذي كان مستعدا للانفجار في أية لحظة. فلقد كانت اللجنة المركزيـة ترغـب فـي عقـد مـؤتمر للحـزب، إلا أن مصـالي أجـل فـي مـرات عديـدة التـواريخ المقترحـة و أخيـرا جـرى المـؤتمر فـي أفريـل ،1953فـي جـو مشـحون بالتوتر و انعـدام الثقـة، و ظهـر ذلـك واضـحا علـى وجـوه المسـتمعين مـن خـلال الترسـبات السـابقة و الخلافـات في الآراء و ، مشكلة اكتشاف المنظمة الخاصة و موقف القيادة السـلبية مـن مناضـليها بالإضـافة إلـى المواقـف و التوجهـات التـي سـبقت انعقـاد المـؤتمر الثـاني بـين مصـالي الحـاج مـن جهـة و أعضـاء اللجنـة المركزيـة مـن جهة أخرى.
انعكاساته :
أقر تقرير رئيس الحزب من طرف مندوبه مولاي مربـاح، و بالنسـبة للمنظمـة الخاصـة و كمـا أكـد ذلـك المـؤرخ محمـد تقيـة: بـأن المشـرفين عـن المـؤتمر منعـوا أعضـاءها مـن حضـور أشـغاله و ذلـك تحـت غطـاء حجـة الأمـن و مـن هـؤلاء محمـد العربـي بـن مهيـدي الـذي أجبـر علـى إرسـال رمضـان بـن عبـد المالـك مكانـه، الـذي تحـدث عـن مصـير المنظمـة الخاصـة و مسـتقبلها، أمــا بالنسـبة لمصـطفى بـن بولعيـد و رغـم صـفته كعضــو باللجنة المركزية فإنه لم يستطع الإدلاء بأي شيء ، و خلال هـذا المـؤتمر انتخـب مصـالي الحـاج بالإجمـاع رئيســا لحركــة انتصــار الحريــات الديموقراطيــة، و عضــوا فــي لجنــة الخمســة المكلفــة بتعيــين أعضــاء اللجنــة المركزية الجديدة. إلا أن الصعوبات برزت عندما وصل الأمر إلى تعيين أعضاء القيـادة و تحديـد صـلاحيات رئيس الحزب، و في و 04 – 05 جويلية 1953عين بن خدة بن يوسف أمينا عاما، و رغم أن العلاقات بينـه وبـين رئـيس الحزب ظاهريـا كانـت عاديـة، و ذلـك أثنـاء اللقـاءين الـذين تمـا بـين الـرجلين فـي شـهري جويليـة و أوت سنة 1953في منفاه و الخاص بعرض نتائج المؤتمر الثاني وقراراته، بالإضافة إلى قضية تسوية مشكلات البرامج و تنصيب المسؤولين رسـميا مـن قبـل رئـيس الحزب، إلا أن الواقـع أثبـت بعـد فتـرة قصـيرة أن مصالي الحاج لم يكن موافقا البتة على تلـك القـرارات و أعلـن عـن رفضـها جملـة و تفصـيلا و ذلـك مـن خـلال المذكرة التي أرسلها في شـهر سـبتمبر سـنة 1953إذ كشـف مـن خـلال هـذه المـذكرة عـن موقفـه الحقيقـي مـن نتائج المؤتمر الثاني و قراراته، و انتقد بشدة مـا أسـماه : ـبـ سياسـة الإصـلاح، التـي انتهجتهـا القيـادة الجديـدة و طالب صراحة بتفويض كامل السـلطات          و كـان موقـف اللجنـة المركزيـة معاكسـا تمامـا لرغبتـه إذ أعلنـت رسـميا عن تنصيب بن خدة و في ظل هذا الخـلاف رفض بن خدة مواصلة مهامه كأمين عام وقدم اسـتقالته، و لكـن رفضـتها اللجنـة المركزيـة كما أعلنت عن رفضها المطلق لمطلب مصالي الحاج المتمثل في منحه تفويض كاملا للصلاحيات، و مـازاد الطين بلة هو إبعاد أهم مساعدي الأمين العام وأقرب المقربين من مصالي من عضوية المكتـب السياسـي همـا: أحمـد مزغنـة و ، مـولاي مرباح، و اختيار كل من حسين لحول، و عبد الرحمان كيوان مساعدين للأمين العام وكرد على  المذكرة التي أرسلها رئيس الحزب في سبتمبر 1953أرسلت اللجنة المركزية في أكتوبر من نفـس السنة، وفدا يتكون من أربعة أعضاء إلى رئيس الحزب مصالي  بغية شرح أسباب رفض الطلـب الـذي قـدم لهـا، إلا أن الوفـد لـم يتوصـل إلـى أي نتيجـة، أمـا الجنـاح العسـكري للحـزب الـذي لـم يكـن لـه إلا تمثيـل جزئـي فـي اللجنـة المركزيـة و لا تمثيـل حقيقي في قيادة الحزب، قد بدأ أعضاءه في أفريل 1953ينفصلون عـن اللجنـة المركزيـة، ويعملـون مـن أجـل تشكيل اللجنة الخاصة ( اللجنة الثورية للوحدة والعمل ) بعزيمة قوية
-  الأزمة تخرج إلى العلن:
قـام رئـيس الحـزب بطـرح المشـكلة علـى القاعـدة فـي رسـالة نشـرت فـي بدايـة الأمـر علـى مسـتوى اتحاديـة الحـزب بفرنسـا فـي 27ديسـمبر ،1953ثـم عمـت لتشـمل الجزائـر كلهـا و يعلـق عبـد السـلام بلعيـد علـى هـذا بقوله: أن مصالي لم يهضم معارضة اللجنة المركزيـة لـه فـأراد أن يبـرهن علـى أنـه هـو الحـزب ومـا عـداه لا شـيء فـإذا قـرر أمـرا لا يمكـن لأي كـان أن يعارضـه«، فقـد قـام مصـالي الحـاج بطـرح الصـراع علـى القاعـدةبشكل بسيط حيث في قوله » : نحن راقدون والعالم يتحـرك، لقـد تجاوزتنـا الأحـداث فـي تـونس والمغـرب . « فقـام أنصـاره فــي الجزائــر بتحريـف أســباب الصــراع بنشــرهم مـا مفــاده أن رئــيس الحــزب يسـعى إلــى إعــلان العمــل المسـلح الثـوري، و لكـن اللجنـة المركزيـة تعرقلـه فـي ذلـك و. حيـث أرسـل مصـالي مجـددا و فـي الفـاتح مـن جـانفي مـن عـام 1954رسـالة جديـدة معلنـا فيهـا بأنـه يسـحب ثقتـه مـن كافـة أعضـاء القيـادة، و مجـددا طلبـه فـي الحصـول علـى التفـويض المطلـق ومهددا بإيصال الخلاف إلى القاعدة. وردا علـى هـذه الرسـالة اجتمعـت اللجنـة المركزيـة مـن يـوم 01إلـى 04جـانفي سـنة 1954لدراسـة مـا جـاء فيها ثم خرجت بوثيقة تضمنت النقاط التالية:
. 1
التمسك بموقفها الرافض لطلب مصالي الحاج بمنحه سلطات مطلقة.
. 2
رفضها لقراره القاضي بسحب الثقة من الأمين العام الجديد للحركة.
. 3
دعوة مصالي الحاج إلى عقد مؤتمر استثنائي لطرح الخلاف والفصل فيه.
و قد كلف حسين لحول بنقل هذه القرارات إلى رئيس الحزب، لكن هذا الأخيـر رفـض اسـتقباله، و كانـت تلـك هـي القطيعـة .

هـو طـرح يسـتجيب لرغبـات المناضـلين بمـا فـيهم أعضـاء المنظمـة الخاصـة المنحلـة، فـي الوقـت الـذي تتمسـك فيـه اللجنـة المركزيـة بالنضـال السياسـي، و أمـام تزايد نشاط مصالي و أنصاره، قررت اللجنة المركزية التنازل و تقديم استقالة جماعية ضمنية، و التي اعتبرت  تضـحية منهـا بنفسـها مـن أجـل إنقـاذ الحـزب مـن التصـدع . وذلـك فـي اجتماعهـا المنعقد يوم 28مارس 1954إلا أنه ورغم ذلك فإن النزاع لم ينته
كان تنازل المركزيين ظاهريا فقط، حيث عقد المركزيـون اجتماعـا سـريا لـم يـدعوا إليـه مساعديه في اللجنة المركزية، وذلك يومي و 22- 23ماي سنة ،1954حيث اتخذوا خلاله قرارات منها:
 
سحب السلطة المطلقة من مصـالي الحـاج التـي منحتهـا إيـاه اللجنـة المركزيـة، بمقتضـى قـرارات اجتماعهـا يومي و 28 27مارس سنة .1954

-       إنشاء ما سمي باللجنة الدائمة و هي هيئة تضطلع لمهمة إعـداد و تنظـيم المـؤتمر غيـر العـادي الوشـيك للحركة.

-       تتجاهل اللجنة المركزية وجود صحيفتي الجزائر الحرة وصوت الجزائر باللغة الفرنسية.

-        الإشـارة إلـى ضـرورة إبقـاء هـذه القـرارات طـي الكتمـان إلـى أجـل غيـر مسـمى: تبعـا للظـروف ومسـتجدات الخـلاف معـه، و سـعيا مـن اللجنـة المركزيـة لتـدارك النهايـة المأسـاوية للحركـة، مـن خـلال الموقـف المتصـلب لرئيسها رغم تنازلها السابق له، عـن صـلاحياتها وتلبيـة طلبـه القاضـي منحـه التفـويض، عقـدت نـدوة للإطـارات يوم 10جويلية 1954بالعاصمة، و ذلك بمقر جمعية الكشافة قدم أثناءها تقرير مفصل عن طبيعة النزاع و توجت بعدة قرارات في محاولة لدأب الصدع و احتواء الخلاف، قبل انفجار الحركة و منها:  تشكيل لجنة تختص بتحضـير مـؤتمر، يجمـع ممثلـي كـل المناضـلين فـي الجزائـر وأوروبـا و ذلـك قبـل 03 شهورإقناعه بعدم تنظيم مؤتمره، الذي لا ينتج عنه إلا التفرقة. مـع الموافقـة علـى عقـد مـؤتمر ديمـوقراطي علـى أرض الوطن حتى يتمكن جميع المناضلين من حضوره.
- العمل بشتى الوسائل للحفاظ على وحدة الحركة.
- الاتصال بمختلف المناضلين و إقناعهم بعدم استعمال العنـف، الـذي بـدأت بـوادره حفاظـا علـى وحـدتهم و أخوتهم. إلا أن المصاليين كانوا آنذاك قد انهوا جميع التريتبات لعقد مؤتمرهم .
.
ب مؤتمر هرنو ببلجيكا من 14إلى 16جويلية 1954وانعكاساته:
لقــد حضــره أنصــار مصــالي، و الــذي كــان إعلانــا رســميا علــى الانقســام الــذي أصــبح واقعــا. فقــد نــددوا بأعضاء اللجنة المركزية و الإنحرافات السياسية و الأخطاء الخطيـرة التـي وقعـوا فيهـا. كمـا عبـر المـؤتمر عـن كامل ثقته في رئيسه وقدرته على حل مشاكل الحزب ، و لذلك انتخب رئيسا مدى الحياة و أعلـن عـن فصـل مجموعة من أعضاء اللجنـة المركزيـة مـن بيـنهم لحـول حسـين، و عبـد الرحمـان كيـوان، و محمـد يزيـد، و ذلـك بسبب الإنحرافات و عدم الطاعة و سوء استعمال الأموال و رفض إعادة ممتلكات الحزب، و لمــاذا انعقــد المــؤتمر ببلجيكــا؟ لأن ليــون فــيكس المكلــف بالمســائل الكولونياليــة بــإدارة الحــزب الشــيوعي الفرنسي، رفض تقديم قاعة تابعة لبلديتهم بضواحي بـاريس لإجـراء المـؤتمر. و بـذلك جـرت الأشـغال فـي جـو من التوتر و الحماس لمدة 03أيام بلا انقطاع، و مثـل قسـمات الحـزب منـدوبون كـان عـددهم أزيـد بقليـل عـن300 مندوب: من الجزائر، قسنطينة...إلـخ، أمـا الـدواوير و المنـاطق القاسـية كالأوراس و جنـوب وهـران، فقـد كانت ضعيفة التمثيل، و أرسلت فيديرالية فرنسا مندوبين إلى هرنو، و سـجل التقريـر الـذي أرسـله مصـالي إلـى المؤتمر قطيعة نهائية مـع اللجنـة المركزيـة، و تبلـور فـي التقريـر القلـق و الإسـتياء اللـذين نشـآ عنـد المناضـلين بسبب التخلي عن الخط الثوري و ، اتهم المركزيين بالمبالغة في تقيـيم الخلافـات وا تبـاع سياسـة انتخابيـة بـلا مبدأ، و تكوين نظرة خاطئة عـن التحالفـات داخـل الـبلاد و ضـعت الحـزب فـي تبعيـة للحركـات الإصـلاحية، ورفضـهم الكـلي في الإلتـزام بالكفـاح إلـى جانـب الشـعبين التونيسـي و المغربـي، كمـا اتهـم مصـالي مـن خـلال هـذا
المؤتمر  : القيادة بأنها خربت إداريا الجهاز السري و هو المنظمة الخاصة  
إن مواصلة مؤتمر هورنو و تبنيـه لبرنـامج نجـم شـمال إفريقيـا كـان يمثـل لحظـة هامـة، مـن تـاريخ الحركـة الوطنيـة ففـي الوقـت الـذي كـان فيـه مانـديس فرانسـيس يوقـع علـى اتفـاق جنيـف 20- 21 جويليـة 1954وـيستعد فيه للمفاوضة حول الاستقلال الذاتي لتونس، فإن مؤتمر هورنو أكد أن الشعب الجزائري عليه أن ينتزع استقلاله في أقرب الآجال عن طريـق الكفـاح المسـلح، المـرتبط بحركـة الجمـاهير وفـي 17أوت  1954كتـب العقيــد شــوان الــذي كــان يــرأس الاســتعلامات العامــة فــي مقدمــة النشــر السياســية المســلمة إلــى الحــاكم العــام ليونارد: إن انشقاق حركة انتصـار الحريـات الديموقراطيـة ، يبـدو نهائيـا فقـد وقـع الانفصـال بـين الكتلتـين ، و لكـل واحـدة لجنتهـا المركزيـة، وهمـا يتبـادلان التهديـد بالوصـول إلـى اسـتعمال الأيـدي. إن كتلـة مصـالي كانـت أكثر وأقرب لانشغالات المناضلين، يمكن أن تغلـب رغـم البراعـة السياسـية لأنصـار لحـول و حسـب فرحـات عبـاس فـإن سـبب النـزاع القـائم داخـل الحـزب سـنة 1954كـان نتيجـة للتبـاين فـي التفكيـر و اخـتلاف أسـاليب إدارة الحزب، فكان بين اثنين: إما التسيير الجماعي، وٕاما السلطة المطلقـة لمصـالي الحـاج، إلا أن هـذه الأزمـة  أثـارت فـي أوسـاط المناضـلين مجـادلات حـول المشـاكل السياسـية الأساسـية، وبالخصـوص حـول سـبل الكفـاح ووسائله وحول الظروف المواتيـة للخـروج مـن الكفـاح السياسـي إلـى الكفـاح المسـلح و قـد اسـتمرت هـذه الأزمـة إلى غاية نوفمبر 1954وكرست داخل الحزب ثلاث نزعات:
- نزعة أولى: وتمثلت في المناضلين المناصرين لمصالي الحاج والتي طالبت في شهر جويليـة 1954الرئاسـة الدائمة لمصالي مدى الحياة ،وتخويله جميع السلطات ويدير الحزب ويطرد من يشاء من صفوف الحزب.
- نزعة ثانية: تضم أنصار اللجنة المركزية، التي قررت أثناء اجتماع عـام انعقـد فـي شـهر أوت ، 1954تعزيـزمبدأ التسيير الجماعي كما قررت نزع جميع السلطات من أيدي مصالي الحاج.

         - نزعــة ثالثــة: التفـت حــول لجنــة تســمى اللجنــة الثوريــة للوحــدة والعمــل ضــمت إطــارات المنظمــة السياســية والمنظمة الخاصة، و كما يقول فرحات عباس قـد أتـى داء النـزاع بدوائـه، وسـتظهر الأيـام بـأن ذلـك الـدواء كـان من أنجع الأدوية وأنفعها.

3- نتائج أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية :

من أهم نتائج أزمة حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية

 تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل: منظمة جزائرية تأسست يوم 23 مارس 1954 بمبادرة من أعضاء المنظمة الخاصة والمركزيين وتولى رئاستها محمد بوضياف ومن أهدافها:
*
العمل على وحدة الحزب والمحافظة على مبادئه الثورية.
*
العمل على تجميع إطارات المنظمة الخاصة وإقناعهم بالعمل المسلح.
*
الاتصال بقواعد الحركة وإقناعهم بالتزام الحياد أثناء الصراع رغم فشلها في مسعاها التوفيقي بين المصالين والمركزيين، إلا أنها نجحت في تبليغ نداء العمل المسلح، حيث دعت لاجتماع ال22 الذي كان في 23 جوان 1954 في أعالي مدينة الجزائر، برئاسة بن بولعيد في منزل الياس دريش بالمدنية، وانبثق عنه تكوين مجلس الثورة ثم التحق بهم محمد بوضياف.
- اجتماع نهاية الشهر الثامن وبداية الشهر التاسع  من سنة  1954 طرحت فيه مشاكل التمثيل السياسي للثورة وتعيين أعضاء الوفد الخارجي.
*
اجتماع 23 أكتوبر 1954 تم فيه فصل الأمور السابقة.
*
إنشاء جبهة التحرير الوطني
*
تقسيم البلاد إلى 5 مناطق،وإعداد بيان أول نوفمبر 1954 وتحديد الفاتح من نوفمبر لتفجير الثورة
*
تقسيم البلاد:تم تقسيم البلاد إلى 5 مناطق :
-
المنطقة الأولى : الأوراس : تحت قيادة مصطفى بن بولعيد.
-
المنطقة الثانية : الشمال القسنطيني : تحت قيادة ديدوش مراد.
-
المنطقة الثالثة : القبائل : تحت قيادة كريم بلقاسم وعمار أوعمران.
-
المنطقة الرابعة : الجزائر العاصمة وما جاورها : تحت قيادة رابح بيطاط.
-
المنطقة الخامسة : وهران : تحت قيادة العربي بن مهيدي.
وتم تكليف محمد بوضياف بالتنسيق بين المناطق.
الأهداف والأدوار:الهدف الرئيسي للمنظمة هو اشعال فتيل الثورة التحريرية، والتي برمجت أواخر سنة 1954. في 10 أكتوبر، حملت اللجنة الثورية اسم جبهة التحرير الوطني.



       المحور السابع : ثورة التحرير 1954 – 1962.

ظروف وأسباب قيام الثورة داخلية وخارجية : 

    كانت ثورة نوفمبر 1954 تتويجا للحركات المناهضة للمستعمر منذ وطأت أقدامه أرض الجزائر في 1830 ، وقد توفرت بعد الحرب العالمية الثانية ظروف وعوامل عجلت بقيام الثورة في مقدمتها أحداث 08 ماي 1945 ، التي ذهب ضحيتها 45 ألف شهيد من أبناء الجزائر العزل، والتي عملت بدورها على تنشيط الحركة الوطنية ولا سيما المناضلين الشباب في حزب الشعب الجزائري المحل منذ أكتوبر 1939 ،أولئك الذين عمدوا إلى تشكيل التنظيمات السرية حتى انتهت بميلاد جبهة التحرير الوطني واندلاع ثورة  نوفمبر  1954. 

الظروف والأسباب الداخلية : 

  • الوجود الاستعماري وفقدان السيادة الوطنية، وما ترتب عنهما من ضياع كافة الحقوق السياسية.
  • محاولات القضاء على مقومات الشخصية الجزائرية، كالدين الإسلامي واللغة العربية ، حتى لقد اعتبرت اللغة العربية لغة أجنبية، وبلغت نسبة الأمية 86%.
  • نهب الموارد الطبيعية، ومصادرة الأراضي الزراعية لصالح المعمرين ،فانتزعت بذلك مصادر رزق الجزائريين.
  • تدهور الدخل ومستويات المعيشة للجزائريين ، وانتشار الأمراض نتيجة سوء التغذية، وانعدام الرعاية الصحية.
  • انتشار البطالة التي مست معظم الجزائريين خاصة في الأرياف.
  • التوزيع غير العادل لمختلف المنشآت الاجتماعية والوحدات الصناعية، حيث نجد أن 51 % من هذه الوحدات متمركزة في الجزائر الوسطى و 25 % في المنطقة الشرقية و 20 % في المنطقة الغربية ومعظمها أقيمت في المناطق التي يسكنها المستوطنون الأوربيون.
  • تبلور الوعي الوطني والسياسي  و تجذره منذ مجازر 08 ماي 1945 م. 

إضافة إلى أزمة حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية MTLD

الظروف الدولية التي ساعدت على اندلاع الثورة 

  • انتشار المد الثوري التحرري، لاسيما في شمال إفريقيا و الهند الصينية ممثلا في استقلال مصر(الثورة المصرية ) سنة 1952 م، وتصاعد قوة الحركة الوطنية في كل من المغرب وتونس و انتصار شعب الفيتنام على فرنسا في معركة ديان بيان فو بقيادة الجنرال جياب سنة 1954 م.
  •  تراجع مكانة فرنسا الدولية وقوتها العسكرية.
  •  وجود قادة من الشباب الجزائري الذي قاتل أثناء الحرب العالمية الثانية وفي الهند الصينية واكتسب خبرة شجعته على السير في طريق الثورة. 

موعد انطلاق الثورة التحريرية :

اختير يوم الاثنين على الساعة صفر من أول نوفمبر 1954 لتفجير الثورة للأسباب التالية:

- لأنه عيد القديسين،حيث يمارس فيه المسيحيون الطقوس الدينية، و تسلم رخص للجنود و الشرطة ورجال الدرك للاحتفال به.

- يعد يوم تفاؤل وتيمن، بالنسبة للمسلمين لأنه يناسب يوم الاثنين، اليوم الذي ولد فيه الرسول عليه الصلاة و السلام سنة 571 م 

اهداف الثورة التحريرية:

-       الاستقلال الوطني بواسطة إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية.

-       - احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.

مراحل الثورة التحريرية :

مرت الثورة التحريرية بثلاث مراحل هي :

أ- مرحلة الانطلاق (1954 - 1956)

في ليلة الواحد من نوفمبر 1954 م انطلقت الثورة في مختلف جهات الوطن. وفي نفس الوقت مستهدفة مراكز الشرطة وأماكن تواجد القوات و المصالح الاستعمارية ، تتراوح تقديرات المراجع لها مابين 30 الى 70 هجوما، وقد تميزت هذه الانطلاقة بما يلي:

الوحدة الزمنية:انطلاق الثورة في كامل التراب الوطني حتى تعرف فرنسا والعالم بان العملية ليست عملية عشوائية ، بل منظمة ووطنية.

الشمولية: أي أنها لم تقتصر على منطقة دون أخرى من الوطن بل شملت معظم جهات الوطن كما يظهر ذلك من خلال الرسم التوضيحي أدناه.

 

المزج بين الكفاح المسلح و السياسي: إذ ما انطلقت الثورة حتى نشر بيان أول نوفمبر، الذي حدد و ضبط سير الثورة ومبادئها حيث وزع في الداخل وأذيع من إذاعة القاهرة، معلنا ميلاد الثورة وموضحا أسبابها وأهدافها. واصدر جيش التحرير الوطني (الذراع المسلح للجبهة) بيانا يدعو فيه الجزائريين إلى الالتحاق بالثورة.

 

 

المشاكل التي واجهت الثورة في شهورها الأولى هي:

  • ندرة السلاح.
  • انحصار مجال الجهاد أساسا في الاوراس الذي حشد الاستعمار قوات كبيرة لحصاره وتصفية المجاهدين فيه ولمواجهة هذا التحدي قررت قيادة الثورة الشروع في هجوم كبير في منطقة الشمال القسنطيني قاده البطل زيغوت يوسف من 20 إلى 27 أوت 1955 م.
  • الدعاية المغرضة للمستعمر.
  • تردد الشعب الجزائري في احتضان الثورة.

ب- مرحلة التطور العسكري : 

بدأت الثورة بما يتراوح بين 2000 و 3000 مجاهد وانتشر مسؤولوها عبر الوطن يشرحون للشعب قضيتها. فبدأ المتطوعون يلتحقون بالجبال ألوفا مع أسلحتهم التي كانت في الغالب بنادق صيد قديمة. وانضم إلى الثورة العسكريون القدامى والمجندون في الجيش الفرنسي بعدما هربوا بأسلحتهم وذخائرهم. والتحق بها أيضا جمع من الإطارات كالأطباء والأساتذة والمحامين فضلا عن التجار والفلاحين والنساء والأطفال ،حتى ارتفع عدد المجاهدين في آخر هذه المرحلة إلى 40000 مجاهد، والملاحظ هو أن الثورة عند اندلاعها وبفعل السرية التامة التي التزم بها القادة جعلت الكثير يترددون في اتخاذ الموقف منها بفعل الدعاية المغرضة للمستعمر الذي كان يصف الثورة بكل الأوصاف المشينة، لكن بمجرد اطلاعهم على أهدافها الحقيقية سارعوا إلى الإلتحاق بها لدرجة أن قادة جيش التحرير الوطني وجدوا صعوبة في تأطير هذا العدد الكبير من المتطوعين الذي أكد مقولة العربي بن مهيدي " القوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"ردا على بعض المترددين من أن الثورة لن تجد تجاوبا من الشعب الجزائري،وقد واجهت الثورة عند اندلاعها مشاكل خطيرة إلا أن إرادة الشعب الجزائري وتصميمه على انتزاع حريته مكنه من تجاوز هذه المشاكل. 

 هجومات  20 اوت 1955 (هجومات الشمال القسنطيني )

لم تكن الهجومات على الشمال القسنطيني عملا ارتجاليا بل تم التحضير لها وتحديد تاريخها والإتفاق على طريقة تنفيذها والأهداف المتوخاة من ورائها وعقد لهذا الغرض أول اجتماع دعي إليه المجاهد زيغود يوسف في الفترة ما بين 25 جوان و أول جويلية 1955 في ضواحي " الرمان" المسمى بالحدائق بسكيكدة وحضره مائة من المجاهدين أعضاء المنطقة الثانية منهم:الأخضر بن طوبال، مصطفى عمار بن عودة، علي كافي ،محمد الصالح ميهوب وبوضربة عمار أما فيما يخص تسيير العمليات فقد اتفق أن تستمر ثلاثة أيام.
في اليوم الأول: 20 اوت 1955 يكون الهجوم على المدن جيشا وشعبا.
في اليوم الثاني: 21 اوت 1955 يأتي الاستعمار لحماية المدن وتدعيم المراكز العسكرية فالتصدي له يكون عن طريق الكمائن في كل الطرقات لضربه وحماية مراكز جيش التحرير بالإضافة إلى كسب السلاح من عمليات تلك الكمائن.

 في اليوم الثالث: 22 أوت 1955 تنفيذ حكم الإعدام على كل الخونة في المدن. وتم كذلك في هذا الاجتماع تحديد أماكن وأهداف العمليات فاختير 40 هدفا، في المدن والقرى قام جيش التحرير الوطني بمساندة الشعب بعدة عمليات ناجحة في الشمال القسنطيني خلال الفترة الممتدة بين 20 إلى 27 أوت 1955 بقيادة زيغود يوسف، واستهدفت الثكنات العسكرية ومراكز الشرطة و الدرك والمعمرين و المصالح الاقتصادية الفرنسية.

 

أهداف هجومات 20 أوت 1955 م:

أ - الأهداف الداخلية

- فك الحصار العسكري المضروب على بعض المناطق خاصة المنطقة الأولى (منطقةالأوراس).

- تحطيم أسطورة الجيش الفرنسي الذي لايقهر.
- ترسيخ الثقة في نفوس المجاهدين و الشعب .
- تنشيط عمل جيش التحرير الوطني. البطل الشهيد زيغوت يوسف
- تفنيد الدعاية الكاذبة التي بثتها فرنسا في أوساط الشعب الجزائري على أنها تمكنت من القضاء على الثورة.
- توسيع العمليات العسكرية لتشتيت صفوف العدو وتوسيع نطاق الثورة.

ب- الأهداف الخارجية


- تأكيد التضامن الفعال مع الشعب المغربي الشقيق إذ أنها جاءت في الذكرى الثانية لنفي السلطان محمد الخامس إلى جزيرة مدغشقر.
- لفت أنظار العالم قبل انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخاصة أن الكتلة الأسيوية الإفريقية في مؤتمر باندونغ قررت لأول مرة عرض القضية الجزائرية على الأمم المتحدة وفكرت القيادة في الداخل بأن تقوم بعمل عسكري لأن العمل الداخلي يكون سندا للممثلين في الخارج.
- إشعار العالم بقوة الثورة .
- إقناع الرأي العام الفرنسي، والرأي العام العالمي بان الشعب الجزائري قد تبنى ودعم جبهة التحرير
الوطني وهو مستعد لتحرير البلاد مهما كان الثمن والتضحيات.
- دحض الدعاية الإستعمارية الكاذبة من أن فرنسا تتحكم في الوضع.
- كسب الدعم الدبلوماسي والعسكري للثورة.

نتائج هجومات 20 أوت 1955 

رغم ما ترتب عن تلك الهجومات من مجازر نظمها المستعمر كما أكدها أحد جلادي الإستعمار آنذاك (أوساريس) ومضاعفة عدد عناصر العدو إلى أكثر من 400 ألف عسكري تم استقدامهم بعد انسحاب المستعمر من فيتنام بعد اتفاقيات جنيف إلا ان هذه الهجومات كانت لها نتائج إيجابية على مستقبل الثورة أهمها ما يلي:
أ- حققت الأهداف المرسومة لها عسكريا، سياسيا و إعلاميا.
ب- خففت الحصار المضروب على منطقة الاوراس .
ج- ازداد تلاحم الشعب بالمجاهدين.
د- غيرت نظرة الفرنسيين للمجاهدين، فبعد أن كانوا ينعتونهم ب "الفلاقة" و"قطاع الطرق" و "الخارجين عنالقانون" أصبحوا يسمونهم ثوارا.
ه - بعثت النشاط في العمل المسلح.
و– كسب المزيد من الدعم من الدول الصديقة والشقيقة.
ن- عملت على رفع صوت الثورة عاليا، وأشعرت العالم أن ما يجري في الجزائر هو ثورة حقيقية.  ونوقشت القضية الجزائرية في المحافل الدولية
.

موقف السلطات الفرنسية من هذه الهجمات 

كان رد العدو وحشيا إذ قام بحملة قمع و تنكيل واسعة ضد السكان أدت إلى استشهاد أكثر من عشرين ألف جزائري منهم 1500 في مدينة سكيكدة لوحدها. 

صمود الثورة واستمرارها 

رغم مضاعفة العدو لقواته وتصعيده حملات بطشه، فقد تواصل الكفاح وانتصرت الثورة في مواجهات كثيرة كمعركة الجرف في ابريل 1956 حينما نصب المجاهدون في جبال النمامشة كمينا لقوات فرنسية كبيرة، قتلوا فيه 374 عسكريا و جرحوا المئات كما أسقطوا 6 طائرات عمودية، وطائرة مطاردة مقابل 8 شهداء . ونفذت الثورة عملية بالسترو (الاخضرية) يوم 18 ماي 1956 م قتل فيها 19 فرنسيا، وأحبطت عملية " الطائر الأزرق" التي انتهت بالتحاق 400 مسلح جزائري بالجهاد عشية مؤتمر الصومام بعد قتلهم ل 500 عسكري فرنسي وعميل.

التطور السياسي بعد أحداث 20 أوت 1955

 عجزت حكومة منديس فرانس على القضاء على الثورة رغم وعودها المؤكدة بتحقيق ذلك، فسقطت في 4 فبراير 1955 م بعدما عينت المجرم "جاك سوستيل" حاكما عاما جديدا على الجزائر في 26 جانفي 1955 م وخلفتها حكومة ادغارفور التي أعلنت حالةالطوارئ في البلاد، واستقدمت قوات إضافية.  ولكن امتداد لهيب الثورة مع أواخر 1955 وبداية 1956 أفقدحكومة فور ثقة الناخب الفرنسي، فسقطت لتحل محلها في جانفي 1956 م حكومة "غي موليه" الاشتراكي الذي أخذ في البحث عن الصيغة الملائمة لتنفيذ ما وعد به ناخبيه (العمل على استتباب السلم في الجزائر).

فعين في 6 فيفري 1956 المجرم "روبير لاكوست" وزيرا مقيما في الجزائر، وأعطى للإدارة الفرنسية في الجزائر سلطات خاصة، وعزز القوات المتواجدة بها حتى وصل عدد أفراد القوات الفرنسية في بلادنا إلى 400000 عسكري زيادة على ميليشيات المعمرين، وأمر سوستيل بشن حملات عسكرية كبيرة على الاوراس وبلاد القبائل.

ورغم هذه الإجراءات الشديدة، لم يتوان الشعب عن الالتفاف حول الثورة فانضم كثير من مناضلي الحركات الأخرى إليها. فالتحق فرحات عباس بجبهة التحرير الوطني بالقاهرة يوم 22 افريل 1956 م، كما انضمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و تأسس الاتحاد العام للعمال الجزائريين في 24 فبراير 1956 وتتالت استقالات الموظفين والنواب الجزائريين في المجالس المختلفة، مما أجبر السلطات الفرنسية على حل "المجلس الجزائري" في 12 أفريل 1956 . وتتابعت المكاسب في نفس السنة بإضراب الطلبة في 19 ماي 1956 وإنشاء اتحاد الطلبة المسلمين في 02 جويلية والإضراب الوطني في نفس الشهر و تأسيس اتحاد التجار والحرفيين في سبتمبر.

مرحلة التنظيم و الشمول ( 1956 م- 1958 م):

من أهم الأحداث التاريخية في هذه المرحلة هو انعقاد مؤتمر الصومام .
مؤتمر الصومام ونتائجه :

 

هو أول مؤتمر لجبهة التحرير الوطني ، انعقد بالقرب من آقبو (بجاية) بوادي الصومام في 20 أوت 1956 م في الذكرى الأولى لهجوم الشمال القسنطيني، وفي منطقة زعم الاستعمار السيطرة عليها.
الهدف من انعقاد مؤتمر الصومام هو دراسة أوضاع الثورة بعد مرور عامين على اندلاعها، وتطوير أجهزتها السياسية والعسكرية وبلورة إيديولوجيتها. وقد تولى رئاسة أشغال المؤتمر كل من العربي بن مهيدي وعبان رمضان . 

أهم التنظيمات والأجهزة التي انبثقت عن المؤتمر

 تمخض عن مؤتمر الصومام عدة قرارات تنظيمية في المجالين السياسي والعسكري.

أ-التنظيمات السياسية:

المجلس الوطني للثورة الجزائرية CNRA

يعد الهيئة العليا للثورة وهو بمثابة برلمان الثورة ، تمثلت فيه كافة التيارات باستثناء الشيوعيين وضم 30 عضوا نصفهم دائم و هم:
آيت احمد الحسين، فرحات عباس، أحمد بن بلة، عبان رمضان، مصطفى بن بولعيد، يوسف بن خدة، العربي بن مهيدي، رابح بيطاط، محمد بوضياف، سعد دحلب، محمد خيضر، كريم بلقاسم، احمد توفيق المدني، زيغوت يوسف، محمد الامين دباغين، و 15 عضوا مساعدا وهم : عبد الحميد مهري، بومدين، محمد بن يحي، عمارة العسكري، بن عودة ،بن طوبال، بوصوف، محمد الشريف، سليمان دهيليس، أحمد فرنسيس، العموري، احمد محساس، علي ملاح، ابراهيم مزهودي والطيب الثعالبي)

وكان المجلس يعقد اجتماعه في الخارج، فجرت دورته الأولى عام 1957 م في القاهرة والثانية بين ديسمبر1959 وجانفي 1960 في طرابلس والثالثة خلال فيفري 1962 بتونس.وتتمثل مهام المجلس في:
- توجيه سياسة جبهة التحرير الداخلية و الخارجية.
- هو الهيئة الوحيدة التي لها الحق في أن تتخذ ما تشاء من القرارات الحاسمة التي تتعلق بمستقبل البلاد.
- هو صاحب الحق في إصدار الأمر بوقف إطلاق النار أو مواصلة الحرب.
لجنة التنسيق والتنفيذ
CCE  : تمثل السلطة التنفيذية للثورة، تتكون من 5 أعضاء وهم في البداية: العربي بن مهيدي –يوسف بن خدة – كريم بلقاسم – عبان رمضان – سعد دحلب ، كان على رأسها العربي بن مهيدي وهي مسؤولة أمام المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وتتمثل مهامها فيما يلي :
- تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس الوطني للثورة الجزائرية وهي مسؤولة أمامه.
- التنسيق بين الولايات، والتنسيق بين الداخل والخارج،مارست نشاطها في البداية على ارض الوطن، ثم اضطرت في جويلية 1957 م إلى النزوح للخارج بعد استشهاد العربي بن مهيدي واعتقال قادة الخارج في 22 اكتوبر 1956 م.

ب -التنظيمات العسكرية :

تمثلت التنظيمات العسكرية فيما يلي :
 تأسيس ست ( 06 ) ولايات حربية: تقسيم التراب الوطني إلى ست ( 06 ) ولايات عسكرية
وهي نفس تقسيمات التراب الوطني أثناء انطلاق الثورة باضافة الولاية السادسة والتي كانت أثناء الانطلاق تابعة للمنطقة الأولى وتغيير اسم منطقة إلى ولاية  على راس كل ولاية عقيد له أربعة نواب برتبة رائد وتنقسم كل ولاية إلى مناطق وكل منطقة إلى نواحي وكل ناحية إلى أقسام ودوائر.


تنظيم جيش التحرير الوطني :
إنشاء هيئة أركان له، ومجموعة مصالح عسكرية مختصة بالشؤون الحربية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وقسم الجيش كما يلي :


-1 المجاهدون : يمارسون العمل الحربي بالزي العسكري .
-2 المسبلون والفدائيون : يمارسون العمل الحربي بالزى المدني، ومهامهم تتمثل في تنظيم العمليات الفدائية و تزويد الجيش بالمعلومات والأخبار ومختلف الخدمات


تنظيم الجيش في وحدات وهي :
- نصف الفوج : 5 جنود. - الفوج: 11 جنديا - الفرقة : 35 جنديا - الكتيبة: 110 جنديا - الفيلق: 350 جنديا.

نتائج مؤتمر الصومام

مكن الثورة من وضع جهاز تنظيمي شامل سياسيا وعسكريا.
 بلور المسار الثوري لدى الرأي العام الداخلي والخارجي.
 أعطى دفعا قويا مجددا للثورة.
شكل لنتصارا سياسيا حاسما.
مكن م
ن سد الثغرات التي عانتها الثورة منذ اندلاعها.

تطور الثورة من 1956 - 1958 

ازدادت بفعل مؤتمر الصومام الثورة تماسكا و تنظيما و امتدت لتشمل سائر مناطق البلاد بما فيها الصحراء. وعمد جيش التحرير إلى تشجيع الفلاحين على زيادة إنتاجهم لسد حاجة الثورة، كما عمل على فتح المدارس وإقامة المشافي وتقديم العون للاجئين والمنكوبين .
وكان تركيز الثورة في هذه المرحلة منصبا على أربعة جبهات هي :

 

أ- مواصلة الجهاد على الجبهة التقليدية فحقق المجاهدون سلسلة انتصارات في معارك نذكر منها معركة ( جبل العمور(أكتوبر 1956 ) والقل (ماي 1957 ) وبوزقزة (اوت 1957 ) وتيغرين-آقبو (أكتوبر 1957 وتيميمون (نوفمبر 1957 ) وجبل الخيفة (مارس 1958 ) وعنابة ( 1958 ) التي واجه فيها 60 مجاهدا آلاف العسكريين الفرنسيين قتلوا منهم عدة مئات وأسقطوا 03 طائرات مقابل 33 شهيدا، هذا وقامت فرنسا في 22 أكتوبر 1956 م بتحويل طائرة الخطوط الجوية المغربية التي كانت في رحلة من المغرب إلى تونس واختطفت من كان على متنها من قادة الثورة وهم : بن بلة وآيت احمد وبوضياف وخيضر، ظنا منها أنها بقرصنتها هذه تستطيع أن تقضي على الثورة لكن ذلك لم يؤثر أبدا في مسيرة الثورة التي ظهر طابعها الشعبي جليا وكان في مقدورها أن تنجب الآلاف من القادة بفعل تصميم الشعب الجزائري على الحرية والإستقلال، ورد المغاربة على ذلك بقتل عدد من الفرنسيين في مدينة مكناس، ومحاولة من فرنسا ضرب الخطوط الخلفية للثورة قامت في 08 فيفري 1958 م بغارات عدوانية على ساقية سيدي يوسف الواقعة على الحدود التونسية ، فأوقعت أكثر من 100 قتيل من المدنيين العزل وذلك بحجة الرد على إطلاق نار مزعوم على طائرتها .

ب -استخدام العاصمة ميدانا للتحرك الثوري بمضاعفة الأعمال الفدائية فيها، وبلغت ذروتها خلال الشهور السبعة الأولى من عام 1957 م وفي خضمها اعتقل وأعدم الشهيد العربي بن مهيدي في مارس 1957 م .
ج- إبراز الكيان السياسي للثورة على المسرح الدولي للحصول على مكانة تليق بدولة وتمكنت الثورة من إيصال صوتها وقضيتها إلى أحرار العالم والى المحافل الدولية، فتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية عشر في 17 فيفري 1957 م والثانية عشر في 13 ديسمبر 1957 م توصيات بالبحث عن حل سلمي و ديمقراطي وعادل للقضية الجزائرية.

وشاركت جبهة التحرير الوطني في مؤتمر طنجة بالمغرب الأقصى من 27 إلى 3 افريل 1958 م إلى جانب حزب الاستقلال (المغرب) والحزب الدستوري (تونس) وحازت على تأييد المؤتمرين لمبدأ تشكيل حكومة جزائرية مؤقتة .
د- العمل السياسي في داخل فرنسا لاستقطاب جاليتنا هناك و كسب تعاطف الجهات التقدمية الفرنسية.

مرحلة حرب الإبادة  (1958 - 1960)

بمرور الزمن تكرس عجز المستعمر عن تصفية الثورة الجزائرية، وشرعت الأطراف الفرنسية المختلفة ( الجيش – الحكومة – المعمرون – الأحزاب ...) تحمل بعضها بعضا مسؤولية ذلك الإخفاق وفي 13 ماي 1958 م قاد الجنرالان صالان وماسو حركة انقلاب عسكري على حكومة فرنسا وطالبا بتسليم السلطة إلى ديغول . فقام البرلمان الفرنسي باستدعاء الجنرال المتقاعد و قلده السلطة في 01 جوان 1958 م واشترط ديغول القيام بتعديلات دستورية هامة تخول رئيس الجمهورية سلطات واسعة فانهارت بذلك الجمهورية الرابعة وقامت الجمهورية الخامسة. 

سياسة ديغول اتجاه الثورة

 ظن ديغول أنه باستطاعته حل المسالة الجزائرية بتسوية سياسة تكرس شعار "الجزائر فرنسية " ولاتراعي مطالب الجزائريين بالاستقلال. وعمد لتحقيق ذلك بإنتهاج وسيلة الضغط العسكري الشديد للقضاء على الثورة، وقد مرت سياسة ديغول اتجاه الثورة بمرحلتين هما :

مرحلة المفاوضات  " من 1958 إلى مطلع 1961

تركزت حول محورين أولهما أساسي والآخر ثانوي أو مكمل وهما :
محور حرب الإبادة : عمد ديغول إلى تعيين الجنرال شال في 12 ديسمبر 1958 م رئيسا للأركان خلفا لصالان، والى تصعيد الإجراءات العسكرية ضد الشعب الجزائري وثورته مستعملا أساليب جهنمية جديدة تتناسب واستراتيجية السياسة العسكرية وقد تمثلت فيما يلي


أ - وضع وتطبيق مخطط شال المتضمن القيام بعمليات واسعة تشارك فيها قوات كبيرة ضد مناطق مختارة، تمشط و تدمر بنيتها التحتية، ثم تشق فيها الطرق وتقام التحصينات لوضعها تحت الرقابة التامة وهكذا عرفت هذه المرحلة عمليات إبادة وحشية نذكر منها:
- عملية الشرارة في جبال الحضنة في جويلية 1959 م.
- عملية المنظار في جرجرة من جويلية إلى نوفمبر 1959 م.
- عملية الأحجار الكريمة في الشمال القسنطيني في جويلية 1959 م.
- عملية ماراتون في شهر افريل 1960 ضد الأراضي التونسية بحجة ضرب وحدات جيش التحرير.
- عملية المحس في جبال الضاية من افريل إلى ماي 1960 م.
- عملية بروميثيوس في الجنوب الوهراني من ماي إلى سبتمبر 1960 م.

- عملية الزير في الونشريس من جويلية إلى أوت 1960 م.

ب- مواصلة تطويق الحدود الجزائرية مع تونس والمغرب بأسلاك شائكة مكهربة، إذ أقيم على حدودنا الشرقية "خط شال" بموازاة "خط موريس".

ج– تشديد المراقبة والقمع في المدن، وإدخال أجهزة التعذيب المتطورة، وتخصيص فرق من المظليين للسيطرة على العاصمة .
د – التوسع في إنشاء المناطق المحرمة في الأرياف، وإجبار السكان على الإقامة في المحتشدات حتى بلغ عددهم عام 1960 م 2.5 مليون وتصعيد الحرب النفسية عليهم.
ه- العمل على زرع أعداد كبيرة من الخونة في صفوف الثورة.
و- إجراءات أخرى كتسميم المياه، ومحاولات تزويد المجاهدين بوسائل خبيثة كذخائر متفجرة لقتلهم ، وقد وقعت في هذه المرحلة عدة معارك أهمها معركة اكفادو (15-17 أكتوبر 1958) ومعركة البرواقية (03 جانفي 1959 ) و جبل مزي ( 06 ماي 1960 ) وفيها أيضا استشهد عميروش والحواس ( 28 مارس 1959 ) وقامت فرنسا بتفجير قنبلتها الذرية الأولى في رقان ( 13 فيفري 1960)

محور الإغراءات والمناورات : وتجلى ذلك فيما يلي :

أ- محاولة إنشاء قوة ثالثة : حاولت فرنسا إنشاء قوة من الشخصيات التقليدية والمعادية للثورة لتكون منافسا لجبهة التحرير الوطني في تمثيل الشعب الجزائري.

ب مشروع قسنطينة : عرض ديغول أثناء زيارته الثانية للجزائر (2-5 اكتوبر 1958) بهدف امتصاص نقمة الجزائريين وتصوير الثورة على أنها قامت لأسباب مادية، وأن توفير الشغل وبعث مشاريع اقتصادية واجتماعية قد تدفع الجزائريين إلى التخلي عن الثورة،وقد تضمن المشروع توفير الشغل ل 115 ألف جزائري، وإقامة 200 ألف سكن ومشاريع اقتصادية واجتماعية، وبيع الأراضي للجزائريين بالتقسيط وذلك خلال خمس  سنوات  (1959 - 1963)
ج- عرض سلم الشجعان: كان ذلك في 23 أكتوبر 1958 م، ونص على تسليم المجاهدين أسلحتهم مقابل العفو عنهم، والإعتراف بالشخصية الجزائرية.
د- مشروع حق تقرير المصير والدولة الجزائرية: اقترح ديغول في 16 ديسمبر 1959 م هذا المشروع الذي يتضمن الإختيار بين جمهورية جزائرية متحدة مع فرنسا، أو جمهورية منفصلة، مع تقسيم شمال الجزائر إلى منطقتين إحداهما خاصة بالمستوطنين (وتشمل المناطق الغنية) والثانية خاصة بالمسلمين ، أما الصحراء فتظل تابعة لفرنسا.

           رغم ما ترتب عن سياسة ديغول العسكرية من ضحايا وتخريب إلا أن الثورة صمدت وواجه الجزائريون خطة شال الجهنمية بصبر وإيمان فالجرائم المرتكبة لم تضعف إرادة الثورة، بل ضاعفت تكلفة الحرب بالنسبة لفرنسا وأمام هذا الموقف بدا القلق يستبد بالرأي العام الفرنسي الذي لم يعد يحتمل مزيدا من التضحيات، كما أن المتطرفين الفرنسيين(خاصة العسكريون والمعمرون) لم يخفوا تذمرهم من سياسة ديغول، وأضحت فرنسا منقسمة تجاه الجزائر والجمهورية الخامسة مهددة بالسقوط، خاصة حينما تمرد المعمرون وقطاع من الجيش الفرنسي في الجزائر بقيادة "ماسو" في 24 جانفي 1960 م بسبب اعتراف
ديغول بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير، وقد رد ديغول بعزل " ماسو" والتصدي لحركة التمرد فقتل 25 أوربيا.

وبفعل تلك التطورات وكذا تزايد التأييد الدولي للثورة على حساب الموقف الفرنسي ،و تدهور علاقات باريس مع العالم العربي ثم خروج مظاهرات 11 ديسمبر 1960 رضخ ديغول نهائيا إلى التفاوض وتقديم التنازلات ، فبدأت المرحلة الرابعة من عمر الثورة وهي مرحلة المفاوضات والإستقلال .

موقف الثورة من سياسة ديغول

ردت الثورة على سياسة ديغول بما يلي :

- مجابهة خطة شال بتصغير الوحدات العسكرية، واعتماد حرب الكمائن والإكثار من العمليات الفدائية .
- شن حملة على خط موريس منذ 1958 م ثم على خط شال فيما بعد لمنع فرنسا من خنق الثورة ، وذلك رغم الخسائر التي كلفتها الحملة، وفي هذا الإطار جاءت معركة " عين الزانة" (شمالي سوق اهراس) من 02 إلى 14 جويلية 1959 م.
- الشروع في العمل المسلح داخل فرنسا نفسها .
- الإعلان من القاهرة يوم 19 سبتمبر 1958 عن تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ، لتكون الممثل الشرعي للشعب الجزائري، والناطق الرسمي باسمه وقائدة للثورة سياسيا وعسكريا، وقد كان رئيسها الأول " فرحات عباس " وكان في عضويتها :

 كريم بلقاسم (نائبا للرئيس ووزيرا للقوات المسلحة)، بن بلة (نائبا ثانيا للرئيس) آيت احمد، رابح بيطاط، بوضياف، خيضر (وزراء دولة) محمد الأمين دباغين (وزيرا للشؤون الخارجية) محمد الشريف (شؤون السلاح والتموين ) بن طوبال (الداخلية)، بوصوف (الاتصالات العامة والمخابرات)، أحمد فرنسيس (الشؤون الاقتصادية والمالية)، توفيق المدني (الثقافة) بن خدة (الشؤون الاجتماعية)
محمد يزيد (الأخبار) مهري(شؤون المغرب العربي)، مصطفى اسطمبولي، الأمين خان، عمر الصديق (كتابا للدولة )، بالإضافة إلى هيئة أركان الحرب. ولجنة وزارية للدفاع.
- إعلان الحكومة المؤقتة منذ نوفمبر 1959 م موافقتها على التفاوض مع فرنسا شريطة الإعتراف بالشخصية الجزائرية.، والحفاظ على وحدة الجزائر الترابية بما فيها الصحراء وبهذا الخصوص جاءت مظاهرات 11 ديسمبر
1960 تحت شعار الجزائر المستقلة الموحدة.

 

      لم  تغفل الجزائر عن إيجاد الإطار الملائم لفتح باب التفاوض التزاما بما تضمنه بيان 1نوفمبر 1954، و في هذا الإطار الذي رسمه البيان ، حرصت جبهة التحرير الوطني على إبقاء باب الاتصالات مفتوحاً وممكناً واستجابت لجميعها بما في ذلك الاتصالات السرية - على الرغم من سوء نية الطرف الفرنسي ، الذي وجد فيها مجالاً لجس النبض،و التنقيب عن مكامن الضعف وايجاد أساليب لضرب الثورة في الداخل والخارج . على أن سلسلة الاتصالات تواصلت و تكررت في فترات متقطعة ما بين سنوات 1956 - 1959 دون أن تحقق نجاحاً يذكر، ومَردُّ ذلك عدم جدية الطرف الفرنسي ، الذي كان يفضل إدراج الاتصالات ضمن استراتيجية الحلّ الأمني العسكري . مما جعلها لا تعدو سوى مناورات سياسية ترمي إلى مساومة قادة الثورة ، وحملهم على قبول فكرة إيقاف القتال أولاً ،وبعدها إجراء انتخابات ينبثق عنها ممثلون للتفاوض مع فرنسا. ومن جانب آخر أكدت الثورة الجزائرية بما لا يدع مجالاً للشك صمودها من خلال انتصاراتها العسكرية على الجيش الاستعماري، ونجاحها في إخراج القضية الجزائرية إلى حيّز أوسع من الحدود الوطنية والإقليمية وفرضها في المحافل الدولية، ، كما فضحت مناورات ديغول بكافة أشكالها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية والمخططات العسكرية مثل سلم الشجعان ، مشروع قسنطينة،و خطي شال وموريس  لتقوية الأسلاك المكهربة على الحدود و الاستعانة بقوات من حلف الأطلسي.

 المفاوضات الرسمية:
   في ظل الظروف الأنفة الذكر ، ازداد الوضع السياسي والاقتصادي في فرنسا تأزماً بحيث لم يبق لديغول من مجال لقلب الهزيمة العسكرية إلى انتصار سياسي سوى الدعوة للشروع في مفاوضات مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ، وقد دعا بشكل رسمي وعلني عبر الخطاب الذي ألقاه يوم 14 جوان 1960 إلى الجلوس حول طاولة التفاوض.

-
محادثات مولان  25 جوان 1960:  
    وبناءً على ذلك كلفت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية السيدين محمد الصديق بن يحي و أحمد بومنجل لاجراء محادثات في 25 جوان 1960 بمدينة مولان الفرنسية مع الطرف الفرنسي .
استمرت هذه المحادثات إلى غاية 29 جوان من نفس الشهر غير أنها باءت بالفشل بعد أن تأكدت نوايا فرنسا السيئة والخلافات الواضحة بين الطرفين حول العديد من القضايا التي أراد فيها الفرنسيون إملاء شروطهم سعيا للتعجيل بوقف إطلاق النار لا غير . و قد شرح السيد فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية - في نداء وجهه للشعب الجزائري يوم 5/7/1960 - موقف حكومته من محادثات مولان حين قال "... فعندما اتخذنا في العشرين من يونيو الأخير قرارا يقضي بإرسال بعثة إلى فرنسا لم يفتنا أن نذكر بأن هناك خلافات كبرى بيننا و بين الحكومة الفرنسية ، و في مولان أتضح أن هذه الخلافات أكبر مما كنا نظن ... فلم يكن تقارب بين وجهات نظر الفريقين فحسب ، وإنما وجد مبعوثانا نفسيهما أمام رفض بات للدخول في المفاوضات ... وحتى في المفاوضات تقف الحكومة الفرنسية موقف الاستعماري العنيد و ترفض كلية مناقشة الند للند..." وعليه تواصلت انتصارات الثورة -رغم الخسائر التي لحقت بها- بأن أفشلت مخطط شال، وفوتت الفرصة على ديغول ومشروعه "الجزائر جزائرية" بعد أن استجاب الشعب الجزائري لنداء الجبهة - أثناء زيارة دوغول للجزائر يوم 9 ديسمبر 1960-حيث خرج الشعب في أبهر صور التضامن والوطنية في مظاهرات 11ديسمبر 1960 عمت مختلف مدن الجزائر من العاصمة ، وهران قسنطينة ، بجاية ، البليدة وغيرها ، كما صعد جيش التحرير من كفاحه .أما على المستوى الخارجي فقد نشطت بعثات جبهة التحرير الوطني على جميع الأصعدة ، مما أجبر حكومة ديغول على العودة إلى طاولة المفاوضات . وبمساعي سويسرية ممثلة في شخص أوليفي لانغ تجددت اللقاءات بين وفدي الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والحكومة الفرنسية في لوسارن ونيوشاتل ، جمعت أحمد بومنجل وأحمد فرنسيس و سعد دحلب بممثلي الحكومة الفرنسية براكروك ، ثم شايي .و لاحقا التقى جورج بومبيدو و دولوس بالسيد الطيب بولحروف في نيوشاتل

-
 مفاوضات ايفيان الأولى 20 ماي 1961:
   كان من المرتقب إجراءها في 7 أفريل1961 لكنها تأخرت نتيجة وضع فرنسا السياسي الذي ازداد تأزما ، بالإضافة إلى رفض جبهة التحرير فكرة إشراك أطراف أخرى في المفاوضات عندما أفصح لوي جوكس في 31/3/1961 عن نية حكومة بلاده اشراك الحركة الوطنية الجزائرية (. .(MNA بالإضافة إلى حادثة اغتيال رئيس بلدية ايفيان و ما تلاه من أحداث نتيجة الضغط الذي أظهره المستوطنون المتصلبون بمواقفهم المنادية بشعار "الجزائر فرنسية"، وقد ذهبوا أبعد من ذلك بأن أسسوا منظمة إرهابية: منظمة الجيش السري O.A.S .

كما حاول أنصار الجزائر فرنسية من الجنرالات المتطرفين من أمثال صالان و جوهو

و زيلر وشال الإطاحة بالرئيس ديغول في 22 أبريل1961 مما عرَّض المفاوضات إلى التأجيل إلى غاية يوم 20 ماي 1961 بمدينة ايفيان، أين إلتقى الوفد الجزائري المشكل من السيد كريم بلقاسم - محمد الصديق بن يحي - أحمد فرنسيس -سعد دحلب و رضا مالك و أحمد بومنجل بـ السيد لوي جوكس و كلود شايي و برونو دولوس … ورغم الجلسات المتكررة ما بين 20 ماي - 13جوان 1961 لم يحسم في القضايا الجوهرية إذ اصطدمت مرة أخرى بإصرار الطرف الفرنسي بمناقشة ملف وقف إطلاق النار بمعزل عن بقية الملفات، والمساس بالوحدة الترابية للجزائر في إطار سياسة فصل الصحراء ، ومسألة محاولة فرض الجنسية المزدوجة للفرنسيين الجزائريين ، إلا أن الطرف الجزائري رفض المساومة على المبادئ الأساسية التي أقرها بيان أول نوفمبر 1954، الأمر الذي دفع بالسيد لوي جوكس رئيس الوفد الفرنسي تعليق المفاوضات يوم 13جوان 1961 .

-
محادثات لوغران 20 - 28 جويلية 1961:
   تم استئناف  المحادثات في لو غران ما بين 20 - 28 جويلية 1961 لكن بدون جدوى مما جعل المفاوض الجزائري يبادر هذه المرة إلى تعليقها بسبب إصرار الحكومة الفرنسية على التنكر لسيادة الجزائر على صحرائها مروجة لمغالطة تاريخية مفادها أن الصحراء بحر داخلي تشترك فيه كل البلدان المجاورة وبهدف ضرب الوحدة الوطنية و إضعاف الثورة وتأليب دول الجوار عليها . و بذلك علقت المحادثات نظرا لتباعد وجهات النظر بين الطرفين لاسيما فيما يخص الوحدة الترابية .
و لم تباشر الحكومة المؤقتة اتصالاتها إلا بعد أن تحصلت على اعتراف صريح في خطاب الرئيس الفرنسي شارل ديغول يوم 5سبتمر 1961 ضمنه اعتراف فرنسا بسيادة الجزائر على صحرائها.
على إثر ذلك تجددت اللقاءات التحضيرية أيام: 28 - 29 أكتوبر 1961 ثم يوم 9 نوفمبر 1961 في مدينة بال السويسرية جمعت رضا مالك ومحمد الصديق بن يحي بـ شايي ودو لوس عن الطرف الفرنسي و في 9، 23 و 30 ديسمبر 1961 التقى سعد دحلب بلوي جوكس في مدينة لي روس لدراسة النقاط الأساسية و مناقشة قضايا التعاون وحفظ النظام أثناء المرحلة الانتقالية ومسألة العفو الشامل. و بعد أن ضمن المفاوض الجزائري تحقيق المبادئ الأساسية و السيادية خلال المفاوضات التي جرت بـ لي روس ما بين 11- 19 فبراير 1962و مصادقة المجلس الوطني للثورة الجزائرية على مسودة محادثات لي روس أبدى استعداده للدخول في مفاوضات المرحلة النهائية

- مفاوضات ايفيان الثانية 7- 18 مارس 1962:
    بعد أن صادق المجلس الوطني للثورة الجزائرية على مسودة لي روس أعلنت الحكومة المؤقتة رغبتها في مواصلة المفاوضات رسميا في مدينة ايفيان الفرنسية أين التقى كريم بلقاسم وسعد دحلب و محمد الصديق بن يحي ، ولخضر بن طوبال وامحمد يزيد و عمار بن عودة رضا مالك و الصغير مصطفاي بالوفد الفرنسي: لوي جوكس وروبير بيرون ، و برنار تريكو و برينو دو لوس و كلود شايي والجنرال دو كماس ، في جولة أخيرة من المفاوضات امتدت ما بين 7- 18 مارس 1962. توجت بإعلان توقيع اتفاقيات ايفيان و إقرار وقف إطلاق النار، و إقرار مرحلة انتقالية وإجراء استفتاء تقرير المصير .


- وقف إطلاق النار 19 مارس 1962
    وفقا لما جاء في نصوص اتفاقيات إيفيان بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية و فرنسا اعتبر يوم 19 مارس 1962 تاريخ وقف إطلاق النار عبر كامل التراب الجزائري . و بهذه المناسبة صرّح السيد كريم بلقاسم ما يلي :
"
بموجب تفويض من المجلس الوطني للثورة الجزائرية و باسم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ، وقعنا في الساعة الخامسة و النصف عشية 18 مارس 1962 على اتفاق عام مع الممثلين المفوضين للحكومة الفرنسية ، و بمقتضى هذا الاتفاق العام أبرم اتفاق لوقف القتال يدخل حيز التنفيذ بكامل التراب الوطني يوم الاثنين 19 مارس 1962 في منتصف النهار بالتدقيق ."

وفي هذا الصدد توجه السيد بن يوسف بن خدة رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بخطاب إلى الشعب أكد فيه أن اتفاق وقف القتال إنما يعتبر نصرا عظيما للشعب ثم أصدر الأوامر لمختلف قوات جيش التحرير الوطني بإنهاء العمل العسكري و النشاط المسلح في كل جهات الجزائر ، كما تضمن الخطاب أيضا محتوى الاتفاقيات التي أكد بأنها تتماشى و المبادئ الثورية المعلن و المعبر عنهاوتم الإعلان عن استقلال الجزائر بعد الاستفتاء  يوم01 جويلية الذي كان لصالح استقلال الجزائر بنسبة 99 بالمائة وفي 03جويلية أعلن ديغول عن استقلال الجزائر رسميا وفي 05 جويلية أعلنت الجبهة استقلال الجزائر تزامنا مع تاريخ احتلالها 


 المحور الثامن  :   بناء الدولة الجزائرية المعاصرة.

-       ظروف قيام الدولة الجزائرية:

أ- وقف إطلاق النار في 19 مارس .

ب- عقد المجلس الوطني اجتماعا في طرابلس في 25 ماي 1962 ليصادق على ميثاق طرابلس

ج- اجراء الاستفتاء  يوم01 جويلية الذي كان لصالح استقلال الجزائر بنسبة 99 بالمائة وفي 03جويلية أعلن ديغول عن استقلال الجزائر رسميا وفي 05 جويلية أعلنت الجبهة استقلال الجزائر تزامنا مع تاريخ احتلالها

د- تكون الجمعية التأسيسية برئاسة فرحات عباس في سبتمبر 1962التي أعلنت في 26سبتمبر 1962م عن قيام الجمهورية الجزائرية مع مراعاة ما جاء في ميثاق طرابلس

هـ - الارهاب الذي مارسته منظمة لواس L.OA.S في حق الجزائريين بشريا وماديا

و - المشاكل التي واجهنا غداة الاستقلال

-اجتماعيا:

-مليون ونصف مليون شهيد ومئات الآلاف من اللاجئين و المهجرين.

- انتشار الفقر  و البطالة و الأمية و الجهل.- تفشي الأمراض و الأوبئة .

- الانفجار الديمغرافي المتزايد الذي لايتلاءم مع الاقتصاد الوطني

-اقتصاديا:

 - ضعف الاقتصاد الوطني .

- انعدام  الهياكل القاعدية للبلاد.

 – هروب  الإطارات وتهريب  رؤوس الاموال من طرف المعمرين.

- تبعية الاقتصاد الشبه كلي إلى فرنسا.

- سياسيا:

- صعوبة تسيير شؤون البلاد في هذه الظروف.

 – نقص الإطارات بسبب سياسة التجهيل.

- عدم وجود إستراتيجية لتسيير شؤون الدولة بعد الثورة.

- مشكلة التعامل مع بعض ماجاء في اتفاقيات ايفيان.

2- الاختيارات الكبرى لبناء الدولة الجزائرية المعاصرة:

   كانت مرجعيات بناء الدولة الجزائرية بدءا من بيان أول نوفمبر إلى ميثاق الصومام 20 أوت 1956م إلى ميثاق طرابلس 27 جوان 1962م إذ يعد هذا الأخير بمثابة الديباجة التي وضعت الأسس الكبرى في بناء الدولة الجزائرية الحديثة من خلال:

أ‌-   الاختيارات السياسية:

- تبني مبدأ الحزب الواحد –جبهة التحرير الوطني

-إقامة دولة الديمقراطية.

-رفض كل أشكال النزعة الارتجالية و الغموض

-دعم حركات التحرر العالمية .

    ب- الاختيارات الاقتصادية:

- بناءاقتصاد وطني وقوي

-اعتماد النهج الاشتراكي الاقتصادي كأسلوب للتنمية.

-إتباع سياسة التخطيط ومراجعة العلاقات الاقتصادية مع الخارج.

   ج- الاختيارات الاجتماعية و الثقافية:

- تحسين المعيشة وترقية الوضع الصحي وتحرير المرأة

-ترقية اللغة العربية واحياء التراث الوطن

- ترقية الريف للتضرره اكثر اثناء الثورة

- اجبارية التعليم ومجانيته

- الاهتمام بالسكان من الشغل والسكن 

 3-التطور السياسي للدولة الجزائرية 1962-1989م 

-       المرحلة الأولى من الاستقلال إلى 1965م:

أ- داخليا:

-تم انتخاب أول أحمد بن بلة أول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة.-لإصدار دستور 1963م ثم الميثاق الوطني 1964م. – إقرار مبدأ الحزب الواحد والسعي إلى تكريس السيادة الوطنية. –إقامة نظام ديمقراطي مثل ما نص عليه بيان أول نوفمبر.

ب- خارجيا:

-انضمام الجزائر رسميا إلى الأمم المتحدة. –فتح مفاوضات مع فرنسا في التخلص من بعض سليبات اتفاقيات ايفيان. –محاولة تأصيل البعد العربي الاسلامي والانضمام إلى الجامعة العربية ومساندة القضية الفلسطينية.المساهمة في المنظمات الاقليمية و العالمية كمنظمة الوحدة الافريقية. –مساندة الشعوب الحرة في العالم.

-       مرحلة الثانية من 1965 – 1989

1- داخليا:

- حركة 19 جوان 1965م بقيادة هواري بومدين رئيس وقائد الأركان بحركة عسكرية أزاح بها أحمد بن بلة تحت عنوان التصحيح الثوري وتم نقل جميع صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوطني للثورة و الحكومة والحكومة الذي

- تجميدالعمل بدستور 1963م وميثاق 1964م.

- تأكيد المبادئ السابقة للثورة.

-إرساء إزدواجية السلطة ( الحزب و الجيش).

- بناء مؤسسا ت الدولة (إنشاء المجالس البلدية في 1967م و المجالس الولائية   1969 م

- تأسيس دستور جديد في 19/11/1976م بالعودة إلى النظام الرئاسي الجمهوري. و الميثاق الوطني 27/06/1976م.

- تنظيم انتخابات في 10/12/1976 وتم انتخاب بومدين رئيسا للجمهورية.

- إجراء انتخابات المجلس الوطني الشعبي في 1977.

- وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين 27/12/1978م وشغور منصب الرئاسة.

- حل مجلس الثورة في جانفي 1979م وانتخاب مجلس شادلي بن جديد رئيسا للجمهورية 07/02/1979م.

- أحداث أكتوبر 1988م:التي جاءت على اثر الأزمة الاقتصاديية عام1986م لأنخفاض اسعار البترول انعكست على الوضع الاجتماعي فكانت احداث اكتوبر 1988م التي اعلن فيها الرئيس الشاذلي بن جديد عن اصلاحات سياسية بداية بظهور دستور فيفير1989م الذي كرس التعددية ونهاية عهد الحزب الواحد  وتنصيب حكومة برئاسة مولود  حمروش.

- -نهاية مرحلة الاشتراكية واحتكار الدولة للتجارة الخارجية والتوجه إلى اقتصاد السوق    ( الليبرالي)وفسح المجال أمام الاستثمارات.

2- خارجيا:

-مساندة ودعم الحركات التحررية و المشاركة في الحروب العربية الاسرائيلية 1967-1973م.

- عقد مؤتمر عدم الانحياز في 05/09/1973م بالجزائر.

- ترأس الجزائر للجمعية العامة للأمم المتحدة الدورة 36 في 1974م وإدراج القضية الفلسطينية.

- حل النزاع الإيراني العراقي بوساطة جزائرية 1975م.

- حل النزاع الحدودي بين مصر و السودان 1979م.

- الدعوة إلى تأسيس نظام إقتصادي عالمي عادل.

- مواصلة دعم كفاح الشعب الفلسطيني إذا احتضنت عناصر المقاومة الفلسطينية التي خرجت من لبنان واحتضان مؤتمر المجلس الوطني الفلسطيني الذي أعلن قيام الدولة الفلسطينية 15-12-1988م وكانت الجزائر أول بلد يعترف بها .


 للمزيد من التفصيل يرجى الإطلاع على المراجع التالية :

- المراجع :

-الإبراهيمي،محمد البشير، عيون البصائر، ط2، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، الجزائر 1971

- - بوحوش، عمار : التاريخ السياسي للجزائر من البداية و لغاية 1962 ، دار الغرب الإسلامي ط1 ، 1997 .

- بوعزيز  يحي،كفاح الجزائر من خلال الوثائق ، الجزائر ، م.و. ك 1986 

 - بوعزيز  يحي، ثورات الجزائر في القرنين 19 و 20 ، ج2 ط2 منشورات المتحف الوطني للمجاهد

- بوعزيز  يحي، الاتجاه اليميني في الحركة الوطنية الجزائرية من خلال نصوصه 1912-1948 

  ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر 1995

 - الجيلالي عبد الرحمن : تاريخ الجزائر العام ج 4 ، ط 4 بيروت 1984 م

-الخطيب، أحمد : جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و أثرها الإصلاحي في الجزائر ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر 1985

- دودو أبو العيد : الجزائر في مؤلفات الرحالين الألمان (1830- 1835) ، الجزائر1989 

- رخيلة عامر : 8 ماي 1945 ، المنعطف الحاسم في مسار الحركة الوطنية ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، 1995

-الزبير سيف الإسلام : تاريخ الصحافة في الجزائر ،الشركة الوطنية للنشر و التوزيع ، الجزائر ، 1982

- زوزو عبد الحميد : نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر الحديث ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر 1984

 -طرشون  نادية، الهجرة الجزائرية إلى بلاد الشام 1847-1911 ، جامعة دمشق ،1986

- طالبي عمار: ابن باديس حياته وآثاره ، دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة ، القاهرة 1968

- العربي إسماعيل : الدراسات العربية في الجزائر عهد الاحتلال الفرنسي ، الجزائر 1988

 -العقاد صالح : محاضرات في الجزائر المعاصرة ، القاهرة ، معهد الدراسات العربية العالمية

 -العلوي محمد الطيب : مظاهر المقاومة الجزائرية ( 1830- 1954 ) ، ط2، منشورات المتحف الوطني للمجاهد، 1994

-سعد الله  أبو القاسم: الحركة الوطنية الجزائرية ( 1900- 1930) ج2 ، ط3، ش.و.ن.ت الجزائر 1983

- سعد الله  أبو القاسم ، أبحاث و أراء في تاريخ الجزائر، ج2ش.و.ن.ت، الجزائر 1981

- سعد الله  أبو القاسم ، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث ، بداية الاحتلال ، ش.و.ن.ت الجزائر 1982

- سعد الله  أبو القاسم ، تاريخ الجزائر الثقافي ، 9 أجزاء ،دار الغرب الإسلامي بيروت2000

- سعد الله  أبو القاسم ، الحركة الوطنية الجزائرية ،4 أجزاء،دار الغرب الإسلامي بيروت 1992

-  سعيدوني ناصر الدين:دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر ، جزءان ، الجزائر 1988 م

-  قنان  جمال ، نصوص سياسية جزائرية 1830-1914، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1993 

- قنان جمال ، دراسات في المقاومة و الاستعمار ، منشورات المتحف الوطني للمجاهد1994 

- قداش محفوظ ، وثائق وشهادات لدراسة تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر 1987

-  قنانش محمد ، المسيرة الوطنية و أحداث 8 ماي 1945 ، منشورات دحلب ، الجزائر 1991

-  قنانش محمد ،الحركة الاستقلالية في الجزائر بين الحربين ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر 1982

- علاق هنري ، المسألة وثائق التعذيب في الجزائر ، تعريب أديب مروان بيروت ، دار النشر للجامعيين 1958

- العسكري ابراهيم : لمحات من مسيرة الثورة الجزائرية و دور القاعدة الشرقية ، دار البعث قسنطينة ، 1992

- الخطيب أحمد حزب الشعب الجزائري ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر ،1986


المراجع باللغة الاجنبية

COLLOT Claude: Les institutions de l'Algérie Durant la période coloniale(1830-1962), éditions du CNRS-OPU, paris – Alger, 1987

KADDACHE Mahfoud : Histoire du nationalisme Algérien (question national et politique Algérienne 1919-1951), 2e Edition revue et augmentée par l’auteur, 2T


-AGERON Charles- Robert : Histoire de l'Algérie contemporaine, éd. dahlab, 10e édition corrigée, 1994.

-