المحور الثالث: الاقترابات

-          الاقتراب واجراءات التحليل العلمي التجريبي

-          اقترابات دراسة السياسة المقارنة

-          اقترابات دراسة العلاقات الدولية

المحور الرابع : اساليب التحليل

-          المقارنة: مفهومها واهدافها

-          قواعد ومستويات المقارنة

- دراسة الحالة: مفهومها وخطواتها

-تطبيقات اسلوب دراسة الحالة


المحور الثالث: الاقترابات

    من البديهي أن الظواهر السياسية لا يمكن فحصها وإنما يتعين التعامل معها من خلال وسائط معينة تتمثل في المفاهيم والمناهج والنظريات، هذه الوسائط يتم من خلالها نقل الظواهر والأحداث من الواقع إلى العقل حتى يتمكن من فهمها وتحليلها وتفسيرها، وعليه يكون مقدار ما يستطيع الإنسان فهمه من الواقع محكوم بمدى قدرة الوسيلة أو الطريقة المتبعة على استيعابه، وما يُستشف معها وينسجم مع أبنيتها وأدواتها، ولا يمكن للوسيلة أن تكون محايدة وإنما هي طرف في علاقة ثلاثية جنبا إلى جنب مع مقتضيات العقل وطبيعة الواقع السياسي والإجتماعي.

أولا: تعريف الإقتراب:

    أطلق مصطلح الإقتراب للإشارة إلى الطريقة التي يتم من خلالها الإقتراب من الظاهرة السياسية باستخدام إطار تحليلي معين يعتمد المفاهيم للوصول إلى تحديد العلاقات السببية بين المتغيرات، وقد جاء كرد فعل لحالة الإحباط وعدم الرضا المنهجي لدى العديد من علماء السياسة، فالمقترب إذن إطار تحليلي يُؤخد كأساس عند دراسة الظاهرة السياسية، كما أنه طريقة تفيد في معالجة الموضوع سواء تعلق الأمر بوحدات التحليل المستخدمة أو الأسئلة التي يثيرها، وتحديد نوعية المادة العلمية اللازمة للإجابة عن ذلك وكيفية التعامل معها.

   ويُعرّف الإقتراب على أنه استعداد مسبق من الباحث لتبني إطار مفاهيمي معين بغرض التعرف على متغيرين أو أكثر، فهو بمثابة المرشد أو الدليل الذي يوجه الباحث، وهو المدخل الذي يسير وفقا له لاكتشاف العلاقات القائمة بين متغيرات الظاهرة لبناء نظريات ذات قدرة على التنبؤ، إذ يعتبر الأساس الذي تقوم عليه النظرية.

هذا وقد تم تصنيف الإقترابات حسب مجال الدراسة وطبيعة الموضوع، ومع تعقد الظواهر السياسية وتنوع واختلاف مظاهر السلوك السياسي تنوعت المقتربات المستخدمة في معالجتها ما بين مقتربات خاصة بمجال السياسة المقارنة: الجماعة، النخبة، التحليل الطبقي، تحليل النظم، الوظيفي، الإتصالي. وأخرى تختص بمجال السياسة الدولية وتتحدد في: التحليل النظمي، تحليل الأحداث، صنع القرار، والمباريات.

مناهج دراسة السياسة المقارنة:

   لقد تعددت مناهج البحث في مجال السياسة المقارنة واختلفت باختلاف المداخل المتبعة في فهم وتفسير ظواهر هذا المجال المعرفي، فلا غرابة إذن أن يوجد هذا التنوع المنهجي في مجال تتميز مواضيعه بدرجة كبيرة من التعقيد، وللباحث أن يستخدم اقترابا واحدا في معالجة مشكلة معينة يكون أكثر ملائمة لها من غيره من المقتربات.

1-المقترب المؤسسي:

   ظهر المقترب المؤسسي كرد فعل على المنهجين التاريخي والقانوني، حيث أدرك العديد من علماء السياسة أن الظاهرة السياسية هي أكثر من مجرد الأبعاد القانونية والدستورية، ومن ثم حدث تطور في بؤرة التركيز وأصبح الإهتمام منصب على دراسة الحقائق السياسية. تُركز الدراسة في هذا المقترب على المؤسسة كوحدة تحليل(3)، وهو أقدم المناهج المستخدمة في معالجة الظواهر السياسية بحيث يُنظر إلى النظام السياسي من خلاله على أنه مرادف لنظام الحكم، أي مجموعة المؤسسات الرسمية التي تبين نظام الحكم وأساليب ممارسة السلطة، وهو ما يُوضحه دستور الدولة بأيّ شكل كان عرفي أو مكتوب، وبالتالي تنحصر الدراسة في إطار قانوني شكلي تهتم فيها بمجموعة الظواهر المتمحورة حول الدولة وأركانها، أشكال الحكومات وأنواعها من خلال طبيعة العلاقة بين السلطات، وكذا في أساليب إسناد السلطة(4).

  تلى ذلك مرحلة تطور أخرى انبعثت فيها المؤسسة الحديثة في التسعينيات على يد السياسي الأمريكي "صمويل هنتجتون" في كتابه "النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة"، وبالتالي أضحى المقترب يقوم على جملة من الوظائف من خلال إمكانية إجراء المقارنة بين المؤسسات داخل الدولة الواحدة أو بين الدول من خلال مجموعة من المحددات.

2- اقتراب الجماعة:

3-     تركز دراسات الجماعة على مجموعات الأفراد التي تتفاعل فيما بينها سعيا نحو أهداف سياسية مشتركة، أي أن الإهتمام ينصب على الجماعة وليس على الفرد ما دام يُفترض أنها تؤثر في الحياة السياسية أكثر منه، وعليه تُعد الجماعة وحدة التحليل الأساسية، ذلك أن التنافس المستمر بين الجماعات يحدد طبيعة نظام الحكم، ويتوقف التغير في النظام السياسي على التغير في تكوين الجماعات وهذا الإفتراض الأساسي الذي يقوم عليه المقترب. المقصود بالجماعة هنا تلك الوحدة الإجتماعية التي تتكون من مجموعة أفراد يتم بينهم تفاعل إجتماعي وعلاقات إجتماعية وتأثير إنفعالي ونشاط متبادل على أساسه تتحدد الأدوار والمكانة الإجتماعية للأفراد وفق معايير وقيم الجماعة، اشباعا لحاجياتهم وتحقيقا لأهداف الجماعة دائما(7).

4-      يُعبّر الواقع السياسي من هذا المنظور على شبكة كبيرة من الجماعات والتي تدخل في تفاعلات بينها تأخذ شكل الضغوط والضغوط المضادة بين جماعات كبيرة وأخرى صغيرة، رسمية وغير رسمية، مترابطة أو غير ذلك، والعلاقة بين كل تلك الجماعات ودرجة تأثير كل منها على النظام مع قدرة وحدود كل واحدة، هذه الشبكة المعقدة من التفاعلات المستمرة تحدد في النهاية حالة النظام السياسي، والتنافس بين الجماعات يُحدد من يحكم، والفرض الأساسي للإقتراب مفاده أن التغيُر في النظام السياسي يتوقف على التغير في تكوين الجماعات(8).

5-إقتراب النخبة:

   يعتبر اقتراب النخبة واحدا من نظريات المرحلة الإنتقالية ما بين التقليدية والسلوكية، وإن كانت قد استطاعت الإستمرار والحفاظ على الحيوية المنهجية والإقتدار التحليلي طوال المرحلة السلوكية وما بعدها، وذلك لما تتميز به من دقة في تحديد المدخل المناسب لفهم ظواهر النظم السياسية وتحليلها، وعلى ذلك يُعد إقتراب النخبة تحديا للمنهج القانوني بتركيزه على سلوك عدد صغير من صناع القرار وليس على مؤسسات الحكم، كما يتحدى منهج الجماعة من حيث إبراز نفوذ وتأثير جماعة واحدة بعينها والتي تصنع القرارات، وعلى ذلك يدّعي أنصار المنهج أن التحليل المقارن للنخبة عبر الزمان والمكان أكثر ملائمة في الدراسة السياسية المقارنة.

   يقوم الإقتراب على افتراض أن الظاهرة السياسية تابعة لظواهر أخرى ومن ثم فإنه لا يمكن فهمها في ذاتها، وإنما من خلال تحليل الظواهر المستقلة التي أوجدتها، فالنظام السياسي متغير تابع للنظام الإجتماعي، وعليه وجب فهم وتحليل البنية الإجتماعية القائمة على افتراض وجود جماعة صغيرة تسيطر على المجتمع والدولة وتتركز فيها القوة، فتشكل الظاهرة السياسية وتحدد أبعادها، وعلى هذا الحال يكون من الضروري أن ينصب التحليل العلمي على هذه الجماعة، فهي المدخل الأنسب لفهم وتحليل العملية السياسية والنظام السياسي في مجمله، وبذلك يختلف الإطار التحليلي لاقتراب النخبة عن باقي الإقترابات في حقل السياسة المقارنة والتي تنطلق من التسليم باستقلالية الظاهرة السياسية وإمكانية فهمها وتحليلها بالإعتماد فقط على بنيتها الداخلية وتفاعلاتها الذاتية وطبيعة العلاقة بين مكوناتها(11).

   ومن خلال التقسيم الأفقي الترابي للمجتمع على أساس أنه بنية هيراركية مقسمة إلى مراتب أو طبقات بناءا على معايير معينة قد تكون إقتصادية أو غير ذلك، ولكنها في جميع الحالات لا تعترف بالتقسيم الرأسي أو إلى أعراق وأديان وجماعات إثنية وأقاليم، وحيث أن هذه التقسيمات لا تؤثر في بنية المجتمع من الزاوية الأفقية على أساس أنه مقسم إلى مراتب ودرجات يسودها منطق الصراع والتنافس لأن بعضها يحكم والآخر يُحكم، إلّا أن هذا الصراع هو الذي يحدد محتوى واتجاه العملية السياسية، ومن ثم فلكي نفهم النظام السياسي لا بد من تحديد طبيعة وهيكل التقسيم الأفقي  للمجتمع، ونوع  أو نمط العلاقة بين المراتب العليا والدنيا والخصائص الأساسية للفئة الحاكمة.

1-إقتراب الطبقة:

   جاء تحليل الطبقة متأخرا بعض الشيء في إطار المدرسة السلوكية باعتبارها مدرسة غربية أو أمريكية على وجه التحديد، وعليه لم يكن مقبولا لديهم التحليل الطبقي لارتباطه بالماركسية وقيامه على مفهوم الثورة.

    يرتبط تغير النظام السياسي في التحليل الطبقي بالتغير في البناء الإجتماعي، مع أن كل مجتمع هو تعبير عن مجموعة شرائح أي احتوائه على إنقسام وتمايز رأسي مع عدم إمكانية التداخل في هذا التمايز، بحيث يشكل النظام التمايزي المحددات الرئيسية للصراع في المجتمع. إن تباعد الطبقة العليا عن الدنيا نتيجة اتساع الطبقة الوسطى يؤدي في النهاية لاستقرار النظام السياسي، وهي المقولة التي شهدت اهتماما متزايدا في السنوات الأخيرة بدراسة الظواهر السياسية نظرا لارتباط التحديث والتنمية بقضايا الطبقات والبناء الإجتماعي على عكس ما يراه إقتراب النخبة من أنها عمليات تخص صانعي القرار(14).

   وقد شهدت السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بالمدخل الطبقي في دراسة الظواهر السياسية، يشهد لهذا الإهتمام مجموعة من الدراسات النظرية الحديثة لنخبة من علماء السياسة أمثال جيمس بيل "التحليل الطبقي وجدل التحديث"، وجيمس بيتراس "البناء الطبقي وآثاره على التنمية السياسية"، والدراسات التطبيقية كدراسة يوتومور حول "الطبقات في المجتمع الحديث: نماذج عن بعض بلدان العالم الثالث"... .

   يتحدد التحليل الطبقي من خلال مجموعة الأسئلة التي ينطلق منها البحث، وتدور حول: تحديد الطبقات الموجودة في المجتمع محل الدراسة، خصائصها، أسس تحديد إنتماء الفرد للطبقة، أنماط العلاقات فيما بين الطبقات وأثرها على البناء الإجتماعي، وحول العلاقة بين البناء الطبقي والبناء السياسي، أنماط الصراع وأنماط التفاعل، ثم التساؤل أخيرا حول كيف ومتى يؤدي الصراع الطبقي إلى الثورة؟

1- إقتراب التحليل النظمي- النظرية العامة للنظم:

    لقد كان اقتراب التحليل النظمي أحد أهم الإقترابات المستحدثة في نطاق الدراسات السياسية والذي بدأ في التبلور نهاية الخمسينيات، رغم أن إدخال مفهوم تحليل النظم إلى نطاق دراسة الظواهر السياسية جاء متأخرا، كما لم يكن ذلك بطريقة مباشرة بل من خلال علماء الإجتماع من أمثال بارسونز وغيره ممن قاموا بتطوير مفهوم النظام الإجتماعي، ومن ثم تمكن عدد لا بأس به من علماء السياسة أمثال ايستون وألموند وميتشيل وكولمان من تطوير واستخدام اقتراب تحليل النظم في الدراسات السياسية من خلال دورهم البارز في الحركة الفكرية التي استهدفت توحيد العلوم في إطار النظرية العامة للنظم- في إشارة لطابعها المنهجي-.

    يقوم الإقتراب على فكرة وجوب تبسيط الحياة السياسية المعقدة والمركبة، والنظر إليها تحليليا على أساس آلي منطقي باعتبارها تمثل مجموعة من التفاعلات التي تتم في إطار النظام السياسي من ناحية، وبينه وبين بيئته من ناحية أخرى، وعليه تميل الجماعات من خلال هذه الرؤية إلى أن تكون كيانات مستمرة نسبيا تعبر عن مجموعة من العناصر أو المتغيرات المتداخلة وذات الإعتماد المتبادل فيما بينها، والتي يمكن تحديدها وقياسها على اعتبار أن لهذه الكيانات حدود مميزة تفصلها عن بيئاتها، فضلا عن تميّز كل منها بمجموعة من العمليات المختلفة، خاصة عندما يتعرض النظام للإضطراب من داخل أو من خارج حدوده(17).

   من كل ذلك كانت لفكرة النظام كإطار تحليل بما يتضمنه من علاقات ومفاهيم نظرية لها دلالات تطبيقية، ومن ثم مثلت نقطة البداية الحقيقية في تطوير الدراسات السياسية القائمة أساسا على الطابع الديناميكي للتفاعلات السياسية الموجهة أساسا نحو التخصيص السلطوي للقيم، تبدأ هذه الدائرة الديناميكية بالمدخلات والتي تنتهي بالمخرجات وتقوم التغذية الإسترجاعية بالربط بين نقطتي البداية والنهاية، وتفصيل ذلك أن الإطار التحليلي للنظام السياسي يقوم على مجموعة من "الفروض" التي تقوم بدورها على مجموعة من المفاهيم المتعلقة بمجموعة من المتغيرات السياسية الهامة التي توضح الخصائص الرئيسية للنظام السياسي، ولأنه من الصعوبة بمكان الوصول إلى نظرية عامة وشاملة، فإنه يمكن الإستعاضة عن ذلك بتطوير مجموعة مترابطة منطقيا من المفاهيم في إطار متكامل وعلى درجة عالية من التجريد، تمكّن من القيام بالتحليل وبتوجيه الإهتمام نحو المحددات الرئيسية للسلوك السياسي.

   لقد شكلت المفاهيم التي قدمها المفترب جملة من المتغيرات التي أسهمت ومكنّت الإقتراب من تقديم مجموعة من الإفترضات التي يقوم عليها البحث السياسي، أهمها(22):

-    العملية السياسية عملية آلية ديناميكية تتم بين مكونات النظام المختلفة وبين معطيات البيئة المحيطة.

-    تستمر الأنظمة السياسية في عالم يتضمن عناصر التغير وعناصر الإستقرار من خلال دورة حياة الأنظمة – مجموع الوظائف السابق الإشارة لها –.

-    التفاعلات السياسية في إطار النظام السياسي تتم استجابة للتأثيرات البيئية.

-    بما أن الحياة السياسية تمثل نظاما مفتوحا، فإن المطالب تقدم لنا أحد عناصر فهم الطرق التي من خلالها تُحدث البيئة الكلية انطباعها على عمليات النظام.

-    تفرض البيئة ضغوطا على النظام، ورغم المشكلات التي تثيرها البيئة إلّا أن الإقتراب يؤكد إمكانية تحليل البيئة عبر الإهتمام بمجموع المدخلات التي يمكن استخدامها كمؤشرات تلخص المؤثرات الأكثر أهمية من حيث مدى إسهامها في خلق التوتر الذي يعبر الحدود من البيئة إلى داخل النظام السياسي.

-      هناك علاقات أساسية بين متغيرات النظام السياسي وبين عوامل البيئة بما يحقق التكيف، إشارة لمختلف الظواهر الإمبريقية كالتعبير عن المصالح وجماعات الضغط أو تجميعها والأحزاب... والتي تتحدد في البداية على شكل رغبة أو شعور أو حاجة غامضة وإلى اللحظة التي تجد فيها طريقها للقرارات والسياسات.

-      التحليل البنائي الوظيفي:

   طرح كثير من علماء السياسة وفي مقدمتهم جابريال ألموند إطار جديد لدراسة النظم السياسية وهو الإطار الوظيفي والذي يركز على ثلاثة متغيرات أساسية وهي البنية والوظيفة والنظام. تشير البنية إلى الأنشطة القابلة للملاحظة والتي تشكل النظام السياسي، وهي أنشطة منتظمة الحدوث يُعبَّر عنها بالأدوار. وتعني الوظيفة مجموعة الأنشطة الضرورية لبقاء واستمرار النظام ككل، وأن أهداف النظام السياسي تتحقق عندما تنجز الأبنية الوظائف المحددة لها.

   يُعرّف ألموند النظام السياسي على أنه نظام للتفاعلات الموجودة في كل المجتمعات والتي تتعلق بوظيفتي التكامل والتكيف داخليا وخارجيا، عن طريق استخدام الإكراه المادي المشروع(23)، وعليه تكون عناصر النظام السياسي عنده هي: الإعتماد المتبادل والحدود والشمول، وإذا كانت الأولى والثانية تعتبر امتدادا لتصور دافيد ايستون السابق تفصيله، فإن الشمول يُفيد أن النظام السياسي يستوعب كافة الوظائف الضرورية لبقائه والتي تتصل بالإكراه المادي المشروع، وأن بنيته تتعدى المؤسسات السياسية إلى أبنية أخرى، وبذلك كان المقترب يتيح إمكانية المقارنة بين النظم تبعا لمؤشرات قياس البناء السياسي ومدى تمايز مؤسساته السياسية من حيث العناصر الحديثة أو التقليدية فيها(24).

6- الإقتراب الإتصالي:

   المقصود بالإتصال هنا هو الإتصال السياسي، سواء انطلق من المواطنين إلى السلطة أي الإنتخابات، أو من السلطة إلى المواطنين بالإعلام والدعاية وغيرها، أو حتى الإتصالات الدبلوماسية بين الدول،  والأزمات والمشاكل من إضرابات ومظاهرات تعتبر ضربا من ضروب الإتصال السياسي.

   لا يمكن تصور السياسة بدون الإتصال، فالمواطنون بحاجة إلى وسائل توصل مطالبهم إلى الحكومة، وعلى الحكام أن يكونوا قادرين على توصيل وتبرير قراراتهم للمواطنين، وعليه فإن دراسة النظم السياسية من منظور الإتصال هي دراسة للسلوكيات والأفعال التي تتعلق بتبادل المعلومات فيما بين الفاعلين السياسيين.

     كما لا يمكن التكيف مع المحيط الذي نعيش فيه إلّا من خلال العملية الإتصالية والتي تظهر في كل أشكال العلاقات السياسية بين الحكومة والفئات المختلفة للمجتمع، ومن ثم لا يمكن الحديث عن عملية سياسية دون الإشارة إلى عنصر الإتصال الذي يمثل محور التفاعل السياسي في الظواهر السياسية المختلفة، بالإضافة للدور الهام الذي يلعبه الإتصال في عملية صناعة قرار سياسي، كل ذلك لا يتم إلّا من خلال المعلومات المتبادلة بين نخبة صناعة القرار وأعضاء المجتمع، فبالإكراه والإقناع تتكامل غالبية فئات المجتمع مع القرارات الحكومية وبرامجها السياسية والإقتصادية وغيرها فتكون الجماعات المختلفة في موقف المؤيد، كما قد يكون الإتصال السياسي موجه من الجماعات السياسية والإجتماعية نحو الحكومة من خلال العمل على إضعافها، وهكذا يسلط منهج الإتصال الضوء على:

-       القنوات التي من خلالها تتدفق المعلومات بين الفاعلين السياسيين.

-       أنواع المعلومات المطلوبة.

-       القواعد والإجراءات التي تحكم الإتصالات داخل النظام السياسي.

-       حدة المشاعر المرتبطة بمعلومات معينة.

-       أنواع الإستجابة التي يمكن توقعها من المتلقين(34).

    ينظر مقترب الإتصال إلى النظام السياسي على أنه منظمة أو مجموعة منظمات تعتمد على المعلومات حول بيئتها في اتخاذ القرار، وعلى هذا فهو يقع ضمن الإطار العام لفكرة النظام، حيث أن الإتصالات هي أحد جوانب النظام السياسي والعملية السياسية التي يسهل تحديدها وقياسها، كما يساعد ذلك على رصد العوامل التي تؤثر على استقبال النظم السياسية والأفراد للمعلومات وكيفية تأثير الإتصال على الأداء السياسي، وذلك من خلال الإضافات الجديدة التي قدمها المقترب مثل: مفهوم تغير الأهداف، ووظيفة التحول الذاتي، مقدرة التحمل (عدد وأنواع القنوات المتاحة )، نسق القيم...، بالإضافة لمجموعة المفاهيم السابق الإشارة إليها في الإقتراب النظمي، وكلها زادت من مقدرة الإقتراب على قياس الإتصالات عن طريق تطوير وحدات القياس. فقدرة النظام على استقبال ومعالجة كل المعلومات الواردة إليه في لحظة زمنية معينة وأنواع وحالة القنوات الإتصالية المتاحة ودقتها في جمع المعلومات ودرجة التشويه التي تطرأ عليها وعلاقة كل ذلك بالإستجابة الفعلية أي صياغة السياسات أو القرارات، بالإضافة لفترة الإستجابة من حيث تعبيرها على كفاءة النظام.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحور الرابع: أساليب التحليل السياسي

    يرتبط تحديد المنهج العلمي الذي يستخدمه ويطبّقه الباحث لدراسة مشكلة أو ظاهرة معينة بموضوع ومحتوى الظاهرة ذاتها، وعلى ذلك تختلف المناهج باختلاف الظواهر، وما يصلح منها لظاهرة معينة قد لا يلائم ظاهرة أخرى نظرا لاختلاف الظواهر في خصائصها وموضوعاتها، ومع الإقرار بتواضع أهمية التجريب – كأهم خطوة من خطوات المنهج العلمي- في العلوم السياسية نظرا لطبيعة ظواهرها كما تم تفصيله سابقا، فإن الأمر يستلزم استخدام أساليب مكملة من شأنها التحقق من الفروض المرصودة باستخدام اقتراب معين، ومن ثم التحقق من علاقات الواقع السياسي، وبذلك تكون الأساليب هي البديل المعقول والمقبول للتجربة.

أولا: أسلوب المقارنة

    تعتبر المقارنة جزء أساسي من البحث العلمي بالنسبة للعلوم السياسية عامة، وفي مجال السياسة المقارنة بخاصة، فقد اعتبرها الكثير من الباحثين البديل عن التجربة في العلو%8