1 1 المسيرة وتكوّن الرعيل الثاني:أما الرعيل الثاني فمنهم من تكوّن في الجامعات - العربية، ومنهم من تكوّن في الجامعات الغربية، ولهم صيت مشرقا ومغربا أمثال سعد الدين إبراهيم، وحليم بركات)المجتمع العربي: بحث اجتماعي استطلاعي(، محمد الجوهري وغيرهم. أما حالة المغرب العربي فلم يتعرف على السوسيولوجيا مبك ا ر مثله مثل المشرق

العربي بالرغم من تشابه في الطريقة، وهو الاستعمار، وبالتالي لم يعرف رعيلين من السوسويولوجيين مثلما هو الحال عليه في المشرق، رعيل تكون في الجامعات الغربية ورعيل ثاني بعده في الجامعات المحلية، فلم يظهر في بلدان المغرب العربي إلا الرعيل الثاني. ففي الج ا زئر مثلا، نجد أن السوسيولوجيا كممارسة جزائرية لم تأت إلا في مرحلة جد متأخرة، صحيح أن الفرنسيين من ضباط وموظفين ورجال كنيسة قد قاموا منذ بداية الاحتلال بد راسات كثيرة، وأكثر من ذلك ان السلطات الفرنسية كانت قد أمرت بأج ا رء بحث شامل، ربما على غرار ما جرى في مصر أثناء الحملة النابليونية، وبغض النظر عن مرامي هذه الأبحاث وأهدافها فهي تمثل اليوم رصيدا هاما من المعطيات والمعلومات التي لا غنى عنها لفهم حقبة حاسمة في تاريخ مجتمعنا. ولم تنتقل السوسيولوجيا للجزائريين إلا بعد عدة سنوات بعد الاستقلال، لما بدأت تتشكل الكوكبة الأولى من السوسيولوجيين المغاربة، ويرجع غيابها أثناء الحقبة الاستعمارية إلى عدة أسباب أهمها الاستعمار نفسه، فلم يكن هذا العلم محل تدريس لا في المعاهد العليا التي تأسست سنة 1879 ولا في الجامعة التي برزت إلى الوجود سنة 1909 ، لتظهر كوكبة من السوسويولوجيين الفرنسين بالجزائر، أمثال بيير بورديو   ( P. Bourdieu (،وكلودين شولي) Claudine Chaulet (، وج ا زئريين مثل صياد عبد المالك وعبد القادر جغلول، ثم علي الكنز وجيلالي يابس ومحمد بوخبزة، نذير معروف، عدي الهواري، مصطفى بوشنتوفت، محفوظ بنون،....الخ. وفي تونس بدأت أبحاث فرنسية ثم تواصلت أبحاث محلية، مثل دراسة فالونسي) LucetteValensi ( حول الأقليات المشاغبة والأقليات الصامتة، أما الأبحاث المحلية فقد أشتهر كل من سالم لبيض ود راسته حول القبيلة، ومحمد الهادي الجويلي ود راسته حول الزعيم السياسي. أما في المغرب نجد عبد الكريم الخطيبي، ومحمد عابد الجابري، وعبد الله العروي في نقده للانقسامية، وعبد الله الحمودي، الذي من أهم إنتاجاته العلمية: حكاية حج في مكة، )الضحية وأقنعتها بحث في الذبيحة والمسخرة بالمغرب(، زكية زوانات التي بحثت في مجال التصوف)مملكة الأولياء، أبن مشيش شيخ الشاذلية(، ورحال بوبريك الذي يبحث في المجال الديني، عبد الباقي الهرماسي، والمختار الهراس. غير أن هذه المسيرة التطورية الطويلة للسوسيولوجية العربية تحمل بكل تأكيد كل السمات لحركة وصلت في نهاية المطاف إلى أبعاد آخر العلوم الاجتماعية عن نزعتها الأصلية، وفي حالة المجتمع الجزائري وشأنه في ذلك بدون شك شأن جميع المجتمعات العربية المغلوبة على أمرها أو المستعمرة سابقا، فإن حصيلة السوسيولوجيا تبدو أكثر وضوحا إذ يتعلق الأمر بسوسيولوجيا لم تتمكن أبدا من استرداد نزعتها النقدية....أي سوسيولوجيا لم تظهر قط إلى الوجود) 14 (. وبكلام آخر وأكثر وضوحا، سوسيولوجية مرتبكة أذا صح التعبير.

3 سوسيولوجية عربية مرتبكة، أو سوسيولوجية الارتباك: -

بالرغم من هذه الدر اسات والبحوث والتي كانت أقرب إلى صميم المجتمع العربي فإن حالة عدم الرضى لدى معظم السوسيولوجيين العرب على مجهوداتهم، فمنذ منتصف القرن الماضي بدأت تظهر في الساحة الفكرية العربية جملة من الطروحات النقدية للمسار العربي تبلور فشل الاتجاهات السائدة في تبيين العلاقة الجدلية القائمة بين الفكر الاجتماعي والبنية الاجتماعية التي انتجته، وبالتالي صورة هذه الإشكالية في شكل غياب كلي لعلم اجتماع عربي، أو في انحياز علماء الاجتماع إلى النظريات الغربية التي انبثقت وتطورت وتشكلت في ظروف تاريخية واجتماعية مخالفة لظروفنا) 15 .) من هنا بدأت تظهر محاولات فكرية واجتماعية تطالب بتجاوز مرحلة تقليد العلوم الاجتماعية الغربية والتخلص من مسلمات علم الاجتماع الغربي القائم على مواقف قيمية خاصة، وينطلق أصحاب هذا الاتجاه من التساؤلات التالية: هل إن علم الاجتماع من العلوم العالمية عامة تخص جميع المجتمعات البشرية المتقدمة منها - والغير المتقدمة؟، أم أن هناك علم الاجتماع ذو هوية عربية؟ وما هي إنجا زات علم الاجتماع الغربي في المجتمعات العربية؟، وهل المفاهيم الرئيسية للنظرية الغربية كمفهوم الدولة والإرهاب) 16 (، تصلح للتطبيق على واقع مجتمعنا العربي؟. وتعالت الأصوات منادية بعلم اجتماع عربي، ومبرر ات ذلك تتركز في النقاط التالية:

أ خصوصيات ومشكلات العالم العربي وقصور النظريات الغربية عن فهم واقعنا الاجتماعي لأن تلك النظريات التحليلية صنعت لعالم غير عالمنا ولا تحمل صلة لواقعنا الاجتماعي.

ب إن علم الاجتماع الغربي أستلهم نظرياته من المواقف الاجتماعية والوقائع -الاجتماعية للمجتمع الغربي فضلا عن الايديولوجية والمعرفة والإطار الفكري للعلاقات الاجتماعية السائدة، لذا كان من الأجدر الانطلاق من التر اث العربي

لاستلهام النظرية التي تبدأ منها أول الخطوات نحو علم اجتماع عربي.

ج تستمد المفاهيم الاجتماعية من التراث الغربي وتختبر على واقعنا الاجتماعي في - الماضي والحاضر.

ويبدو "أن صورة علم الاجتماع العربي ماا زالت تتصف بالضبابية وغير واضحة المعالم، بل إنها تتخذ أحيانا شكل الانفعال العاطفي الذي قد يؤدي إلى الانتحار أو الهاوية. من ثمة فالمفاهيم الغربية والنظريات العلمية لا تمثل كتلة معينة أو منطقة دون أخرى، بل تمثل الثقافة العالمية والت ا رث البشري، فلا يتحقق علم اجتماع عربي بالرفض الكامل والشامل والقطيعة الكلية مع الإنجاز ات العلمية والعالمية" 17 . وقد انتظمت ملتقيات وندوات دولية لعلماء الاجتماع العرب وطنية ودولية، للوقوف وقفة تقييمية على طبيعة عملهم، "فهذه الوضعية المزرية لهي محل الانشغال الأول لعلماء الاجتماع العرب جميعهم، فلا تكاد تحصى الملتقيات التي يتدارس فيها هؤلاء العلماء ويتناقشون أسباب ما أصطلح على تسميته بالأزمة، إلا إذا أخذنا على سبيل المثال النصف الأول من الثمانينات حيث لاحظنا انتظام العديد من الملتقيات العربية بغرض تحليل هذه المسألة بداية من ملتقى القاهرة)26/28 فبراير 1983 المعنون بإشكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي، ثم ملتقى الكويت علم الاجتماع  وقضايا الانسان العربي المعاصر.8/11 ابريل 1984 (، ثم العلوم الاجتماعية اليوم وهران 26-28 ماي 1984. ، وبعده مؤتمر"نحو علم اجتماع - - ") عربي"،)تونس 25-28 يناير1985 .ثم ملتقى وه ا رن ثانية، يوم ال ا ربع والخامس والسادس من شهر ماي2002، وقد عقدت كل هذه الملتقيات والمحافل العلمية، بغرض السماح لعلماء الاجتماع العرب بمعالجة محددات وتداعيات وضعية علمهم. وفي الواقع لم يفعل هؤلاء العلماء شيئا آخر سوى محاولة الارتباط مجددا بالتقليد السوسيولوجي الأول الذي كان من صنع المؤسسين أنفسهم)دروكايم ، فيبر، باريتو( أي بممارسة السوسيولولجيا كعلم نقدي لذاته) 19 (.وما كثرة هذه الملتقيات إلا دليل على الأزمة التي يعيشها علمهم، يشبهه)علم الاجتماع العربي( عالم الاجتماع الج ا زئري جمال الدين غريد بالشخص المصاب بمرض غريب استعصى تشخيصه، وذلك بقوله:" وقد وقف علماء الاجتماع العرب مطولا على سرير المصاب بمرض نادر  استعصى تشخيصه واستلزم التشاور المكثف حوله، وهكذا فقد تعددت التشخيصات وتنوعت، فمنهم من يرد الأسباب إلى الخارج)الهيمنة الامبريالية( ومنهم من يعزوها الى الداخل)التخلف الأنظمة التسلطية واللا ديمقر اطية( ومنهم من يعزوها إلى علماء الاجتماع أنفسهم)مواقفهم من الطبقة البعيدة عن هموم واهتمامات الجماهير الشعبية(" 20 . والى جانب هذا النقد الذاتي الموجه لعلماء الاجتماع ببعضهم "فهو يرى تارة أن علماء الاجتماع العرب في معظمهم مصابون بالازدواجية والاستلاب، فهم يهتمون بالفكر الغربي أكثر مما يهتمون بمجتمعاتهم، فهم يعيشون بأجسامهم في الشرق وبعقولهم في الغرب، ويضيف البعض بأن السبب يكمن أيضا في الابتعاد عن الإسلام ومقوماته الثقافية والاجتماعية، وهو يرى تارة أخرى أنهم مصابون بكسل مزمن فيكتفون باستيراد الأفكار السوسيولوجية الجاهزة عوض بذل الجهود تلو الجهود

للتصدي العلمي الرزين لمجتمعاتهم قصد إنتاج معارف مقنعة حولها." 21 لكن وبالرغم من ذلك، فلا ا زلت هناك مجهودات بحثية لعلماء اجتماع عربي نابع من صميم المجتمع العربي، ولم تقتصر على الإبداع في الجانب النظري، بل تجاوز ذلك

إلى محاولات جادة لاستلهام تقنيات البحث الميداني من المدرسة البريطانية 22 .غير أن تباينها كان أكثر من توافقها مما يجعلها مشتتة وغير مؤثرة، فمنه من حاول إعادة تفسير التراث باستعمال أدوات معرفية حديثة، على سبيل المثال: محمد عابد الجابري ومحمد أركون، وحسن حنفي، ونصر حامد أبوزيد، وفهمي جدعان. ومنهم من حاول تطبيق المنهج المادي للتاريخ، أو أفكار النزعة التاريخية، مثل عبد الله العروي وسمير أمين، وحسن مروة، ومنهم من أستلهم المناهج الحديثة في العلوم الاجتماعية في فهم التر اث مثل علي الوردي، وهشام ش ا ربي وسعد الدين إبر اهيم، ومحمد جابر

الأنصاري. ثم إن أولئك الباحثين الاجتماعيين العرب ودر استهم، بالرغم من التراكمات البحثية لديهم، لم يشكلوا مدرسة خاصة بهم ونابعة من صميم المجتمع العربي، أو نظري أو اتجاه بحثي يكون مرجعا وسند يعول عليه في كل بحث اجتماعي مستقبلي في المجتمع العربي. فهل هذا يرجع الى علماء الاجتماع أنفسهم، أم إلى زبائنهم )الدولة والمجتمع(، الذين لا يأخذون بعلمهم ولا يطلب أ ريهم بالرغم من المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع، ولعلنا نجد الإجابة في سؤال سعد الدين إبر ا هيم)عالم اجتماع مصري معاصر(:" ماذا يحدث للمجتمع العربي إذ اختفى علماء الاجتماع فجأة من العالم العربي؟"،ثم يجيب هو بنفسه" بالطبع لا يحدث شيئا للمجتمع العربي لا بالسلب ولا بالإيجاب، إذا اختفى علماء الاجتماع فجأة من العالم العربي". وهنا يصدق قول المرحوم جمال الدين غريد" أن السوسيولوجيا كانت في البدء وما زالت في المجتمعات الغربية كالسمكة في الماء، أما في ماسواها فهي عبارة استيرا د وأقلمة أو وزرع" ويبقى لكل مجتهد مصاب.

الهوامش:

1 جمال الدين غريد، عالم الاجتماع والأنثروبولوجية جامعة وهران، لديه ما يقارب 45 سنة تدريس في الجامعة الجزائرية، ومؤلفات عديدة، توفي رحمة الله عليه، يوم 24 2013 بوهران.

2 جمال الدين غريد، الزرع الإشكالي للسوسيولوجية في العالم العربي حالتا مصر

والج ا زئر، وقائع ملتقى علم الاجتماع والمجتمع في الج ا زئر، دار القصبة للنشر،

. الج ا زئر،2004 ، ص الج ا زئر، المرجع السابق، ص 70

3. -HOBSBAWAM E., 1érre des révolutions, paris, Fayard, 1969.p.10.

4. Selon M. Mauss, Essais de sociologie, Ed. de Minuit, 1968 et 1969, Paris, p.68.-4

5 سيف الإسلام شوية، السوسيولوجية في المجتمعات العربية المعاصرة بين الطروحات الغربية ومحاولات تشكيل خصوصية فكرية واجتماعية، علم الاجتماع والمجتمع في الجزائر، علم الاجتماع والمجتمع في الج ا زئر، تنسيق عبد القادر . لقجع، دار القصبة، الجز ائر 2004 ، ص 45

.6 . سيف الإسلام شوية، نفسه، ص 46

.7 نفسه، ص 47

.8 . نفسه، ص 48

9 يكتب طه حسين في مذك ا رته أنه هو الذي بادر بالاتصال بدوركايم بعد إن سمع دروسه في علم الاجتماع" وشغف به أي شغف" ويذكر أيضا أنه وقبل مناقشة الدكتو ا ره أختار موضوعين أثنين أحدهما علم الاجتماع كما يتصوره أوغيست

كونت، مذك ا رت طه حسين، بيروت، دار الآداب، بدون تاريخ، ص 193 .، نقلا . عن جمال الدين غريد المرجع السابق، ص68

10 جمال الدين غريد، إشكالية الزرع السوسيولوجي في المجتمع العربي، علم . الاجتماع والمجتمع في الج ا زئر، المرجع السابق، ص69

.11 . نفسه،ص 69

.12 وُلد علي الوردي في الكاظمية في الع ا رق، في أسرة فقيرة ولكنها مرموقة في مجال العلم والأدب والشعر والتجارة، بدأ تعليمه الابتدائية ببلدته، ثم واصل تعليمه الثانوي الى ان تحصل على درجة البكالوريوس سنة1936 ، وقبل ذلك

بسنة1935 (، بدأ بكتابة مقاتلاته الأدبية في بعض الصحف والمجلات البغدادية.

13 علي الوردي "سيرورة حياة"، مجلة أضافات، العدد السادس عشر، 2011 ،ص

. ص 13-12

.14 لقجع عبد القادر، تعريب جمال الدين غريد، علم الاجتماع والمجتمع في . الج ا زئر، مرجع سبق ذكره، ص 11

15 سيف الإسلام شوية، السوسيولوجية في المجتمعات العربية المعاصرة بين الطروحات الغربية ومحاولات تشكيل خصوصية فكرية واجتماعية، علم الاجتماع . والمجتمع في الج ا زئر، المرجع السابق، ص47

.16 مثلا قام أيليا رزيق )باحث أمريكي من أصل عربي( بد ا رسة عن طبيعة الدولة في المجتمع العربي وهي د ا رسة تبين ان المقولات الغربية لا تنطبق على عالمنا العربي لأن الدولة في المجتمع العربي كان لها مواصفات مختلفة عن الدولة في المجتمع الغربي، انظر سهير لطفي وآخرون: إشكالية العلوم الاجتماعية في ، الوطن العربي، مجلة شؤون عربية، عدد، جامعة الدول العربية، تونس،1982 . ص141

.17 . سيف الإسلام ش وية، المرجع السابق، ص47

.18. جمال الدين غريد مرجع سبق ذكره، ص 77

.19 . عبد القادر لقجع، المرجع السابق،10

20. جمال الدين غريد، المرجع السابق، ص77

.21 . نفسه، ص78

.22 . نفسه، ص 51__