​إن البحث العلمي نظام متكامل وهادف يتمثل في مجموعة من الخطوات البنائية المترابطة من أجل الوصول إلى غايات تخدم حاجات الإنسان، وللبحث في العلوم الاجتماعية بصفة عامةوفي علم الاجتماع بصفة خاصة ميزات معينة تعزى إلى طبيعة الظواهر الاجتماعية وهو ما جعل منهجية البحث العلمي فيه وعلى وجه الخصوص لها خطوات ميزات معينة بداية باختيار موضوع البحث وضبط الاشكالية وهما الخطوتين التي سيتناولهما هذا الدرس بالتفصيل والتمحيص.​








 

محاضرات في مقياس الحركات الاجتماعية

 

مقدمة:

يعد موضوع الحركات الاجتماعية من اهم المواضيع السوسيولوجية الحديثة التناول قديمة الفعل، ذلك ان الفعل الاحتجاجي ظهر منذ أن وطأت قدم الانسان على هذه الارض ، فطبيعة الانسان الرفض وعدم قبول الكثير مما هو في واقعه المعاش وتعبيره عن رفضه وعدم رضاه عن أمور في واقعه تدفعه الى ألتعبير عن هذا الرفض بوسائل شتى منها السلمي ومنها العنيف ، والتاريخ البشري يشهد عن حوادث عديدة ومظاهر كثيره لهذا الرفض وبوسائل وأدوات متعددة ، هدفها التغيير أو الاصلاح أو التعديل من واقع غير مرض لهؤلاء الفاعلين الاجتماعيين..

وقد جاء اهتمام الباحثين والدارسين بفهم هذا الشأن الاحتجاجي متأخرا ،منتصف  القرن 19 عشر على يد الالماني لورنز فون شتاين في كتايه المنشور سنة 1842الموسوم ب'الحركات الاجتماعية في فرنسا من1798الى 1950وقد لفت هذا الكتاب انتباه الباحثين والدارسين  لفهم طبيعة وماهية الحركات الاجتماعية ودورها في التغيير الاجتماعي .

أولا: مفهوم ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ:

   تعرف الحركة لغة:  حرك يحرك حركة وحركا وحركه فتحرك ، والحركة ضد السكون.[1]

أما ﻤﻔﻬﻭﻡ الحركة ﺴﻭﺴﻴﻭلوجيا  ﻫﻲ ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭلها ﻫﺩﻑ ﻤﺴﻁﺭ ﻤﺴﺒﻘﺎ ﻤﺜل الحركة الوﻁﻨﻴﺔ،الى ﺠﺎﻨﺏ ﻋﻠﻡﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻉ، ﻋﻠﻡ السياسة، ﻫﻨﺎﻙ التاﺭﻴﺦ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ اللذﺍﻥ ﻴﺘﺩﺨﻼﻥ ﻓﻲ ﺘﺤﻠﻴل ﻭﻤﻌﺎلجة الحركة ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔﺍﻨﻁﻼﻗﺎ ﻤﻥ ﻭﻀﻊ ﺘﺎﺭﻴﺨﻲ ﻤﻌﻴﻥ، ﺘﺘﺤﺩﺩ الحركة ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺒﺄﺸﺨﺎﺹ ﻭ ﺃﻓﻜﺎﺭ–ﺃﻫﺩﺍﻑ-ﻤﻌﻴﻨﺔ ﻭﻓﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻻﺘﺠﺎﻩ ﺘﻌﺘﺒﺭ الحركة ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ، ﻭﻫﻲ ﺘﻴﺎﺭ ﻓﻜﺭﻱﺍﺨﺘﻠﻑ المفكرون ﻓﻲ ﺘﻌﺭﻴﻔﻬﻡ الحركة ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺒﺄﻨﻬﺎ ذلك ﺍلجهدالجماعي الرﺍﻤﻲ ﺇلى ﺘﻐﻴﻴﺭ ﻁﺎﺒﻊ العلاﻗﺎﺕﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ المستقرﺓ ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤﻌﻴﻥ.

 والحركة ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔmouvementsocialﻴﺸﻴﺭ ﻤﺼﻁﻠﺢ الحركة ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺇلى الجهد الملموﺱ ﻭﺍلمستمرالذي ﺘﺒﺫله ﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﻌﻴﻨﺔ ﻤﻥ ﺃﺠل الوﺼﻭل ﺇﻝﻰﻫﺩﻑ ﺃﻭ ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥﺍﻷﻫﺩﺍﻑ،ﻭﻴﺘﺠﻪ ﻫﺫﺍ الجهد ﻨﺤﻭ ﺘﻌﺩﻴل ﺃﻭ ﺘﻐﻴﻴﺭ ﺃﻭ ﺘﺩﻋﻴﻡ ﻤﻭﻗﻑ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻗﺎﺌﻡ".  [2]

ويشير مصطلح الحركة الاجتماعية كذلك الى "الجهد الملموس والمستمر الذي تبذله جماعة اجتماعية معينة من أجل الوصول الى أهداف مشتركة،ويتجه هذا الجهد نحو تعديل أو تغيير أو تدعيم موقف اجتماعي  قائم ،على أن هذا التعريف لم يتناول مسائل مثل درجة التنظيم في الجماعة أو وضوح الاهداف ، وهذه المسائل من حركة اجتماعية الى حركة اجتماعية أخرى.[3]

 والحركة "جماعات من الناس تنظم الى بعضها بحثا عن تغيير سياسي ،أو اقتصادي أو ثقافي ، وعلى الخصوص تغيير اجتماعي ،ففي أمريكا أوحت حركات الحقوق المدنية والسلطة السوداء والحركة المضادة للحربوحركة الطلاب والنساء والبيئة وحركة المستهترين بلقب جديد هو الحركات الاجتماعية ،وفي الوقت نفسه واصلت الشعوب المستعمرة ولا سيما في القارة الافريقية تغييرا سياسيا جذريا بوصفها حركات شعبية ثورية.[4]

ﺃﻤﺎﺍﻟﻤﻭﺴﻭﻋﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻜﺴﻴﺔ ﻓﺘﻌﺭﻑ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻨﻬﺎ"ﺤﺭﻜﺔ ﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﺫﺍﺕ ﻭﻋﻲ ﺫﺍﺘﻲ،

 ﻭﺘﻤﺜل ﺇﺘﺤﺎﺩﺍ ﺤﻭل ﻗﻨﺎﻋﺔ بمثل وﺃﻓﻜﺎﺭ ﺃﻜﺜﺭ ﻤﻤﺎ ﺘﻤﺜل ﺴﻌﻴﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ ﻻ ﺘﻜﻭﻥ ﺒﻌﻴﺩﺓ ﺘﺤﺕ

ﺍﻟﺴﻁﺢ" [5]

ﺃﻤﺎﻫﺭﺒﺭﺕ ﺒﻠﻭﻤﺭﻓﻴﻌﺭﻑ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ"ﺃﻨﻬﺎ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺠﻬﺩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺭﺍﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺘﻐﻴﻴﺭ ﻁﺎﺒﻊ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺭﺓ ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤﻌﻴﻥ،ﺃﻭﺃﻨﻬﺎﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻥ ﻤﺸﺭﻭﻉ ﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﺘﺜﺒﻴﺕ ﺩﻋﺎﺌﻡ ﻨﻅﺎﻡ ﺠﺩﻴﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﻭﻫﻲ ﺘﻌﺒﺭ ﺃﺴﺎﺴﺎ ﻋﻥ ﺤﺎﻟﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﻠﻕ ﻭﺘﺴﺘﻤﺩ ﺒﻭﺍﻋﺙ ﻗﻭﺘﻬﺎ ﻤﻥ ﻋﺩﻡ ﺍﻟﺭﻀﺎ ﻋﻥ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴﺎﺌﺩﺓ ﺤﻴﺙ ﻜﻠﻤﺎ ﻨﻤﺕ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺇﻜﺘﺴﺒﺕ ﺸﻜﻼ ﺃﻜﺜﺭ ﺘﻨﻅﻴﻤﺎ.[6]

ﻭﺘﻌﺘﺒﺭﺍﻝﺤﺭﻜﺔﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ:ﺠﻤﺎﻋﺔ ﻜﺒﻴﺭﺓ ﻤﻥ الناس الذين ﻴﻨﺨﺭﻁﻭﻥ ﻓﻲ السعي لتحقيق ﻋﻤﻠﻴﺔ التغيرﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲﺃﻭ الوﻗﻭﻑ ﻓﻲ ﻭﺠﻬﻬﺎ،ﻭﻋﺎﺩﺓ ﻤﺎ ﺘﺭﺘﺒﻁ الحركات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺒﻌﻼﻗﺎﺕ ﺼﺭﺍﻋﻴﺔ ﻤﻊ ﺘﻠﻙ التنظيمات التي ﺘﺘﺒﻨﻰ ﺃﻫﺩﺍﻓﺎ ﻭﺭﺅﻯ ﻤﻌﺎﺭﻀﺔ لها،ﻭﻤﻊ ذلك، ﻓﻤﺎ ﺇﻥﺘﻨﺠﺢ الحرﻜﺎﺕ ﻓﻲ ﺘﺤﺩﻱ القوﺓ،ﻭﺘﺘﺨﺫ ﺸﻜﻼﻤﺅﺴﺴﻴﺎ ﺤﺘﻰ ﺘﺘﺤﻭل ﺇلى ﺘﻨﻅﻴﻤﺎﺕ .[7]

 ﻜﻤﺎ ﻴﺭﻯ ﺘﻠﻲ" ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﺘﻨﺘﻔﻊ ﺃﻭ ﺘﺴﺎﻋﺩ ﻋﻠﻰ ﺨﻠﻕ ﻤﻨﺎﺥ ﻴﺘﻴﺢﺍﻟﻤﺠﺎل ﻟﻠﺘﺂﻟﻑ

ﻭ ﺘﺭﻜﻴﺏ ﺜﻼﺙ ﻋﻨﺎﺼﺭﺃﺴﺎﺴﻴﺔ

1-ﺍﻟﺤﻤﻠﺔ: ﻤﺠﻬﻭﺩ ﻋﺎﻡ ﻤﺴﺘﺩﺍﻡ ﻭ ﻤﻨﻅﻡ ﻴﻤﻠﻲ ﻤﻁﺎﻟﺏ ﺠﻤﺎﻋﻴﺔ.

2-ﺫﺨﻴﺭﺓ ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ: ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻥ ﺘﻭﻅﻴﻑ ﻟﺘﻭﻟﻴﻔﺎﺕ ﻤﻤﻜﻨﺔ ﻤﻥ ﺃﺸﻜﺎل ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ

ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ: ﺨﻠﻕ ﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﻭﺘﺤﺎﻟﻔﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﺃﻫﺩﺍﻑ ﺨﺎﺼﺔ، ﻟﻘﺎﺀﺍﺕ ﻋﺎﻤﺔ، ﻤﻭﺍﻜﺏ ﻤﻬﻴﺒﺔ، ﺇﻋﺘﺼﺎﻤﺎﺕ،

ﻤﺴﻴﺭﺍﺕ، ﻤﻅﺎﻫﺭﺍﺕ، ﺤﻤﻼﺕ ﻤﻨﺎﺸﺩﺓ، ﺒﻴﺎﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻤﻁﻭﻴﺎﺕ ﺃﻭ ﻜﺭﺍﺴﺎﺕ ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ.

3-ﻋﺭﻭﺽ ﺍﻟﻭﻗﻔﺔ: ﺘﻤﺜﻴل ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻜﻭﻥ ﻟﺠﻤﻠﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻤﺔ ﺍﻟﻤﻭﺤﺩﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﺠﺩﺍﺭﺓ، ﺍﻟﻭﺤﺩﺓ،ﺍﻟﺯﺨﻡ ﺍﻟﻌﺩﺩﻱ، ﻭﺍﻹﻟﺘﺯﺍﻡ ﺘﺠﺎﻩ ﺃﻨﻔﺴﻬﻡ ﻭ/ﺃﻭ ﺘﺠﺎﻩ ﻗﺎﻋﺩﺘﻬﻡ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ.[8]

ﻭﻴﺘﺤﺩﺩ ﻁﺎﺒﻊ الحرﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﻥ ﻁﺒﻴﻌﺔ الفاﻋﻠﻴﻥ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﻴﻥ الذﻴﻥ ﻴﺘﺒﻨﻭﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﺎ، ﻭﻤﻥ ﺨﻼل الشرﻴﺤﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ التي ﺘﻠﺘﺯﻡ بالدﻓﺎﻉ ﻋﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﺎ،ﺘﻤﺜل الحرﻜﺎﺕﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﻨﺎﻤﻴﻬﺎ ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﺃﻫﺩﺍﻓﻬﺎ ﻭﻋﻤﻠﻬﺎ ﻭﻋﺎﺀ للعمل ﺘﺘﺠﻤﻊ ﻓﻴﻪ المجموﻋﺎﺕﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭالمهنية ﻭﻤﺠﻤﻭﻋﺎﺕ  المصالح "الحركة ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ  التقليدﻴﺔ التي ﺴﻤﻴﻨﺎﻫﺎ بالكلاسيكية ﻫﻲ الحركةالتي ﺘﻌﺘﻤﺩ ﻋﻠﻰ ﻓﺎﻋﻠﻴﻥ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﻥ"ﺘﻘﻠﻴﺩﻴﻴﻥ"ﺃﻭ ﻜﻼﺴﻴﻜﻴﻴﻥ ﻤﺜل العمال، الطلبة، ﺍﻝﻨﺴﺎﺀ، ﺃﺭﺒﺎﺏ العمل ...،ﻭ الحركة التي ﺘﻌﺒﺭ ﻋﻥ ﻨﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺀﺍﺕ ﻋﺼﺭﻴﺔﻤﺜل الجامعة،المصنع ﻭﻤﻜﺎﻥ الشغل ﻋﻤﻭﻤﺎ...

ﻭﺘﻌﺒﺭ ﻋﻥ ﻨﻔﺴﻬﺎ ﺴﻴﺎﺴﻴﺎ ﻤﻥ ﺨﻼل ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥﺍﻷﺤﺯﺍﺏ ﻭالجمعياﺕ ﻭالنقابات ﺘﺤﺴﺏ ﻋﻤﻭﻤﺎ ﻋﻠﻰالتيار الديمقراطي".[9]

 ﻭﺒﺎﻟﺭﻏﻡ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﻀﻭﺭ ﺍﻟﻘﻭﻱ ﺍﻟﺫﻱ ﺃﺼﺒﺤﺕ ﺘﺴﺠﻠﻪ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﺤﺘﺠﺎﺠﻴـﺔ ﻓـﻲ ﻤﺨﺘﻠـﻑ ﺍﻷﻨﺴـﺎﻕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ، ﻓﺈﻥ ﺍﻴﺠﺎﺩ ﻤﻔﻬﻭﻡ ﺩﻗﻴﻕ ﻭﻤﺤﺩﺩ ﻟﻬﺎ ﻤﺎﺯﺍل ﺒﻌﻴﺩﺍ، ﻓﻤﺎﺯﺍل ﺘﻌﺭﻴﻑ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﻴﻌـﺭﻑ ﺍﺨﺘﻼﻓـﺎﺕ ﺘﺒﻌﺎ ﻟﺘﻌﺩﺩ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻨﻁﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﻨﻅﺭﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ، ﻟﺫﺍ ﻓﺈﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺭﻏﻡ ﻤـﻥ ﻜﺜـﺭﺓ ﺍﻟﺘﻌﺭﻴﻔـﺎﺕ ﻟﻠﻤﻔﻬـﻭﻡ ﺍﻟﺤﺭﻜـﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺎﺤﺙ ﻴﻭﺍﺠﻪ ﺠﻤﻠﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺼﻌﻭﺒﺎﺕ ﻋﻨﺩ ﺍﻟﺘﺼﺩﻱ ﻟﺘﻨﺎﻭلﻫﺫﻩ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﻭﺘﺤﺩﻴﺩ ﺨﺼﺎﺌﺼﻬﺎ ﻭﺃﻨﻤﺎﻁﻬـﺎ ﻭﻴﻌﻭﺩ ﺫﻟﻙ ﻟﻌﺩﺓ ﺃﺴﺒﺎﺏ ﻤﻥ ﺒﻴﻨﻬﺎ:

-ﺘﻨﻭﻉ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﻭﺍﺨﺘﻼﻑ ﺃﺩﻭﺍﺭﻫﺎ ﻭﺃﻫﺩﺍﻓﻬﺎ.

-ﺘﻌﺩﺩ ﺍﻻﺘﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻟﻨﻅﺭﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﺌﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﺴﺘﻬﺎ، ﺍﻷﻤﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺨﻠﻕ ﺼﻌﻭﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻤﻴﻡ ﺒﺸﺄﻨﻬﺎ [10]

 

لاحظنا عند استعراض الكتابات المفسرة لمفهوم الحركة الاجتماعية أن معظم الذين أسهموا في تقديم تعريف الحركات الاجتماعية ، قد أجمعو على وجود عدة عناصر أساسية لا بد من توافرها في الحركة الاجتماعية حتى تستحق هذا المسمى ، هذه العناصر هي:

-جهود منظمة ، ومجموعة مشاركين، وأهداف ، وسياسات ، وأوضاع وتغيير ، ومكونات فكرية محركة ، ووسائل تعبئة ، فالحركات الاجتماعية "هي تلك الجهود المنظمة التي تبذلها مجموعة من المواطنين بهدف تغيير الاوضاع ،او السياسات ، او الهياكل القائمة لتكون أكثر اقترابا من القيم التي تؤمن بها الحركة "

العناصر نفسها نجدها في التعريف التالي "يمكن الاشارة الى الحركة بالمعنى الاجتماعي ، باعتبارها قياما بعدد من الانشطة للدفاع عن مبدأ ما ،او الوصول الى هدف ما ، كما تتضمن الحركة الاجتماعية وجود اتجاه عام للتغيير ، وهي تشمل أيضا مجموعات من البشر يحملون عقيدة او أفكارا مشتركة ،ويحاولون تحقيق بعض الاهداف العامة.

كما يشير البعض الى أن الحركات الاجتماعية تتكون من مجموعة من الناس ينخرطون في أنشطة محددة ويستعملون خطابا يستهدف تغيير المجتمع ، وتحدي سلطة النظام السياسي القائم ، كما يقترن مفهوم الحركة الاجتماعية بمفهوم القوة الاجتماعية ، والقدرة على التأثر واحداث التغيير.[11]

    واذاكان لمفهوم الحركة الاجتماعية جذور في النصوص المؤسسة لعلم الاجتماع فان ذلك مرتبط بالضرورة  بتسليم علماء الاجتماع الاوائل بالحقيقة التاريخية للمجتمعات على أن المنطق في ذلك لا يمكن أن يكون سوى ما كتبه كارل ماركس حول الرأسمالية باعتبارها نمط انتاج يقوم على التوزيع غير العادل للثروة والنفوذ على حد سواء اي بين من يملك رأس المال ويوظفه لتقوية نفوذه وتطويع النظام لفائدته من ناحية ومن لا يملك غير قوة العمل دون أن تكون له القدرة على التحكم فيها من ناحية أخرى ، على أن الصراع بينهما هو ما يحرك التاريخ ، أما المنطلق الثاني الذي لا نراه أقل أهمية من الاول فهو ما خلده عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر وتحديدا ما أتاحه من فرص للانتباه الى المعطيات الميكروسوسيولوجية  ودورها في تحريك عجلة التاريخ وهي مسألة يمكن ملاحظتها على مستوى الافعال الانسانية في معنييها الفردي والجماعي التي اعتمد عليها فيبر لتحليل كيفية نشوء الرأسمالية تاريخيا.

وعلى هذا الاساس نلاحظ أن مفهوم الحركة الاجتماعية قد تأصل ابستيمولوجيا ضمن تمثل طبقي للمجتمع حيث يكون الصراع على أشده من أجل السيطرة على المجتمع وتوجيه التغير الاجتماعي لصالح طبقة معينة دون أخرى ، وتبعا لذلك أختزلت كتابات "توران" الاولى مفهوم الحركة الاجتماعية في الحركة العمالية باعتبارها حركة تستهدف تغيير النظام الاجتماعي الطبقي وتدافع على مصلحة طبقة معينة وتحمل مشروعا مجتمعيا مغايرا.

ولعل هذا البعد الطبقي الذي أكده توران في تعريفه لمفهوم الحركة الاجتماعية هو ما جعله لا يعتبر الحركات الشعبوية التي ظهرت في سبعينات القرن العشرين وثمانيناته حول مسائل الجهوية أو البيئة أو النسوية حركات اجتماعية قادرة على تعويض الحركة العمالية ، ولعله نفس البعد الذي يولي أهمية كبيرة للمعنى السياسي للحركة الاجتماعية باعتبارها شكلا من أشكال الفعل الجماعي وعنصرا هاما من عناصر الحياة السياسية وهي نفس الاهمية التي أعطاها للمعنى الايديولوجي لحركة الاجتماعية باعتبارها منتجة لتمثل معين للروابط الاجتماعية ، وهنا يكون مفهوما أساسيا في التحليل..

أما المفهوم الحديث للحركة الاجتماعية فقد ارتبط مفهوم الحركة الاجتماعية في التمثل الثوراني الكلاسيكي بشكل مباشر بنموذج المجتمع الرأسمالي الطبقي واقترن في بداية الامر بالحركة العمالية والنقابية وذلك كثيرا ما كانت الدولة هي الخصم الاساسي لكل الحركات الاجتماعية باعتبارها مؤسسة تسلطية تشرع التسلط وربما لهذا السبب كانت الحركة العمالية سياسية بامتياز تحمل الدولة مسؤولية المشكل الذي تقوم على أساسه عملية التعبئة.[12]

ثانيا:المفاهيم المشابهة لمفهوم الحركات

   هناك مجموعة من المفاهيم التي تدور في فلك الحركات قد تتداخل معها حينا وقد تتشارك معها نفس المعاني احيانا أخرى وقد تستخدم كأداة ووسيلة للحركات الاجتماعية للوصول الى مطالبها ، ومن هذه المفاهيم نجد :

1-اﻟﺤﺮكات الاحتجاجية: هي " أكال متنوعة ﻣﻦ اﻻﻋﺘاض ، تستخدم أدوات يبتكرها المحتجون للتعبير

الرفض أو لمقاومة الغوط الواقعة عليهم أواﻻﻟﺘﻔﺎف حولها وھﻲ أشكال منتشرة ﻓﻲ

كافة الفئات الاجتماعية وخاصة الواقعة منها تحت اﻟﻀﻐط الاجتماعية والسياسية وقد تتخذ

أكالا هادئة أو هيئات غير منظمة  .[13]

ﻓﻲ ﺴﻴﺎﻕ ﺩﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﻭﻋﻴﺔ ﺒﺎﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ ﻴﺠﺏ ﺍﻟﺘﻌﺎﻤل ﻤﻌﻬﺎ

ﻜﻨﻅﺭﻴﺔ ﻭﺃﺤﺩﺍﺙ ﺘﺎﺭﻴﺨﻴﺔ، ﺘﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺇﺤﺩﺍﺙ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺭ، ﻭﺒﺎﻟﺭﻏﻡ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﺭﺍﺒﻁ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻤﺭﺍﺤل ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺨﻴﺔ

ﻭﺍﻹﺘﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻟﻤﺩﺭﺴﻴﺔ ﻟﻠﺤﺭﻜﺘﻴﻥ ﺍﻹﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ ﻭﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻬﻤﺎ ﻴﺨﺘﻠﻔﺎﻥ ﻓﻲ ﺜﻼﺙ ﺼﻔﺎﺕ ﺘﺘﻌﻠﻕ ﺒﻁﺒﻴﻌﺔ ﻜل

ﻤﻨﻬﻤﺎ [14]

 

يمكن القول ان ظاهرة الحركات الاجتماعية او الاحتجاجات عابرة لمختلف النظم السياسية ،فهي موجودة في االنظم الديمقراطية وغير الديمقراطية ، ولكنها في الاولى عادة ما تؤدي الى تطوير النظام ، ولفت انتباهه الى ثغرات ومظالم اجتماعية او تهميش سياسي،وهو ما يؤدي بدوره الى تحسين ادائه ، واحيانا الى تجديد نخبته ، أما في الثانية فانها تكرس وربما تعمق أزماته لانه عادة ما يعجز عن الاستجابة لمطالب المحتجين بشكل سياسي بالاستجابة ولو لجانب من مطالبهم الاجتماعية عن طريق تغييرات في بنية العلاقة  بين النظام والمحتجين.

فهناك حركات احتجاجية لديها بعد سياسي ، وثانية لديها بعد مذهبي ، وهناك من ليس لها علاقة تذكر يالسياسة انما هي احتجاجات من اجل لقمة العيش ،وهناك من اختلط فيها الاجتماعي والسياسي والمذهبي في قالب واحد . [15].  

وهناك الكثير من التعريفات حول الحركات الاحتجاجية ، أغلبها لها علاقة بعوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية، فهي تسعى عموما الى ابراز المشاكل المعيشية الناتجة عن السياسات العامة الخاطئة للدولة ، تحديدا وبشدة السياسات الاقتصادية ، التي تزيد من حدة الاختلالات الاقتصادية داخل المجتمع ، وبانشقاقات التي تحدث من خلالها ، بين السلطة الحاكمة والشعب، الامر الذي يؤدي الى المزيد من عدم الاستقرار السياسي نتيجة التعبير الاجتماعي للغاضبين ، هدفه تغيير الوضع المجتمعي ، وذلك عن طريق حركات احتجاجية كردة فعل حتمية ومشروعة ، في ظل غياب قنوات الاتصال بين السلطة والشعب،أوغياب الوساطة عبر الآليات المعمول بها كالاحزاب ، النقابات ....الخ

وهذا ما يقودنا الى استخلاص  بأن كلا من الحركة الاجتماعية والحركة الاحتجاجية لهما نفس العناصر المميزة ،  بينهما علاقة وطيدة ، بحيث الثانية تعد وليدة الاولى . [16]

2-الانتفاضة:تتميز اجمالا بعنفها الجماعي ، وبعفويتها ، وبسرعة زوالها ، أما الحركة الاجتماعية فهي بناء منظم لصيرورة جماعية تهدف الى الدفاع عن المصالح المادية المعنوية لفئة أو أكثر من فئات المجتمع وتعتمد هذه الافعال الجماعية أساسا على اختيار عقلاني يوجه السلوكات الاجتماعية كإضراب العمال أو الموظفين ،أو الطلبة أو حركات الشباب العاطل عن العمل الحاصل على الشهادات ، وهو سلوك جماعي منظم يتميز بالسلمية ، وبعد أمد حياة الانتفاضة قصيرا مقارنة بالحركة الاجتماعية التي قد تكون لها ديمومة زمنية.

ويبقى مصطلح الانتفاضة تعبيرا جماعيا تلقائيا لا يحدده ويعبئه بصفة مباشرة او غير مباشرة اي بعد هوياتي عرقي او اثني او لغوي....

وتكتسي الانتفاضة في المدن الغربية أشكال صراعات عنصرية وتظهر في الحواضر الكبرى التي يتمركز فيها المهاجرون بصفة مكثفة،والذين ينتمون الى فئات اجتماعية هشة ومهمشة يسود فيها البطالة وعدم التمثيل السياسي لسكان ما يسمى "الاحياء الصعبة" في فرنسا "الغيتو "في الولايات المتحدة الامريكية .

ويحتاج انطلاق شرارة الانتفاضة في ظل نظام متسلط الى ارضية ملائمة كالاجواء المتوتر داخل المدينة والذي يمكن ان تحققه مثلا  الدعوة الى الاضراب العام التي تخلق جوا متوترا في المدن الكبرى ،كما يمكن ان تظهر الانتفاضة في الالمجال المهمش الذي تقطنه الشرائح الاجتماعية الهشة،والتي تتميز بكثافة ديمغرافية عالية،ويمكن أن نضيف الى هذه العوامل الغياب النسبي لاجهزة الدولة ورجال سلطتها في المناطق الهامشية ، الضعف الكبير في التجهيزات والمرافق الاجتماعية التي من شأنها أن تملأ أوقات فراغ الشباب ، وأخيرا غياب مؤسسات فعالة تؤدي دور الوسيط (مثل الجمعيات ، ولجان الاحياء، والاحزاب...الخ)بين أجهزة الدولة والسكان ، والتي تتيح للسخط الاجتماعي أن يتجلى ويعبر عن نفسه سلميا عبر قنواته الملائمة .

ان أمد حياة الانتفاضة قصير مقارنة بالحركة الاجتماعية التي قد تكون لها ديمومة زمنية ، وقد يكون موت الانتفاضة أحيانا اعلانا عن ميلاد حركة اجتماعية أوسياسية منظمة، كما حدث في الجزائر سنة 1988 إذ ظهرت بعد ثلاثة أيام من الانتفاضة حركات بشعارات جديدة حملتها الحركات الاجتماعية ، أما حالة تونس سنة 2010بعدما تحولت الانتفاضة الى ثورة انطلقت شرارتها من مدينة صغيرة ومهمشة وغطت بعد ذلك الجهة والمدن المجاورة لتصل الى تونس العاصمة حيث دامت 29 يوما لتنتهي بمغادرة رئيس الدولة الى السعودية.

ولا يعني الطابع المؤقت العابر وغير منظم الذي تتميز به الانتفاضة أن ليس لها تأثير في الحقلين السياسي والاجتماعي ، وكذلك المجالي ، فقد استغلت مثلا حركات الاحتجاج الاجتماعية فيما كان يسمى بأوروبا الشرقية في يوغسلافيا من قبل "الحركات القومية "وكانت لاحداث الانتفاضة التي وقعت في جويلية 1981 في المغرب وفي اكتوبر 1988 في الجزائر نتائج وانعكاسات مهمة.

وتتميز الانتفاضة بانها قابلة لاستغلالها وتحويل اتجاهها من قبل مجموعة (اجتماعية او سياسية )لتجعل من نفسها حركة اجتماعية تكتسب صفة الدوام والاستمرار .[17]

3-الثورة:

   لم يكن هناك تحديدا واضحا لمفهوم الثورة ، وهذا راجع الى الكلمة أصبحت تطلق على عدد كبير من الظواهر المختلفة حتى دخلت حقل اللهجة الدارجة ، وقد تمتد تغطيتها من التحرك المسلح وغير المسلح ضد النظام القائم في دولة ما،الى التحرك باسقاط النظام وتغييره ، مما يجعل تحديد مفهوم الثورة أمر صعب ، يبقى أن الغائب على مفهوم الثورة هو التمرد الشعبي ، بمعنى الخروج من الاطار الرسمي القائم الى الاطار غير الرسمي للاحتجاج ضد الضلم أو الاستبداد وطلبا للحق.

ويعرف ايريك هوبزباوم الثورة بأنها :"تحول كبير في بنية المجتمع ، مشيرا الى أربع مميزات لها وهي: الخصوصية (زمان ومكان الثورةولا تشابه بين ثورتين)،النصر،البعد الجغرافي للثورة (انتشار العدوى)، والتراكمية.

في حين أشار هيغل في كتابه "روح الثورة "على أنها:"الثورة على الاوضاع القائمة ، وأنها حركة تتسم برفض وأنكار ماهو قائم فعلا ، وانها اعادة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس عقلاني

وبعد هذا التوضيح وبعد تعريف الحركة الاجتماعية وكذا الحركة الاحتجاجية ، نرى جليا بأن الفرق بينهما صعب الوضوح ، وذلك بسبب التشايه الكبير بينهما،وهذا يؤدي بالكثيرين الى المزاوجة بين المفاهيم.[18]

ومن المنظور السوسيولوجي للثورة، يرى "بارسونز" أن الثورة بمثابة تعبير "دوركايمي"، أي أنها انحرافات مرضية تبعد عن التوازن المستقر لبنية السلطة ، أما "يوري كرازين" فينظر لها بمنظار الأدبيات الماركسية في تحليل التطور الاجتماعي ويقول "إن معنى الثورة الاجتماعية ووظيفتها لا يمكن فهمها إلا حينما ننظر إلى تاريخ المجتمع على حقيقته كسلسلة متصلة من التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية. والثورة شكل من أشكال الانتقال، كما أنها قفزة من التشكيل الاقتصادي والاجتماعي البالي إلى تشكيل أكثر تقدماً ، تكون الخاصية المميزة السائدة له ومضمونه السياسي هو انتقال السلطة إلى الطبقات الثورية.
وقد ربط عالم الاجتماع الفرنسي "إميل دوركايم"، مفهوم الثورة ب "ظاهرة الفوران الجمعي"، والتي تعبر عن تحرك جماعي لا يمكن تجاهله، ويتضخم بصورة ملحوظة من دون ضمان الاستمرار طويلا في حالة الفوران، وهي التي تتكون أساساً فيما بين الطبقات الأدنى في المجتمع، فالشعب يعيش حياة مزرية مرتبطة بالفقر في الأساس، إلى جانب نقص الحرية.

وفقا ل "جيدنز"، فإن الثورات تمثل طليعة الأساليب غير التقليدية في الحركات الجماهيرية المنظمة التي تُحدث تغييرات جذرية في النظام السياسي السائد باستخدام العنف. وتتطلب الحركات الثورية كما أشار جيدنز شروطا أساسية لاشتعال الثورة من أهمها أساليب استهواء الجماهير وتوجيهها، ويصاحبها عادة توترات وصراعات.
ويرى "روجر بيترسن Roger Petersen مؤلّف كتاب "المقاومة والتمرد"، أنّ الثورة تبدأ على شكل احتجاجات تأخذ بعدًا شعبيًّا تكسر حاجز الخوف أو ينسى الناس الخوف، ومن ثمّ تتحوّل إلى غضب شعبي عارم تطلَق عليه صفة ثورة.

فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي للثورة، من المهم أن نذكر إسهام "ماركس"، و"إنجلز"، حيث لم يقتصر هذا الإسهام علي بلورة نظرة محددة للثورة الفرنسية، بل تعدي ذلك إلي تطوير نظرية في الثورة الاجتماعية ذاتها، فإليهما يعود الفضل في تأكيد الجانب الاجتماعي للثورة. ومن هذه الزاوية نظرا إلي الثورة الفرنسية فوجدا أن طابعها السياسي كان أكثر وضوحاً وتأثيراً من طابعها الاجتماعي. فالحكم علي أي ثورة يجب أن يكون نابعاً من أهداف اجتماعية معينة. وقد حاولا "ماركس"، و"إنجلز"، إقامة نسق تاريخي للتطور الاجتماعي من خلال التركيز علي الأساس المادي، حيث فسرا التاريخ بأنه صراع بين الطبقات لا الأجناس. فإحلال نظام إنتاجي بنظام آخر يؤدي إلي ظهور ضغوط سياسية وتغيرات تتبعها الثورة.
ففي هذا السياق نجد من يستخدم مصطلح الثورة كتعبير للدلالة على تغييرات فجائية وجذرية تتم في الظروف الاجتماعية والسياسية في مجتمع ما، حيث تشير هذه الظروف إلى تغيير حكم قائم وتغيير النظام الاجتماعي والقانوني، وقد يتم هذا التغيير بصورة فجائية عنيفة.
ولم يقتصر استخدام مصطلح الثورة على التغيرات في النظم الاجتماعية والقانونية فحسب، بل استخدمه بعض المفكرين للتعبير عن تغييرات جذرية في مجالات غير سياسية كالعلم والفن والثقافة، الأمر الذي يشير إلى أن الجوهر المقصود من مصطلح الثورة هو "التغيير".
وقد استخدم مفهوم الثورة في مجال العلوم السياسية، علم الاجتماع السياسي للإشارة إلى التأثيرات المتبادلة للتغييرات الجذرية والمفاجئة للظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية.
وفي إطار التطرق إلى موسوعة علم الاجتماع نجد أنها تشير إلى مصطلح الثورة على أنه "التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، والتي تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً وجوهرياً من نمط سائد إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، وقد تكون سلمية، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية".

ومن هنا يصعب توضيح الفرق بين الحركة الاجتماعية والثورة بسبب التشابه الكبير الأمر الى يؤدي إلى المزاوجة بين المفهومين، فالحركة الاجتماعية تنظيم اجتماعي له هياكله ومؤسساته التنظيمية، ويهدف الى تحقيق أهداف محددة، ومن وسائل هذه الحركات الثورة، والتي يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق وتجسيد أهدافها.[19]

ومما سبق يمكن القول بأن هناك عوامــل عــدّة فــي اختيــار الفاعليــن للطــرق التــي ســيعتمدونها فــي احتجاجاتهــم،مثل مدى تهميش الفاعلين وادراكهم لمدى تأثير حركتهــم والحاجــة إلــى إيصــال احتجاجهــم وقضيتهــم إلــى الــرأي العــام.

ويرى الباحثون أن الفاعلون يعتمدون على السياق القائم من أجل تحديد التكتيكات التي سيعتمدونها والادوات  اللازمة  والنتائج المرغوبة ،ويركز بشكل عام على العالم من خارج الحركة الاحتجاجية من أجل فهم نوع التعبئةالتي يختارها الفاعلون  والمطالب التي يعبرون عنها والتكتيكات والاستراتيجيات التي يعتمدونها ومدى تأثيرهم على مؤسسات الدولة  .

 ويرى "تشارلز تلي" أن أولئك الفاعلين يختارون تكتيكات واستراتيجيات من ضمن طيف اعتراضي واسع،وذلك ربطا بالفرصة السياسية وسياق عملهم الاحتجاجي ، ويتصور "تيلي" العلاقة التاريخية ما بين نشوء المؤسسات السياسية الديمقراطية وتشريع الاحتجاج وتوسعه ليشمل أشكال أخرى من المشاركة السياسية غير التعطيلية .

أن الحركات الاجتماعية والاشكال الاخرى من التحركات الاعتراضية ،بما فيها اللاحركات والثورات اليومية العادية ليست ثابتة ،بل هي تنمو وتتحول وتذوي وتعود إلى الحياة بأشكال مختلفة ، فطريقة تطور الحركات الاجتماعية و الافعال الاحتجاجية لا يقتصر ارتباطها بالسياق والخصوم والفرص فحسب ،بل أيضا ترتبط بالفاعلين أنفسهم وشبكات علاقاتهم وحركاتهم الاعتراضية وكيفية جعل عملهم ذا مغزى. [20]

ثالثا: خصائص الحركات الاجتماعية:

تتميز الحركات الاجتماعية بمجموعة من الخصائص تجعلها تتميز عن باقي المفاهيم التي تتداخل مع مفهومها، ﻭﻻﺸﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻅﻬﺭ ﺍﻷﻜﺜﺭ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻷﻱ ﺤﺭﻜﺔ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻨﺎﺠﺤﺔ ﻭ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻭﻓﺎﺀ ﺒﺎﻟﺘﺯﺍﻤﺎﺘﻬﺎ،ﻴﺘﻤﺜل ﻓﻲ:

- ﻭﺠﻭﺩ ﺘﻨﻅﻴﻡ ﺨﺎﺹ ﺒﻬﺎ،ﻓﺎﻟﺘﻨﻅﻴﻡ ﻴﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺤﺩﻭﺩﺍ ﺘﺤﺩﺩ ﻤﻌﺎﻟﻡ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻴﻤيز ﻤﻥ ﺨﻼﻟﻬﺎ ﺒﻴﻥ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ ﻭﻏﻴﺭﺍﻷﻋﻀﺎﺀ، ﻭﺫﻟﻙ ﻤﻥ ﺨﻼل ﺍﻟﻤﺭﺍﻜﺯ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﺤﺩﺩﻫﺎ ﺍﻟﺘﺴﻠﺴل ﺍﻟﻬﺭﻤﻲ ﻟﻸﺩﻭﺍﺭ،ﺒﺎﻹﻀﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﺠﻭﺩ ﺃﻫﺩﺍﻑ ﻴﺴﻌﻰ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ،ﻭﺍﻟﺘﻨﻅﻴﻡ ﺒﻬﺫﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻴﻌﻨﻲ ﺍﻟﺘﻨﺴﻴﻕ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺠﻬﻭﺩ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺘﻭﻓﻴﺭ ﺍﻟﺭﻗﺎﺒﺔ ﻭﺍﻟﻤﺘﺎﺒﻌﺔ ﻟﻬﺫﻩ ﺍﻟﺠﻬﻭﺩ ،ﺤﺘﻰ ﻴﻀﻤﻥ ﺃﺩﺍﺀ ﻜل ﻋﻀﻭ ﻟﺩﻭﻩ ﺒﺸﻜل ﻤﻤﻴﺯ ﻭﻓﻌﺎل ،ﻭﻗﺩ ﺘﺤﺘﻭﻱ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻜﺜﺭ ﻤﻥ ﺘﻨﻅﻴﻡ ﻴﻌﺒﺭ ﻋﻥ ﺍﺘﺠﺎﻫﺎﺕ ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻜﺜﻴﺭﺓ،ﻭﻗﺩ ﻴﻜﻭﻥﹰ ﺍﻟﺘﻨﻅﻴﻡ ﻤﻐﻠﻘﺎﹰ.ﻭﺴﺭﻴﺎ

-ﻋﻨﺼﺭﺍﻻﺴﺘﻤﺭﺍﺭﻴﺔ:ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻌل ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺭ ﻫﻭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺅﻫلﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻨﺘﻤﺎﺀ ﻤﻔﻬﻭﻤﻴﺎ

ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻜﺠﻬﻭﺩ ﻤﻨﻅﻤﺔ ﻭﻏﻴﺭ ﻋﺎﺒﺭﺓ .[21]

كما لا بمكن إطﻼﻗﺎ أن نتصور حركة اجتماعية بلا خطاب مؤطر وﻣﻮﺟﮫ ﻟﻔﻜﺮة

اﻻحتجاج فالخطاب يعبر ﻋﻦ اﻟﺒﻨﯿﺔ الوفقية ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ اﻻجتماعية، ﻓﻲ ﺣﯿﻦ يمكن اﻋﺘﺒﺎر البحث

ﻓﻲ اﻟﻤﺂل ﺳﺆاﻻ مفصليا ﻓﻲ دراسة هذه اﻟﺤﺮكات، ﻟﻜونه ﯾﺪل ﻣﻦ خلال التفكير فيه ﻋﻠﻰ

اﻟﻤﺒﻨﻰ واﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﻔﺘﺮﺿﯿن لها.[22]  

وفيما يتعلق بالاستمرارية والحجم، فإننا نأخذ في الاعتبار أن الحركات الاجتماعية تمر بدورات تزدهر فيها أحيانا أنشطتها، وفي أحيان أخرى تخبو وتسكن. كما أننا لا نقتصر هنا على دراسة الحركات الكبرى. وفي هذا الصدد تختلف التقييمات، حيث يعتبر بعضهم أن تعبئة عشرات الأفراد يعد حركة، في حين أن تحرك المئات يعتبر حركة قوية .[23]

تتميز الحركات الاجتماعية بقدرتها على "النشاط قي الهامش الذي تسمح به الحكومة من الوجهة القانونية بالنشاط فيه ، في أماكن وأوقات معينة داخل البلاد"وهي بذلك عكس الحركات السرية المتخفية في ممارساتها من السلطات.

-تعتمد الحركات الاجتماعية على التعبئة الاولية للفاعلين والمراوغة ،"واستعمال حلبات اجتماعية ممأسسة كالاعلام ، السجون ، الانتخابات ،البرلمان،المجلس البلدي...وبواسطة الافعال الاحتجاجية تنتج كذلك مسرحا مميزا:أنه مسرح الصراعات الاجتماعية من خلال الاضرابات الاحتجاجات ،المقاطعة وحملات الرأي ".

-يعد التفاعل المستمر أحد أهم مميزات الحركات الاجتماعية ، ويشمل انتاج "التفاعل ثلاثة مكونات أساسية ، تكوينية كتفاعل "له معنى" ، وتكوينية كنظام أخلاقي ، وتكوينية كتفعبل لعلاقات قوة معينة"،فالجماعات في تكوينها، تتمأسس بتفاعلات أعضائها الذين رغم انتمائهم لها،تتباين مصالحهم ومستويات دوافعهم، مما يخلق داخل الجماعات والحركات فكرة الصراع ، فالصراع قائم بين الحركات والضد الذي تتنافس معه من أجل التغيير ،"وترتبط فكرة الصراع ، فالصراع قائم  بين الحركات والضدالذي تتنافس معه من أجل التغيير، وترتبط فكرة الصراع ارتباطا وثيقا بفكرة المصالح والتي تفترض مسبقا منطقيا "الحاجات" التي يستحضرها الفاعلون في عملية التفاعل " (
. -
تعتمد الحركات الاجتماعية على الديناميكية في نشاطھاوسيرورتھا في المجتمع،حتى الأعضاء الجدد المنتمين اليها،يكتسبون تلك الخاصية ، هذا ما يساعد في اعتماد الحركات على آلية الاحتجاج والعنف ضد المنافس ، سيما في غياب أطر نظامية لممارسة الاحتجاج ،ذلك أن أي من "الجماعات التجمعية يمكن لها توفير الوسائل لتنظيم الاحتجاج التعبيري والعنف ".[24]

ثالثا:ﻤﺭﺍﺤل ﺘﻁﻭﺭ،ﻓﻬﻡ ﻭﺘﺤﻠﻴلﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ

  ﻟﻔﻬﻡ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ ﻻﺒﺩ ﻤﻥ ﻭﻗﻔﺔ ﺴﻭﺴﻴﻭﺘﺎﺭﻴﺨﻴﺔ ﻟﻠﺠﺫﻭﺭ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻻﻨﺒﻌﺎثها ﻭﻀﻤﻥ ﻫـﺫﺍﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﻴﻤﻜﻥ ﺘﻘﺴﻴﻡ ﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺜﻼﺙ ﻤﺭﺍﺤل:

ﺃ-ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ : (ﻤﺎ ﻗﺒل1968)ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻅﻬﺭﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺠﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﻤﻨﻅﺭﻱﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭﻴﺔ، ﻫﺫﺍ ﺒﺩﻭﻥ ﺍﻹﻏﻔﺎل ﻋﻥ ﺍﻟﺘﺭﺍﺙ ﺍﻟﻤﺘﺼل ﺒﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ ﻭﺍﻟﺼﺭﺍﻉ ﺍﻟﻁﺒﻘﻲ ﺍﻟﻌﺎﺌﺩ ﺇﻟﻰ ﻜل ﻤﻥ ﻫﻴﺠل ﻭﻤﺎﺭﻜﺱ ﻓﻀـﻼ ﻋـﻥ ﻨﺘﺎﺠـﺎﺕ ﻤﻨﻅﺭﻱ ﺍﻟﺴﻠﻭﻜﻴﺎﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺄﺜﺭﺓ ﺒﺒﺎﺭﺴﻭﻨﺯ.

ﺏ-ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻨﻴﺔ : (ﻤﺎ ﺒﻴﻥ1968-1989) ﻟﻘﺩ ﺸﻬﺩﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻔﺘﺭﺓ ﻅﻬﻭﺭ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺠﺩﻴـﺩﺓ ﻤﺘﻤﺜﻠـﺔ ﺒﺼﻌﻭﺩ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﻁﻼﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺒﺎ ﻭﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺴﻭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻻﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴﺔ ﺍﻟﻤﻁﺎﻟﺒﺔ ﺒﺤﻘﻭﻗﻬﺎ، ﻭﻏﻴﺭﻫـﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﻤﺜل ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﻨﺴﺎﺌﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻭﻗﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺩﻓﻌﺕ ﺍﻟﺒﺎﺤﺜﻴﻥ ﺇﻟﻰﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺒﺯﻭﺍﻴﺎ ﺠﺩﻴـﺩﺓ ﻭﺩﻭﺍﺌـﺭ ﺍﻭﺴﻊ ﻤﻥ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ.

ﻭﻜﺎﻨﺕ ﺤﺭﻜﺔ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺒﺄﻭﺭﻭﺒﺎ ﻋﺎﻡ1968ﻗﺩ ﺸﻜﻠﺕ ﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﻁﺭﺤﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻷﻭل ﻤﺭﺓ ﻤﻁﺎﻟـﺏ ﺴﻴﺎﺴـﻴﺔ، ﻟـﻡ ﻴﺴﺘﻁﻊ ﺍﺤﺩ ﺃﻥ ﻴﺼﻨﻔﻬﺎ ﻀﻤﻥ ﺍﻟﻤﻁﺎﻟﺏ ﺍﻟﻴﺴﺎﺭﻴﺔ.

ﻭﺒﻌﺩ ﺫﻟﻙ ﺍﻨﺘﻘﻠﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻅﺎﻫﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ ﺍﻟﺜﺎﻟﺙ ﻭﺃﻤﺭﻴﻜﺎ ﺍﻟﻼﺘﻴﻨﻴﺔ ﺒﺼﻔﺔ ﺨﺎﺼﺔ، ﻭﺃﺨﻴﺭﺍ ﺍﻨﺘﺸﺭﺕ ﻫـﺫﻩ ﺍﻟﺤﺭﻜـﺎﺕ ﻭﺘﺭﺴﺨﺕ ﺠﺫﻭﺭﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻨﺤﻭ ﻤﻠﺤﻭﻅ ﻓﻲ ﺃﺴﻴﺎ، ﻭﺍﻟﻼﻓﺕ ﻟﻼﻨﺘﺒﺎﻩ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﺍﻟﺠﺩﻴـﺩﺓ ﻓـﻲ ﻁﺒﻌﺘﻬـﺎ ﺍﻵﺴﻭﻴﺔ ﻭﺍﻟﻼﺘﻴﻨﻴﺔ ﻭﻟﺩﺕ ﻭﺘﺤﺭﻜﺕ ﻓﻲ ﺃﻁﺭ ﻭﺴﻴﺎﻗﺎﺕ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﻓﻲ ﺨﻀﻡ ﺤﺭﻜﺔ ﻤﻁﻠﺒﻴﺔ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﺃﻭ ﻤﻬﻨﻴـﺔ ﺘﺨـﺹ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﻔﺌﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺼﺎﺤﺒﺕ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻓﻲ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻁﺎﻟﺏ.

ﺕ-ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ:ﻭﺘﺘﻌﻠﻕ ﺒﺎﻟﻔﺘﺭﺓ ﺍﻟﺯﻤﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﻤﺘﺩﺓ (ﻤﻥ1989ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻭﻗﺕ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ) ﻭﻗﺩ ﻋﺭﻓﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺘﻁﻭﻴﺭ ﻟﻠﻤﻘﺎﺭﺒﺎﺕ ﺍﻟﻨﻅﺭﻴﺔ ﺒﻬﺩﻑ ﻓﻬﻡ ﺍﻟﺘﺤﻭﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﺭﻓﻬﺎ ﺩﻴﻨﺎﻤﻴﺔ ﺍﻟﺤﺭﻜـﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻭﺍﺭﺘﺒﺎﻁـﺎ ﺒﻌﻭﻟﻤـﺔ ﺍﻟﺤﻴـﺎﺓ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻜﺴﺒﺕ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺃﺒﻌﺎﺩﺍ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﺒﻅﻬﻭﺭ ﺃﻨﻤﺎﻁ ﺃﺴﺎﻟﻴﺏ ﻭﺃﻨﻭﺍﻉ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﻤﻨﻬﺎ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﻀﺔ ﻟﻠﻌﻭﻟﻤﺔ ﻭﺍﻟﻠﻴﺒﻴﺭﺍﻟﻴﺔ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩﺓ  .[25]

     ومن خلال ما سبق يمكن القول بانه بدأ استخدام الحركات الاجتماعية الجديدة لوصف حركات وتحركات بعض جماعات السكان والفئات الاجتماعية في أوروبا عقب حركة الشباب والطلبة في 1967،حيث رفعت هذه الحركات شعارات ومطالب سياسية أغلبها يهدف الى الدفاع عن البيئة ، ونزع السلاح ، وتحرير المرأة ...الخ،ثم انتقلت هذه الظاهرة بعد ذلك الى بلدان العالم الثالث بصفة عامة وأمريكا اللاتينية بصفة خاصة ، وأخيرا انتشرت هذه الحركات وترسخت جذورها على نحو ملحوظ في آسيا .

كانت الحركات حركة الشباب في 1968في أوروبا بداية لعصر جديد  طرحت فيه لأول مرة مطالب سياسية لم يستطع أحد أن يصنفها ضمن المطالب  اليسارية ، أو اليمينية التقليدية رغم الطابع اليساري العام لها ،بل ورغم أن بعض مؤسسيها كانوا من أصول يسارية او على علاقة باليسار.

كان الاستقطاب بين اليسار-الوفييتي- واليمين الانجلوساكسوني هو التقسيم المعتمد في ذلك الوقت للحياة السياسية عالميا،وذلك في ظل الحرب الباردة والاستقطاب الدولي بين العالبمين الرأسمالي والاشتراكي ، وفي هذا السياق وجد المدافعون الاوائل عن البيئة –مثلا-  أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه ، فلا اليمين تبناهم ، وهم الذين يتهمون أصحاب المصانع بتلويث الماء والهواء ، ولا البسار اعتبرهم أبناء شرعيين له، لأنهم لم يكونو ا من أبناء البروليتاريا-او الطبقة العاملةالتي ورد ذكرها في الكتب النظرية المرجعية للأحزاب اليسارية التقليدية ، ولم تكن مطالبهم مما اعتادت عليه هذه الأحزاب الجامدة ، ومن ثم كان على هذه الحركات أن تعمل خارج المجال السياسي ، وخارج المجال النقابي أيضا الذي ما كان يمكنه أن يستوعب هذه الحركات التي تطالب بتشريعات جديدة في المجال السياسي أو الاجتماعي العام.(فريد زهران، الحركات الجديدة ،مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان ، القاهرة،مصر ، ط1    ،2007)

بعد بضع سنوات انتقلت موجة الحركات الاجتماعية من اوروبا الى بلدان العالم الثالث ، واللافت للنظر أن الحركات الاجتماعية الجديدة في طبعاتها اللاتينية والآسيوية ولدت وتحركت في أطر وسياقات جديدة حيث تأسست في خضم حركة حركة مطلبية اقتصادية ،أو مهنية مباشرة للتعبير عن مطالب بعض الفئات الاجتماعية صاحبة المصلحة في تحقيق هذه المطالب الاقتصادية  المحددة.

واللافت أيضا أن هذه الحركات –سواء في طبعاتها الاولى الاوروبية (السياسية) او في طبعاتها التالية في العالم الثالث (المطلبية الاقتصادية) ناضلت من أجل تحقيق مطالبها بعبدا عن أطر الاحزاب والنقابات التقليدية رغم قوة الاحزاب والنقابات في العديد من هذه البلدان،وقبل في تفسير ذلك أن هذه الحركات الاجتماعية لا تملك مطالب اجتماعية شاملة ومحددة ، ولا يجمع أعضائها حتى قناعات او اهداف سياسية 

كلية تتعلق بالتغيير الكلي الذي يستهدف الوصول الى شكل معين للحكم ، أي أن هذه الحركات لا تسعى من أجل الوصول الى السلطة ، ولا تسعى أيضا الى المشاركة فيها ، وعليه فلم يكن من المنطقي أن تعمل هذه الحركات في أطار برامج وخطط الاحزاب السياسية .[26]

 ولتوضبح ذلك اكثر فان هذه الحركات الاجتماعية وما تمثله من مطالب اجتماعية لا تعبر عن عمال صناعة محددة ، أو حتى عمال مصنع محدد ، وهو ما اعتادت النقابات ان تمثله وتعبر عنه عادة –ويمكننا القول اجمالا ان هذه الحركات الاجتماعية الجديدة التي تتبنى بصفة عامة مطالب اجتماعية اقتصادية تندرج في مجموعتين ،الاولى تتبنى مطالب اقتصادية أو مهنية لفئات اجتماعية جديدة بعضها لم يعرف طريقه الى التنظيم النقابي او الاجتماعي من قبل ، والمجموعة الثانية تتبنى مطالب اقتصادية أو مهنية لمجموعات سكانبة لا تندرج ضمن اطار فئة اجتماعية واحدة من حيث التقسيم الاجتماعي للعمل .

ومن ناحية أخرى فان هذه الحركات الاجتماعية الجديدة التي تناضل من أجل أهداف اقتصادية أو مهنية تبنت مطالب فئات اجتماعية جيدية لها وضع محدد في التقسيم الاجتماعي للعمل ، وهذه الفئات اما كانت موجودة من قبل لكنها اتسعت بشكل ملحوظ أو فئات جديدة أصلا ، وبصفة عامة لا تتجمع هذه الفئات في أماكن محددة –مثل عمال المصانع-وقد لا يتحصل أيضا أبناء هذه الفئات على الدخل المالي نفسه ، مما يفقدهم قدرا من التجانس المتوفر لدى أبناء المهنة الواحدة او عمال المصنع الواحد ، مثل مبرمجي الحاسوب او الصحافيين او الادباء ...فالملاحظ اننا في مرحلة ما بعد الصناعة،وهوما يعرف بالموجة الحضارية الثالثة –بعد الموجتين الزراعية والصناعية اتسعت الفئات الاجتماعية العاملة في مجالات ابداعية متنوعة بدءا من البرمجة وتحليل النظم والبحث العلمي ...الخ وانتهاءا بالادباء والصحفيين والمحرريين ....الخ

 ويمكننا القول بان الحركات الاجتماعية الجديدة –وبالذات-في بدايات ظهورها في اوروبا-تندرج تحت هذه المجموعة من الحركات الاجتماعية التي عبرتعن مطالب جماعات من السكان لا ينتمون –على عكس ماهو سائد في الادبيات السياسية وبالذات اليسارية –لفئات اجتماعية ،اي الفئات الاجتماعية لها الموقع المحدد نفسه في العملية الاجتماعية ،كأن تقول مثلا :عمال المناجم او اصحاب الصناعات الصغيرة او ملاك الاراضي الزراعية الكبار...  ظهرت الى جوار الحركات الاجتماعية التي تدافع عن البيئة في السبعبنات حركات أخرى ضد الحروب وثالثة لمزع السلاح ورابعة لتحرير المرأة ،وكانت هذه الحركات تضم أشخاصا من فئات اجتماعية مختلفة تماما.

تلخيصا لكل ما تقدم يمكننا القول ان الحركات الاجتماعية الجديدة عبرت إما عن مطالب سياسية جزئية او عن مطالب اقتصادية مهنية،وعملت هذه الحركات يشكل مستقل عن الاحزاي والنقابات وسعت للتعبير عن مصالح مشتركة لاشخاص قد ينتمون لفئات اجتماعية مختلفة كما سعت للتعبير عن فئات مهمشة أو فئات جديدة. .[27]  

على الرغم من تاريخية ظاهرة الحركات الاجتماعية وبروزها في فترات تاريخية مختلفة ثم عودتها مرة أخرى الى الخمود ، كما حدث في نهاية الستينات من القرن العشرين ، الا ان بروزها مع مطلع التسعينات مرة أخرى اخذ في النمو،فقد ادت دورا مهما في التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية على مدار ما يقرب من خمسة عشر عاما،وفي أمريكا اللاتينية أصبحت مصدرا لنمط جديد من الحكام المنحازين الى العدالة والتنمية ومواجهة السياسات الامبريالية ،مثل "لولا "رئيس البرازيل ابن الحركة العمالية ، و"ايفو موراليس" ابن حركة السكان الاصليين في بوليفيا ، وكذلك اصبحت مصدرا لحفظ أمن النظم التي تنتهج مثل هذه السياسات ، مثل دورها في اجهاض الحركة الانقلابية عام 2002 ضد شافيز في فنزويلا،كما بدأت حركات مناهضة  العولمة  في التكون والانتشار بشكل كبير على المستوى العالمي،لمواجهة السياسات النيوليبرالية ، الامر الذي دفع بالبعض بعد دورها البارز أثناء انعقاد دورة منظمة التجارة العالمية في سياتل الى وصفها بأنها القوى العضمى الجديدة في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي .

 ومع تصاعد الثورة التكنولوجية ، بدأت هذه الحركات في ابتكار أشكال للتواصل والعمل المشترك ،لعل ابرزها المنتدى الاجتماعي العالمي ،كما أظهرت هذه الحركات قدرة كبيرة على تغيير استراتيجيتها بما بتلاءم مع طبيعة المرحلة من الاشكال الضخمة للتعبير ، مثل التظاهرات المليونية دعما للانتفاضة الفلسطينية او في مواجهة غزو العراق ،الى تحركات سريعة وصغيرة الحجم لتحقيق أهداف محددة ومباشرة ، مثل حركة مقاطعة اسرائيل ، وحركة مناهضة القواعد العسكرية ،وحركة مقاومة خصخصة المياه ،كما لاأدت هذه الحركات دورا بارزا في تعطيل وعرقلة اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ، التي تراها هذه الحركات كارثية على قطاعات واسعة من الشعوب.[28]

خامسا: -ﻭﻅﺎﺌﻑ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ:

ﻟﻠﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺜﻼﺙ ﻭﻅﺎﺌﻑ ﺃﺴﺎﺴﻴﺔ ﻗﺎﻡ ﺒﺘﺤﺩﻴﺩﻫﺎ ﻋﺎﻟﻡﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﻔﺭﻨﺴﻲ ﺠﻲ ﺭﻭﺸﻴﻪ ﻭﻫﻲ

1ﺍﻟﻭﺴﺎﻁﺔ:ﺘﻠﻌﺏ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻗﺒل ﻜل ﺸﻲﺀ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻭﺴﻴﻁﺒﻴﻥ ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻤﻥ ﺠﻬﺔ

ﻭﺍﻷﺒﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﺎﺌﻕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﻥ ﺠﻬﺔ ﺃﺨﺭﻯ، ﻭﺘﻌﻤل ﻋﻠﻰ ﺩﻓﻊ ﺃﻋﻀﺎﺌﻬﺎ ﻟﻔﻬﻡ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺍﻷﺒﻨﻴﺔ

ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ،ﺇﺫ ﺘﻔﺴﺭ ﻟﻬﻡ ﻋﺩﺩﺍ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺌﻕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺒﻬﺩﻑ ﺍﻟﺩﻓﺎﻉ ﻋﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﻨﻘﺩﻫﺎ،ﺃﻭﻻﻗﺘﺭﺍﺡ ﺘﻐﻴﻴﺭﻫﺎ،

ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻫﻨﺎ ﺘﻠﻌﺏ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﻨﺸﺊ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﻨﻘل ﺍﻟﺤﻘﺎﺌﻕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻷﻜﺒﺭ ﻋﺩﺩ ﻤﻥ

ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻤﻥ ﺠﻬﺔ،ﻭﺇﻴﺠﺎﺩ ﻤﺸﺎﺭﻜﺔ ﻗﻭﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺤﻀﺭﻱ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺘﻁﻠﺏ ﺃﻨﻤﺎﻁ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻜﺔ

ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﺃﻜﺜﺭ ﺘﻌﻘﻴﺩﺍ ﻤﻤﺎ ﻫﻭ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺤﺎل ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻱ ﻤﻥ ﺠﻬﺔ ﺃﺨﺭﻯ،ﻭﻫﺫﺍ ﻤﺎ ﺃﺸﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺩﻭﺭﻜﺎﻴﻡ"

ﻓﻲ ﺘﻘﺴﻴﻡﺍﻟﻌﻤلﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ،ﺃﻴﻥﺃﻭﻀﺢﺃﻫﻤﻴﺔﺍﻟﺘﺠﻤﻌﺎﺕﺍﻟﻭﺴﻴﻁﺔﺍﻟﺘﻲﺘﻌﻤلﻋﻠﻰﺘﺩﻋﻴﻡﺘﻜﺎﻤل ﺍﻷﺸﺨﺎﺹ ﻓﻲ

ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﻘﺩﺓ، ﺃﻤﺎ "ﺩﺍﻨﻴﻴل ﻟﻴﺭﻨﺯ" ﻓﻘﺩ ﺒﻴﻥ ﺒﻜل ﻭﻀﻭﺡ ﺃﻥ ﺍﻹﻨﺘﻘﺎل ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ

ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﻴﺘﻁﻠﺏﻤﻥﺃﻓﺭﺍﺩﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊﺇﻜﺘﺴﺎﺏﺍﺴﺘﻌﺩﺍﺩﺍﺕﺠﺩﻴﺩﺓﺘﺴﻤﺢﻟﻬﻡﺒﺎﻟﺘﻜﻴﻑﻭﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻜﺔﻓﻲﺃﻨﻤﺎﻁ ﺃﻜﺜﺭ

ﺘﻌﻘﻴﺩﺍ، ﻭﻫﻭ ﻴﺭﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭﻴﺔ ﺃﺼﺒﺤﺕ ﻤﻥ ﺃﻫﻡ ﺍﻟﺘﺠﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻭﺴﻴﻁﺔ

ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻠﺠﺄ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﻟﺤﻤﺎﻴﺔ ﻤﺼﺎﻟﺤﻬﻡ ﻭﺍﻟﺩﻓﺎﻉﻋﻥﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻡ . [29]

.الوساطة: وتعني الدور الذي تلعبه الحركات الاجتماعية بين مجموعة من الناس والابنية،وهي تعمل على دفع أعضائها لفهم طبيعة المجتمع والابنية الاجتماعية والحقائق الاجتماعية ، وهذا يقودنا الى الملاحظة التالية :أن الحركات الاجتماعية تلعب دور المنشئ الاجتماعي عن طريق نقل الحقائق الاجتماعية لأكبر عدد من الناس ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فهي تعمل انطلاقا من مبدأ الوساطة ، على أيجاد مشاركة قوية في المجتمع الحديث الذي يتطلب أنماطا من المشاركة الجماعية أكثر تعقيدا مما هو عليه الحال في المجتمع التقليدي ،، وهذا الذي أشار اليه اميل دور كايم بشكل واضح في كتابه الي الذي يتكلم عن سوسيولوجيا التنمية ، تحديدا فيما يخص تقسيم العمل الاجتماعي، بتوضيحه لأهمية التجمعات الوسيطة التي تعمل على تدعيم تكامل الاشخاص في المجتمعات المعقدة ، وحسب رأيه يعد ذلك من ضرورات الترابط والتضامن العضوي. [30]

2- توضيح الضمير الجمعي : ويعني تنمية وصياغة ضمير جمعي واضح ومكافح في مجتمع ما، وفي قطاع معين منه،وفي ذلك يرى كارل ماركس أهمية الضمير الجمعي المسيس في عملية التغيير الاجتماعي، وهي الحالة التي أطلق عليها اسم الحالة الجمعي للضمير الجمعي،أو الضمير النير ، وهي حالة الجامعة التي تكشف نفسها أو مصلحتها ، وأين تكمن هذه المصلحة.

3-الضغط:وهنا نجد تأثير الحركات الاجتماعية ، من خلال الضغط الذي تمارسه على الاشخاص الذين بيدهم مقاليد الحكم،وهو نفس الضغط الممارس عللى النخب،وبطرق عديدة .[31]

سادسا: أسس الحركات الاجتماعية ومراحل نموها:

  على أساس ان الحركة الاجتماعية مؤسسة جماعية تتجاوز أطر المجموعة المحلية والحدث الفردي ، وتقوم بعمل منظم  يهدف الى تحول في الفكر والسلوك والعلاقات الاجتماعية ، فان للحركات الاجتماعية ثلاثة أسس مهمة هي:

1-تقديم برنامج اصلاحي للمجتمع ، يتضمن بالضرورة تغييرا في قيم المجتمع بغرس قيم جديدة ، أو اعادة ترتيب القيم القديمة.

2-تحقيق الاشباع لاعضاء الحركة الاجتماعية بما يعني تعويضهم عما يعانون من الشعور بعدم الرضا.

3- تكوين علاقات وبناء سلطة جديدة ، وهو ما يشمل تغيير بناء ومكانة الطبقات في المجتمع.

وتمر الحركة الاجتماعية بمراحل محددة حتى تصبح مستقرة وثابتة داخل المجتمع ، وذلك على النحو الآتي:

المرحلة الاولى :وتعتمد على شخصية مؤسسها وما يتمتع به من جاذبية وقدرة على التعبير والاقناع ، تجعل الناس يلتفون حوله،، وتسمى هذه الصفات "الكارزما" charisma (الطاقة الملهمة او الروحية غير العادية)وخلال سنوات التكوين الاولى ، تتخذ معظم الحركات الاجتماعية شكل الجماعة الاولية غير الرسمية ، وتبدأالعملية أساسا بأن يؤثر مؤسس الحركة في مجموعة الافراد الذين يتبعونه، ويتأثر كل فرد منهم بمؤسس الحركة من خلال الاتصال المباشر معه ، بوصفه قائدهم الملهم ،ومثل هذا الاتصالبمد الافراد بالتماسك والدينامية (التغير)، وفي البداية لا نجد أية رغبة لدى هذه الجماعة الاولى في تكوين تنظيم اجتماعي ، فهي في وضع لا يتعدى الاستماع والامتثال للتعاليم الجديدة ، التي يلقنها لهم قائدهم الملهم، وبنمو الجماعة يتجه المؤسس نحو وضع تنظيم للحياة والسلوك ، مثل تعاليم حسن البنا للأخوان الملمين ، وتعاليم بوذا للذين يريدون طريق الخلاص ، ومارتن لوثر كينغ لأتباعه ، وهكذا.

وفي الحقيقة لا تمثل مسائل التعليم مشاكل حادة في هذه المرحلة من مراحل تطور الحركة الاجتماعية ،كما أن قليلا من الاستفسارات الفكرية قد تعطي ايضاحا للأسئلة الخاصة بطبيعة المؤسس وسلطة رسالته ، وعلى الرغم من ظهور تلك المسائل في وقت مبكر من تطور الحركة ، الا أن وجود المؤسس على قيد الحياة يمنحه الشرعية في السيطرة على أتباعه ، ولكن هناك مسائل مثيرة للخلاف تتمثل في كيفية نقل السلطة الى الآخرين وكذلك البناء الهرمي للأفراد داخل الحركة.

المرحلة الثانية:تتحول الحركة الى ما يسمى بالتنظيم الرسمي لجماعة الأفراد ، الذين يلتفون حول رسالة محددة تتعلق بالقضايا التي يؤمنون بها ،وفي هذه المرحلة – ويتحمل مسؤوليتها عادة الجيل الثاني من الاتباع- تتضح بشكل كبير الصفات المتطلبة للعضوية ، كما أن حدود السلطة للتنظيم تزداد وضوحا ، وتأخذ الاعتقادات الخاصة بالشخص المؤسس ورسالته شكل العقيدة الرسمية التي يعد الخروج عنها خروجا على الحركة نفسها.

وفي هذه المرحلة يمكن ان تظهر انشقاقات او صرعات داخل الحركة ، ومن ثم فلا بد من ظهور مؤسس ثان لدعم الحركة.

المرحلة الثالثة:تتميز بالتوسع  وبهذا تصبح الحركة أكثر تماسكا  وتتخذ أشكالا متعددة من التنظيم ، وتختلف الحركات الاجتماعية فيما بينها في أمر توسعها : فمنها ما يقبع تحت تأثير حدود العنصر أو الطبقة او الثقافة ، ومنها ما يتخطى هذه الحدود ، كالحركات الدينية التي حولت الى صفها عديدا من الافراد ذوي المكانة السياسية والوضع الاقتصادي المرموق ، وفي هذه المرحلة أيضا ، تواجه الحركة الخطر الناجم عن نجاحها    في التوسع والانتشار ، او الصراع بين التركيز على المبادئ الاجتماعية والاخلاقية التي تعتنقها ، وتواجهها الى حقائق ملموسة وقابلة للتطبيق ،على الرغم من النجاح الواضح للحركة الاجتماعية في كسب المزيد من الاتباع والمريدين والاعضاء الجدد.

واخيرا ، تتفاوت الحركات الاجتماعية تفاوتا كبيرا في مراحل تكوينها وتطورها وفي أسلوب تنظيمها ، فبعض الحركات قد يتبنى أسلوبا تنظيميا فضفاضا ، وبعضها الآخر قد يعتمد على تنظيم هرمس دقيق ومحكم.[32]   

ثامنا-ﺃﻨﻭﺍﻉ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ:

        ﺒﺎﻟﺘﺩﻗﻴﻕ ﻓﻲ ﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﺘﺼﻨﻴﻑ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻴﻤﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﻨﻼﺤﻅ ﺃﻥ ﺠل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﺭﻜﺯﺕ

ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻤﻠﻲ ﺍﻟﺼﺭﺍﻉ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺭﻓﻲ ﺘﺼﻨﻴﻔﺎﺘﻬﺎ، ﺇﺫ ﻴﻘﺼﺩ ﺒﺎﻟﺼﺭﺍﻉ ﻫﻨﺎ:"ﻜل ﺘﻌﺎﺭﺽ ﺒﻴﻥ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ

ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﺍﻟﻘﻴﻡ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ"، ﻓﺎﻟﺼﺭﺍﻉ ﻴﻤﺜل ﺒﻌﺩﺍ ﺃﺴﺎﺴﻴﺎ ﻤﻥ ﺃﺒﻌﺎﺩﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ–ﻋﻠﻰ ﺇﺨﺘﻼﻑ

ﺃﻨﻭﺍﻋﻬـﺎ ﻭﺘﺼﻨﻴﻔﺎﺘﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺴﻌﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺭ ﻗﺎﺌﻡ ﻋﻠﻰ ﺇﺤﺴﺎﺴﻬﺎ ﺒﻌﺩﻡ ﺍﻟﺭﻀﺎ ﻋﻥ

ﺍﻟﻭﻀﻊ ﺍﻟﻘﺎﺌﻡ ﻭﺍﻟﺭﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺇﻨﺸﺎﺀ ﻨﺴﻕ ﺠﺩﻴﺩ، ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻴﻤﻜﻥ ﺍﻟﻘﻭل ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺭﻁ ﺍﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻘﻴﺎﻡ ﺃﻱ ﺤﺭﻜﺔ

ﺇﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻫﻭ ﻤﺩﻯ ﻗﺩﺭﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻌﻁﻴﻬﺎ ﺯﺨﻡ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻭﺍﻹﺴﺘﻤﺭﺍﺭﻴﺔ ﻭﺒﺩﻭﻨﻪ ﺘﻔﻘﺩ ﺸﺭﻁﺎ ﻭﺠﻭﺩﻴﺎ ﻭ

ﺘﺴﻘﻁ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻨﺎﺼﺭ ﺍﻟﻤﺒﻨﻰ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻰ.[33]

وان اي محاولة لتصنيف الحركات الاجتماعية لا بد أن بأخذ بعين الاعتبار عوامل عديدة منها:

طبيعة الالتزام بالتغيير السياسي والشكل التنظيمي الذي قد تتخذه الحركة ،فضلا عن تنوع وتعدد المبادئ التي قد تتبناها ،كذلك فان الحركة الاجتماعية الواحدة قد تتخذ اشكالا مختلفة ،فالحركات القومية والطبقية والاصلاحية والثورية قد تعبر عن نفسها في شكل أحزاب سياسية أو جماعات ضاغطة او نقابات عمالية  وفي ضوء ذلك يمكن الاشارة الى عدة أشكال للحركات الاجتماعية ،مثل الحركة الاجتماعية الدينية والقومية والعنصرية والعمالية :

1-الحركات الاجتماعية الدينية :يمثل الدين مصدرا مهما للحركات الاجتماعية الدينية ،فالحركة الدينية هي جماعة تنادي بفكر ديني يختلف عن الفكر السائد في المجتمع ، وقد ظهرت  الحركات الدينية منذ القدم ،في الاسلام منذ القرن الاول الهجري عرفت حركات الخواررج ، وفي أثناء الثورة الاصلاحية التي قادرها  مارتن لوثر ظهرت حركة متطرفة بهدف احداث تغييرات جذرية في المجتمع الغربي ، وتبدأ الحركة الدينية عادة بنقد الفكر الديني السائد ،لينتهي بها المطاف الى نقد النظام السياسي  ،لذلك فهي دعوة للتغيير ترفض الواقع.

2- الحركات الاجتماعية القومية :تمثل القومية مصدرا مهما للحركات الاجتماعية والسياسية ، وتستند القومية كمفهوم سياسي الى دعائم مختلفة ،فقد تشكل الاعتبارات الثقافية واللغوية والدينية مصدرا مهما لكثير من الحركات القومية،كما هو الحال في فرنسا وافريقيا، وتبدأ تلك الحركات عادة بظهور جماعات من المثقفين الوطنيين يسعون الى ابراز الطابع القومي المميز لقومياتهم،ومحاولة اكسابها طابعا سياسيا مستقلا ،ولا شك أن الحركات القومية لعبت دورا مهما في مناهضة الاستعمار في الدول النامية ،خلال فترة الحكم الاستعماري لتلك الدول،لذلك يمكن القول ان الحركة القومية في المجتمعات النامية كانت احدى نتائج الصراع من أجل تحقيق الاستقلال، كما أنها نابعة من طبيعة المشكلات التي تواجه هذه المجتمعات بعد تحقيق الاستقلال ، ولحاجتها الى بناء أمة متماسكة وتحقيق استقلال اقتصادي واجتماعي .

3-الحركات الاجتماعية العنصرية:يمثل العرق (العنصر)دورا مهما في تشكيل الحركات الاجتماعية العنصرية ، حيث يمكن النظر الى العرق على أنه تعبير عن جماعة انسانية تشترك في خصائص متماثلة أبرزها لون البشرة،وقد استند التعصب العنصري على أساطير تدعم سيطرة عرق معين على الاعراق الاخرى ، وتبرير الممارسات الواضحة لاضطهاد الجماعات العنصرية الضعيفة،وعلى الرغم من أن التاريخ قد شهد حركات عنصرية عديدة ، الا أن ابرزها واوضحها كانت "حركة الزنوج من أجل المساواة مع البيض"ومن الاساطير العنصرية التي تمثل مصدرا لحركات اجتماعية دونية :الزنوج ، وانحطاط اليهود ، وسمو العنصر الآري.

4-الحركات الاجتماعية العمالية :كانت الطبقة العاملة مصدرا مهما لكثير من الحركات الاجتماعية الحيوية ، وذلك من خلال الاحتجاجات العمالية على نظام العمل الصناعي الاستغلالي ، وانخفاض الاجور ، وطول ساعات العمل.

لعبت الحركات العمالية دورا بارزا في مجال الرعاية الاجتماعية للعمال ، كما أن كثيرا منها كان نتاجا للأفكار التي تبنتها الاحزاب الاشتراكية ، والتي رفعت مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ، ولكن يلاحظ أن الحركات العمالية فقدت –كما يقول بعض علماء الاجتماع- كثيرا من حماس الطبقة العمالية ، تجاه الاهداف والمبادئ الاجتماعية والثقافة المميزة لتلك الحركات .[34]

الحركات النسوية:

  إن تصورات النوع تمثل جزءا لا يتجزأ من ثقافة الحركة الداخلية التي تساهم في تدعيم التضامن والالتزام، وتحقيق تكامل جماعة الحركة واستمراريتها، وتدعم تشكّل هويتها الجمعية. وتمثّل ثقافة الحركة الاجتماعية وممارساتها أداةَ مقاومةٍ ثقافية لتصورات النوع وخطابه السائد، وغياب العدالة الجندرية. والسلوك الاحتجاجي للمرأة في مستواه الكامن هو تحدٍّ للتوقعات الثقافية السائدة بشأن الامتياز الذكوري والسلطة الأبوية. ويجسد السلوك الاحتجاجي للمرأة أداةً لنقل رسائل عن تمردها على المجال الخاص، وولوجها المجال العام. وتُعَدّ أجساد النساء مواقع للسيطرة الاجتماعية ومستودعًا للقوة الانضباطية؛ إذ يمتلك الجسد الأنثوي قدرةً متأصلة على مقاومة الهيمنة وعلاقات القوة، وهو أداة لمقاومة النظام الأبوي وتصورات النوع وتوقعاته التي تكبله وتقصيه عن المجال العام، ثم إنه أداة لنقل رسائل الحركة المتعلقة بالظلم والقمع والقهر.

والجسد المحتج هو أيضًا أداة لتغيير صورة الجسد باعتباره موقعًا للتحكمات الثقافية والسياسية. ويتفق ذلك مع رؤية بيير بورديو الذي أشار إلى الطريقة التي من خلالها تفرز عادات الجسد السمات الثقافية والبناء الاجتماعي وتولّدها. إن من نتائج الحركات الاجتماعية تشكيل صور عامة تربك الشفرات الثقافية القائمة. وعندما يكون التعبير عن الاحتجاج عن طريق الجسد، ولا سيما الجسد الأنثوي، يصعب التسامح حياله لأنه يتحدى النظام الأبوي القائم. ويمثل الجسد الأنثوي المتمرد على المجال الخاص والجنسانية وتدنيس المكان أدوات لقمع الاحتجاج عمومًا. وتمثّل الانتهاكات الجنسية وكشوف العذرية والتحرش الجنسي، من منظور أعضاء الحركة، أدوات سياسية يتوسل بها النظام الأبوي الذكوري لقمع الاحتجاج من خلال قمع الجسد الأنثوي وانتهاكه وترهيبه.[35]

ويعود تاريخ الحركة النسوية الى القرن 19 حيث ظهرت في الفكر الغربي واكتسبت صفة النسوية عام 1895،حيث بدأت النسويات في الدفاع عن حقوق المرأة مثل :حق التصويت والمساواة في الفرص الاقتصادية والتعليمية ، وقد تأثرت بالتصورات الفلسفية والاجتماعية ،مما أدى الى ظهور موجات مختلفة من الحركات النسوية :

الموجة الاولى :انطلقت منذ أن أكدت المرأة قبيل القرن العشرين ، ولأول مرة أهليتها الفكرية والعقلية ،ثم شقت مسار نحو مطالبة النساء لحقوقهن والتحرر من سلطة الذكور ، وحظين بحف الانتخاب ، ولهذا ظهرت مفكرات واديبات وكاتبات طالبن بمساواة النساء قانونيا وسياسيا بالرجال ،لكن صوتهن ظل منفردا منعزلا . [36]

 كما وﺘﺘﻔﺎﻭﺕ ﻭﺘﺨﺘﻠﻑ ﺘﺼﻨﻴﻔﺎﺕ ﺃﻨﻭﺍﻉ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺫﻟﻙ ﺤﺴﺏ ﺘﻭﺍﺠﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻭﻤـﻥ ﺤﻴـﺙ ﺍﻟﺩﻗـﺔ ﻭﺍﻟﺸﻤﻭﻟﻴﺔ ﻭﻨﻅﺭﺍ ﻻﺨﺘﻼﻑ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺨﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﻭﻀﻌﺕ ﻓﻴﻪ، ﻟﺫﺍ ﻓﻘﺩ ﻗﺴﻡ ﻋﻠﻤـﺎﺀ ﺍﻻﺠﺘﻤـﺎﻉ ﺍﻟﺤﺭﻜـﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺩﺓ ﺃﻨﻭﺍﻉ ﻭﻫﻲ:

ﺃ-ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻜﻼﺴﻴﻜﻴﺔ:ﺘﻘﻭﻡ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺘﻭﺯﻴﻊ ﺍﻟﺜﺭﻭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﺩ ﺍﻟﻤﻨﻔﺫ ﻟﻠﻭﺼﻭل ﺇﻟﻰ ﻤﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻘﺭﺍﺭ.

ﺏ-ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﻌﺎﺼﺭﺓ:ﺘﻘﻭﻡ ﺒﻭﻀﻊ ﻓﻀﺎﺀﺍﺕ ﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻥ ﺍﻟﺩﻭل ﻭﺘﺘﺒﻨﻰ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻤﺔ ﻜﺂﻟﻴﺔ ﻟﻠﺘﺤﻜﻡ ﺍﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﻭﺘﻌﺒﺭ ﻋﻥ ﺍﺴﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﺒﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ.

ﻭﻴﻤﻜﻥ ﺘﻠﺨﻴﺹ ﺃﻨﻭﺍﻉ ﻟﻠﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻀﻤﻥ ﻫﺎﺫﻴﻥ ﺍﻟﺼﻨﻔﻴﻥ:

1/ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺇﺼﻼﺤﻴﺔ:ﻭﻫﻲ ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺘﺸﺠﻊ ﺘﻐﻴﺭ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﻘﻭﺍﻨﻴﻥ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﻤﺜل:ﺍﻟﻨﻘﺎﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻬﺩﻑ ﺇﻟـﻰ ﺯﻴـﺎﺩﺓ ﺤﻘـﻭﻕ ﺍﻟﻌﻤﺎل ﻭﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻟﺨﻀﺭﺍﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺩﻋﻭ ﺇﻟﻰ ﺴﻥ ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﻭﺍﻨﻴﻥ ﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ، ﻭﺤﺭﻜﺎﺕ ﺘﺄﻴﻴﺩ ﻋﻘﻭﺒﺔ ﺍﻹﻋﺩﺍﻡ، ﻭﻤﻨﻪ ﺘﻬـﺩﻑ ﺒﻌﺽ ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺼﻼﺡ ﺇﻟﻰ ﺘﻐﻴﻴﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺭﻑ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﺍﻷﺨﻼﻗﻴﺔ.

 2/ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺭﺍﺩﻴﻜﺎﻟﻴـﺔ:ﻫﻲ ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺘﻘﻭﻡ ﺒﺘﻐﻴﻴﺭ ﺃﻨﻅﻤﺔ ﺍﻟﻘﻴﻡ ﺍﻟﺠﺫﺭﻴﺔ ﻤﺜل ﺤﺭﻜﺔ ﺍﻟﺤﻘﻭﻕ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻻﻴـﺎﺕﺍﻟﻤﺘﺤـﺩﺓ

ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﻋﺕ ﺇﻟﻰ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻭﻁﺎﻟﺒﺕ ﺒﺎﻟﺤﻘﻭﻕ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﻤﻠﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴﻴﻥ ﺒﻐﺽ ﺍﻟﻨﻅﺭ ﻋﻥ ﺍﻟﻌﺭﻕ.

3/ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﻘﻴﻤﻴﺔ:ﻭﻫﻲ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻬﺩﻑ ﺇﻟﻰ ﺘﻐﻴﺭ ﺍﻟﻘﻴﻡ ﺫﺍﺘﻬﺎ ﻤﺜل ﺍﻹﺼﻼﺡ ﺍﻟﺩﻴﻨﻲ.

4/ﺤﺭﻜﺎﺕ ﻤﺤﺎﻓﻅﺔ:ﻭﺘﺴﻌﻰ ﺃﺴﺎﺴﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻅﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﻡ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻴﻴﺭ ﺍﻟﻤﻭﺠﻭﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.

5/ﺤﺭﻜﺎﺕ ﻤﻌﻴﺎﺭﻴﺔ:ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻭﺩ ﺒﻬﺎ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻬﺩﻑ ﺇﻟﻰ ﺘﻐﻴﺭ ﻓﻲ ﺍﻹﺠﺭﺍﺀﺍﺕ ﻭﺍﻟﻘﻭﺍﻋﺩ ﺍﻟﺨﺎﺼـﺔ ﺒـﺎﻟﻘﻴﻡ ﻓـﻲ

ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺘﺘﺤﺩﻯ ﺍﻟﻘﻴﻡ ﻨﻔﺴﻬﺎ.

6/ﺤﺭﻜﺎﺕﺍﻟﺨﻼﺹ:ﻭﻫﻲ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻭﺠﻪ ﺠﻬﻭﺩﻫﺎ ﻻ ﻟﺘﻐﻴﻴﺭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺇﻨﻤﺎ ﻟﺘﻐﻴﻴﺭ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﺃﻨﻔﺴﻬﻡ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺏ

ﻴﻜﻭﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨﻭﻉ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺩﻴﻨﻴﺔ ﺘﻨﺸﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﻭﻴل ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﻤﺜل ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺘﺒﺸﻴﺭﻴﺔ.

7/ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺴﻼﻡ:ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﻤل ﻀﺩ ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﻌﻨﻑ ﻭﺘﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺩ ﻤﻨﻬﺎ.

8/ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﻌﻨﻑ:ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ

9/ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺘﺤﻭﻴﻠﻴﺔ:ﻭﻫﻲ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻐﻴﺭ ﺍﻟﺸﺎﻤل ﻭﺍﻟﻜﻠﻲ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺠﻤﻴﻊ ﻗﻁﺎﻋﺎﺘﻪ، ﻭﻴﺨﺘﻠﻑ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨﻭﻉ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﻋﻥ ﺴﺎﺒﻘﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻫﺩﺍﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﺴﻡ ﺒﺎﻟﺸﻤﻭﻟﻴﺔ.

ﻭﻋﻠﻰ ﺃﺴﺎﺱ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭ ﻴﺘﻡ ﺘﺼﻨﻴﻑ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺇﻟﻰ:

 ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺩﻴﻨﻴﺔ:ﻤﺜل ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻟﺘﺒﺸﻴﺭﻴﺔ.

 ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ:ﻭﺘﻬﺩﻑ ﻤﺜﻼ ﺇﻟﻰ ﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ.

 ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ:ﻭﺘﻬﺩﻑ ﻤﺜﻼ ﺇﻟﻰ ﺘﺤﺭﻴﻙ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ.

 ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ:ﻜﺘﻠﻙ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺩﻋﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ.

ﻭﻴﻤﻜﻥ ﺘﻘﺴﻴﻡ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺃﻴﻀﺎ ﺇﻟﻰ:ﻋﻤﺎﻟﻴﺔ، ﻁﻼﺒﻴﺔ، ﻨﺴﺎﺌﻴﺔ، ﺜﻘﺎﻓﻴﺔ...ﻭﻴﺴﺘﻨﺩ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺌـﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺸﻜل ﺍﻟﻘﻭﻯ ﺍﻟﺭﺌﻴﺴﻴﺔ ﺍﻟﻤﻜﻭﻨﺔ ﻷﻏﻠﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭﺓ.[37]

سابعا :النظريات المفسرة للحركات الاجتماعية:

بعد تطرقنا الى مفهوم الحركات الاجتماعية والى مراحل تطور التنظير له،نشرع في استعراض النظريات الرئيسة المفسرة للحركات الاجتماعية ، ونكون قد حققنا الانتقال من المفهوم الى النظرية ، وذلك بالقول أن الحركات الاجتماعية باتت تسجل حضور قوي في مختلف الانساق الاجتماعية والسياسية رغم اختلافاتها وتناقضاتها أحيانا على خلفية الاطر المعرفية والتوجهات الايديولوجية ، وهو ما يفضي في نهاية الامر الى ضبابية في الرؤية وفي تقدير حجم وطبيعة الكثير منها، ففي ذات السياق يمكن تفكيك الحركات الاجتماعية الاحتجاجية؟ووفق أي منظورسياسي وايديولوجي يمكن تحليلها؟خصوصا وأن التراكم المعرفي الذي تحقق في هذا الشأن لم يسلم كثيرا من ثقل الايديولوجيا، فظلت لزمن بعيد تفسر وتفهم من خلال رهانات الصراع الدائر بين المعسكرين الشرقي والغربي في زمن الحرب الباردة،بما يجعل من قراءات ماركسية أكثر انتصارا للحركات الاجتماعية،باعتبارها صراعا طبقيا، وجسرا نحو التغيير ، وهناك قراءات أخرى رأسمالية لا يكون فيها الا عدوا احتياطيا يتوجب التخلص منه في أقرب فرصة تتيحها شروط التاريخ،بل أن تحليل الحركات الاجتماعية في الادبيات الفرنكوفونية ، ظل الى حدود السبعينات مرتبطا بالمقاربة الماركسية.[38]

وفي هذا السياق ، سوف نستعرض أهم هذه النظريات التحليلية المفسرة للحركات الاجتماعية

على مدى العقود الماضية، طور علماء الاجتماع أطرا لفهم ميكانيزم عمل الحركات الاجتماعية تشكلها ودوافع الافراد للانضمام اليها.

يتفق المختصون في نظريات الحركات الإجتماعية على وجود نوعين من الحركات الإجتماعية عرفتها المجتمعات المتطورة الما بعد المصنعة.

النوع الأول : يخص الحركات الإجتماعية الكلاسيكية التي ارتبطت عموما بالعالم العمالي و نضالاته داخل الحركات النقابية احتجاجا على التجاوزات المفرطة للرأسمالية الصناعية.

النوع الثاني : و المتمثل في الحركات الاجتماعية الجديدة التي تتميز بالأفعال الجماعية الاحتجاجية (المنظمة أو الغير المنظمة) و التي تبرز خارج الفضاء الإقتصادي و الإنتاجي و ينفرد هذا النوع الثاني من الحركات الإجتماعية بنوعية المشاكل الجديدة التي يطرحها، و المجالات أو القطاعات التي يـسـتـهـدفـــهـا و ينشطها، الفئات الإجتماعية التي يجندها و الإستراتيجيات التي يستعملها في منهجيته لمعالجة النزاعات و طريقة التصدي لها و أخيرا إلى الطابع الظــرفـــــي و الآني الذي يتصف به عموما..[39]

. 1-النظرية الماركسية: ﻴﺭﻯ ﻫﺫﺍ ﺍﻻﺘﺠﺎﻩ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻫﻲ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺤﺭﺍﻙ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺭﻱ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻨﺸﺄ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺼـﺭﺍﻉ ﺍﻟﻁﺒﻘﻲ ﻭﻟﺼﺭﺍﻉ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ)ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ، ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ(ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺘﻬﺩﻑ ﺇﻟﻰﺍﻟﺘﻐﻴﺭ ﻓﻲ ﺍﻷﻭﻀﺎﻉ ﺍﻟﻘﺩﻴﻤﺔ.

ﻭﺒﻬﺫﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﺒﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻜﺴﻴﺔ ﺘﻨﻅﺭ ﻟﻠﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺒﻜﻭﻨﻬﺎ ﺘﻨﺸﺄ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻅﺭﻭﻑ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻭﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻗﺎﺴـﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺘﺩﻓﻊ ﻁﺒﻘﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻁﺒﻘﺎﺕ ﻟﺘﻭﺤﻴﺩ ﺼﻔﻭﻓﻬﺎ ﻟﺘﺤﺴﻴﻥ ﺃﻭﻀﺎﻋﻬﺎ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻭﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﺘﻘﺩﻡ ﺍﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻓﺭﺍﺩ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ، ﻭﺍﻨﻁﻼﻗﺎ ﻤﻥ ﻓﻜﺭﺓ ﺍﻟﺘﻐﻴﺭ ﻓﺈﻥ ﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺤﺴﺏ ﺍﻟﻤﺎﺭﻜﺴﻴﺔ ﻴﻨﻁـﻭﻱ ﻋﻠـﻰ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﻟﺘﻐﻴﻴﺭ ﺍﻟﻘﺎﻋﺩﺓ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﻔﻭﻗﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻘﻭﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺍﻷﻤﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺘﺭﺘﺏﻋﻠﻴﻪ ﺘﻭﺍﺯﻨـﺎﺕ ﺠﺩﻴـﺩﺓ ﻭﻗـﻭﻯ ﻭﺃﺸﻜﺎل ﺠﺩﻴﺩﺓ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻠﻁﺔ.

ﻭﻴﻨﻁﻠﻕ ﻫﺫﺍ ﺍﻻﺘﺠﺎﻩ ﻤﻥ ﺩﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﻥ ﻭﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﺤﻜﻭﻤﺔ ﺒﺠـﻭﻫﺭ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻜﻤﻥ ﻓﻲ ﻤﻨﻅﻭﻤﺔ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﻨﺘﺎﺝ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﺘﻤﺩ ﻋﻠﻰ ﺸﻜل ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﻟﻭﺴﺎﺌل ﺍﻻﻨﺘﺎﺝ ﻭﺃﺸـﻜﺎل ﺘﻭﺯﻴﻊ ﺍﻟﺜﺭﻭﺍﺕ، ﻭﺫﻟﻙ ﻤﻥ ﺨﻼل ﺍﻟﺼﺭﺍﻉ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﻤﻠﺔ)ﺍﻟﺒﺭﻭﻟﻴﺘﺎﺭﻴﺎ(ﺍﻟﻤﻘﻬﻭﺭﺓ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻐﻠﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻁﺒﻘﺔ ﺍﻟﺭﺃﺴﻤﺎﻟﻴﺔ )ﺍﻟﺒﺭﺠﻭﺍﺯﻴﺔ(ﺍﻟﻤﺴﻴﺭﺓ، ﺍﻷﻤﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﺴﻴﻘﻭﺩ ﺍﻨﺘﺼﺎﺭ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﺎﻨﻴﺔ ﺒﻬﺩﻑ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻁﺒﻘﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.

ﻭﻤﻨﻪ ﻴﻤﻜﻨﻨﺎ ﺍﻟﻘﻭل ﺃﻥ ﺍﻻﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺎﺭﻜﺴﻲ ﻓﻲ ﺘﻨﺎﻭﻟﻪ ﻨﺸﺄﺓ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻅﻬﻭﺭﻫﺎ ﻴﻁﺎﺒﻕ ﺒـﻴﻥ ﻤﻔﻬـﻭﻤﻲﺍﻟﺤﺭﻜـﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻁﺒﻘﺔ ﻭﻴﺠﻌل ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺽ ﺒﻴﻥ ﻗﻭﻯ ﺍﻹﻨﺘﺎﺝ ﻭﺍﻟﺼﺭﺍﻉ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻁﺒﻘﺎﺕ ﻭﺍﻟﺫﻱ ﻴﻬﺩﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻁﺒﻘـﺔ ﺍﻟﻤﺴﻴﻁﺭﺓ ﻭﺍﻟﻭﺼﻭل ﺇﻟﻰ ﺤﺎﻟﺔ ﻤﺠﺘﻤﻊ ﺒﻼ ﻁﺒﻘﺎﺕ.

/ﺍﻻﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﺒﻨﺎﺌﻲ:ﺍﻨﻁﻼﻗﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻟﺒﻨﺎﺌﻲ ﺍﻟﻭﻅﻴﻔﻲ، ﻅﻬﺭﺕ ﺍﻟﻌﺩﻴﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﻅﺭﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﻨﺎﻭل ﺍﻟﺤﺭﻜـﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺘﻔﺴﺭ ﺃﺴﺒﺎﺏﻭﻅﺭﻭﻑ ﻨﺸﺄﺘﻬﺎ ﻭﻤﻥ ﺒﻴﻨﻬﺎ

1-نظرية السلوك الجمعي:وهي تعود الى سنوات البدء في دراسة وتحليل الحركات الاجتماعية ، اي الى سنوات الاربعينات والخمسينات من القرن العشرين ،وتدين هذه النظرية بالكثير الى مدرسة شيكاغو (NEVEU)،وأساسا لبارك( PARK)ومن بعده بلومر ، كما تدين  لبعض الوظيفيين من أمثال سميلسر( SMELSER)وبعض الباحثين القريبين من علم النفس الاجتماعي ، مثل غوك ( GURR )وتستند في تفسيرها للحركات الاجتماعية الى خلاصات علم النفس الاجتماعي وسيكولوجية الجماهير ، وتربط هذه النظرية ميلاد الحركات الاجتماعية بحدوث مظاهرات وأشكال من الهستيريا الجماعية ، حيث تنتقل العدوى الجماعية التي تجعل الفرد منسابا مع السلوك الاندفاعي ، بمعنى أن الحركات الاجتماعية ، وفقا لهذا الفهم ، تنطوي على ردود أفعال ليست بالضرورة منطقية تماما في مواجهة ظروف غير طبيعية من التوتر الهيكلي بين المؤسسات الاجتماعية الاساسية ويؤكد أنصار هذه النظرية المسار الانحرافي الذي قد يسير فيه الحركة الاجتماعية ، أي  من الممكن ان تحتمل في مستقبلها ملامح الخطورة تماما كما هو الامر بالنسية الى الحركات الفاشية في ألمانيالا وايطاليا، كما يصرون على اعتبارها انعكاسا لمجتمع مريض ، حيث لا تحتاج المجتمعات الصحية الى حركات اجتماعية بل تتضمن أشكالا من المشاركة السياسية والاجتماعية.[40]

/ﺍﻻﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﺒﻨﺎﺌﻲ:ﺍﻨﻁﻼﻗﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻟﺒﻨﺎﺌﻲ ﺍﻟﻭﻅﻴﻔﻲ، ﻅﻬﺭﺕ ﺍﻟﻌﺩﻴﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﻅﺭﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﻨﺎﻭل ﺍﻟﺤﺭﻜـﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺘﻔﺴﺭ ﺃﺴﺒﺎﺏﻭﻅﺭﻭﻑ ﻨﺸﺄﺘﻬﺎ ﻭﻤﻥ ﺒﻴﻨﻬﺎ

-ﻨﻅﺭﻴﺔ ﺍﻟﺤﺭﻤﺎﻥ ﺍﻟﻨﺴﺒﻲ:ﺘﻔﺴﺭ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻨﻅﺭﻴﺔ ﺒﺭﻭﺯ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻨﺸﺄﺘﻬﺎ ﺍﺴﺘﻨﺎﺩﺍ ﺇﻟﻰ ﺸﻌﻭﺭ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﺒﺎﻟﺤﺭﻤﺎﻥ ﻤﻥ ﺠﺭﺍﺀ ﺇﺤﺴﺎﺴﻬﻡ ﺒﺎﻟﺘﻨﺎﻗﺽ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺘﻭﻗﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺸﺭﻭﻋﺔ ﻭﺍﻟﻭﺍﻗﻊ ﺃﻭ ﻀﻤﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻨﺎﺕ ﺒﻴﻥ ﺃﺤﻭﺍﻟﻬﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﻀﻲ ﻭﺍﻟﺤﺎﻀـﺭ، ﺃﻭ ﻤﺎ ﺒﻴﻥ ﺃﻨﻔﺴﻬﻡ ﻭﺍﻵﺨﺭﻴﻥ، ﻓﻴﺸﻌﺭﻭﻥ ﺒﺎﻟﺭﻀﺎ ﺇﺫﺍ ﻤﺎ ﻜﺎﻨﻭﺍ ﺃﻓﻀل ﺤﺎل، ﻭﺒﺎﻟﺴﺨﻁ ﻭﺍﻹﺤﺒﺎﻁ ﺇﻥ ﻤﺎ ﻜﺎﻨﻭﺍ ﺃﺴﻭﺀ ﺤﺎﻻ ﻭﻤﻨﻪ ﻴﺘﺤﻭل ﺍﻟﺴﻠﻭﻙ ﺇﻟﻰ ﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.

ﻭﻴﺄﺨﺫ ﻋﻠﻰ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻨﻅﺭﻴﺔ ﺘﺭﻜﻴﺯﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻤل ﺍﻟﺤﺭﻤﺎﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺒﺎﻷﺴﺎﺱ ﺩﻭﻥ ﻏﻴﺭﻩ ﻤﻥ ﺍﻟﻌﻭﺍﻤل ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻗﺩ ﺘﺴﺒﺏ ﻤﺜل ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺸﻌﻭﺭ ﺒﺎﻟﺤﺭﻤﺎﻥ، ﻓﻀﻼ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻨﻅﺭﻴﺔ ﺘﻔﺴﺭ ﺃﺴﺒﺎﺏ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﻌﺩﻴﺩ ﻤـﻥ ﺍﻟﺤـﺭكات ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻨﻀﻤﺎﻡ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻟﻬﻡ ﺍﻹﺤﺴﺎﺱ ﺒﺎﻟﺤﺭﻤﺎﻥ ﺍﻟﻨﺴﺒﻲ.

نظرية ﺍﻟﻀﻐﻭﻁ ﺍﻟﺒﻨﺎﺌﻴﺔ:ﻭﻓﻘﺎ ﻟﻬﺫﻩ ﺍﻟﻨﻅﺭﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺠﻤﻠﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻌﻭﺍﻤل ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺸﻴﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋل ﺒﻴﻥ ﻤﺅﺜﺭﻴﻥ ﻫﻤـﺎ:

ﺍﻟﺨﻠل ﺍﻟﻤﺅﺴﺴﻲ ﻓﻲﺍﻟﺒﻨﻰ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﻥ ﺠﺎﻨﺏ ﻭﺫﻟﻙ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻌﺩﻡ ﻗﺩﺭﺓ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺒﻭﻅﻴﻔﺘﻬـﺎ ﺍﻟﻤﻁﻠﻭﺒـﺔ

ﻭﻋﺠﺯﻫﺎ ﻋﻥ ﺍﻻﺴﺘﺠﺎﺒﺔ ﻟﻤﻁﺎﻟﺏ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩﺓ ﻭﺇﻓﺴﺎﺡ ﺍﻟﻤﺠﺎل ﺃﻤﺎﻡ ﺍﻟﻘﻭﻯ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﻤﺎ ﻴﺅﺩﻱ ﻤﺜل ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺨﻠـل ﻤـﻥ ﺘﻔﺸـﻲ ﺍﻟﺸﻌﻭﺭ ﺒﺎﻟﺴﺨﻁ ﻭﺍﻻﻏﺘﺭﺍﺏ ﻭﺍﻨﺘﺸﺎﺭ ﺍﻟﻅﻠﻡ ﻭﺍﻹﺤﺒﺎﻁ، ﻭﻤﻥ ﺠﺎﻨﺏ ﺁﺨﺭ ﻅﻬﻭﺭﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺘﺒﻠـﻭﺭ ﻓـﻲ ﺼـﻭﺭﺓ ﺇﻴﺩﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺎﺕ ﻭﺭﺅﻯ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﺘﺴﻌﻰ ﻹﺤﺩﺍﺙ ﻤﺜل ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺭ ﻟﻸﻭﻀﺎﻉ ﺍﻟﻘﺎﺌﻤﺔ.[41]

   "نظريات الحرمان النسبيوالتي ترى أن الحرمان النسبي هو فجوة بين ما يحصل عليه الأفراد وبين ما يتوقعون ويطمحون الحصول عليه على أساس توجهات الماضي والمقارنة مع الجماعات الآخرى، ولا يرتبط الحرمان النسبي بالضرورة بركود اقتصادي ففي فترة الستينيات رغم وجود وفرة اقتصادية وجدت هذه الجماعات التي تعاني من الحرمان النسبي طالما أن مستوى الطموح يتجاوز قدرات النظم السياسية والاقتصادية للوفاء بها.
ويرجع السبب في غلبة النظريات التي تؤكد على جوانب العنف واللاعقلانية للحركات الاجتماعية ـ ووصف مشاركيها بأنهم أهداف سهلة للجذب من قبل جماعات سلطوية ومقتلعون اجتماعياً ومحبطون ـ في جزء كبير منه إلى المسافة الايديولوجية والاجتماعية بين الحركات الاجتماعية المسيطرة والمفكرين الذين قاموا بدراسة هذه الحركات، فمعظم هؤلاء المفكرين لم يكن لديهم تعاطف مع حركات العمال، كما أن ظهور الفاشية والستالينية زادت من كراهية ونفور الأكاديمين من الدراسات الشعبية.
ويستمر التفسير التقليدي للحركات الاحتجاجية في الوقت الحاضر في الدراسات التي لا تتعاطف مع الحركات الاجتماعية وتركز على اليمين المتطرف وكره الأجانب والذي يُنسب للإحباط ونقص التكامل الاجتماعي لهؤلاء الخاسرون من الحداثة.. الحركات .[42]

 

 

 

 

2-النظريات الحديثة:

أ-نظرية الحركة الاجتماعية الجديدة

تحاول نظرية الحركة الاجتماعية الجديدة، وهي تطور لعلماء الاجتماع الأوروبيين في الخمسينيات والستينيات، تفسير انتشار حركات ما بعد الصناعة وما بعد الحداثة التي يصعب تحليلها باستخدام نظريات الحركة الاجتماعية التقليدية. بدلاً من كونها نظرية واحدة محددة، فهي أكثر من منظور يدور حول فهم الحركات من حيث صلتها بالسياسة والهوية والثقافة والتغيير الاجتماعي. بعض هذه الحركات المترابطة الأكثر تعقيدًا تشمل النسوية البيئية، التي تركز على المجتمع الأبوي كمصدر للمشاكل البيئية، وحركة حقوق المتحولين جنسياً. يقترح عالم الاجتماع ستيفن بوشلر (2000) أننا يجب أن ننظر إلى الصورة الأكبر التي تنشأ فيها هذه الحركات - التحول إلى تحليل عالمي على المستوى الكلي للحركات الاجتماعية.[43]

لقد تم تأصيل هذه النظرية في اوروبا لتبرير مجموعة من الحركات الجديدة التي عرفتها الستينات والسبعينات من القرن الماضي كما أنها طورت مع فريق آلان تورين في فرنسا ، والبرتو ميلوتسي A.melluci في ايطاليا، وكلوس أوف C.offeفي ألمانيا ، وتفسر هذه النظرية الحركات الاجتماعيةكفعل اجتماعي  عاكس لتناقضات المجتمع الحديث بفعل العولمة النيوليبرالية والبيروقراطية المفرطة ، كما أنها أيضا تختزن الحلول الممكنة لجميع هذه الاعطاب والتناقضات وتؤشر على الانتقال من الدفاع عن المصالح الطبقية الى الدفاع عن المصالح الغير طبقية المتعلقة بالمصالح الانسانية الكونيةوهو مايعتبر حسب منظري هذه المقاربة ، على أن الحركات الاجتماعية الجديدة تهتم أكثر بتطوير الهوية الجماعية والمراهنة عن الطبقة المتوسطة بدلا من الطبقة العاملة.[44]

لقد وضعت الحركات الاجتماعية الجديدة مفهوما مغايرا للفعل السياسي وديناميكية جديدة، حيث لم يعد ذلك الفعل يقتصر على القيادات الحزبية ذات الأيديولوجيات الثورية والتجارب العريقة والثقافة السياسية العميقة فحسب، إذ ساعدت هذه الحركات على ”دمقرطة“ الحياة السياسية ووسعت أفقها بتركيزها على هموم وثيقة الصلة بالحياة اليومية للمواطنين، كما تولى قيادة هذه الحركات أشخاص ليست لديهم خبرة سياسية سابقة ولا يحملون طموح في السلطة، وقد ساعد في انتشار الحركات الجديدة -رغم تضييق الأنظمة الحاكمة- قدرتها على الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة التي أتاحت لها فرص الاطلاع على تجارب أخرى.

ثمة اعتقاد بأن الحركات الاجتماعية في العالم العربي هي امتداد للحركات الاجتماعية العالمية، التي بدأ نشاطها يتوسع مع انحسار دور الأحزاب السياسية اليسارية والنقابات العالمية التي حاصرتها العولمة النيو-ليبرالية التي تسعى لتحرير الاقتصاد من أية رقابة. وفي مواجهة عجز الأحزاب والنقابات أنشئ المنتدى الاجتماعي العالمي الذي بدأ دورته الأولى في البرازيل سنة 2001، كرد فعل على المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في دافوس بسويسرا في الفترة نفسها، وردا على سياسات العولمة الاقتصادية وما تخلفه من آثار مدمرة على الشعوب، على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.

لقد ساد خلال دورات المنتديات الاجتماعية السنوية ابتداءً من لقاء بورتو أليغري في البرازيل تياران، يضم الأول الحركات المنظمة، ومن بينها النقابات المتمردة على قياداتها المهادنة للسلطة، والمنظمات الحقوقية، والحركات النسوية، والأقليات، والمنظمات المهتمة بالبيئة. بينما يضم التيار الثاني الحركات الاجتماعية التي لا ترى في التنظير السياسي جدوى، وتؤمن بالنشاط الميداني في المواجهة، كما حدث في سياتل 1999 مع المسيرات المعارضة لمؤتمر منظمة التجارة العالمية حين تمكن المتظاهرون من إفشال المؤتمر، وكذلك حركة احتلوا وول ستريت” في سبتمبر 2011، وحركة “المستائين” في إسبانيا في مايو .[45]

ب- نظرية تعبئة الموارد: التي تبلورت في الستينات من القرن الفائت ارتكانا على فهم خاص يبحث في بناء الحركات الاجتماعية وأليات تدبيرها وتشكلها بواسطة الموارد الاقتصادية والسياسية والتواصلية،التي تتوافر للافراد والجماعة المنخرطة في الفعل الاحتجاجي،بدون اغفال القدرة على استعمال هذه الموارد ، وفد ظهرت الارهاصات الاولى لهذه النظرية في أمريكا ، في سياق البحث عن اطار تحليلي للحركات الاجتماعية ، خصوصا مع تنامي الحركات النسائية وجركات السود والمدافعين عن البيئة ،ويعد اوبرشال  oberchal  وغامسون Gamsonمن ابرز منظري هذا الاتجاه ويعتقد أصحاب هذه النظرية أن الحركات الاجتماعية هي استجابات منطقية لمواقف وامكانيات طرأت حديثا في المجتمع،وعليه لا يتوجب اعتبارها مؤشرات للاختلال الاجتماعي ، بل هي مظهر من مظاهر الفاعلية الاجتماعية ومكون بنيوي من العملية السياسية. .[46]

وتصور مكارثي وزالد (1977) نظرية تعبئة الموارد كطريقة لشرح نجاح الحركة من حيث القدرة على اكتساب الموارد وتعبئة الأفراد. الموارد هي في المقام الأول الوقت والمال، وكلما زاد كلاهما، زادت قوة الحركات المنظمة. تشكل أعداد منظمات الحركة الاجتماعية (SMO)، وهي مجموعات حركة اجتماعية فردية، لها نفس الأهداف، صناعة الحركة الاجتماعية (SMI). يخلقون معًا ما يشير إليه مكارثي وزالد (1977) باسم «مجموع كل الحركات الاجتماعية في المجتمع».

ج-براديغم الفعل/الهوية: تعتبر هذه النظرية الحركات الإجتماعية ديناميات اجتماعية حائلة دون الركود أو الثبات الإجتماعي ؛ فهي أفعال احتجاجية تروم التغيير ومقاومة جميع إمكانيات التكريس واعادة إنتاج القائم من الأوضاع وهو ما يجعل منها ممارسات ضد الهيمنة.فأنصار هذه النظرية يؤكدون أن

المجتمعات البشرية سائرةعلي درب الانتقال من الشكل القديم للرأسمالية الصناعية الى مجتمع مرحلة ما بعد التصنيع القائم على البرمجة "حيث يسيطر التكنوقراط وتنامي عناصر الهيمنة والتوجيه ، وعليه، يلح أنصار هذه النظرية على أن المجتمع المبرمج والموجه من جانب التكنوقراط يبخس دور الطبقة العاملة ويحد من فاعليتها في صناعة التغيير لهذا ينبغي  وفقا لهذه البراديغم النظري فهم الحركة الاجتماعية كفعل ضد الهعيمنة من أجل تحسين الهوية .

ﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻉ ﻓﻲ ﺘﺤﻠﻴل ﻭﺘﻔﺴﻴﺭ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ

ﺃ-ﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﺒﻴﺎﺭ ﺒﻭﺭﺩﻴﻭ:ﻴﻌﺘﺒﺭ ﺒﻴﺎﺭ ﺒﻭﺭﺩﻴﻭ ﻭﺍﺤﺩﺍ ﻤﻥ ﺃﻫﻡ ﺍﻟﻤﻔﻜﺭﻴﻥ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﺴﺎﻫﻤﻭﺍ ﻓﻲ ﺘﻭﺴﻴﻊ ﺩﺍﺌﺭﺓ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻴـل ﺤﻭل ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺭﻓﺘﻬﺎ ﻓﺭﻨﺴﺎ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻡ ﻤﻥ ﺍﻨﺘﻔﺎﻀﺔ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺒﺎ ﺴﻨﺔ1986، ﻤﻨﺫ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﺴﺘﻤﺭ ﺒﻭﺭﺩﻴﻭ ﻓﻲ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺒﺘﻔﺎﺼﻴل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺩﺭﺠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺼﺎﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺴﻤﻪ ﻤﺭﺘﺒﻁﺎ ﺒﺤﺭﻜﺎﺕ ﻤﻨﺎﻫﻀـﻲ ﺍﻟﻌﻭﻟﻤﺔ، ﻟﻴﺱ ﻜﺒﺎﺤﺙ ﻓﻘﻁ ﻭﺇﻨﻤﺎ ﻜﻤﻨﻅﺭ، ﻓﻬﻭ ﻴﺸﻜل ﻤﻊ"ﺸﻭﻤﺴﻜﻲ ﻭﺃﻨﻁﻭﻨﻴﻭ ﻨﻴﻐﺭﻱ ﻭﺘﻴـﺎﺭ"ﺃﺒـﺭﺯ ﺍﻟﻤﻨﻅـﺭﻴﻥ ﻟﻠﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﻀﺔ ﻟﻠﻌﻭﻟﻤﺔ.

ﻭﻗﺩ ﺍﻫﺘﻡ ﺒﻴﺎﺭ ﺒﻭﺭﺩﻴﻭ ﺒﺘﻨﺎﻭل ﺃﻨﻤﺎﻁ ﺍﻟﺴﻴﻁﺭﺓ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺒﻭﺍﺴﻁﺔ ﺘﺤﻠﻴل ﻤﺎﺩﻱ ﻟﻠﻨﺘﺎﺠﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺫﻟﻙ ﻓﻲﺇﻁـﺎﺭ ﺇﺒـﺭﺍﺯ ﺁﻟﻴﺎﺕ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻻﻨﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺒﺎﻟﺒﻨﻴﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﻫﻭ ﻴﺭﻜﺯ ﻓﻲ ﺘﺤﻠﻴﻠﻪ ﻟﻠﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻤـﺎ ﺒﻠـﻭﺭﻩ ﻤـﻥ ﻤﻔﺎﻫﻴﻡ ﻭﺃﻁﺭﻭﺤﺎﺕ ﺒﺨﺼﻭﺹ ﺍﻟﺤﻘل، ﻭﺍﻟﺭﺃﺴﻤﺎل، ﻭﺍﻟﻌﻨﻑ ﻭﺍﻟﻤﺜﻘﻑ ﺍﻟﺠﻤﻌﻲ، ﻓﺄﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴل ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﻤـﺩﻫﺎ ﺒﻴـﺎﺭ ﺒﻭﺭﺩﻴﻭ ﺘﻔﻴﺩ ﻓﻲ ﻓﻬﻡ ﺩﻴﻨﺎﻤﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺨﺼﻭﺼﺎ ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻴﺘﻡ ﺘﻤﺜﻠﻬﺎ ﻜﺤﻘﻭل ﺼﺭﺍﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻨﺯﺍﻉ ﻭﺘﻨـﺎﻓﺱ ﻤﺴﺘﻤﺭ ﻤﻊ ﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻭﺍﻻﺤﺘﻭﺍﺀ2

ﻭﻟﻘﺩ ﺩﻋﺎ ﺒﻭﺭﺩﻴﻭ ﺇﻟﻰ"ﺤﺭﻜﺔ ﺍﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ ﺃﻭﺭﻭﺒﻴﺔ"ﺘﻜﻭﻥ ﺨﻁﻭﺓ ﺃﻭﻟﻰ ﻭﻫﻲ ﺤﺭﻜﺔ ﺘﻔﺘﺭﺽ ﻤﺯﻴﺩﺍ ﻤﻥ ﺍﻻﻟﺘﺯﺍﻡ ﻭﺍﻻﻨﺨـﺭﺍﻁ ﺍﻻﻴﺠﺎﺒﻲ ﻟﻠﻨﻘﺎﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻥ ﻭﺍﻟﺫﻴﻥ ﻻ ﺒﺩﻴلﺃﻤﺎﻤﻬﻡﻟﻤﻭﺍﺠﻬﺔ ﺇﻜﺭﺍﻫـﺎﺕ ﺍﻟﻌﻭﻟﻤـﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼـﺎﺩ ﺍﻟﺴﻭﻕ ﻏﻴﺭ ﺇﺒﺩﺍﺀ ﺍﻟﺭﻓﺽ ﻭﺍﻻﺤﺘﺠﺎﺝ ﻤﺎﺩﻴﺎ ﻭﺭﻤﺯﻴﺎ ﺩﻓﺎﻋﺎ ﻋﻥ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺫﻟﻙ ﺒﺈﺒﺩﺍﻉ ﻗﻨـﻭﺍﺕ ﺠﺩﻴـﺩﺓ ﻟﻤﻭﺍﺠﻬـﺔ ﺍﻟﺭﺃﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻤﺯﺠﺕ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺘﻜﻨﻭﻟﻭﺠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﺩﻴﺜﺔ ﻭﺴﻠﻁﺔ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎل ﻭﻫﻭ ﻴﻤﻨﺤﻬﺎ ﺇﻤﻜﺎﻨﻴﺎﺕ ﻗﺼﻭﻯ ﻟﻠﻬﻴﻤﻨﺔ ﻭﺍﻟﺘﺄﺜﻴﺭ ﺩﺍﻋﻴﺎ ﺒﻘﻭﺓ ﺇﻟﻰ ﺘﺤﺼﻴﻥ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺴﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.

ﻓﻤﻨﺫ1995ﺒﺩﺃ"ﺒﻴﺎﺭ ﺒﻭﺭﺩﻴﻭ"ﻴﻨﻅﺭ ﻟﻠﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩﺓ ﻭﻴﻨﺎﻀل ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭﺍﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻤﻘﺩﻤﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻙ ﻨﻤـﻭﺫﺝ ﻟﻠﻤﺜﻘﻑ ﺍﻟﻌﻀﻭﻱ، ﻭﺭﺍﻓﻀﺎ ﻜﻠﻴﺎ ﺍﻟﻨﻴﻭ ﻟﻴﺒﻴﺭﺍﻟﻴﺔﻭﺩﻟﻴﻠﻪ ﻤﺎ ﺍﻨﺘﻬﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﻤﻥ ﻤﻘﺎﺭﺒﺎﺕ ﺴﻭﺴﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺔ ﻭﻤﺎ ﻴـﺅﻤﻥ ﺒـﻪ ﻤـﻥ ﺍﻟﺘﺯﺍﻡ ﺴﻴﺎﺴﻲ، ﻓﻤﺎ ﺭﺍﻜﻤﻪ ﻓﻲ ﻜﺘﺒﻪ ﺍﻟﻤﺸﻬﻭﺭﺓ:

-ﻤﻬﻨﺔ ﻋﺎﻟﻡ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻉle métier de Sociologue

-ﺍﻟﺤﺱ ﺍﻟﻌﻤﻠﻲle sens pratique

-ﺒﺅﺱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡla misère du monde

ﻭﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻙ ﻤﻥ ﻜﺘﺏ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺠﻌﻠﻪ ﻴﻨﻅﺭ ﻟﻠﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﺤﺘﺠﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻭﻟﻤﺔ ﻭﺍﻟﺭﺃﺴـﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻭﺤﺸـﺔ ﺍﻟﺘـﻲ ﺘﺘﺄﺴﺱ ﻋﻠﻰ ﻗﻭﺍﻨﻴﻥﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻤﺠﺤﻔﺔ3

ﺏ-ﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﺃﻻﻥ ﺘﻭﺭﻴﻥ:ﺘﻌﺘﺒﺭ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﻥ ﺒﻴﻥ ﺍﻫﻡ ﺍﻟﻤﺒﺎﺤﺙ ﺍﻷﺴﺎﺴـﻴﺔ ﺍﻟﺘـﻲ ﺍﺸـﺘﻐل ﻋﻠﻴﻬـﺎ ﺃﻻﻥ ﺘﻭﺭﺒﻥ، ﺤﻴﺙ ﺘﺘﻤﻴﺯ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩﺓ ﻋﻨﺩ ﺘﻭﺭﻴﻥ ﺒﻘﺩﺭ ﻤﻌﻴﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﻨﻅﻴﻡ ﻭﺍﻻﺴﺘﻤﺭﺍﺭﻴﺔ ﺍﻟﻠﺫﻴﻥﻴﺅﺩﻴـﺎﻥ [47] 

ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺇﻨﺘﺎﺝ ﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻷﻨﺴﺎﻕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻴﺅﺴﺱ ﺃﻻﻥ ﺘﻭﺭﻴﻥ ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺜﻼﺜﺔ ﻤﺒـﺎﺩﺉ ﺃﺴﺎﺴﻴﺔ ﻫﻲ:

ﻤﺒﺩﺃ ﺍﻟﻬﻭﻴﺔ:ﻭﻴﻘﺼﺩ ﺒﻪ ﻀﺭﻭﺭﺓ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﺍﻟﻬﻭﻴﺔ ﺍﻟﺫﺍﺘﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﻤﺘﻌﺩﺩﺓ ﻭﻤﺭﻜﺒﺔ)ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ، ﻁﺒﻘﺔ، ﺸﺭﻴﺤﺔ ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ،(...ﻭﺒﻤﻘﺎﺒﻠﻬﺎ ﺃﻴﻀﺎ ﻴﺠﺏ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻫﻭﻴﺔ ﺍﻟﺨﺼﻡ.

ﻤﺒﺩﺃ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﺽ:ﻴﻔﺘﺭﺽ ﻤﺒﺩﺃ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﺍﻟﺨﺼﻡ، ﺃﻱ ﻴﺠﺏ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﺍﻟﺨﺼﻡ ﺍﻟﺫﻱ ﺘﻘﻭﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﻭﺍﻀﺤﺎ ﻭﻤﻭﻀﻭﻋﻴﺎ، ﻤﺜﺎل:ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔﻀﺩ ﺘﻨﻅﻴﻡ ﺍﻟﻌﻤل ﻤﻥ ﺃﺠل ﺍﻻﺴﺘﻘﻼل ﺍﻟﻌﻤﺎﻟﻲ.

ﻤﺒﺩﺃ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ:ﻭﻴﻘﺼﺩ ﺃﻻﻥ ﺘﻭﺭﻴﻥ ﻫﻨﺎ ﺒﺄﻥ ﺍﻟﺤﺭﻜﺔﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﻜﻭﻨﺔ ﻤﻥ ﻭﻋﻲ ﺠﻤﻌﻲ ﻭﺒﺼﻴﻐﺔ ﺠﻤﻌﻴﺔ ﻭﺸـﻤﻭﻟﻴﺔ ﻻ ﺃﻗﻠﻴﺔ ﻭﻓﺭﺩﻴﺔ ﻤﻥ ﺍﺠل ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﺜﻴﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺭﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻤﻥ ﺃﺠل ﺍﻟﺤﺼﻭل ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻭﻕ ﻭﺍﻟﻤﻁﺎﻟﺏ.

ﻭﻤﻨﻪ ﻓﺎﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻴﺔ ﺘﺘﻜﻭﻥ ﻤﻥ ﺜﻼﺙ ﻋﻨﺎﺼﺭ ﺤﺴﺏ"ﺃﻻﻥ ﺘﻭﺭﻴﻥ:"

-ﺍﻟﺩﻓﺎﻉ ﻋﻥ ﺍﻟﻬﻭﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺨﺎﺼﺔ.

-ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻭﺍﻟﺼﺭﺍﻉ.

-ﺍﻟﺭﺅﻴﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﺭﻜﺔ ﻓﻲ ﺘﻘﺎﺴﻤﻬﺎ ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﻤﻊ ﻤﻨﺎﻓﺴﻴﻬﺎ

ﻭﺍﻟﻭﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺁﻻﻥ ﺘﻭﺭﻴﻥ ﻴﺴﺘﻨﺩ ﺒﺎﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻤﻭﻗﻔﻪ ﺍﻟﻨﻘﺩﻱ ﻤﻥ ﻓﻜﺭ ﻤﺎ ﺒﻌﺩ ﺍﻟﺤﺩﺍﺜﺔ ﺒﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻓﻜﺭﺍ ﻫﺩﺍﻤﺎ ﻟﻠﻨﻤﻭﺫﺝ ﺍﻟﻌﻘﻼﻨﻲ، ﻤﺅﻜﺩﺍ ﺃﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﻫﻲ ﻓﻌل ﺨﺎﺹ ﻴﺅﺸﺭ ﻋﻠﻰ ﺴﻠﻭﻙ ﺠﻤﻌﻲ ﻟﻠﻔﺎﻋﻠﻴﻥ ﻤﻥ ﺠﻤﺎﻋﺔﻤﻌﻴﻨﺔ ﺘﻨﺎﻀـل ﻀﺩ ﺠﻤﺎﻋﺔ ﺃﺨﺭﻯ ﻤﻥ ﺃﺠل ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﺎﻟﺼﺭﺍﻉ ﺤﺎﻀﺭ ﺒﻘﻭﺓ ﻓﻲ ﻤﺴﺘﻭﻯ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺤﺭﻜـﺎﺕ، ﻭﻴﻤﻴـﺯ ﺘـﻭﺭﻴﻥ ﻓـﻲ ﺘﺼﻨﻴﻔﻪ ﻟﻬﺫﻩ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﻨﻭﻋﻲ ﺍﻟﻤﺘﺼل ﺒﺎﻷﺸﻜﺎل ﻭﺍﻟﺼﻴﻎ، ﻭﺍﻟﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﺘﻨﻅﻴﻤﻲ ﺍﻟﻤﻔﺘﻭﺡ ﻋﻠﻰ ﺸﺭﻭﻁ ﺍﻻﻨﺘـﺎﺝ ﻭﺍﻟﺘﻜﻭﻴﻥ .

ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﺴﻭﺴﻴﻭﻟﻭﺠﻲ ﺤﺴﺏ ﺭﺃﻱ ﺁﻻﻥ ﺘﻭﺭﻴﻥ ﻻ ﻴﻔﺘﺭﺽ ﻤﻤﺎﺭﺴﺔ ﺫﺍﺕ ﺒﻌﺩ ﻭﺍﺤﺩ، ﻓﺜﻤﺔ ﻋﻭﺍﻤل ﺃﺨﺭﻯ ﺃﻜﺜـﺭ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻴﺘﻭﺠﺏ ﺍﻻﻨﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺘﻔﺴﻴﺭ ﺍﻟﻔﻌل ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ.

ﻟﻘﺩ ﻋﻤل ﺁﻻﻥ ﺘﻭﺭﻴﻥ ﻋﻠﻰ ﺘﺄﺴﻴﺱ ﻨﻅﺭﻴﺘﻪ ﺤﻭل ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺘﺤﺩﻴﺩﺍ ﺤﻭل ﺍﻟﺠﺩﻴـﺩ ﻤﻨﻬـﺎ ﻓـﻲ ﻤﻨﺠـﺯﻩ "ﺍﻟﻭﻋﻲ ﺍﻟﻌﻤﺎﻟﻲla conscience ouvrière"ﻭﺍﻟﺫﻱ ﻴﻌﺘﺒﺭﻓﻴﻪ ﺍﻟﻌﻤﺎل ﻓﺎﻋﻠﻴﻥ ﻨﺎﺯﺤﻴﻥ ﺒﺎﻤﺘﻴﺎﺯ. [48]

وطوال السبعينات كتب تورين سلسلة دراسات حول العديد من الحركات الاجتماعية ،بما فيها الاحتجاج في ماي 1968بباريس ، والحركات العمالية وحركة السلام ، ويرى أن التحول الاقتصادي بعد الصناعي ونمو حال الرفاهية قضيا على الصراعات العمالية ، وأفسح الطريق أمام نوع جديد من المجتمعات .[49]

لا أنه يبدو لنا أن أية نظرية حول الحركات الاجتماعية عاجزة بمفردها عن أن تغطي مجموع المسائل الخاصة بكل دراسة أمبريقية. تشكل المقاربات الجديدة التي يشتد عودها في الوقت الحاضر، المحاولات الأكثر جدية من حيث المسالك البحثية التي تفتحها و ليس من أجل النتائج التي توصلت إليها حتى اليوم. في هذا المعنى، نؤكد، خلاصة، أنه على تفسير النشاط العملي التصادمي أن ينطلق من اعتبار تشكيلات التنافس بين الجماعات، عوض الاعتقاد بقوة الأفكار حول الإلتزام الاحتجاجي للأفراد أو للهيكلة السياسية المفكر فيها بطريقة جامدة، على أنها " مفتوحة" أو " مغلقة". تسمح دراسة هذه التبادلات – حسب رأينا – بتفادي انزلاق إوالي ( (Mécanisteالذي تتضمنه فكرة فرض إطارات رمزية موجودة مسبقا على الجماعات الاحتجاجية . كما تُظهِر أن حسابات الفاعلين القائمة على قياس ما يمكن أن يكونه عمل الآخرين، عنصر مركزي للتفسير. إنها لا تتصور أشكال المنافسة على أنها ثابتة، لكنها تضع العمل التكتيكي للفاعلين في مركز التفسير. يبدو لنا إذن أنه يمكن تسيير معنى من طرف هذه التنظيمات على أنه عملية أساسية تسهم في تنظيم منافساتهم عينها. يبدو لنا مهما هنا أن ندرك أن الجماعات الاحتجاجية تعبئ ، منشغلةً بالظهور عموميا في مظهر الاحترام . يجلو شكل الظهور العمومي هذا في استعمال ربرتوار أعمال جماعية، كما ترتكز على التأويلات التي يقوم بها الفاعلون. فإذا ارتكز العمل التفسيري للتعبئة الاحتجاجية على إبراز تنظيمات في شكل وكالات تعبئة و كذا على لعبة المنافسة و التبادلات بين الأفواج الاحتجاجية، إلا أن عليه كذلك – حسب رأينا –اعتبار الخاصية التي يشكل، بمقتضاها، تسيير المعنى عملية أساسية لتفسير التعبئة الاحتجاجية.

9إلا أنه يبقى علينا بناء تحليل عميق يجمع بين البعد التاريخي و ثقل الحتميات الاجتماعية، و بين العمل التكتيكي المتواجد في كل محاولة تعبئة احتجاجية و ربما وسم هذا لسنين طويلة، استمرار البحوث حول الأطر النظرية لتحليل الحركات الاجتماعية.[50]

ونستخلص من كل ذلك ان هناك العديد من النظريات نشأت من أجل دراسة دوافع ظهور الحركات الاجتماعية ، وجلها ارتبطت بالعوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ،فكان التركيز على البعض منها وعلى سبيل المثال التي تهتم بالسلوك الاجتماعي ، والحرمان النسبي ، وتعبئة الموارد ...بهدف فهمها عن طريق تطورها من خلال انحصارها على أفراد الفئات الفقيرة والوسطى.

والبعض من الدراسات والبحوث تعطي تفسيؤا لبروز الحركات الاجتماعية بتبرير أنها ناتجة عن اتباع الدولة لسياسات اقتصادية على عكس متطلبات المجتمع الهش ، فتزيد بالتالي في حجم الاختلالات داخل المجتمع من فقر ، وعنف ،وانتحار،وطلاق،ومخدرات، ومؤدى ذلك يكون حتميا انفجارات واحتجاجات للسعي للتغيير.

وما يجب ملاحظته في ميدان دراسة الحركات الاجتماعية وتحديدا حول النظريات المفسرة لها، يمكن القول بأن أية نظرية حول الحركات الاجتماعية ، هي عاجزة بمفردها في تغطية مجموع المسائل الخاصة بدراتها ، لذلك تبقى البحوث مستمرة ولزمن طويل حول الاطر النظرية لتحليل الحركات الاجتماعية.[51]

ثامنا-الحركات الاجتماعية والدولة.

    يعد مفهوم الدولة واحد من المفاهيم الأساسية التى شغلت اهتمام الفكر السياسى منذ القدم وحتى يوم هذا, والقراءة سريعة في الاستعمالات المتداولة لمفهوم الدولة تبين أن هذا المفهوم يكتسي معان متغايرة، حيث يظهر تارة في صورة الحكومة وتارة أخرى يأتي بمعنى النظام، كما يشار به أحيلنا إلى المؤسسات العمومية..إلخ. في حين أن مفهوم الدولة يشير إلى كل كيان سياسي يبسط نفوذه وسيادته على رقعة جغرافية معينة، ويفترض في سكانه أن يشعروا تجاهه بالمواطنة والانتماء. إن الدولة كيان لا يمكن أن نتمثل أبعاده دون إثارة مفاهيم مثل السيادة، والسلطة، والحق، والقانون، والحرية. وذلك ما يبين أن إثارة مفهوم الدولة هو في الواقع محاولة لإثارة تساؤلات متداخلة من قبيل مايلي: مم تستمد الدولة شرعيتها وفيم تتحدد غاياتها؟ ما هي طبيعة السلطة السياسية التي تمارسها الدولة؟ هل السلطة التي تمارسها الدولة مستمدة من القانون أم من القوة والعنف؟

وقد طرأ على هذا المفهوم العديد من التطورات والتغيرات نتاج ما شهده العالم من تطور عبر الزمان، فمما لا شك فيه أن مفهوم الدولة عرضة للتغير سواء أكان تغيرا ثوريا أم تغيرا تدريجياً بطيئا، وهو ما تتناوله باسهاب نظريات الثورة, فثمة تطورا وتغيرا تشهده الدولة يثير – والحال هذه – ذلك النقاش الحامي الوطيس الذي دار بين أتباع البنيوية الجديدة من ناحية، وأتباع الماركسية والوظيفية من ناحية ثانية، والامر المهم في هذا الاطار هو التساؤل حول مصدر التطور, بعبارة اخرى ان ما يعنينا هو محاولة التعرف على طبيعة الفاعلين الذين يمكنهم أن يكونوا أصحاب الفضل الرئيسي فيما يجري من تغير أو تطور في دولة من الدول.

اذا كانت المفاهيم النظرية لبناء الدولة، تستند على أرضية دينية، فلسفية واجتماعية أو تاريخية. إلا أنه يستحيل على المرء أن يقدر أية هذه العوامل كان أقوى من الآخر أثرا في تكوين الدولة وبنائها. فمثلا وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، نجد تمسك الملك لويس الرابع عشر بالمبادئ الدينية لبناء الدولة فقال: “إن سلطة الملوك مستمدة من تفويض الخالق، فالله مصدرها وليس الشعب، وهم أي الملوك مسئولون أمام الله وحده في كيفية استخدامها”. لكن هذه المفاهيم بدأت تتقلص حتى تلاشت تقريبا، نتيجة لتطور الشعوب وازدياد وعيها، نتيجة لانتشار الثقافات المختلفة وظهور أفكار فلسفية جديدة مناهضة للأفكار الدينية”.

كما يثير مفهوم الدولة العديد من الإشكاليات في مجتمعاتنا العربية خاصة خلال مرحلة التغير التي تمر بها البلدان العربية, وبداية الحديثة عن مفاهيم الدولة المدنية وتنازعها مع مفهوم الدولة الدينية, وما ارتبط بهذا الجدل من مفاهيم كالديمقراطية واللامركزية والمجتمع المدني وغيرها من المفاهيم, الأمر الذي يستدعى مننا محاولة التعرف على الأبعاد الفكرية والنظرية لمفهوم الدولة وما يرتبط به من مفاهيم, فقد استرعي انتباه علماء السياسة والاجتماع في العقد الاخير من هذا القرن هو تلك الحيوية التي قد يظهرها المجتمع في مواجهه الدولة بل ورغما عن الدولة لاسيما في تلك الحالات التي كان يتصور فيها خضوع المجتمع خضوعا تاما للدولة الشمولية أو التسلطية .

أصبح للحركات الاجتماعية دورا بارزا في السياسة في جميع أنحاء العالم. على الرغم من أنها قد يكون لها فرص أفضل للنجاح في الديمقراطية ،  ففى ظل نظام العولمة توفرت الفرص للمجموعات التي تعيش في ظل الدكتاتوريات للضغط على حكومتهم. فدمقرطة الاتصالات وسائل الإعلام على حد سواء قد سهلت للأفراد التلاقى والعمل المشترك لتحقيق مصالحهم المتماثلة، فضلا عن اعطائهم مزيد من الحرية فى  تحركاتهم لنشر رسالتهم وتوليد الضغط للعمل. فالإنترنت، على وجه الخصوص، أصبح أداة تعبئة قوية, يستخدمه،.فعلى الرغم من رفض هذه الحركات الاجتماعية الحديثة للسياسة إلا إن وجودها و أنشطتها أدى إلى توسيع مفهوم السياسة بحيث لم تعد السياسة مقصورة على التنافس على السلطة و إنما دخلت فيها اهتمامات أساسية للبشر مثل السلام ، حماية البيئة ..الخ

ونجد أن موضوع الحركات الاجتماعية أصبح يؤلف جزءا أساسيا فى الدراسات المتعلقة بالسياسات العامة فى كل أنحاء العالم وإن كانت هذه الدراسات أكثرتقدما فى المجتمعات الديموقراطية عنها فى المجتمعات الشمولية التى تسودها النظم الاستبدادية، وذلك بفضل سهولة التواصل وتبادل الأفكار والحصول على المعلومات والتعرف على الحركات المماثلة فى الدول الأخرى مما يتيح إمكان التنسيق بينها على نطاق واسع ويجعلها بالتالى أكثر فعالية وتأثيرا. ويساعد على ذلك فى الوقت الحالى انتشار استخدام الإنترنت مما يدفع بالكثيرين من المفكرين إلى اعتبار الإنترنت ذاته «حركة اجتماعية» جديدة وليس مجرد أداة أو وسيلة لنشر الحركات الاجتماعية والتعريف بها على ماسنرى في ما بعد.

وقد يمكن اعتبار الحركات الاجتماعية استجابات عقلانية لمواقف جديدة أو مستجدة فى المجتمع على اعتبار أنها تهدف إلى تجديد الحياة السياسية والاجتماعية، وتوفير ظروف حياتية أفضل مما هو قائم. ومن هنا تعتبر هذه الحركات بمنزلة قوى ضغط لتحقيق الإصلاح والتقدم وإيجاد واقع جديد يستند إلى نسق مغايرمن القيم تتجاوز التناقضات التى يعانى منها المجتمع سواء فى المجال السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى أو حتى فى المجال الثقافى .

فى نهاية العقود الاخيرة من القرن العشرين ,اتجهت بعض دول جنوب ووسط أوربا “كالفلبيين وامريكا اللاتينية بتركيز التحليل على الحركات الاجتماعية التى تتبنى توجهات مدنية ضد الانظمة الغير الديمقراطية , وقد برز مفهوم الحركات الاجتماعية في إطار سياق تاريخي معين رافقه وجود نظم حزبية و سعى لتمثيل مصالح معينة مع وجود نظم اقتصادية و ثقافية في الدول الرأسمالية المتقدمة. كما لعبت الحركات الاجتماعية دورا محوريا فى توسيع مدى مفهوم الديمقراطية ليشمل المنافسة بين الاحزاب السياسة و الفواعل المختلفة و ذلك ليصب فى النهاية فى مصلحة المواطنين.

نجد ان عالم السياسة الأمريكي تشارلز تيلي. Charles Tilly ,والذي ينتمي الى المدرسة الجديدة في البحث الاجتماعي فيقدم من خلال كتابه الحركات الاجتماعية (1768-2004)تعريفاُ واضحاً ومختصراً أو ما يمكن القول بأنه ما قل ودل في تعريف الحركات الاجتماعية، حيث وصفها على أنها:”سلسلة من التفاعلات بين أصحاب السلطة وأشخاص ينصّبون أنفسهم وباقتدار كمتحدثين عن قاعدة شعبية تفتقد للتمثيل النيابي الرسمي، وفي هذا الإطار يقوم هؤلاء الأشخاص بتقديم مطالب على الملأ من أجل التغيير سواء في توزيع أو في ممارسة السلطة، وتدعيم هذه المطالب بمظاهرات عامة للتأييد.” [52]

سادسا-الحركات الاجتماعية في الوطن العربي.

     قبل الحديث على الحركات الاجتماعية في الوطن العربي ارتأينا اولا أن نلقي نظرة على تطور التكوين الاجتماعي ونشأة الحركات الاجتماعية في فيه،فقد عرفت المنطقة العربية في فترات زمنية مختلفة أشكالا متباينة ومتفاوتة من السلطة المركزية المستقرة، كان الاستحواذ على الفائض الاقتصادي يتم لصالحها في نظام ذى هيكل تراتبي متعدد المراحل مما كان يسمح باحتجاز المستويات المختلفة لنصيبها من الفائض في مقابل ولائها لقمة السلطة الذي كان يأخذ طابعا شخصيا. وأدى هذا النظام الأبوي القابض من خلال علاقات زبائنية مع شبكة القيادات المحلية إلى تكثيف استنزاف الفائض وإجهاض تطور التكوينات الاجتماعية المنتجة (فلاحين – حرفين – تجار)، وانصرافها عن الإبداع والتجديد والسعي إلى اكتناز الأموال في صورة ذهب. كما أدى من جهة أخرى إلى كتم التعبير السياسي وتفشي الفساد وفقدان الأمان في الريف والمدن (

وشهدت أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ما عرف بتحركات عوام المدن ضد الاستغلال وتدهور الأحوال المعيشية في ظل الدولة العثمانية، ومنها تحركات حلب التي أدت إلى استيلاء العامة على المدينة وهروب الوالي 1818، ثم حصارها وضربها بالمدفعية عام 1821. وأيضا قومة حلب عام 1851 ضد التجنيد الإجباري وضريبة العقارات، وثورة أيلول 1832 في دمشق (حصار الوالي في القلعة أربعين يوما ثم قتله وأعوانه). وشهدت الشام إلى جانب ذلك انتفاضات فلاحية في الريف ضد الضرائب الباهظة وضد الجهاز الإداري وضد المشايخ والمقاطعجية والملتزمين  .  

وفي مصر كانت انتفاضة عام 1795، ضد زيادة الضرائب على الفلاحين، ثم كانت ثورة القاهرة الأولى في أكتوبر 1798، والثانية في مارس 1800 ضد الحملة الفرنسية أساسا، وفي الوقت ذاته تعبيرا عن الغضب الشعبي من تدهور الأحوال المعيشية، وجزئيا ضد الولاة والمماليك الخانعين، وخاصة الثورة الأولى. وأعقب خروج الحملة عددً من تحركات العوام ضد المماليك وحكام المدن في مظاهرات حاشدة – بعضها من النساء- تسير إلى القلعة وترفع إلى الوالي المطالب الشعبية. واستمرت هذه التحركات حتى ولاية محمد على عام 1805 بمعاونة القوى الشعبية والقيادات الدينية. وشهدت تونس أيضا مثل تلك التحركات في تمرد أولاد عزيز عام 1845، وثورة ابن غذاهم 1864 ضد الضرائب والانحياز للأجانب. وفي الأخيرة قدم الثائرون شكواهم ضد الباي الحاكم إلى الباب العالي  .

وتميزت هذه الحركات بأنها تندلع وتخبو سريعا، وأن قوامها من الجماهير المهمشة في مواجهة حكم متعسف وإفقار عام. ونظرا لتدهور مستوى التطور الإنتاجي وضعف تبلور التكوينات الاجتماعية وضعفها إزاء السلطة التي تلجأ إليها في تحقيق مصالحها الاقتصادية (أبوية اقتصادية إذا جاز التعبير)، كانت القيادات على استعداد للتفاهم مع السلطة (رجال الدين) بل إنهم لعبوا في كثير من الأحيان دور الوسيط الذي تحدد السلطة حجمه السياسي بقبولها أو رفضها لوساطته ، ومن جهة أخرى، فقد كانت هذه الهبات في مواجهة السلطة المحلية ولم تتجاوزها أبدا إلى السلطة المركزية المتحالفة معها في استنبول. ومثل المركز دائما رمزا رفيعا (الباب العالي) حيث كان الحكم باسم الإسلام. وهنا كان الاستناد على التراث (الإسلامي) الأساس لبناء قاعدة الشرعية كشأن النظم الأبوية لعبت الثقافة السائدة التي رسخها الزعماء من رجال الدين دورا هاما في إجهاض نتائج التحركات الشعبية.

ومع صدمة الحملة الفرنسية، تأكد ضعف النظام الاقتصادي والاجتماعي للإمبراطورية العثمانية إزاء طغيان النفوذ الأوربي. التجأت الدولة العثمانية إلى الإصلاحات التي أخذت اسم “التنظيمات العثمانية”. وهي إصلاحات فوقية صادرة عن السلطة وموجهة إلى نسف الغطاء الشرعي للاستبداد وفتح الطريق لقوى مستبدة أخرى. وفي هذا السياق بدأت إرهاصات العلاقات الرأسمالية والتحديث البرجوازي، وأيضا مستوى جديد من التغلغل الرأسمالي الأوربي ،  وشهدت المجتمعات العربية بالتزامن مع ذلك إصلاحات شبيهة مثل حركة خير الدين التونسي في تونس، وداود باشا ومدحت باشا في العراق، ومحاولة محمد على لبناء دولة حديثة في مصر.

وتشكلت فئة الخاصة في عواصم الولايات العربية في أواخر القرن التاسع عشر من الفئة الحاكمة (أصول قبلية أو أرستقراطية محلية أو تركية)، ومن كبار الملاك الزراعيين (ظهروا على أثر قانون الأرض الذي يتيح تسجيل الملكيات الخاصة للأرض في 1858)، وكبار التجار وموظفي الدولة والعائلات ذات الثروة والجاه والنفوذ. وكانت الأسر المرتبطة بالمؤسسات الدينية تتولى الأوقاف وتحتكر النظامين القضائي والتربوي، وتعمل على تأييد الدولة العثمانية، ومقاومة الدعوة إلى التطور و الانفتاح على الحضارة الغربية وعرقلة عملية الإبداع. وكان هذا أيضا موقف الأسر الممتهنة للأعمال العسكرية وشبه العسكرية وتجارة الحبوب والمواشي. ووقفت العائلات التجارية (وهي أكثر التصاقا بالسوق والإنتاج المحلي)، وأصحاب المشروعات والمهنيين والمتعلمين من الطبقة المتوسطة الحديثة مع حركة الإصلاح والتغيير  .وارتبطت تطلعات الفئات الطامحة للتغير بحدود وطموح السلطة فيه، ولم تستطع أن تتجاوزها كثيرا. وكانت الأهداف التحديثية المرتبطة بالتوسع في الخدمات الحديثة من تعليم وصحة ومواصلات.. إلخ، تحقق إنجازات واضحة، بينما الأهداف المرتبطة بتوسيع دائرة السلطة والحد من المركزية تجد مقاومة شرسة وعنيفة وتنتهي بالإحباط (مثال الحركة العرابية في مصر).

وتمثل الرافد الأساسي للأفكار الإصلاحية والنهضوية، في الفئات المتوسطة حديثة العهد، ولم تتوافر في المجتمعات العربية التناقضات الداخلية التي كانت موجودة في المجتمعات الأوربية والتي ولدت الرأسمالية والحداثة كحل لها، بالتالي لم تنشأ الأفكار الحداثية تلقائيا في المجتمعات العربية (.

  وتبنى أنصار التحديث نقل النموذج الحداثي الأوربي الذي ارتبطوا به من خلال حركة البعثات التعليمية والترجمة. وقد بدا أن اللحاق بالمجتمعات الغربية المتطورة هو هدفهم الاجتماعي أكثر منه المشروع الذي يمثله النموذج الحداثي في حد ذاته. وقد انعكس على هذه الفئات أن رغبة السلطة النفعية في الاستفادة من الخبرة الأوربية كانت السبب في إتاحة فرصة الوجود لهم. وحيث افتقر التحديثيون لأصالة تبني الأفكار الحداثية المجردة، فلم يكونوا قادرين على مقارعة الأفكار التقليدية الراسخة والمتمترسة بالدين والقطع معها، بل حاولوا تبرير النموذج الحداثي اجتماعيا من خلال التنقيب عن التفسير المستنير للدين الذي يتوافق معه. وسعوا إلى إجازة هذه التوليفة إلى جوار البنى الاجتماعية السائدة وليس في محلها. ولم تنجز الانقطاعات الضرورية مع التقاليد التي تتحدد بموجبها الحداثة .

وبعد الاحتلال الأوربي العسكري المباشر، تكتمل ملامح عملية التحديث في النصف الأول من القرن العشرين حيث تبدو ثمار عملية التحديث التي أدخلت من أعلى من خلال إصلاحات ذاتية فوقية أو نقلا عن النموذج الأوربي أو فرضت من خلال النفوذ الاستعماري المباشر وهيمنته على قمة السلطة، أي أننا إزاء مجتمع محدث وليس حديث. ويرى البعض أن عملية التحديث إذ تنطلق كنتيجة لتأثير عامل خارجي على التطور الداخلي مما يدفعه إلى التحول، فإنها تشوه التطور الذاتي الداخلي، فيتخذ شكلا لم يكتمل نضوجه مما يحرمه فرصة النضوج. ويكون التشوه الملازم لعملية “التحديث” ليس ناتجا عن تعثر داخلي (فقط) بل من عامل آخر وهو أن عملية التحديث نفسها تشكل إعاقة متى جرت ضمن إطار التبعية والخضوع، وهو ما أطلق عليه البعض الأبوية المستحدثة أو بعض آخر الحداثة الطرفية .

  وعلى خلفية الحركة الثقافية عرف الانتقال إلى القرن العشرين العديد من الحركات الاجتماعية التي تأتي في مقدمتها الحركة الوطنية، وكانت الحركة الوطنية تعبيرا عن التكوينات البرجوازية التي نشأت في ظل علاقات إنتاج رأسمالية قد تسربت أو أدخلت في بعض القطاعات بالدرجة التي تحقق أهداف الاستعمار، بينما أعيق تطورها بعد ذلك بحكم موقعها في التحالف مع القوى الاستعمارية المهيمنة. فنشأت الازدواجية في المواقف ما بين المقاومة والتبعية وصودرت إمكانات تطور قطاع الصناعة الوليد إلى إقلاع صناعي حقيقي. وكان لتداخل عناصر البرجوازية مع فئة كبار الملاك أثر في عدم جذريتها في حل المسألة الزراعية. وكان لاستمرار مفاهيم الدولة السلطانية في نسيج الدولة العربية المحدثة التي اتسمت بالاستبداد، أثر في دور القرار السياسي العلوي في تحريك التطورات الاقتصادية الاجتماعية، وهو الأمر الذي انعكس على دوران النخب الاقتصادية في فلك السلطة المركزية التي استقرت بعد جذب وشد في تحالف وثيق مع القوى الاستعمارية وأصبحت شرسة تجاه الأهالي وضعيفة أمام الأجانب. وهكذا أدى الإخفاق الصناعي والزراعي، بعد تفكيك البنية الأساسية التقليدية إلى تدهور شديد في الأوضاع المعيشية،وبالمثل فشلت الرموز السياسية في تحقيق الاستقلال الذي طالما عبأت الفئات الشعبية وراءها من أجله، وبحكم عدم استيعاب العلمانية، أي الحرية في إدخال التجديدات السياسية، لم تمارس في المجتمعات العربية الديمقراطية بالمعني الحديث، وانسحب ذلك أيضا على عدم الإقرار الاجتماعي بالحق في الانقطاع عن التقاليد بمعنى الحداثة ، ويفسر البعض ذلك، بأن التقاليد تكون ملاذا للشعوب المقهورة بالاستعمار .

وظلت نخبة المثقفين والمتعلمين الوطنيين المتطلعين إلى نقل النموذج الأوربي في شد وجذب بين محاولات تحديث التقاليد و”قلدنة” الحداثة،وظلت المعركة بين القديم والجديد، والأصالة والمعاصرة، والحداثة والتقليد، والعلمانية والدين، دائمة التجدد وغير قابلة للحسم ، واقتربوا من الفئات الشعبية بحكم تحمسها لتطلعاتهم ذاتها، وإن بصورة أكثر جذرية. ولكن بحكم النظام الاجتماعي الأبوي وعلاقاته التسلطية والزبونية الضاغطة، لم يبادلوا الفئات الشعبية الثقة التي منحتها إياهم، ولا امتلكوا الثقة في الذات لنقد الفئات العليا المهيمنة على النظام الاجتماعي جذريا، فتطلعوا بدونية تارة إلى الغرب والأجانب، وتارة أخرى إلى أصحاب النفوذ والمراكز في دوائر الحكم، ونحوا إلى الاقتراب من الفئات العليا وتأمل التغيير من خلالها، فانسحب عليهم ما كان بها من وهن وتشوش، ويمكننا تبين استمرار الملامح الأساسية لأنصار التحديث في القرن التاسع عشر لدى النخب في المجتمعات العربية في ظرفنا الحالي.

أما الفئات الشعبية، فقد ربطت مصالحها بمصير القضية الوطنية. وانعكس تداخل الصراع الوطني مع الاجتماعي على تشوش وعيها الطبقي،وبحكم ضعف التبلور الطبقي للعمال والفلاحين، فقد أسلموا قيادتهم للبرجوازية الصغيرة بحكم مزاجها الوطني، وتبنت الحركات الاجتماعية والشعبية الاتجاهات السياسية السائدة من حيث العمل من خلال السلطة بالضغط عليها وتوجيهها إلى طريق التغيير الشامل من خلال التغييرات الجزئية في سياستها وفي تكوينها، أي العمل من خلال الأطر العامة القائمة والتغيير الهيكلي المستمر فيها ،. وعلى هذه الخلفية تأججت حركات اجتماعية مخلصة في استهدافها للتغير ولكنها لم تتجاوز أفق التغيير الجزئي،وكان من أهم هذه الحركات الحركة الثقافية النهضوية والحركة الإحيائية الإسلامية والحركة الوطنية والحركة العمالية و الحركة النسائية.

   وأسفرت عملية النضال من أجل التحرر من الاستعمار، بعد وصول حركات التحرر إلى هدفها في الاستقلال، عن تأسيس نمط جديد من الدول عرف بدول الاستقلال، وحيث عرفت الحقبة السابقة على الاستقلال ضعف القوى الاجتماعية والسياسية، فقد مثلت حركات التحرر ودول الاستقلال المنفذ للخروج من أزمة التطور والتنمية الاقتصادية، وكذلك من أزمة الحكم، ومن ثم تطابق مطلب الاستقلال مع بناء الدولة الحديثة، فتركزت أولويات الدولة في تلك الحقبة على تعزيز الاستقلال وتكريس الدولة كرمز للهوية والوحدة الوطنية من ناحية، وإحداث تنمية اقتصادية واجتماعية تتجاوز التخلف التاريخي، فتلبي الحاجات الأساسية، إلى جانب طموح وتطلعات الفئات التي تمت تعبئتها أثناء النضال من أجل الاستقلال.

وانتهجت الدول للوصول إلى ذلك المركزية الصارمة للإدارة والسلطة، حيث إنها السبيل إلى الحفاظ على الاستقلال و مواجهة التحديات الخارجية التي قد تعصف به، إلى جانب احتواء الانشقاقات الاجتماعية والطبقية الداخلية وإدارة أو تقليص أو مصادرة الصراع بينها. كما أن النخبة الحاكمة (تحالف التكنوقراط وكبار موظفي الدولة والعناصر العسكرية والوطنية)، رأت أن مفتاح تجاوز التخلف التاريخي لابد وأن يمر عبر الهياكل الاقتصادية وبناء اقتصاد مؤمم أساسه الصناعة، وهو ما يستدعي دولة مركزية تخطط لتحديث المجتمع، أو تقوم بالتعبئة العامة لإنجاز التحولات الجذرية المطلوبة في زمن مختزل، ومن ثم كانت الديمقراطية في غير صالح مشروع النخبة الحاكمة، وتم تقديم بناء الدولة على بناء الديمقراطية، وتقديم الوحدة الوطنية على التعددية، وأفرز ذلك في النهاية دولا سلطوية غيورة على وحدانية السلطة ، وجاءت الدساتير والإعلانات الدستورية في الجمهوريات العربية مؤمنة للحكم الأوتوقراطي القائم على عدم التوازن بين السلطات لصالح السلطة التنفيذية، بل ومركزة للسلطة في يد رئيس الجمهورية، مع ضعف ومحدودية فعالية المؤسسات السياسية الاقتصادية والاجتماعية من خلال الدور الذي تلعبه النخبة العسكرية ، وكان في ذلك إحكاما لمسار النظام الأبوي في السياسة والاقتصاد وتكريسا للسلطة الشخصية، وإن اختلف في اتساع نطاق الفئات الشعبية المستفيدة منه.

وبدأت دول الاستقلال ببرامج الإصلاح الزراعي باستهداف تحقيق التراكم الأولي اللازم لبرامج التصنيع والتوسع في البنية الأساسية والتعليم. واعتمدت الدول استراتيجية إحلال الواردات في عملية التخطيط المركزي، وقد حالفها النجاح في التنمية والتصنيع في السنوات الأولى، ولكن بدأت الأزمة في التهام الإنجازات السابقة، بحكم تطبيق السياسة ذاتها، وتفاقمت أزمة التمويل، التي واجهتها الدول من ناحية بتمويل العجز من خلال التضخم فترتفع الأسعار، أو تقليص الإنفاق العام بتخفيض مستوى الخدمات فينخفض مستوى المعيشة، ومن ناحية أخرى بالاستدانة، ومن ثم مواجهة الأزمة مرة أخرى بعد تفاقمها مع تراكم أعباء خدمة الديون. ومع صدمة الهزيمة العسكرية تصاعدت أزمة تآكل الشرعية الشعبية، حيث لم يعد هناك لا تنمية ولا استقلال،وأطلت المعارضة برأسها، وبدأ تصاعد الحركات اجتماعية سواء بالنسبة للحركة العمالية أو الطلابية، أو المطالبة بالديمقراطية. وكما يقول سمير أمين، فقد برهن المشروع البرجوازي- في ظروف التطور الطرفي – عن استحالة “الاستقلالالذي استند عليه لشرعنة ديكتاتوريته، ومن ثم دخلت ديكتاتورية النظم في أزمة (، ولجأت الدول إزاء هذه الأزمات المستحكمة إلى التحالف مع الدول الغربية، وتطبيق السياسات الليبرالية الجديدة لمؤسسات التمويل الدولية الخاضعة لها. وتطلب هذا الحلف الجديد، وهذه السياسات، فضلا عن محاولة اكتساب قاعدة جديدة للشرعية، شكلا من الليبرالية السياسية، وهو الشكل الذي ولد محاصرا من ناحية بتراث الأبوية والسلطة المركزية، ومن ناحية أخرى بالتوجس من الفئات المتسعة التي تتآكل مصالحها التي حصلت عليها في المرحلة السابقة في ظل تطبيق السياسات الجديدة. واستمرت الدول في اكتساب شرعية سلطتها من التقاليد وخاصة الإسلامية أو الملكية أو القبلية .

ومع ازدياد توجه الاقتصاد إلى الريع، أدت سياسة الخصخصة إلى بيع قطاع هام من مشروعات الدولة، وتوسع القطاع الخاص في مجال المقاولات، ثم تشعبه إلى مجالات تجارية مصرفية وخدمية أخرى، وبدرجة أقل إلى مجالات الإنتاج السلعي في الزراعة والصناعة الاستهلاكية الخفيفة.

وتواكبت، مع رغبة النظم العربية في التواؤم مع النظم السياسية للحلفاء الغربيين، ضغوط من الدول الحليفة والمؤسسات الدائنة، لتطبيق نمط من الديمقراطية يعني تقليص دور الدولة الاجتماعي والاقتصادي لصالح النخب الاقتصادية المرتبطة بمصالحها معها، والنخب الثقافية التي تروج لمشروعها الليبرالي وحتمية العولمة الليبرالية الجديدة. وبالطبع لا يشمل تقليص دور الدولة مهمتها في تحجيم فرص الفئات والمنظمات الشعبية للتأثير في القرار الاقتصادي والسياسي ، حيث سيكون هذا التأثير متعارضا مع السياسات الليبرالية الجديدة المفروضة. ولذا كانت التعددية السياسية في هذا السياق، وفي بعض البلدان الانفراجة الديمقراطية، منحة مقيدة من أعلى، يمكن سحبها كما وهبت إذا أسيئ استخدامها. وهكذا استمرت السمة السلطوية مع إعادة التوجيه والانتقال من شكل سلطوي إلى آخر مراقب جيدا .

وكان المناخ التسلطي أهم العوامل الموضوعية – إلى جانب أخرى- التي عملت على إضعاف التيارات السياسية والفكرية. وإلى جانب ذلك تكثفت أزمة التيار الليبرالي كنتيجة لعدم وجود قاعدة اجتماعية له نظرا لطبيعة النخب الاقتصادية المشار إليها آنفا. ثم تصاعدت أزمة التيارات اليسارية مع سقوط الاتحاد السوفيتي. وعلى رغم تكثيف المواجهة الأمنية مع تيارات الإسلام السياسي، فإن بعضها امتلك ثقلا في ميزان القوى السياسية، وشكل قوة تفاوضية مؤثرة، ووجدت الأحزاب السياسية دورا لها ضمن اللعبة السياسية التي لم تشارك في وضع قواعدها، وأتقنت مع التجربة ضبط هامش المعارضة في حدود ما تسمح به السلطة.

وتنفرد الجزائر بوضع مختلف كيفيا، حيث أدت أزمات النظام المستفحلة إلى ظهور أشكال جديدة من الحركات الاجتماعية التلقائية. تتسم هذه الحركات بعدم التأطير أو ضعفه والنزعة إلى الفعل المباشر واستخدام العنف في بعض الأحيان كأداة تعبيرية، وتركزت هذه الحركات في الأحياء الشعبية في المدن الكبرى، وحملت هذه الحركات فاعلا اجتماعيا جديدا هو شباب المدن والأحياء الشعبية، الذين عبروا عن رفضهم لأوضاعهم المعيشية الفردية والجماعية بلغة سياسية جديدة يغلب عليها الإبهام والغموض، وخطاب كلي لا يفرق بين السياسي والديني والأخلاقي والفردي والجماعي مع نزعة نحو الجذرية في الطرح.

وتحولت هذه الحركات إلى فاعل مركزي في جزائر النصف الثاني من الثمانينيات، وحازت على تأييد كثير من الأوساط الاجتماعية الشعبية، وخاصة بين الشباب. تمركزت هذه الحركات حول القضايا الحياتية مثل السكن والتعليم وأشكال التهميش المختلفة التي تـم التعبير عنها بمفهوم “الحقرة” (hogra مفهوم شعبي رفعته الكثير من الحركات الاجتماعية في الجزائر، وأصبح مستعملا بالعربية والفرنسية دون حاجة إلى ترجمة). وغزت هذه الحركات ميادين لم تكن معروفة للحركات التقليدية (المصنع والجامعة…) مثل الملعب والحي الشعبي ثم المسجد في مرحلة لاحقة.

وكانت هذه الحركات الاجتماعية الشعبية بعيدة في بدايتها عن أي تأطير سياسي. وكان التيار الديني يرى فيها حركات دهماء لا تتوفر فيها درجة النقاء الديني المطلوبة. وصاحب هذه الحركات ظهور الجديد على المستوى الفني كأغنية الراي المتمردة على القيم والسلوكيات الاجتماعية والمنادية بحرية أكبر. ومع الصعود الأقصى لتلك الحركات في أحداث أكتوبر 1988، تم اللقاء التاريخي بينها وبين التيار الديني الجذري المتمثل في بعض تيارات الجبهة الإسلامية للإنقاذ (دون التيارات الإسلامية الأخرى). ومنح ركوب التيار الإسلامي لهذه الحركة أبعادا لم تكن لها في البداية، مثل الأبعاد الأخلاقية والقيمية الدينية التي يغلب عليها الطابع السلفي. وقاد هذا التيار الحركة نحو مواجهات عنيفة مع الدولة الوطنية وأجهزتها أو مع كثير من القوى الاجتماعية الأخرى. وتولدت حالة العنف التي ساهمت في تفريخ الإرهاب الذي ضرب بقوة بين صفوف أبناء الفئات الشعبية التي مثلت القاعدة لهذه الحركات.

وبعد انحصار موجة الإرهاب منذ 2000/2001 شهدت الجزائر عودة حالات الانتفاضات والتمردات في شكل حركات احتجاجية تشبه الحركة الاجتماعية الشعبية قبل ركوبها من قبل التيار الديني السلفي، من حيث الدور الذي يلعبه الشباب فيها والطابع غير المنظم والاستعمال التعبيري للعنف وإمكانية التكرار والتنقل وشمول أكثر من منطقة ومدينة. وتطرح في الجزائر مسألة استعمال هذه الحركات من قبل قوى سياسية في إطار الصراعات بينها. ويطرح هذا تساؤلا كبيرا في البلدان العربية الأخرى في ظل تواصل فوقية الصراع السياسي وتردي الأوضاع المعيشية لفئات واسعة من الشعب.

ويتميز الوضع في الجزائر أيضا بظهور حركات ثقافية كبيرة وهي الحركة الأمازيغية، وقد عبرت هذه الحركة عن نفسها في شكل مطالب خاصة بالأبعاد الأمازيغية للثقافة الجزائرية، وعرفت أحزاب المعارضة والأشكال الأخرى للحركات الاجتماعية التقليدية (العمالية – النقابية – الطلابية) وجودا لأشكال تعبير أمازيغية.

ويعتبر العنف الذي شهدته منطقة القبائل 2001- 2002 من إفرازات الأزمة التي تعيشها الحركة الشعبية الثقافية التي فقدت كثيرا من خصائصها الأصلية كالسلمية وقوة التأطير، وبدلا من الحضور القوى للأحزاب والجمعيات ظهرت أشكال التعبير من خلال حركة العروش ولجان الأحياء، وأخذ مكان الجيل القديم جيل جديد من القيادات من سماته الانغلاق أكثر حول الذات وجذرية الطرح الذي كانت أحد مؤشراته رفض المشاركة في الانتخابات الوطنية والمطالبة بمغادرة قوات الشرطة للمنطقة (.

    امتدت النشاطات المقاومة للعولمة والسياسات الليبرالية الجديدة في المنطقة العربية عبر جهود مختلف الحركات الاجتماعية. وكان للمراكز البحثية غير الحكومية دور في رفع شعارات مناهضة لتلك السياسات، وينطبق ذلك على المراكز العاملة في المجال العمالي مثل مركز الخدمات النقابية (مصر)، أو في المجال الفلاحي مثل مركز الأرض (مصر)، أو في مجال الحركة الطلابية مثل الاتحاد العام للطلبة (تونس)، وفي سياق حركة المثقفين والحركة الوطنية والحقوقية، مثل مركز البحوث العربية و مركز هشام مبارك للمساعدة القانونية واللجان المقاومة للتطبيع (مصر) و المنتديات الثقافية ولجان المقاطعة ودعم فلسطين والعراق (سوريا). وكما أسلفنا، كان للمنظمات النسوية دورا في رفع هذه الشعارات.

أما بالنسبة إلى طرح بديل اقتصادي واجتماعي لتلك السياسات فقد اشتملت أنشطة المثقفين الوطنية وفي المجال الديمقراطي بعض الأبعاد الاقتصادية الاجتماعية. ولكن ومع تنامي الخطاب العالمي المناهض للعولمة، أخذ جزء من نشاط هؤلاء المثقفين الطابع الاجتماعي الاقتصادي بشكل أساسي، وساهم في هذا المنحى دخول أجيال جديدة من اليساريين إلى حلبة العمل العام، إلى جانب الأجيال القديمة التي جدد بعض منها نشاطه.

واتخذت بعض هذه الأنشطة لافتة مناهضة العولمة بصورة مباشرة، وأخذ بعضها الآخر عنوان الاشتراكية، وعلى رغم رفع اللجان التي تدعو إلى مقاطعة السلع والبضائع الإسرائيلية والأمريكية شعارات ضد العولمة، إلا أن أول تجسد لحركة تقوم أساسا على هذا الشعار كان في “الجماعة المصرية لمناهضة العولمة” التي تأسست عام 2002 في القاهرة،  وتستهدف اللجنة النضال ضد كافة السياسات الليبرالية الجديدة الاقتصادية والاجتماعية، وما ينتج عنها من فقر وبطالة وسحب للخدمات والضمانات الاجتماعية.

ويتضح من الاستعراض السابق أن ما يمكن أن يطلق عليه الحركات الاجتماعية القديمة أو الطبقية هي الحركة العمالية والحركة الفلاحية، وما هي في ظروف العالم العربي سوى تحركات واحتجاجات متباعدة، وتتسم بالتشتت وطابع رد الفعل الوقتي والعفوي مما يحرمها فرص التطور إلى فعل مقاوم قوي،أما المنظمات واللجان الدفاعية والحقوقية والنسوية والدينية، فإذا كان يمكن وصفها بالحركات الجديدة نظرا لأنها لا تعتمد على البعد الطبقي (فيما عدا المنظمات الحقوقية العاملة في المجال العمالي أو الفلاحي ولجان مناهضة العولمة ذات الطابع اليساري)، إلا أن معظمها بمعيار السعي إلى تحقيق المطالب من أعلى من خلال أجهزة صنع القرار، وليس السعي إلى إحداث التحول من خلال الهيمنة الاجتماعية والثقافية والتغيير في أنماط الحياة، فهي لا ينطبق عليها هذا الوصف، سوى حالات قليلة من المنظمات النسائية والدينية ومراكز دراسات حقوق الإنسان الناشطة في مجال التوعية والدعاية . [53]

وشكلت الحركات الاجتماعية التي تأسست إبان الثورات العربية محركاً أساسياً لاندلاعها، وهو الأمر الذي يتضح بشكل جلي في الحالة المصرية، وبشكل أكثر نسبية في الحالة السورية. وقد استمرت أهمية هذه الحركات الاجتماعية واتسع دورها أثناء الثورة وبعدها، الأمر الذي جعل فهمها وتحليل طريقة تفاعلها مع سياقها السياسي والاجتماعي، بل وسبب انحسارها الراهن أمراً غاية في الأهمية لفهم هذه الثورات ومآلاتها المستقبلية.[54]

ان جملة التحولات التي التي جدت في الاقطار العربية سالفة الذكر انما جاءت تحت عنوان واحد كبير هو المطالبة بالديمقراطية من خلال التنديد بسياسات القمع والتهميش التي سلطت عليها على ما يزيد نصف قرن ، أي بعد مرحلة الاستقلال وتعاقب التجارب السياسية والاقتصادية التي خلفت وضعا هشا في كليته وهامشية ما فتئت تتسع ومن ثمة افراز جيل مل من الوعود الزائقة والاصلاحات الترقيعية ، الامر الذي نتج عنه عبر الاجيال تكون ذاكرة جماعية تختزل مسألة الحكم في البلاد العربية على أنها الولاء القصري للحاكم الذي من سماته التسلط على الشعب الرعية والمقدرات التي هي واحدة من ثرواته يتصرف فيها مثلما شاء ويهبها لمن أراد ،وهكذا يكون المناخ مهيئا ليحدد الصراع الاجتماعي تارة في شكل حركات مطلبية مثالية وفي أحيان أخرى حركات عنيفة جذرية ترتقي الى مستوى الحراك الثوري الذي من نتائجه الفوضى الوقتية او الدائمة وانهيار بعض أوجه المنظومة السائدة خاصة في بعدها السياسي وما ينتج عن ذلك من تحولات عميقة تمس كافة القطاعات وتعيد ترتيب الادوار.

ومثل هذا الفعل الاجتماعي لابد أن يكون بالنتيجة موضوعا سوسيولوجيا بامتياز قصد استقصاء هذه التحولات وتفحص عناصره الفاعلة وخاصة المقاربة بين دوافعه والنتائج المتوصل اليها ،فتعقب الحركات الاجتماعية عبر التاريخ يعكس توفر جملة من العوامل تدفع القاعدة الشعبية الى التحرك ورفع جملة من المطالب مع استخدام وسائل التعبير المتاحة مثل الاحتجاج ، التعبئة ، الاضراب،المظاهرة،الاعتصام والتنديد،مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي تتعدد النتائج ، فاما  وصول هذه الحركات الاجتماعية الى تحقيق مطالبها او حصول ما يعرف بالانتكاسة وفشل تجسيم تلك المطالب بسبب تدخل عوامل جديدة أو ضعف التنظيم وانعدام التفوق الذي من المفترض أن تتمتع به الحركة الاجتماعية ، مثلما نعين ذلك في كل انحاء العالم العربي الذي شهد موجات الحركات الاجتماعية ذات الطابع الاجتماعي وانتهت الى مشروع مبرمج لتخريب المنطقة باسم عنوان تم تفريغه من محتواه هو "الديمقراطية ".[55]

سابعا-الحركات الاجتماعية الجديدة:

  تتسم هذه الحركات الاجتماعية الحديثة بعدد من السمات هى :

1- أن هذه الحركات كلها تقع خارج إطار السياسة المنظمة سواء فى ذلك الأحزاب السياسية أو أجهزة الدولة .

2- أن هذه الحركات لا تطرح استراتيجيات للوصول إلى السلطة بل غاية ما تصبو إليه هو التأثير على أجهزة السلطة على المستوى المحلى أو في قطاع من القطاعات لكن لا تستهدف هذه الحركات أن تصل بأعضائها أنفسهم إلي قمة أجزاء السلطة سواء على المستوى المحلى أو المستوى القومي .

3- ترفض هذه الحركات مبدأ التنظيم بمعنى إنها ترفض في غالبيتها أن تتحول إلى أحزاب سياسية ، كما إنها ترفض أن تنظم أعضائها على نحو شديد كما يجرى في جماعات المصالح من نقابات مهنية أو عمالية .

4- تسعى تلك الحركات إلى ترجمة عدد من القيم على المستوى المحلى من العلاقات فيما بين أعضائها و يطلق على هذه القيم مسمى القيم ما بعد المادية كقيم التعاطف و التعاون .

أظهرت موجة الاحتجاجات الشعبية العنيفة التى اندلعت فى منطقة الشرق الأوسط منذ ديسمبر 2010، -والتى اسفر عنها سقوط عدد من الأنظمة العربية الحاكمة منذ عقود طويلة- بروز دور الحركات الاجتماعية وديناميكياتها.

ويرى جون ستون فى كتابه، ان الحركات الاجتماعية غالباً ما يتم تكوينها فى إطار الدولة، مشيرا ان الدولة ما هى إلا مساحة لصراع المصالح المصالح المتضاربة بصفة مستمرة بين النخب السياسية والاقتصادية والنخبة فى الدولة بشكل عام مع الموظفين المدنيين، فضلاً عن وجود عنصر الضغط الشعبى، مما يؤدى إلى تكوينات تتم بصورة معينة يتمخض عنها تكوين مؤسسات الدولة المختلفة.

وأوضح أن تصاعد دور المجتمع فى الآونة الاخيرة، قد أضحى ظاهرة دولية بفضل العولمة التي أسقطت جميع الحواجز السياسية والاقتصادية والجغرافية والزمنية، مما أدى إلى دعم المجتمعات الافتراضية، وسهم فى قيام الحركات الاجتماعية.

        ويؤكد فكرة ان العملية السياسية فى الديمقراطيات المعاصرة، تقود إلى الاحتجاجات بسبب ما يحدث خلال عملية صنع القرار وما ينتج عنها، مركزاً فى احد فصول الكتاب على ما يسمى “الحركات الاجتماعية” مشيراً إلى اسباب ونتائج اضفاء الطابع المؤسسى على الاحتجاجات فى المجتمعات الغربية. واشار كذلك ان التباين فى التعامل مع الاحتجاجات تبين مدى التهديد الذى يمثله مثل هذا الاحتجاج سواء أكان على المستوى لافردى أو الجماعى .[56]

ويتفق المختصون في نظريات الحركات الإجتماعية على وجود نوعين من الحركات الإجتماعية عرفتها المجتمعات المتطورة الما بعد المصنعة.

2النوع الأول : يخص الحركات الإجتماعية الكلاسيكية التي ارتبطت عموما بالعالم العمالي و نضالاته داخل الحركات النقابية احتجاجا على التجاوزات المفرطة للرأسمالية الصناعية.

 النوع الثاني : و المتمثل في الحركات الاجتماعية الجديدة التي تتميز بالأفعال الجماعية الاحتجاجية (المنظمة أو الغير المنظمة) و التي تبرز خارج الفضاء الإقتصادي و الإنتاجي و ينفرد هذا النوع الثاني من الحركات الإجتماعية بنوعية المشاكل الجديدة التي يطرحها، و المجالات أو القطاعات التي يـسـتـهـدفـــهـا و ينشطها، الفئات الإجتماعية التي يجندها و الإستراتيجيات التي يستعملها في منهجيته لمعالجة النزاعات و طريقة التصدي لها و أخيرا إلى الطابع الظــرفـــــي و الآني الذي يتصف به عموما .

 و في هذا المجال، يعتقد عدد من الباحثين أن بروز و تطور الحركات الإجتماعية الجديدة و الظهور المتجدد للحركة الجمعوية في أوربا على وجه الخصوص مفاده سد الفراغ الذي تركته الحركات النقابية و الازمة الحادة التي يعاني منها العالم العمالي و كذا التمثيل السياسي على حد سواء2 حتى و أن بَيَّنَ البعض عكس ذلك مثل ت.و. تكسيتي في دراسة له يتنبأ فيها بظهور ديناميكية و نفس جديدين للحياة النقابية في فرنسا نظرا لتوفر العديد من الفرص و التموضع المرموق الذي بدأت تحتله تدريجيا الحركات النقابية داخل ميزان القوى الدائر حاليا في عالم الشغل3.

 من جهة أخرى، شهدت الدول المتخلفة و دول المغرب العربي على وجه التحديد في العشريتين الأخيرتين، إنفجارا لا مثيل له للظاهرة الجمعوية.

6و يمكن تفسير هذه الظاهرة في بلدان المغرب العربي بعاملين :

1.    الهيمنة المطلقة لتسيير النظام الإجتماعي و من ثمة الخلفيات الـمــتــرددة و النظرة السلبية للحركة الجمعوية. مما أدى إلى إيقاف كل محاولة لإستقلالية الفئات الإجتماعية أو النشاطات الجماعية (المنظمة و الغير المنظمة) القائمة خارج المؤسسات الرسمية للدولة.

2.    التغييرات الإجتماعية، السياسية و الإقتصادية التي إجتاحت المعسكر الإشتراكي سابقا و التي اعتنقت كلها النهج الليبرالي في المجال الإقتصادي والسياسي. هذا الوضع الدولي لم يستثن الدول المتخلفة و مجتمعات المغرب العربي.

7إذن، تاريخيا فإن الظاهرة الجمعوية في هذه المجتمعات ظاهرة حديثة العهد و قلما اهتم بدراستها الباحثون. و من جهة أخرى نلمس العديد من أوجه التشابه في هذه المجتمعات (المغرب / الجزائر / تونس) للتجربة الجمعوية مثلا.

8و بالفعل، جغرافيا نجد تمركز الظاهرة الجمعوية في المناطق الحضرية التي تجند فئات اجتماعية مختلفة و جديدة، و تشمل قطاعات و فضاءات متنوعة : اجتماعية، ثقافية، دينية، حقوق الإنسان و المرأة و مشاكل الهوية (الأمازيغية)، المهنة و المحيط و البيئة الخ ...[57]

 

تقودنا دراسة مستقبل "الحركات الاجتماعية الجديدة" إلى النظر بإمعان إلى أشغال ألان توران، مصدرِ انتشار لفظة " حركات اجتماعية جديدة " كما تقودنا إلى إمعان النظر في أشغال ألبرتو ميلوكشي. يرتبط بروز " حركات اجتماعية جديدة " – حسب هذين الكاتبين بتغييرات عميقة يمكن ملاحظتها في المجتمع. بينما كانت " الحركات الاجتماعية" تراقب الموارد المنتجة في المجتمعات الصناعية، فإنها تراقب، في المجتمعات " المتقدمة " أو "البعصناعية"، دائرة الخدمات و الاستهلاك و الروابط الاجتماعية ، تبعا لهذه التغيرات التي تمس البنية الاجتماعية، فإن "الحركات الاجتماعية الجديدة" التي تظهر، لم تعد تناضل من أجل استرجاع الهيكل المادي للإنتاج كما قد تفعله "الحركة القديمة" نعنـي " الحركة العمالية"، بل تناضل من أجل إعادة امتلاك الزمن و الفضاء و الروابط ضمن الوجود اليومي الفردي،تتسبب الأفعال الضرورية من أجل مراقبة النزاعات الهيكلية التي لا بد منها من أجل توازن المجتمع، في تناقضات مع عناصر أخرى من النظام عندما تصبح التغـيرات الناجمة معاكسة لها ، إذا اعتبرت " الحركات الاجتماعية " "تعبيرا على نزاع طبقي في مجتمع سياسي ملموس و/ أو في تنظيم اجتماعي" ، إلا أن الكاتبين لا يلجآن من أجل هذا إلى تصور حتمي. يعارض ألان توران، في كتابه la voix et le regard ، حيث يبسط إطارا مفهوماتيا لتحليل " الحركات الاجتماعية "، يعارض بالضبط الماركسية التي تضم تصورا لـ"الحركات الاجتماعية بصفتها مظهرا للتناقضات الموضوعية لنظام هيمنة و يعرفها بالأحرى سلوكاتٍ تصادمية اجتماعيا موجَّهة ثقافيا.[58]

يتضح من تحليل الأوراق المعروضة هنا أن ثمة عوامل ثلاثة تؤثر على مسار الحركات الاجتماعية ومآلها ومخرجاتها، تلك التي شهدت تغير السياق السياسي والاجتماعي المحيط بها بسرعة مذهلة في كل من مصر وسوريا.

يتعلق العامل الأول بقدرة الحركة الاجتماعية على رسم الاستراتيجية الأنسب للتعامل مع تغير السياق السياسي وانغلاقه بشكل يمكنها من اقتناص الفرص المتاحة على ندرتها وتقليل تكلفة التحرك عند اشتداد القمع. ومن ثم، يتعين على الحركة الاجتماعية التحلي بالمرونة المناسبة - تلك التي تمكنها من اختيار التكتيك الأكثر ملاءمة للتفاعل مع السياق السياسي - لأنها العامل المحدد لقدرتها على الاستمرار والتواجد.

ويتعلق العامل الثاني بقدرة الحركة الاجتماعية على تشكيل تنظيم قوي مبني على روابط اجتماعية وآليات للتضامن الاجتماعي، وقادر على تأطير مطالبه وخطابه بطريقة تمكنه من الولوج إلى قلب الجمهور الأوسع. ومن ثم، فإنه يتعين على الحركة الاجتماعية العمل على بناء قواعدها التنظيمية والاجتماعية لأنها هي التي تحدد قدرتها على النجاح في تحقيق أهداف الحركة وتقديم بديل سياسي أو اجتماعي مقبول مجتمعياً، حتى وإن كانت نتائج الحركات الاجتماعية لا تقاس فقط بقدرتها على تحقيق الأهداف قصيرة المدى بل أيضاً بقدرتها على تحقيق نوع من التغيير أو التأثير التوعوي على المدى الأبعد.

أما العامل الثالث والأخير فيخص شكل الحركة الاجتماعية وطريقتها في التفاعل مع القمع، وهو أمر شديد الجدلية لاسيما وأن القمع في ذاته لا يحدد مستقبل الحركة أو توجهها، فهو يمكن أن يدفع إلى زيادة الحراك أو على العكس إلى فك التعبئة، ويمكن القول إن التأثير على توجهات الحراك دائماً ما يتعلق بتداخل عوامل أخرى مع عامل القمع (كآليات التضامن الداخلي أو الذكرى الجماعية، أو مشاعر الأمل أو الهزيمة أو الخوف) وهي التي تحدد شكل الحركة وطريقة تفاعلها مع القمع. ومن ثم، يتعين على قيادات الحركة الاجتماعية إدراك هذه العوامل بشكل جيد بما يمكنها من توجيه الحركة بشكل سليم خاصة عند ارتفاع وتيرة القمع[59].

وقد شهد العالم تطوراً ملحوظاً في الأدوات والمناهج والأساليب التي تستخدمها الحركات الاجتماعية، والتي تضم التقنيات الحديثة. فقد جلب التلفيزيون حركة الحقوق المدنية الأفرو- أمريكية إلى كافة أنحاء القارة في أواخر الستينيات من القرن العشرين. وفي أواخر السبعينيات من القرن نفسه، شهد العالم "ثورة شرائط الكاسيت" التي انتشرت عبر توزيع خطب "آيت الله خميني." كما أن المعلومات وجهود التعبئة حول الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1988-1993) لا شك زادت ووسعت من استخدام تقنية الفاكس. كما اشتمل التطور الذي شهدناه حديثاً وجود وسائل مثل آليات حقوق الإنسان، والإعلام، والإنترنت وتقنيات الاتصال. وقد طرأ على التقنيات والوسائل الفنية الأخرى ابتكارات تنوعت ما بين الحجج القانونية المتخصصة الدقيقة وبين مسرح الشارع. ولعبت جميع هذه الأساليب مجتمعة دوراً حيوياً في هضم رسالة الحركة وتعبئة المؤيدين.

من ناحية أخرى، شهد العالم تطوراً ملحوظاً في الأدوات والأساليب المستخدمة في الحركات الاجتماعية، وبشكل أوضح بداية من مظاهرات مدينة "سياتل" عام 1999 ضد "منظمة التجارة العالمية" وحتى الآن، وقد شكلت وصبغت المعارضة لسياسات العولمة الاقتصادية. وفي رد على المتسلطين الأغنياء المؤيدين للاقتصاديات الليبرالية الجديدة والذين يعقدون اجتماعاً سنوياً باسم "المنتدى الاقتصادي العالمي"، تجمعت وتضامنت حركات اجتماعية كثيرة وكثفت الاهتمامات والأنشطة في المنتدى الاجتماعي العالمي، 2000- 2005. [60]

كماوتختلفت "الحركات الجديدة "عما سبقها من حملات كانت تمتاز بالجرأة والتماشي مع الاعلام،من البذاءة والعنف الانتقائي إلى احراق الصدريات وتبني أشكال مسعورة من الملابس ، وغالبا ما كانت الحركات الجديدة ترفض  أو تقدم مراجعة للنظريات السياسية التي سبق أن هيمنت ، وبخاصة الليبرالية ودبلوماسية الحرب الباردة وأدوار الجنس الراسخة،وخلاقا للحملات السابقة مثلا:المطالبة باقتراع النساء ، الذي كان أمرا يتوافق مع المثل الديمقراطية فأرادت لها أن تمتد إلى النساء –كان لدى الحركات الاجتماعية الجديدة   مطالب أكثر عمومية.   [61]

ويمكننا القول اجمالاان الحركات الاجتماعية الجديدة –وبالذات في بداية ظهورها في أوروبا-تندرج تحت هذه المجموعة من الحركات الاجتناعية التي عبرت عن مطالب جماعات من السكان لا ينتمون –على عكس ما هو سائد في الادبيات السياسية وبالذات اليسارية-لفئات اجتماعية بالمعنى الدجارج، أي فئات اجتماعية لها الموقع المحدد نفسه في العملبة الانتاجية:كأن نقول مثلا:عمال المناجم أو أصحاب الصناعات الصغيرة أو ملاك الاراضي الزراعية الكبار... الخ فقد ظهرت مثلا –إلى جوارالحركات التي تدافع عن البيئة في السبعينيات ،حركات أخرى ضد الحروب وثالثة لنزع السلاح ورابعة لتحرير المرأة ، وكانت هذه الحركات تضم أشخاصا من فئات اجتماعية مختلفة تماما. [62]

 

 

 

 

 

 



[1] ابن منظور ،لسان العرب ج1،دار المعارف ، القاهرة،دت،ص844

 

[2] ﻓﺎﺭﻭﻕ ﻤﺩﺍﺱ، ﻗﺎﻤﻭﺱ ﻤﺼﻁﻠﺤﺎﺕﻋﻠﻡﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻉ، ﺩﺍﺭﻤﺩﺍﻨﻲ للطباعة ﻭالنشر والتوزيع.ﺹ11

 

[3] طوني بنيت وآخرون،مفاتيح اصطلاحية جديدة ،معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع،ترجمة:سعيد الغانمي،ط1،المنظمة العربية للترجمة،بيروت لبنان،2010/ص287.

[4]  محمد ﻋﺒ اﻟحمان وآﺧﺮون:اﻟﻤﻌﺠ اﻟﺸﺎﻣﻞ ﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﻠﺤﺎت ﻋﻠ اﻻﺘﻤﺎع وﻋﻠ اﻟﻨﻔ اﻻﺘﻤﺎﻋﻲ،ط1، دار اﻟﻓﺎء ﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺒﺎﻋﺔ واﻟﻨﺸ ، اﻻﻜﻨرﺔ ، ،2013ص488

[5] ﻋﺯﺓ ﺨﻠﻴل، ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ، ﻨﻅﺭﺓ ﻋﺎﻤﺔ، ﻁ1، ﻤﺭﻜﺯ ﺍﻟﺒﺤﻭﺙ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﻭﺍﻹﻓﺭﻴﻘﻴﺔ2006 ﺍﻟﻘﺎﻫﺭﺓ،،ﺹ27

[6]  ﻤﺼﻁﻔﻰ ﺒﻭﺠﻌﺒﻭﻁ ﻭﺁﺨﺭﻭﻥ، ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻁﻥ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ، ﺩﺭﺍﺴﺔ ﻓﻲ ﻤﺘﻐﻴﺭﺍﺕ ﺍﻹﺴﺘﻘﺭﺍﺭ ﻭﺍﻟﻼﺇﺴﺘﻘﺭﺍﺭ ﻟﻸﻨﻅﻤﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺔ، ﺍﻟﻁﺒﻌﺔ01، ﺍﻟﻤﺭﻜﺯ ﺍﻟﺩﻴﻤﻭﻗﺭﺍﻁﻲ ﻟﻠﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺍﻹﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ، ﺒﺭﻟﻴﻥ، ﺃﻟﻤﺎﻨﻴﺎ،2019، ﺹ27.

 

[7]ﺃﻨﺘﻭﻨﻲﻏﺩﻨﺯ،ﻋﻠﻡﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻉ،ﺘﺭﺠﻤﺔﻭﺘﻘﺩﻴﻡﺍﻝﺩﻜﺘﻭﺭﻓﺎﻴﺯﺍﻝﺼﻴﺎﻍ،ﺍﻝﻁﺒﻌﺔﺍﻝﺭﺍﺒﻌﺔ،ﺍﻝﻤﻨﻅﻤﺔﺍﻝﻌﺭﺒﻴﺔللترجمة،ﺒﻴﺭﻭﺕ،2001.ﺹ748

[8]ﺭﺒﻴﻊ ﻭﻫﺒﺔ ﻭﺁﺨﺭﻭﻥ، ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻁﻥ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ)ﻤﺼﺭ، ﺍﻟﻤﻐﺭﺏ، ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﺍﻟﺒﺤﺭﻴﻥ، ﺍﻟﻁﺒﻌﺔ01، ﻤﺭﻜﺯﻤﺅﺴﺴﺔ ﺍﻟﻭﺤﺩﺓ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ، ﺒﻴﺭﻭﺕ،2011، ﺹ14.

 

[9] عبد الناﺼﺭ ﺠﺎﺒﻲ،ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﺎﺕالدولة ﻭالمجتمع، ﺒﺩﻭﻥ ﻁﺒﻌﺔ، ﺩﺍﺭ ﺍﻝﻘﺼﺒﺔ ﻝﻠﻨﺸﺭ1998.ﺹ83

 

[10] ﺍﻟﺸﻭﺒﻜﻲ ﻋﻤﺭ ﻭﺁﺨﺭﻭﻥ،ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻻﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻭﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻁﻥ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ،)ﻤﺼﺭ، ﺍﻟﻤﻐﺭﺏ، ﻟﺒﻨﺎﻥ،ﺍﻟﺒﺤﺭﻴﻥ(، ﻤﺭﻜﺯ ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺍﻟﻭﺤﺩﺓ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ، ﻁ1، ﻟﺒﻨﺎﻥ2011، ﺹ151

 

[11] ..( تامر خرمة ،الحركات الاجتماعية في الوطن العربي، ص59

 

[12] زهير بن جنات،حفيظة شقير،وحيد الفرشيشي،علاء مرزوقي،الحركات الاجتماعية الجديدة وتحولات القيادات في مجال حقوق الانسان في تونس، المعهد العربي لحقوق الانسان،2019،ص32-33https://www.academia.edu/43524384/%D8%A7%D9%84%D8%AD

 

[13] زهير بن جنات،حفيظة شقير،وحيد الفرشيشي،علاء مرزوقي،الحركات الاجتماعية الجديدة وتحولات القيادات في مجال حقوق الانسان في تونس، المعهد العربي لحقوق الانسان،2019،ص32-33

https://www.academia.edu/43524384/%D8%A7%D9%84%D8%AD

 

[14] ﻤﺼﻁﻔﻰ ﺒﻭﺠﻌﺒﻭﻁ ﻭ ﺁﺨﺭﻭﻥ، ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻁﻥ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ، ﺩﺭﺍﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺘﻐﻴﺭﺍﺕ ﺍﻹﺴﺘﻘﺭﺍﺭ ﻭﺍﻟﻼﺇﺴﺘﻘﺭﺍﺭﻟﻸﻨﻅﻤﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ، ﻁ1،ﺍﻟﻤﺭﻜﺯ ﺍﻟﺩﻴﻤﻭﻗﺭﺍﻁﻲ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ ﻟﻠﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺍﻹﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ، ﺒﺭﻟﻴﻥ، ﺃﻟﻤﺎﻨﻴﺎ،2019، ﺹ51

 

[15] تامر خرمة،ربيع وهبة ،سلامة كيلة،عبد الرحيم منار السليمي،عمرو الشوبكي،فارس اشتي،لطفي بومغار،محمد العجاتي،نوران سيد أحمد،حبة رؤووف عزت ،، الحركات الاجتماعية في الوطن العربي (مصر، المغرب،لبنان،البحرين،الجزائر،سورية، الاردن)، ،ط2،مركز دراسات الوحدة العربية ،مكتبة مؤمن قريش،بيروت لبنان ،2014،ص12

 

[16] هبة خليل،عمرو اسماعيل،هند أحمد زكي ، محمد جاد،الحركات الاجتماعية متعدية القومية الحالة المصرية،معهد الاصفري في الجامعة الاميركية، بيروت ص25

https://scholarworks.aub.edu.lb/bitstream/handle/10938/21526/17Jan19%20-%20TSM%20Egypt.pdf?sequence=1&isAllowed=y

 

[17] .عبد الرحمان رشيق ، الحركات الاجتماعية والاحتجاج في سياقات انتقالية https://academia-arabia.com/ar/reader/2/138799

[18] زغيم عبد القادر ، الحركات الاجتماعية وآليات التعامل معها من قبل الانظمة السياسية العربية (دراسة مفارنة :الجزائر /تونس)، رسالة دكتوراه في العلوم السياسية تخصص سياسات مقارنة،جامعة الجلفة،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،2018ص37

[19] وفاء على داود : التأصيل النظري لمفهوم الثورة والمفاهيم المرتبطة بها   12 - 10 – 2013-

https://www.sudaress.com/hurriyat/129519

 

[20] هبة خليل،عمرو اسماعيل،هند أحمد زكي ، محمد جاد،الحركات الاجتماعية متعدية القومية الحالة المصرية،معهد الاصفري في الجامعة الاميركية، بيروت ص42

https://scholarworks.aub.edu.lb/bitstream/handle/10938/21526/17Jan19%20-%20TSM%20Egypt.pdf?sequence=1&isAllowed=y

 

[21] مصطفى ﺒﻭﺠﻌﺒﻭﻁ ﻭﺁﺨﺭﻭﻥ، ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻁﻥ ﺍﻟﻌﺭﺒﻲ، ﺩﺭﺍﺴﺔ ﻓﻲ ﻤﺘﻐﻴﺭﺍﺕ ﺍﻹﺴﺘﻘﺭﺍﺭ ﻭﺍﻟﻼﺇﺴﺘﻘﺭﺍﺭﻟﻸﻨﻅﻤﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺔ، ﺍﻟﻁﺒﻌﺔ01، ﺍﻟﻤﺭﻜﺯ ﺍﻟﺩﻴﻤﻭﻗﺭﺍﻁﻲ ﻟﻠﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺍﻹﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ، ﺒﺭﻟﻴﻥ، ﺃﻟﻤﺎنيا2019،ﺹ28

 

 لكيس نور الدين مرجع سابق[22]  

[23]   عزةعبد المحسن خليل الحركات الاجتماعية في العالم العربي19 مايو، 2018 at 12:30 م.

https://ajialpress.com/2018/05/%D8%A7%D

 

[24] بشينة عبد الغني ، الحركات الاجتماعية –الاحتجاجية في الجزائر ،دراسة سوسيولوجية تحليلية –احتجاجات غرداية نموذجا-جامعة الجزائر2،كلية العلوم الانسانية والاجتماعية ،قسم علم الاجتماع، ص35-37

 

[25] رمضاني صورية ،الحركات الاجتماعية مقاربة سوسيولوجية ،مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية ، العدد 24/جوان 2016

 

[26] زهران، مرجع سابق،  ص13—14

 

[27] زهران، مرجع سابق،  ص18-20

 

[28] تامر خرمة وآخرون،الحركات الاجتماعية في الوطن العربي، ص40 

 

[29] ﺩﺍﻭﻱ ﻤﺤﻤﺩ ﺴﻔﻴﺎﻥ، ﺴﻭﺴﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺎ ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻗﺴﻡ ﻋﻠﻡ ﺍﻹﺠﺘﻤﺎﻉ، ﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻭﻡ ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ، ﺠﺎﻤﻌﺔ ﻤﺤﻤﺩﺒﻭﻀﻴﺎﻑ،ﺍﻟﻤﺴﻴﻠﺔ،2019/2020

 

[30] عبد القادر زغيم ، مرجع سابق  ، ص115

[31] عبد القادر زغيم ،مرجع سابق.

 

[32] خالد بن سلطان عبد العزيز أشكال الحركات الاجتماعية ومصادرها ، http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Mnfsia15/SocialMove/sec03.doc_cvt.htm

[33] ﺍﻟﻌﻁﺭﻱ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺭﺤﻴﻡ، ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕ ﺍﻹﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ ﺒﺎﻟﻤﻐﺭﺏ، ﻤﺅﺸﺭﺍﺕ ﺍﻹﺤﺘﻘﺎﻥ ﻭﻤﻘﺩﻤﺎﺕ ﺍﻟﺴﺨﻁ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲ، ﻁ1، ﺩﻓﺎﺘﺭ ﻭﺠﻬﺔ ﻨﻅﺭ، ﺍﻟﺭﺒﺎﻁ، المغرب، ﺹ21

 

[34] خالد بن سلطان عبد العزيز، أشكال الحركات الاجتماعية ومصادرها ، http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Mnfsia15/SocialMove/sec03.doc_cvt.htm

[35] سيد فارس ثقافة الحركات الاجتماعية الجديدة: مقاربات أنثروبولوجية 27 مارس،2023https://www.dohainstitute.org/ar/BooksAndJournals/Pages/the-new-social-movements-anthropological-approaches.aspx

 

[36] تامر خرمة، مرجع سابق، ص12،2014)

 

[37] ﺭﻤﻀﺎﻨﻲ ﺼﻭﺭﺍﻴﺔ، مرجع سابق

 

[38] زيغم عبد القادر ،الحركات الاجتماعية وأليات التعامل من قبل الانظمة السياسية العربية (دراسة مقارنة :الجزائر /تونس) رسالة دكتوراه في العلوم السياسية تخصص سياسات مقارنة ،جامعة زيان عاشور الجلفة،2018 ،ص44-45

 

[39] عمر دراس الحركات الاجتماعية ، الحركات الجمعوية https://journals.openedition.org/insaniyat/8385

 

[40]  الحركات الاجتماعية الجديدة في المغرب الكبير حضور الفعل الاحتجاجي وغياب المشروع السياسي10/01/2019.( https://ftdes.net/ar/%D8%A7%D9%84%

[41] ﺭﻤﻀﺎﻨﻲ ﺼﻭﺭﺍﻴﺔ، مرجع سابق

 

[42] وفاء داود  الاجتماعية: المداخل والنظريات الحوار المتمدن-العدد: 4157 - 2013 / 7 / 18 - 21:55  https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=369068

 

https://query.libretexts.org/%D8%A7%D9%84%D9[43] الحركات الاجتماعية

 

[44] الطيب بوهلال /الاتجاهات الجديدة في الحركات الاجتماعية –مقاربة تحليلية-مجلة أبحاث المجلد 4 العدد2،ديسمبر2019،ص16-45.

 

[45].الحركات الاجتماعية الجديدة في المغرب الكبير حضور الفعل الاحتجاجي وغياب المشروع 2011السياسي10/01/2019https://ftdes.net/ar/%D8%A7%D9%84%

 

[46] الطيب بوهلال /الاتجاهات الجديدة في الحركات الاجتماعية –مقاربة تحليلية-مجلة أبحاث المجلد 4 العدد2،ديسمبر2019،ص16-45.

 

[47] ﺍﻟﻌﻁﺭﻱ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺭﺤﻴﻡ،ﺍﻟﺤﺭﻜﺎﺕﺍﻻﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ ﺒﺎﻟﻤﻐﺭﺏ، ﺩﻓﺎﺘﺭ ﻭﺠﻬﺔ ﺍﻟﻨﻅﺭ،ﺍﻟﻌﺩﺩ14، ﺍﻟﺭﺒﺎﻁ، ﺍﻟﻤﻐﺭﺏ،2007، ﺹ37.

 

[48] رمضاني صورية ،مرجع سليق

[49] جون سكوت،خمسون عاما اجتماعيا أساسيا-المنظرون المعاصرون-ترجمة:محمود محمد حلمي،ط1،الشيكة العربية للابحاث والنشر،بيروت لبنان ،2009،ص139.

 

[50] ددييه لصاوت و حميدة حمومي, «نظرية الحركات الاجتماعية
هياكل، أفعال و تنظيمات: تحليل الاحتجاج الإستشرافي»
Insaniyat / إنسانيات, 8 | 1999, 49-52.

 

[51] زيغم عبد القادر ،الحركات الاجتماعية وأليات التعامل من قبل الانظمة السياسية العربية (دراسة مقارنة :الجزائر /تونس) رسالة دكتوراه في العلوم السياسية تخصص سياسات مقارنة ،جامعة زيان عاشور الجلفة،2018 ،ص44-45

 

[52] محمود خليفة جودة محمد – المركز الديمقراطي العربي28. أبريل 2014 https://democraticac.de/?p=646

 

[53] عزة عبد المحسن خليل الحركات الاجتماعية في العالم العربي19 مايو، 2018  

https://ajialpress.com/2018/05/%D8%A7%D9

https://www.arab-reform.net/ar/publication/%D8%A8%[54]    بعد سبع سنوات من الثورات العربية: الحركات الاجتماعية في مصر وسوريا بين المقاومة والانحسار والتحول

 31مايو 2018

 

[55] سعيد الحسين عبدلي،الحركات الاجتماعية في العالم العربي وسؤال المعنى والمآل : التجربة التونسية مثالا للمقاربة  https://www.academia.edu/20323975/%D8%A7%D9

[56] محمود خليفة جودة محمد – المركز الديمقراطي العربي28. أبريل 2014 https://democraticac.de/?p=646

 

[57] عمر دراس , « تـقـديـم »Insaniyat / إنسانيات [En ligne], 8 | 1999, mis en ligne le 30 novembre 2012, consulté le 27 mars 2024. URL : http://journals.openedition.org/insaniyat/8385 ; DOI : https://doi.org/10.4000/insaniyat.8385

 https://doi.org/10.4000/insaniyat.8385 انسانيات ،المجلة الجزائرية في الانثربولوجيا والعلوم الاجتماعية

 

 

[58] ددييه لصاوت و حميدة حمومي, «نظرية الحركات الاجتماعية
هياكل، أفعال و تنظيمات: تحليل الاحتجاج الإستشرافي»
Insaniyat / إنسانيات, 8 | 1999, 49-52

 

[59]

بعد سبع سنوات من الثورات العربية: الحركات الاجتماعية في مصر وسوريا بين المقاومة والانحسار والتحول31مايو 2018 https://www.arab-reform.net/ar/publication/%D8%A8% /

 

[60] ربيع وهبه الحركات الاجتماعية http://www.hic-mena.org/arabic/spage.php?id=pXE=

 

[61] طوني بينيت ولورانس غروسبيرغ وميغان موريس ،مفاتيح اصطلاحية جديدة ، معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع ،ترجمة:سعيد الغانمي ،ط1،المنظمة العربية للترجمة ،بيروت لبنان،2010،ص288

 

 

 

[62] فريد زهران ،الحركات الاجتماعية الجديدة ،مركز القاهرة لدراسة حقوق الانسان ،2007،ص20

 


مقرر العمل الاجتماعي لطلبة السنة الثانية علم الاجتماع


خـلال العقـود الأخـيرة زاد الاهتمـام بالإحصاء في كـل مرحلـة مـن مراحـل النشـاط البشـري. لم يعـد الإحصـاء يضـم فقط تقنيات جمع البيانات‘ وعرضـها في جـداول و مخططـات بيانيـة، بـل أصـبح علـم يشـمل اسـتنباط الاسـتنتاجات على ضوء البيانات‘ ‘المجمعة حول ظاهرة معينة لاتخـاذ القـرارات المناسـبة في مواجهـة بيئـة عـدم التأكـد (عـدم اليقـين، احتمالية) من هذه الزاوية، منهج الإحصاء نجده يغطي مجالا ً كبـيرا مـن دائـرة البحـث نظـرا لوجـود حـالات عـدم التأكـد في اغلـب الظـواهر الطبيعيـة، الاجتماعيـة، السياسـية..

جامعة محمد خيضر بسكرة

كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية

قسم: العلوم الاجتماعية

الشعبة :..علم الاجتماع المستوى : سنة ثانية علم الاجتماع

السداسي: الثاني

وحدة استكشافية

تسمية المقياس: علم اجتماع الفن

الرصيد : 01 المعامل : 01

طريقة التدريس : ( - تدريس عن بعد

أهداف تدريس المقياس: توضيح ماهية الفن

معرفة أنواع الفنون 

المعارف المسبقة المطلوبة :

*معرفة الفن وقضايا المجتمع

أستاذ  المحاضرة : عبيدة صبطي